غزة- على الرصيف المقابل لصيدليته التي أقامها بين المناطق المدمرة في مدينة غزة، يجلس الدكتور محمد منصور بجانب طفله الذي يعرض قطعا من الحلويات والمقرمشات للبيع.

على مدار 30 عاما من امتهان الصيدلة، لم يمر على الدكتور محمد أسوأ من هذه الأيام التي فرغت فيها صيدليته من الأدوية بسبب منع قوات الاحتلال الإسرائيلي دخولها إلى قطاع غزة، ولم يعد قادرا على توفير الأدوية التي يتكرر طلبها من مسكنات ومضادات حيوية وتلك المخصصة للأمراض المزمنة.

يوما بعد آخر يزداد الحال سوءا على جميع الفئات في القطاع، مما دفع محمد إلى البحث عن مصدر دخل بديل لطفله وافتتاح "بسطة".

أرفف صيدلية الدكتور محمد فارغة بسبب منع الاحتلال إدخال الأدوية (الجزيرة)غزة بلا أدوية

خلال الحرب على غزة دمر جيش الاحتلال الصيدلية التي كان يعمل بها الدكتور محمد، وفقد مصدر دخله على غرار المئات من الصيادلة بعدما طال التدمير معظم صيدليات محافظات القطاع. فلجأ إلى تجميع بعض الأدوية التي كانت متوفرة، وأنشأ "كشكا" كصيدلية بديلة لاستكمال مهمته في بيعها.

مع اشتداد الحصار الإسرائيلي على غزة وإغلاق جميع المعابر منذ مطلع مارس/آذار الماضي، بدأت تشح الأدوية شيئا فشيئا، وطرأ ارتفاع على أسعارها تجاوز 300%، وثمن بعض الأصناف فاق ذلك بكثير. ولم تعد الأدوية المطلوبة للمرضى بشكل يومي متاحة، لا سيما المخصصة لتسكين الآلام وعلاج الالتهابات، والأمراض المزمنة.

يقول منصور إن شح الأدوية زاد من معاناة السكان في قطاع غزة، و"لم نعد نجد ما يسكن آلام المرضى، وتصلنا حالات تعاني من التهابات حادة ولا تتوفر المضادات الحيوية لمداواتها، بينما تردت الحالة الصحية لأصحاب الأمراض المزمنة الذين اعتادوا الحصول على أدويتهم بشكل منتظم ودون انقطاع".

يصعب عليه الحال الذي أوصلته إليه الحرب "البشعة" وأجبرته أن يجلس بجانب طفله لمساعدته في بيع القليل مما يعرض، ويتردد عليه المارة الذين بات معروفا بينهم ليسألوه "بكم هذا يا دكتور؟".

الاحتلال دمر معظم صيدليات غزة واضطر أصحابها لإقامة أكشاك بديلة (الجزيرة)سابقة خطيرة

"كنت في صيدليتي أقدم للمرضى الأدوية التي يحتاجونها، ونوفر لهم ما يساعدهم على الشفاء، ولكن اليوم أصبحنا في الشارع واستبدلنا الأدوية ببعض قطع الحلوى"، يقول الدكتور محمد الذي يشعر بغصة بعدما اضطر زملاؤه لعرض ما تبقى لديهم من أدوية على "بسطة" في الأسواق العامة بعدما دمر جيش الاحتلال صيدلياتهم.

إعلان

ويخشى من استمرار منع دخول الأدوية لأكثر من مليوني فلسطيني في غزة، مما يهدد حياة الآلاف منهم خاصة المصابين بأمراض مزمنة والبالغ عددهم 350 ألفا. ويستغرب من الصمت المطبق على الحال الذي يصعب وصفه عندما لا يجد من يتألم مسكّنا يخفف عنه أوجاعه، وذلك في سابقة لم تمر عليه على مدار العقود الخمسة التي عاشها في القطاع.

وحذرت وزارة الصحة بغزة من أن الأوضاع الصحية والإنسانية وصلت إلى مستويات كارثية مع استمرار منع الاحتلال إدخال الإمدادات الطبية الطارئة، وانهيار معدلات الأدوية والمستهلكات الطبية الذي انعكس بشكل كبير على مجمل الخدمات التخصصية خاصة مرضى السرطان والقلب.

وأوضحت الوزارة في بيان لها أن 47% من قائمة الأدوية الأساسية، و65% من المستهلكات الطبية رصيدها صفر.

وعبّرت عن خشيتها من حدوث انتكاسات خطيرة تهدد حياة المرضى المزمنين لغياب المتابعة الطبية وعدم توفر الأدوية، مشددة على أن استمرار العدوان الإسرائيلي يعني انهيار ما تبقى من خدمات صحية في القطاع.

آمال

ودفع التجويع الدكتور محمد أن يذهب إلى مصيدة الموت في منفذ زيكيم شمالي غزة بحثا عن الطعام لأبنائه، ويقول "لم أتخيل يوما أن يصل بنا الحال بالذهاب إلى الموت بأنفسنا، ولكن الحرب لم تبق لنا شيئا لنأكله، وحينما وصلت هناك شاهدت أهوالا من التدافع على المساعدات حتى الموت، وحالة من القتل العشوائي الذي يمارسه الجيش الإسرائيلي ضد المجوعين".

وغابت عن أرفف الصيدلية المكملات الغذائية التي كانت مخصصة لمرضى سوء التغذية والحوامل، حيث إن 650 ألف طفل، و60 ألف حامل معرضون للخطر بسبب سوء التغذية، حسب آخر إحصائية صادرة عن وزارة الصحة في غزة.

ويأمل الدكتور محمد أن تضع الحرب أوزارها، ويعود لبناء صيدليته الخاصة ويوفر جميع الأدوية للمرضى، وأن تختفي مشاهد التجويع التي أنهكت جسده كما بقية الفلسطينيين في غزة.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات دراسات الدکتور محمد

إقرأ أيضاً:

"الإعلامي الحكومي" يكشف زيف مزاعم الاحتلال حول التجويع في غزة

غزة - صفا

نشر المكتب الإعلامي الحكومي يوم الثلاثاء، بيانًا ردّ فيه على ما صدر عن منسق أعمال حكومة الاحتلال الإسرائيلي، مؤكداً أن البيان لم يكن سوى محاولة بائسة للتغطية على جريمة التجويع الممنهجة التي يتعرض لها أكثر من 2.4 مليون مواطن في قطاع غزة، والتي تُعتبر انتهاكاً صارخاً لاتفاقيات جنيف والقانون الدولي الإنساني.

وأوضح البيان الذي وصل وكالة "صفا"، أن جميع المنظمات الدولية والهيئات الأممية، منها برنامج الغذاء العالمي ومنظمة الصحة العالمية، وثّقت مستويات متقدمة من المجاعة وسوء التغذية في القطاع، مع سقوط مئات الشهداء، بينهم عشرات الأطفال، نتيجة الحصار والإغلاق الكامل للمعابر ومنع دخول الغذاء والدواء.

ونفى المكتب الإعلامي، مزاعم الاحتلال بأن بعض الوفيات كانت لأشخاص يعانون أمراضًا مزمنة، مشددًا على أن القانون الدولي يفرض على الاحتلال توفير الغذاء والدواء لجميع المدنيين، وأن حرمانهم منه يُعد مسؤولية كاملة على الاحتلال.

وأكد دقة الأرقام الفلسطينية الرسمية التي توضح ارتفاع الوفيات جراء الجوع مع تفاقم الحصار، حيث ارتفع العدد إلى 168 وفاة منذ تشديد الحصار ومنع دخول المواد الأساسية في مارس 2025.

كما سلّط البيان الضوء على جرائم الاحتلال الموثقة، منها تدمير المزارع، وقصف مزارع الأبقار والدواجن، واستهداف مراكز توزيع الغذاء، واعتقال واحتجاز قوافل الإغاثة، إلى جانب الاعترافات العلنية لمسؤولين في حكومة الاحتلال الذين أعلنوا قطع كافة الإمدادات عن غزة.

وأشار المكتب الإعلامي الحكومي، إلى استمرار منع إدخال أكثر من 430 صنفاً غذائياً، رغم بعض التنازلات المحدودة تحت الضغوط الدولية، بالإضافة إلى حظر دخول الصحفيين لتغطية الأوضاع، مما يعكس محاولات الاحتلال إخفاء الحقائق وتضليل الرأي العام الدولي.

وأكد أن سياسة الاحتلال تستخدم الغذاء كسلاح حرب لقتل المدنيين ببطء عبر التجويع والحصار، مشددًا على ضرورة تدخل المجتمع الدولي بشكل عاجل لوقف هذه الجرائم ومحاسبة مرتكبيها أمام العدالة الدولية.

مقالات مشابهة

  • الأورومتوسطي لوزراء خارجية أوروبيين: اضغطوا على إسرائيل لإنهاء جريمة التجويع بغزة
  • "الداخلية بغزة": الاحتلال يواصل هندسة التجويع وعرقلة وصول المساعدات الإنسانية لغزة
  • أنس الشريف.. الصوت الذي أزعج الاحتلال
  • “الإعلامي الحكومي” بغزة يعلن “أرقاما صادمة” ناجمة عن سياسة التجويع الإسرائيلية
  • الصحة العالمية: الوضع الصحي في غزة بلغ حدا كارثيا.. ونفاد أكثر من نصف الأدوية الأساسية
  • محمد قريقع مراسل الجزيرة الذي اغتاله الاحتلال
  • "الإعلامي الحكومي" يكشف زيف مزاعم الاحتلال حول التجويع في غزة
  • الحاج أبو محمد… بائع الأمل الذي تحدى الحرب بابتسامة
  • ما هو مرض الدكتور علي المصيلحي الذي تسبب في وفاته؟