جابر حسين العُماني **
أكثر ما ينتظره ويترقبه المواطن عند بداية كل شهر هو راتبه الشهري الذي من خلاله يستطيع العيش بسلام وأمان مع أفراد أسرته، وهو يأمل دائمًا في زيادة هذا الدخل لضمان حياة كريمة يعيشها بعزة وكرامة بلا منة من أحد.
ومن المُؤسف جدًا أن يبقى راتب المواطن على حاله بلا زيادة، بينما مصاريف الحياة تتكاثر وتنمو بشكل غير طبيعي؛ مما يجعل المواطن يعيش حياة مزعجة ومُرهقة لا تطاق، بحيث لا يستطيع التكيف مع تكاليف الحياة.
وغلاء المعيشة واقعٌ صعبٌ يعيشه المواطن العربي، وهو ليس موضوعًا عاديًا ينبغي السكوت عنه، بل لا بد من التَّحرك الجاد والسريع من قبل الحكومات لتحسينه وتطويره بما يضمن للمواطن حياة كريمة، فيستطيع بذلك تلبية احتياجات أسرته ومتطلباتها الحياتية المُختلفة، والتي من أهمها تكاليف فواتير الكهرباء والماء والمدارس والغذاء والعلاج، ولكن يا ترى هل يستطيع المواطن التعايش مع تكاليف باهظة الثمن، وهو يتقاضى راتباً ثابتاً وغلاء المعيشة يتحرك بلا توقف؟
وغلاء المعيشة وإزعاج المواطن بمساوئها، يتطلب من الحكومات العربية والإسلامية العمل الجاد على إيجاد الحلول الجذرية، وذلك من خلال مُراجعة سياسة دفع الرواتب، والتضخم، والاهتمام الكامل بالدعم الحكومي للمواطن، فنحن اليوم نعيش في زمن يتطلب صناعة دول واعية تستمع باحترام وإجلال لصوت الشارع المتمثل في المواطنين الأعزاء، سواء كان ذلك المواطن باحثًا عن العمل أو مسرحًا منه أو لا زال على رأس عمله.
اليوم.. نحن في وقت لا يطلب المواطنون فيه الاستماع إلى الشعارات الرنانة والوعود غير المجدية من المسؤولين وأصحاب المناصب والكراسي، بهدف التطمين لا أكثر؛ بل يطالب المواطنون المسؤولين في الحكومات بالعمل الجاد والحقيقي لتحسين أوضاعهم المعيشية وذلك من خلال زيادة رواتبهم بما يكفيهم ويجعلهم متكيفين مع غلاء المعيشة.
وعندما نتحدث عن أهمية زيادة راتب المواطن، فنحن نتحدث عن خطوات إيجابية واستراتيجية لها الكثير من الآثار المُباشرة والرائعة على المواطن والمجتمع والاقتصاد الوطني، ومن أهم تلك الفوائد ما يلي:
أولًا: تحسين المستوى المعيشي للمواطن بما يجعله قادرا على تلبية احتياجاته اليومية بكل كرامة وعزة وشموخ. ثانيًا: تجنب الديون، فالراتب الذي يكفي المواطن يجعله أقل قرضاً ودينًا. ثالثًا: استطاعة المواطن على الادخار والاستثمار بما يتيح له إقامة المشاريع الصغيرة والكبيرة التي تعود بالنفع عليه وعلى أسرته ومجتمعه ووطنه. رابعًا: استقرار الأسرة واطمئنانها وذلك أن زيادة الدخل تعني الراحة النفسية، بينما ضعف الدخل ينعكس سلباً على الأسرة وأفرادها.وكما أن زيادة الراتب مفيدة على الصعيد الشخصي للفرد، فهي مفيدة أيضًا على الصعيد الاجتماعي، والفوائد في هذا الصعيد جمَّة وكثيرة، ومن أهمها الآتي:
أولًا: تعزيز الإنتاج والانتماء إلى الوطن، وذلك أن المواطن الموظف الذي تبادله الدولة الاحترام والتقدير من خلال منحه راتباً عادلا ومنصفاً، بكل تأكيد سيُعطي وقته وجهده وإخلاصه لتقديم عمل أفضل، مما يعود بالخير على الوطن والمواطنين. ثانيًا: الحد من انتشار الجرائم، فزيادة الدخل من خلال الراتب الشهري تساعد كثيرًا على نفي الفقر عن المجتمع، وكلما اكتفى المواطن ماديًا، قلت لديه فرص التفكير في انزلاقات الانحراف والجريمة. ثالثًا: خفض معدلات الهجرة في الداخل والخارج، وذلك أن المواطن السعيد براتبه المستقر والمرضي لا يحتاج إلى الهجرة من أجل الحصول على فرص عمل أفضل. قال أمير المؤمنين الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام: (اَلْغِنَى فِي اَلْغُرْبَةِ وَطَنٌ وَاَلْفَقْرُ فِي اَلْوَطَنِ غُرْبَةٌ). رابعًا: يستطيع الفرد عند استقرار راتبه وزيادته أن يفكر في المشاريع الخيرية، وأن يسهم في عون المحتاجين في مجتمعه، ويكون من المبادرين في إعانة المشاريع التطوعية التي تدعو لها الدولة.وفوائد زيادة راتب المواطن وتحسين دخله لا تقتصر على النحو الشخصي أو الاجتماعي فحسب، بل تمتد فوائدها على الاقتصاد، فهي تنشط الأسواق المحلية، لذا عندما يكون الدخل أعلى فذلك يعني استهلاكاً أكبر؛ مما يزيد من عملية البيع والشراء، وينعش الاقتصاد ويرفع القوة الشرائية، مما يزيد من أرباح الشركات ويدعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة ويجعلها مشاريع ناجحة ومُوفقة.
وأخيرًا.. عندما يكون الراتب في خطر ولا يتم تحسينه للمواطن، فذلك يعني أن هناك خللًا واضحًا في عمل المسؤولين، وقد يجلب ذلك الخلل استياء المواطنين، ويرفع من نسبة الإحباط والأمراض النفسية والجسدية، ويُضعف جهود تحقيق العدالة الاجتماعية، وهي بحاجة ماسة إلى الدواء الفاعل الذي يرجعها إلى صوابها، فكما تطلب الحكومات من مواطنيها أن يكونوا مواطنين صالحين ومحافظين على وطنهم ومُقدراته، فمن المنطق والعقل والحكمة أيضًا أن تسعى الحكومات في تحسين أوضاع المواطنين وتحسين معاشهم وعدم التَّخلي عنهم، ويكون ذلك بمحاربة الفساد وضربه بيد من حديد، وإصلاح ما فسد من خلال محاسبة الفاسدين، واستبدالهم بالصالحين الأكفاء من أهل الحكمة والدراية والعقل، والعمل الجاد على إرجاع المياه إلى مجاريها، قال تعالى: ﴿إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾ [المائدة: 33]. صدق الله العلي العظيم.
** عضو الجمعية العُمانية للكتاب والأدباء
رابط مختصرالمصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
زيادة الرحلات وتثبيت أسعار التذاكر لدعم "موسم الخريف"
حيدر بن عبدالرضا اللواتي
تتكامل الجهود المشتركة للمؤسسات الرسمية والمجتمع المدني لتوفير المزيد من الاهتمام والنجاح لفعاليات موسم خريف صلالة، التي يحضرها آلاف المواطنين والوافدين، ويؤدي "الطيران العُماني" دورًا مُهمًا في هذه الفعاليات؛ حيث يعزز جدول رحلاته اليومية إلى مطار صلالة الدولي، إضافة إلى توفير البرامج اللازمة لدعم أنشطة المؤسسات التي تقيم تلك الفعاليات.
وتُعد حركة الرحلات الجوية إلى مطار صلالة فرصة لشركات الطيران المحلية؛ سواءً الطيران العُماني أو طيران السلام؛ حيث يُمثل موسم خريف صلالة أجمل الفعاليات السياحية في المنطقة، كما يُسهّل الربط المباشر بين مطاري مسقط وصلالة الدوليين وصول السياح والزوار بسرعة ويسر؛ سواءً خلال موسم خريف صلالة أو على مدار العام.
اقتصاديًا.. ينتج عن مثل هذا الحدث العديد من النتائج الإيجابية، بما في ذلك زيادة عائدات السياحة لشركات الطيران ومن بينها الطيران العُماني، إضافة إلى تنشيط قطاع الفنادق والسياحة والقطاعات المتعلقة بالضيافة والترفيه. كما يخلق فرص عمل مُؤقتة ودائمة في خدمات النقل والتجزئة والسياحة، والتي يجب على المواطنين استغلالها في المقام الأول، إضافة إلى دعم الأنشطة التجارية المحلية وتطوير البنية التحتية للمنطقة. على المستوى الاجتماعي، تعزز أنشطة خريف صلالة الهوية الثقافية وتروج للوعي بالتراث المحلي من خلال الفعاليات وأنشطة المهرجانات. فهي تقوي العلاقات بين المجتمع المحلي والزوار، وتعزز التفاهم والتبادل الثقافي، بينما تزيد أيضًا من الوعي بأهمية الحفاظ على البيئة والتراث الطبيعي خلال الموسم.
وعلى الرغم من هذه الإيجابيات، فمن المُستحسَن النظر في السلبيات الناتجة عن مثل هذه الأنشطة، اقتصاديًا واجتماعيا؛ فزيادة عدد الزوار تضع أحيانًا ضغطًا على البنية التحتية والخدمات؛ مما يُؤدي إلى تكاليف إضافية للجهات الحكومية، وفي ارتفاع الأسعار والخدمات خلال الموسم، إضافة إلى الآثار البيئية السلبية.
وتولي الجهات المعنية وشركة الطيران العُماني اهتمامًا بهذه الجوانب من خلال نشر تقارير ورسائل مختلفة حول إيجابيات وسلبيات موسم خريف صلالة. وخلال موسم كهذا، نجد العديد من الزوار من مواقع مختلفة؛ مما يُعزز التفاعل الثقافي بين السكان المحليين والسياح، ويوسع آفاق التفاهم والتسامح بينهم. ولكن نحن بحاجة إلى استدامة السياحة إلى محافظة ظفار على مدار العام من خلال تحفيز الحركة الجوية إلى مطار صلالة وربطه دوليًا. وهناك عدد قليل من الرحلات الجوية المباشرة من وإلى المطارات الأجنبية؛ مما يقلل من جاذبيتها للمسافرين الدوليين.
ولا تزال مُحافظة ظفار بحاجة إلى المزيد من التسهيلات والعروض التسويقية والترويجية السياحية على المستوى الخليجي والعربي والدولي، إضافة إلى العمل على خفض تكاليف تشغيل الرحلات الجوية إلى مطار صلالة بحيث تكون في متناول الجميع. ويتطلب الأمر خفض تكاليف الفنادق والإقامة وتعزيز البرامج الترويجية والتسويقية وتنظيم حملات ترويجية سنوية، والتفاوض مع شركات الطيران الدولية والإقليمية لتوفير رحلات مباشرة إلى المحافظة، مع تحسين الربط بين المطارات والوجهات السياحية.
كما يتطلب الأمر تحفيز شركات الطيران وتقديم تسهيلات مالية لتمكينها من خفض رسوم استخدام المطار لجذبها، إلى جانب تسهيل إجراءات السفر. ويمكن أن يؤدي اتباع هذه الإجراءات إلى زيادة الطلب على الرحلات الجوية إلى مطار صلالة، مما يعزز دوره كمركز رئيسي للسفر والسياحة في المنطقة.
ونؤكد أنَّ الطيران العُماني يؤدي دورًا مؤثرًا في دعم السياحة إلى محافظة ظفار من خلال زيادة عدد الرحلات الجوية وتوفير أسعار تنافسية للمسافرين، إضافة إلى تعزيز الربط الجوي مع مختلف الوجهات، مع دعم السياحة الإقليمية. وقد أعلن الطيران العُماني عن زيادة طاقته التشغيلية خلال موسم خريف ظفار اعتبارًا من الأول من يوليو من العام الجاري عبر تسيير 12 رحلة يومية بين مسقط وظفار؛ الأمر الذي يعطي الفرصة للسياح والزائرين بزيارة محافظة ظفار على مدار العام بمحلات "الترانزيت" التي يمكن أن تعزز من النمو، وتسهم في التعريف بالسياحة العُمانية، وبسلطنة عُمان كمقصد للسياحة الدائمة.
ومن هذا المنطلق فقد تم خفض أسعار الطيران العُماني خلال فترة الخريف لتصبح 54 ريالًا عُمانيًّا للكبار و36 ريالًا عُمانيًّا للأطفال و10 ريالات عُمانية للرضع، على أن يتم إصدارها من منافذ البيع والموقع الإلكتروني الخاص بشركة الطيران العُماني.
رابط مختصر