في غابات أميركا الوسطى والجنوبية، تعيش فراشات شفافة الجناحين تعرف بـ"الفراشات الزجاجية"، تبدو للعين غير مميزة عن بعضها بعضا، إلا أن فريقا بحثيا كشف أنها تمتلك قدرة فريدة تساعدها على تمييز بعضها عن بعض عبر الرائحة، مما يمكنها من التزاوج الصحيح وتجنب الانقراض.

وفي دراسة جديدة نشرت يوم 28 يوليو/تموز في مجلة "بي إن إيه إس"، أعاد باحثون رسم شجرة أنساب الفراشات الزجاجية التي تنتمي إلى مجموعتي "ميكانيتيس" و"ميلينيا"، واكتشفوا 6 أنواع جديدة كانت مصنفة سابقا كأنواع فرعية فقط.

أتاحت النتائج للعلماء فهما أعمق حول نجاح بعض الفراشات دون غيرها في التكيف السريع والانتشار عبر موائل جديدة.

الفراشات الزجاجية تتشابه في الشكل واللون (بيكسابي)شفرة وراثية تكشف ما لا تراه العين

توضح المؤلفة الرئيسية للدراسة إيفا فان دير هايدن -باحثة الدكتوراه في علم الحيوان في معهد سانجر في المملكة المتحدة- أنه رغم أن الفراشات الزجاجية تتشابه في الشكل واللون، الذي يساعدها على خداع الطيور المفترسة بأن جميعها سامة، فإن هذا التشابه يجعل من الصعب تمييز الأنواع المختلفة، سواء بالعين المجردة أو حتى بالعدسة المكبرة.

ولفك هذا اللغز، قام الفريق البحثي بتسلسل الشفرة الوراثية لحوالي 400 نوع من هذه الفراشات، وحددوا 10 جينومات مرجعية متاحة الآن مجانا للباحثين في أنحاء العالم، وهو ما يسهل رصد الأنواع ودراستها ميدانيا.

وتقول فان دير هايدن في تصريحات للجزيرة نت: "كانت الفراشات الزجاجية موضوعا مهما للبحث منذ أكثر من 150 عاما، ولكن لم تكن لدينا أدوات وراثية كافية لتمييز الأنواع بدقة".

وتضيف: "الآن، ومع توفر جينومات مرجعية وتحديث شجرة الأنساب، أصبح بالإمكان تتبع هذه الفراشات وفهم تطورها بشكل أعمق، مما يعزز جهود حماية التنوع البيولوجي حول العالم".

ومن بين أبرز ما كشفته الدراسة أن الفراشات من النوع نفسه تفرز روائح (فيرومونات) مميزة تساعدها على تمييز بعضها عن بعض رغم التشابه الخارجي، وتؤدي هذه القدرة دورا محوريا في تحديد شريك التزاوج المناسب.

إعلان

وتشير الباحثة إلى أنه رغم أن هذه الفراشات تتشارك في الألوان والنقوش التي تحذر الطيور من افتراسها، فإن الفيرومونات التي تفرزها كل فصيلة تختلف عن الأخرى، مما يسمح لها بالتعرف على شركائها داخل النوع نفسه. هذا الاكتشاف يفتح أمامنا أبوابا جديدة لفهم كيفية تعايش هذه الكائنات المتقاربة وراثيا في مواطن مشتركة.

أحد أكثر الجوانب إثارة في الدراسة هو اكتشاف تباين كبير في عدد الكروموسومات بين الأنواع المختلفة (بيكسابي)تباين في الكروموسومات

كان أحد أكثر الجوانب إثارة في الدراسة هو اكتشاف تباين كبير في عدد الكروموسومات بين الأنواع المختلفة، إذ يتراوح بين 13 و28 كروموسوما، مقارنة بـ31 كروموسوما في معظم أنواع الفراشات الأخرى.

وتكمن أهمية هذا التفاوت -بحسب الباحثة- في أنه يؤثر بشكل مباشر على قدرة الفراشات على التكاثر، فإذا تزاوج فردان من أنواع ذات ترتيب كروموسومي مختلف، فإن نسلهم غالبا ما يكون عقيما، وبالتالي، فإن الفراشات طورت استخدام الفيرومونات كوسيلة لتمييز الشريك القادر على إنتاج ذرية خصبة.

وترى فان دير هايدن أن هذه الآلية البيولوجية ربما تفسر لماذا تشهد الفراشات الزجاجية ظهور عدد كبير من الأنواع في وقت قصير، وتقول: "عندما يتغير عدد الكروموسومات في مجموعة معينة، فإنها تنعزل تلقائيا عن باقي المجموعات، وتبدأ في تطوير سمات جديدة، مما يمنحها قدرة أسرع على التكيف مع بيئات مختلفة مثل التغيرات في الارتفاع أو أنواع النباتات".

وتلفت المؤلفة الرئيسية للدراسة إلى أن أهمية هذا الاكتشاف لا تقتصر على تصنيف الفراشات فقط، بل تمتد لتشمل مجالات أوسع مثل مراقبة التنوع البيولوجي، وفهم كيفية استجابة الأنواع الحية لتغير المناخ، وربما تطبيقات مستقبلية في الزراعة ومكافحة الآفات.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات دراسات

إقرأ أيضاً:

المملكة تعزز أمنها الأحيائي البحري بجهود علمية لحماية الاقتصاد الأزرق

تواصل المملكة العربية السعودية جهودها لحماية النظم البيئية البحرية وضمان أمن الاقتصاد البحري “الاقتصاد الأزرق”، الذي يُنتظر أن يُسهم بما يقارب 22 مليار ريال ويوفّر نحو 100 ألف فرصة عمل بحلول عام 2030.

 

وفي ظل هذا التوجه الطموح تبرز التحديات البيئية، وعلى رأسها تهديد الأنواع البحرية الغازية التي تنتقل إلى البيئات الجديدة عبر حركة الشحن أو أنشطة الاستزراع السمكي؛ مما يُشكّل ضغطًا متزايدًا على النظم البيئية الساحلية، وقد يؤدي إلى خسائر اقتصادية تُقدّر بعشرات المليارات عالميًّا سنويًّا.

 

وللتصدي لهذا التحدي البيئي؛ شرعت جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية (كاوست) بالتعاون مع المركز الوطني لتنمية الحياة الفطرية في تنفيذ مشروع علمي يُعنى برصد هذه الأنواع وتحليل مخاطرها؛ بهدف بناء قاعدة بيانات معرفية تُسهم في تحصين السواحل السعودية وتعزيز استدامة مواردها البيئية والاقتصادية.
وأكد الرئيس التنفيذي للمركز الوطني لتنمية الحياة الفطرية الدكتور محمد قربان, أن الأنواع البحرية الغازية تُشكّل خطرًا بيئيًّا واقتصاديًّا متزايدًا، مبينًا أن حماية النظم البيئية البحرية أصبحت ضرورة ملحّة، لا سيما في ظل توسّع قطاعات حيوية مثل السياحة الساحلية، والاستزراع السمكي، والبنية التحتية المرتبطة بالبحر.

اقرأ أيضاًالمملكةأمير منطقة القصيم يترأس اجتماع مجلس أمناء صندوق القصيم الوقفي

 

وأشار إلى أن الشراكة البحثية مع كاوست تدعم قدرات المملكة في التعامل مع هذه التهديدات من خلال تطوير أدوات تقييم علمي، ونماذج مخاطر، وأنظمة إنذار مبكر، تُسهم في استباق التحديات البيئية، وتعزيز الأمن الأحيائي البحري.
ويُنفّذ الباحثون ضمن هذا التعاون مسوحات بيئية في 34 موقعًا على سواحل البحر الأحمر والخليج العربي، نتج عنها جمع أكثر من 10 آلاف عينة بحرية، حُدد من خلالها نحو 200 نوع يُحتمل أن يكون غازيًا، منها أكثر من 70 نوعًا غير محلي رُصد فعليًّا في المياه السعودية، وهو ما يعكس مدى تنوع التهديدات البحرية وضرورة التصدي لها بأساليب علمية متقدمة.
وتقود الفريق البحثي الدكتورة سوزانا كارفالو، التي أوضحت أن المشروع يُمثّل خريطة معرفية شاملة للتنوع البيولوجي في البيئات الساحلية، إذ تُسجّل كل كائن حي بحسب زمان ومكان وجوده؛ مما يتيح تطوير برامج رصد ومراقبة دقيقة، ويُمهّد لتأسيس أنظمة فعالة للإنذار المبكر والاستجابة السريعة عند رصد أي تغيّرات بيئية ناتجة عن الكائنات الغازية.
وفي إطار تأهيل الكوادر الوطنية شارك عدد من منسوبي المركز الوطني لتنمية الحياة الفطرية في ورشة عمل تخصصية نظمتها كاوست في مايو الماضي، تناولت بروتوكولات تقييم مخاطر الأنواع الغازية، وأثرها على البيئة والصحة العامة والصناعات البحرية، إلى جانب التدريب على تقنيات متقدمة مثل تحليل الحمض النووي البيئي (eDNA)، الذي يُعد من الأدوات الحديثة في الكشف المبكر والدقيق عن هذه الأنواع.
من جهته أوضح مدير إدارة المحافظة على البيئة البحرية بالمركز عبدالناصر قطب، أن المشروع يستند إلى نهج علمي مزدوج يجمع بين البحث الميداني والتقنيات الحيوية المتقدمة، بما يُعزز قدرة المملكة على التعامل مع التحديات البيئية المستجدة.
وأشار إلى أن الأنواع البحرية الغازية تُشكّل تهديدًا حقيقيًّا للتنوّع البيولوجي والمصايد والبنية التحتية الساحلية، الأمر الذي يستدعي تطوير آليات وطنية فعّالة للاستجابة السريعة، وبناء كوادر مدرّبة تملك الأدوات اللازمة للتصدي لهذه الأخطار.

 

ويُجسّد هذا التعاون نموذجًا تكامليًّا بين المؤسسات البحثية والجهات البيئية الوطنية، لتعزيز المعرفة العلمية بالبيئة البحرية في المملكة، وتطوير سياسات مستدامة تُسهم في حماية التنوع الأحيائي، وضمان استمرارية النمو في قطاعات الاقتصاد الأزرق.

مقالات مشابهة

  • هل تثق الجماهير بالعلماء ودورهم؟ دراسة جديدة تجيب
  • المملكة تعزز أمنها الأحيائي البحري بجهود علمية لحماية الاقتصاد الأزرق
  • وفاة المؤرخ الكوردي الكبير عبد الحميد حيرت سجادي
  • أمن غزة يدعو الأهالي لليقظة والحذر بعد اكتشاف وسيلة تجسس جديدة (شاهد الصورة)
  • الدولة تنهض بزراعة القصب| استنباط أنواع جديدة من الشتلات.. وتغيير أنماط الزراعة التقليدية
  • قرار بحظر استيراد بعض أنواع الحيوانات من تركيا
  • ما هي أنواع الجراثيم التي تُسبّب التسمّم الغذائي وأعراض كل منها؟
  • جزر أبوظبي.. ملاذ آمن للطيور المهاجرة في الصيف
  • الجنايني: فوز الزمالك على سيراميكا بداية مطمئنة وتجربة إدارية فريدة