لطالما ارتُكبت المجازر أمام عدسات الكاميرات لتُنسى سريعًا مع تقلب الأخبار، لكن صانعي السينما اختاروا أن يقفوا بأعمالهم لا كأدوات توثيق فحسب، بل كشهود أخلاقيين وفنيين على مأساة متواصلة. وفي قلب هذه الصورة، تقف فلسطين بجراحها المفتوحة، حاضرة في أفلام وثائقية ودرامية تجسد الألم كجزء يومي من الحياة الفلسطينية.

من غزة المحاصرة إلى القرى المدمرة منذ النكبة، مرورًا بمجازر "الرصاص المصبوب" ومسيرات العودة، لا تكتفي الكاميرا برصد القتل، بل تلتقط إحساس الفقدان، وتحفر في ذاكرة جمعية تُروى من الداخل بعيون الناجين، لا بخطاب المؤسسات.

اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2ساهم في فوز فيلم بالأوسكار.. فيديو فلسطيني وثق مقتله على يد مستوطنlist 2 of 2انطلاقة قوية لفيلم الرعب "ويبنز" في أميركا بإيرادات بلغت 42.5 مليون دولارend of list

يستعرض هذا التقرير مجموعة من الأفلام الفلسطينية التي لا تكتفي بالبكاء على الضحايا، بل تضعهم في قلب السرد كأصحاب رواية لا شهودا صامتين، أعمال لا تستجدي التعاطف، بل تدين الصمت وتفضح التجاهل وتصر على أن الحقيقة تملك وجها وصوتا وذاكرة.

الجنازات بوصفها روتينا يوميا

الفيلم الوثائقي "غزة" إخراج غاري كين وأندرو ماكونيل، عرض العمل للمرة الأولى في مهرجان صندانس السينمائي الدولي، وهو نتاج تعاون بين صانعين أيرلنديين وفلسطينيين، إذ مَثّل أيرلندا رسميا في سباق الأوسكار لأفضل فيلم وثائقي عام 2020.

يشير العمل بالبنان إلى تفاصيل الحياة اليومية تحت الحصار حيث يعيش أهل غزة بين الأمل والموت بأسلوب بصري يعتمد على اللقطات الهادئة من مسافة بعيدة، لتسليط الضوء على الرتابة المرعبة للمأساة، مؤكدا أن المجزرة الحقيقية ليست فقط في لحظة القتل، بل في الحياة المعلقة والكرامة المنتهكة.

وهو ما يقدم من خلال تصوير إنساني يبرز التناقض الصارخ بين من يسعون للعيش وأولئك الذين يلفظون أنفاسهم الأخيرة دون تجميل أو مبالغة أو لغة احتجاجية مشحونة. يجري ذلك عبر استعراض بورتريهات إنسانية لأشخاص عاديين تتشابك حكاياتهم بشكل عاطفي متقاطع، يكشف لنا غزة كجغرافيا يومية مفعمة بالأسى في حين يتخلل السرد لقطات أرشيفية لحروب سابقة تؤكد تكرار الكارثة عبر الزمن.

غزة تقاتل من أجل الحرية

"غزة تقاتل من أجل الحرية" (Gaza Fights for Freedom) فيلم وثائقي آخر يؤكد أن المجازر ليست استثناء. صدر العمل في 2019، وتعاونت خلاله الصحافية الأميركية آبي مارتن مع فريق فلسطيني لتقديمه رغم منعها من دخول القطاع، حيث أصبحت الكاميرا أداة مواجهة لا تقل جرأة عن أصوات المتظاهرين.

إعلان

يركز العمل على مسيرات العودة الكبرى التي انطلقت في مارس/آذار 2018، حين خرج آلاف الفلسطينيين بشكل سلمي إلى حدود غزة مطالبين بكسر الحصار وحق العودة، قبل أن يرصد مواجهة قوات الاحتلال تلك المسيرات بالقنص المباشر واستهداف فئات محمية بموجب القانون الدولي، مما أسفر عن مئات الشهداء وآلاف الجرحى.

كذلك يعرض الفيلم شهادات الناجين وأهالي الضحايا، ويلتقط لحظات مرعبة وحصرية من أرض الميدان، بما في ذلك صور حقيقية لعمليات قنص عن بعد، واستهداف مباشر للمدنيين غير المسلحين تم تصويرها من زوايا قريبة.

ورغم أن المخرجة ناشطة أميركية، فإن العمل يظهر الفلسطينيين بوصفهم أصحاب حق ورواية، وليسوا مجرد ضحايا، متخليا عن نمط الراوي الغربي الذي عادة ما يغفل السياق أو يجرم الضحية.

دموع غزة والواقعية الصارخة

العمل الوثائقي الأخير ضمن القائمة هو الفيلم النرويجي الفلسطيني "دموع غزة" (Tears of Gaza)، وهو شهادة صادمة ومباشرة على المجزرة الواسعة التي تعرض لها المدنيون في قطاع غزة خلال حرب 2008-2009 المعروفة باسم "عملية الرصاص المصبوب".

تم تصوير الفيلم بكاميرات محلية ولقطات واقعية أعيد تركيبها بالاستخدام الذكي للمونتاج والموسيقى وضمها إلى شهادات مؤثرة لثلاث نساء ناجيات، مما جعل الفيلم يبدو كعمل فني رفيع، لا مجرد مادة أرشيفية.

اختار صانعو الفيلم تقديم لقطات ميدانية صادمة، وألقوا الضوء على أحداث مأساوية من بينها استخدام القنابل المحرمة دوليا ومجزرة حي الزيتون، وقصف المدارس التابعة للأونروا.

لكن ما جعل العمل مختلفا هو عدم تضمنه أي تعليقات صوتية سياسية، تاركا المساحة الكاملة للمتفرج ليكوّن حكمه الإنساني بنفسه، في إطار من الواقعية الصارخة التي جعلت العمل أقرب إلى شهادة بصرية ضد الحرب.

الملصق الدعائي للفيلم الوثائقي "دموع غزة" (حساب آي إم دي بي على إنستغرام)الجنة الآن وتناقض النفس الفلسطينية

بالانتقال للأفلام الدرامية، نأتي على ذكر فيلم "الجنة الآن" (Paradise Now) للكاتب والمخرج هاني أبو أسعد، وهو العمل الذي لاقى استحسانا عالميا حتى إنه ترشح للأوسكار وفاز بجائزة غولدن غلوب وجائزة النقاد في مهرجان برلين.

وبالمقارنة مع الأعمال السابقة بالقائمة، قد لا يكون الفيلم يعرض موتا جماعيا أمام الكاميرا، إلا أن المجزرة حاضرة في الحوار والمكان وكحالة اجتماعية مزمنة تدفع الشباب نحو قرارات مأساوية.

يقدم فيلم "الجنة الآن" معالجة معقدة للصراع النفسي الذي يعيشه الفلسطيني تحت الاحتلال، حيث تتقاطع السياسة مع الوجود الشخصي، إذ يستعرض رحلة شابين نحو قرار شائك ومصيري يتعلق بالقيام بإحدى العمليات الفدائية، متتبعا حالة الشك التي تنتابهما والتأمل في معاني مثل الحياة والموت والأمل واليأس، الأمر الذي يطرحه المخرج بوصفه فعلا أخلاقيا أكثر من كونه سياسيا.

فرحة بين الحلم والنكبة

فيلم "فرحة"، وهو دراما تاريخية تستند إلى قصة حقيقية جرت خلال نكبة 1984، تروي الحكاية فتاة فلسطينية مراهقة تطمح إلى إكمال تعليمها وسط عالم على وشك أن يمحى بالكامل، لكن حياتها تتحول إلى كابوس بين عشية وضحاها حين تشهد مجزرة وحشية إثر اقتحام القوات الصهيونية القرية الفلسطينية التي تسكنها.

فيلم "فرحة"، دراما تاريخية تستند إلى قصة حقيقية جرت خلال نكبة 1984 (حساب آي إم دي بي على إنستغرام)

اعتمدت المخرجة دارين سلام في فيلم "فرحة" على سرد شخصي لمراهقة تواجه عنف النكبة من زاوية معزولة وصامتة عبر استخدام الضوء الشاحب والفراغ الصوتي والكادرات الضيقة لنقل شعور بالحصار النفسي والذعر، مما يجعل التجربة أكثر قربا من مأساة فردية ذات صدى جمعي، ورغم أن صوت الضحية يكاد يكون مكتوما، فإن الكاميرا تمنحه حضورا هادرا.

إعلان

يذكر أن الفيلم تعرض إلى هجوم واسع من الإعلام الإسرائيلي حين عرض على منصة نتفليكس، قبل أن تعقب المخرجة مؤكدة أن الفيلم مبني على شهادة حقيقية وأنه ليس أكثر فظاعة من المجازر التي أرختها الوقائع، مثل دير ياسين وصفورية والطنطورة.

تجمع الأفلام السابقة بين الوثيقة والشهادة، وبين الجماليات السينمائية والصرخة الإنسانية، معيدة تعريف معنى أن تكون الضحية لكنك في الوقت نفسه مرئيا ومسموعا وممثلا بكامل إنسانيتك.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات دراسات

إقرأ أيضاً:

عودة الثنائيات.. هل تبحث السينما المصرية عن وصفة للنجاح المضمون؟

تشهد السينما المصرية خلال الفترة المقبلة عودة لافتة لمفهوم البطولة الثنائية، إذ تستعد دور العرض لاستقبال مجموعة من الأفلام التي تجمع بين نجمين اعتاد كل منهما الظهور منفردا في بطولات مطلقة. هذا التوجه الجديد يثير تساؤلات حول دوافعه: هل هو رهان تجاري لضمان جذب أكبر عدد من المشاهدين، أم محاولة فنية لتقديم تجارب مغايرة تعيد الحيوية والإثارة إلى شباك التذاكر المصري؟

سيطرة الأكشن

يستعد النجمان أحمد عز وكريم عبد العزيز للعودة مجددا إلى الشاشة في عمل مشترك، بعد النجاح اللافت الذي حققاه معا في فيلم "كيرة والجن" عام 2022.

اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2قائمة أفضل 25 فيلما مصريا في الربع الأول من القرن الـ21list 2 of 2سينما الجائحة.. كيف عكست الأفلام تجربة كورونا على الشاشة؟end of list

في الفيلم الجديد، يجسد أحمد عز شخصية ضابط في الإنتربول يدخل في تحالف متوتر مع أحد أفراد عصابة غامضة تُعرف باسم "الكلاب السبعة"، بهدف مواجهة انتشار نوع جديد وخطير من المخدرات في الشرق الأوسط، لتبدأ بعدها سلسلة من الأحداث المعقدة والمطاردات المثيرة.

الفيلم من إخراج بلال فلاح وعادل العربي، وينتمي إلى فئة أفلام الأكشن الضخمة بميزانية إنتاج تقارب 40 مليون دولار، ويشارك في بطولته كل من منة شلبي، وتارا عماد، وهنا الزاهد، وناصر القصبي، مع ظهور خاص لعدد من النجوم العالميين، أبرزهم النجم الهندي سلمان خان والممثلة الإيطالية مونيكا بيلوتشي.

كما يشارك أحمد عز في عمل آخر يقوم على البطولة الثنائية، من خلال فيلم "فرقة الموت"، الذي يتقاسم بطولته مع الفنان آسر ياسين، إذ يجسد ياسين شخصية خط الصعيد الخارج عن القانون، بينما يؤدي عز دور ضابط مكلّف بملاحقته وإلقاء القبض عليه.

الفيلم من تأليف صلاح الجهيني وإخراج أحمد علاء الديب، ويشارك في بطولته منة شلبي ومحمود حميدة وبيومي فؤاد وعصام عمر وخالد كمال.

ثنائيات كوميدية

إلى جانب أفلام الأكشن، تستعد السينما المصرية لطرح عدد من الأعمال الكوميدية التي تراهن على البطولة الثنائية، من أبرزها فيلم "صقر وكناريا" الذي يجمع بين محمد عادل إمام وشيكو، بمشاركة يسرا اللوزي، ويارا السكري، وانتصار، ومن تأليف أيمن الوتار وإخراج حسين المنباوي.

إعلان

تدور أحداث الفيلم في إطار كوميدي ممزوج بالإثارة حول شاب يقع في حب مصممة أزياء، لتقوده المواقف الكوميدية إلى مغامرات مليئة بالمفاجآت.

الناقد السينمائي إيهاب التركي أوضح -في تصريح للجزيرة نت- أن الاعتماد على البطولات الثنائية يمثل وصفة إنتاجية ناجحة، مشيرا إلى أن التعاون بين نجمين يخفف من حدة المنافسة الفردية داخل العمل، ويضاعف فرص النجاح التجاري والفني بفضل الجماهيرية المشتركة. وأضاف أن وجود أكثر من نجم في عمل واحد يمنح الفيلم انطباعا بالقوة والضخامة الإنتاجية، لكنه شدد على أن العامل الأهم يظل في جودة القصة وأداء الممثلين.

أما الناقدة أمنية عادل، فترى أن الجيل الجديد من الفنانين بات يعتمد بشكل أكبر على هذا النوع من الثنائيات، كما في فيلم "سيكو سيكو" لعصام عمر وطه دسوقي، و"الحريفة" لنور النبوي وكزبرة، مؤكدة أن الجمهور أصبح يميل إلى هذه الصيغة التفاعلية من الكوميديا، وهو ما يدفع الجيل الأقدم إلى مواكبة الذوق العام وتقديم تجارب مشابهة تصب في مصلحة تطور السينما المصرية.

الملصق الدعائي لفيلم "الحريفة 2: الريمونتادا" (الجزيرة)

وأضافت الناقدة المصرية أن فكرة الثنائيات السينمائية ليست جديدة على السينما المصرية، بل كانت حاضرة بقوة عبر عقود طويلة، وحققت كثير من الأعمال القائمة عليها نجاحات لافتة جماهيريا ونقديا. غير أن الصناعة -كما تقول- عانت في فترات سابقة من هيمنة مفهوم "النجم الأوحد"، حيث كان بطل العمل يسيطر على المشهد، مما جعل مشاركة أكثر من نجم تثير تساؤلات جانبية حول ترتيب الأسماء على الأفيش والتتر، أو حول مساحة كل دور، وهي أمور "خارج جوهر الإبداع السينمائي"، على حد تعبيرها.

واستشهدت بمثال محمد سعد الذي قدّم نقلة نوعية في مسيرته من خلال فيلم "الكنز"، إذ برع في أداء مختلف عن الأدوار الكوميدية التقليدية التي عرفه بها الجمهور في أعمال مثل "اللمبي" و"كركر" و"كتكوت".

وأوضحت أن الاتجاه إلى الثنائيات اليوم أكثر نضجا وذكاء، فهو يمنح العمل توازنا فنيا ويزيد من جاذبيته الجماهيرية، لافتة إلى أن بعض النجوم أصبحوا يفضلون التعاون بدلا من الانفراد بالبطولة، لما لذلك من أثر إيجابي على تنوع الأدوار وعمق الأداء.

وترى أن هذه الصيغة أكثر عدلا أيضا من إدراج بعض الفنانين تحت مسمى "ضيف شرف" رغم مشاركتهم في خطوط درامية متكاملة. فالثنائيات -حسب عادل- تمثل عامل جذب قويا للمشاهد، سواء في فيلم "الكلاب السبعة" الذي يجمع أسماء كبيرة تضمن له نجاحا مسبقا، أو في "صقر وكناريا" الذي يجمع بين محمد عادل إمام وشيكو في توليفة مرحة، وكذلك آسر ياسين في "فرقة الموت"، الذي وصفته بأنه "فنان ذكي يعرف كيف يوظف موهبته لتقديم أدوار متنوعة، بعيدا عن حجم الدور أو عدد مشاهده.

مقالات مشابهة

  • حدود السحب اليومي من ماكينات الصراف الآلي وتطبيق إنستاباي.. بعد خفض الفائدة
  • كوب القهوة اليومي.. فوائد لا تخلو من المخاطر
  • ميك والاس يتساءل حول الدعم الأوروبي للمشروع الصهيوني رغم المجازر المستمرة في غزة
  • البنك الأهلي المصري يخفض سعر الفائدة 1% على حساب «الأهلي اليومي»
  • عودة الثنائيات.. هل تبحث السينما المصرية عن وصفة للنجاح المضمون؟
  • صانع المدن .. الموت يغيب آخر رئيس وزراء في عهد البشير
  • الدفاع السورية: تحركات الجيش جاءت بعد الاعتداءات المتكررة لقوات "قسد"
  • أبرز الإنجازات العالمية التي تحققت للقضية الفلسطينية بعد عامين من الإبادة
  • المُسنَّة أم حسن شاهدة على فظائع عامين من حرب غزة
  • العصابات الصهيونية.. تاريخ من المجازر والمذابح ضد الشعب الفلسطيني