15 غشت، 2025

بغداد/المسلة: تبدو قمة ترامب وبوتين في ألاسكا أكثر من مجرد لقاء بروتوكولي، فهي مشهد سياسي مكثف يرسم ملامح مرحلة جديدة في معادلة الحرب الأوكرانية، ويعيد خلط الأوراق على رقعة الشطرنج الدولية.

ويأتي اللقاء في توقيت بالغ الحساسية، إذ تواصل روسيا تعزيز مكاسبها الميدانية، فيما يسعى البيت الأبيض لإظهار قدرته على فرض مسار تفاوضي لا يقصي كييف ولا يثير قلق الحلفاء الأوروبيين.

وفي خلفية الصورة، تلوح هواجس من أن يتحول الحوار إلى صفقة ثنائية تعيد إلى الأذهان هلسنكي 2018، حين بدا ترامب أقرب إلى لغة الكرملين من تقارير استخباراته.

ويحمل اختيار ألاسكا بعدًا رمزيًا لا يغيب عن المتابعين، فهي الأرض التي انتقلت من السيادة الروسية إلى الأميركية في القرن التاسع عشر، كما أن قاعدة إلمندورف ريتشاردسون تحتفظ بإرث الحرب الباردة، يوم كانت واشنطن وموسكو تتواجهان عبر سباق التسلح والاستقطاب الأيديولوجي.

وفي هذه الرمزية ما يكفي ليُقرأ اللقاء كإعادة تموضع أو اختبار إرادات في جغرافيا تجمع بين التاريخ والاستراتيجية.

ويبدو ترامب وهو يدخل هذه القمة محمّلًا بوعود انتخابية وخطاب شعبوي صريح بأنه قادر على إنهاء الحرب في 24 ساعة، لكن اختبار الميدان السياسي يفرض عليه معادلة أكثر تعقيدًا.

فهو يريد وقف إطلاق النار سريعًا، لكنه يواجه صلابة بوتين الذي يدرك أن أي تسوية في هذا التوقيت قد تُقرأ كتنازل، بينما يحاول استثمار التفوق العسكري لتثبيت مكاسب دائمة.

وفي المقابل، يُبدي زيلينسكي وحلفاؤه قلقًا واضحًا من أن تكون واشنطن بصدد تمرير حل يجمّد النزاع ويمنح موسكو اعترافًا بالأمر الواقع.

ويحاول ترامب تهدئة هذه المخاوف بتصريحات تؤكد أنه لن يتفاوض باسم أوكرانيا، بل سيدفع الأطراف إلى الجلوس على الطاولة.

غير أن التجربة التاريخية تذكر بأن التعهدات العلنية لا تمنع صفقات الغرف المغلقة، وأن السياسة الخارجية الأميركية، خصوصًا في ملفات معقدة مثل أوكرانيا، كثيرًا ما تخضع لمساومات تتجاوز الشعارات المعلنة.

وفي السياق ذاته، تبدو لغة الاحترام المتبادل بين ترامب وبوتين مزدوجة المعنى: فهي مؤشر على إمكانية بناء أرضية مشتركة، لكنها أيضًا قد تثير مخاوف العواصم الأوروبية من أن الثمن سيكون على حساب جبهة الغرب الموحدة.

ويظل الاحتمال الأكثر ترجيحًا أن القمة، مهما طالت، لن تسفر عن اختراق حاسم، بل ستكون جزءًا من مسار دبلوماسي أطول، حيث يستمر تبادل الأسرى وتبقى خطوط النار مفتوحة بانتظار تغيرات أوسع في موازين القوى.

ومع أن مسرح ألاسكا يمنح اللقاء هالة استثنائية، إلا أن قواعد اللعبة في الصراع الأوكراني ما زالت تُكتب في الخنادق أكثر مما تُكتب على الطاولات المستديرة.

 

 

 

 

المسلة – متابعة – وكالات

النص الذي يتضمن اسم الكاتب او الجهة او الوكالة، لايعبّر بالضرورة عن وجهة نظر المسلة، والمصدر هو المسؤول عن المحتوى. ومسؤولية المسلة هو في نقل الأخبار بحيادية، والدفاع عن حرية الرأي بأعلى مستوياتها.

About Post Author Admin

See author's posts

المصدر: المسلة

إقرأ أيضاً:

ترامب وبوتين ومستقبل أوكرانيا

كثيرا ما يُشار إلى اتفاقية ميونيخ في عام 1938 كرمز للفشل في الوقوف بوجه الاستبداد. قمة ترامب- بوتين في ألاسكا يوم الجمعة تشبه قمة ميونيخ في جانب محدد. لم تكن الحكومة التشيكية ممثلة في طاولة المفاوضات عندما وافق كل من هتلر (زعيم ألمانيا) وتشامبرلين (رئيس وزراء بريطانيا) وموسوليني (زعيم إيطاليا) ودلادييه (رئيس وزراء فرنسا) على تقسيم تشيكيا.

الرئيس الأوكراني حسب المعلومات الراهنة لن يكون حاضرا عندما يناقش الزعيمان الروسي والأمريكي مصير حدود بلاده. وكما يُقال «إذا لم تكن عند الطاولة (مائدة الطعام) فأنت إذن في قائمة الطعام».

حديث دونالد ترامب الفضفاض عن «تبادل الأراضي» أيضا يقرع أجراس الإنذار في أوكرانيا وحول أوروبا. فالخشية هي أن يتلاعب بوتين الحازم والدقيق في التفاصيل بترامب المغرور والغامض بكل سهولة.

أسوأ سيناريو بالنسبة للأوكرانيين والأوروبيين هو خروجُ ترامب وبوتين من الاجتماع باتفاق حول «تبادل الأراضي» والذي سيعني في الواقع تنازل أوكرانيا عن أجزاء كبيرة من أراضيها بصفة دائمة لروسيا.

ربما هدف بوتين هو الوصول إلى صفقة مع ترامب يتم تقديمها إلى أوكرانيا كشيء مفروغ منه. وكما ذكر اليكسندر غابويف الباحث بمركز كارنيجي لروسيا وأوراسيا نوع الاتفاق الذي يريده بوتين سيجعل أوكرانيا بلدا «لا يمكن الدفاع عنه ويتعذر الاستثمار فيه ويتخذ مسارا يقوده إلى الانهيار». وإذا رفضت أوكرانيا الاتفاق سيأمل الروس حينها في وقف الولايات المتحدة دعمها لكييف.

هذه سيناريوهات محتملة. لكن الأوكرانيين وداعميهم الأوروبيين يؤمنون أيضا بإمكانية تحقيق نتيجة أفضل. النتيجة الجيدة من وجهة نظرهم هي الاتفاق على وقف إطلاق النار مع التهديد بفرض عقوبات ثانوية على روسيا إذا استأنفت موسكو الحرب. وإجراء المحادثات حول الأراضي بعد ذلك فقط.

وسط تسارع الدبلوماسية واحتدام المشاعر هنالك خطر أن تفقد أوكرانيا وأوروبا رؤيتها الاستراتيجية لما تريد أن تتوصل إليه وما يمكن تحقيقه.

لا يمكن التنبؤ بمسار الحرب، لكن التحليلات الأكثر إقناعا التي رأيتها هي أن أوكرانيا تخسر ببطء مع اشتداد مشكلة القوة البشرية على خط الجبهة. ذلك يعني أن الانهيار التام للمحادثات واستمرار الحرب ربما سيكونان أفضل لروسيا من أوكرانيا.

رفض أوكرانيا التنازل عن أي أراضٍ موقف مبدئي. لكنه أيضا غير واقعي حسب الوضع الآن. والتمييز الحاسم في أهميته هو بين التنازل الفعلي (تنازل الأمر الواقع) والتنازل القانوني عن الأراضي.

يحق لأوكرانيا والاتحاد الأوروبي وبريطانيا عدم «الاعتراف القانوني» بضم روسيا لأراضٍ أوكرانية بالقوة. لكن قد يكون من الضروري الاعتراف الفعلي بالاحتلال الروسي لبعض الأراضي كواقع قاسٍ في سياق اتفاق سلام أوسع نطاقا.

ضمُّ الاتحادِ السوفييتي لدول البلطيق بعد عام 1940 لم يُعترف به أبدا بواسطة الولايات المتحدة ومعظم البلدان الأوروبية. ولكنه ظل حقيقة من حقائق الحياة إلى أن استعادت دول البلطيق استقلالها في نهاية المطاف.

عند التفكير بشكل أوسع نطاقا حول مستقبل أوكرانيا تدرك الحكومات الأوروبية الرئيسية أن الجدل لا يمكن أن يدور حول الأراضي فقط على الرغم من أهمية ذلك.

اقترح رئيس فنلندا اليكساندر ستاب، وهو لاعب مؤثر في الجهود الدبلوماسية الحالية، إطارا مفيدا للتفكير المستقبل ومستَمدَّا من تجربة بلده بعد خوضها حربين مع روسيا في أربعينيات القرن الماضي.

معاهدات السلام التي تم التوصل إليها في النهاية اشتملت على تنازل فنلندا عن حوالي 10% من أراضيها. كما اُجبِرَت فنلندا ما بعد الحرب أيضا على البقاء كدولة محايدة لتجنب استعداء موسكو. لكن، وهذا أمر بالغ الأهمية، احتفظت فنلندا باستقلالها القانوني وديمقراطيتها.

لقد مكَّنَها ذلك من التحول إلى بلد مزدهر وحرٍّ وناجح. ويشير الرئيس الفنلندي ستاب إلى أن ضمان مستقبل أوكرانيا يشتمل على التفكير حول ثلاث قضايا هي الاستقلال والسيادة والأراضي.

يعني استخدام ذلك الإطار وتجربة فنلندا أن أوكرانيا لا يلزمها تحقيق أهدافها كاملة (بنسبة 100%) في كل هذه المجالات الثلاثة لكي تخرج من هذه الحرب بمستقبل إيجابي. فإذا استطاعت أوكرانيا الحفاظ على استقلالها وديمقراطيتها قد يكون حينها تقديمُ بعض التنازلات عن أراضٍ «من باب الأمر الواقع» مؤلما ، ولكنه مقبول.

أيضا موضوع السيادة بالغ الأهمية. لقد طالبت روسيا بقيود بالغة الشدة على حرية كييف في رسم مسارها بما في ذلك فرض حدود على حجم وقدرات القوات المسلحة الأوكرانية وأيضا حظر انتساب (عضوية) أوكرانيا للناتو وربما الاتحاد الأوروبي.

من الواضح أن أوكرانيا لا يمكنها القبول بأية قيود عسكرية قد تضر بقدرتها على الدفاع عن نفسها. لكن إذا سُمِح لكييف بالسعي قُدُما لنيل عضوية الاتحاد الأوروبي يمكن حينها سحب موضوع الناتو من الطاولة لبعض الوقت، خصوصا والواقع السياسي يقول إن عضوية أوكرانيا في حلف الناتو تبدو غير واقعية في المستقبل المنظور.

ثمة خطر واضح في قمة ألاسكا وهو أن بوتين فكَّر عميقا في كل هذه المسائل لبعض الوقت. أما ترامب فكما هي الحال دائما سيكون أكثر اهتماما بادِّعَاء الانتصار من التفكير في التفاصيل المملَّة للاتفاق.

لكن أي اتفاق في ألاسكا سيكون غالبا بداية لعملية وليس نهايتها. ويعلم الأوكرانيون والأوروبيون إنهم بحاجة إلى إرضاء ترامب واتِّباع استراتيجية تحتاج إلى وقت. هذا ليس خيارا عظيما، لكنه أفضل ما لديهم.

جيديون راكمان كبير معلقي الشؤون الخارجية بصحيفة الفاينانشال تايمز

مقالات مشابهة

  • قمة ألاسكا| مواجهة أمريكية روسية على حافة إعادة رسم خريطة العالم
  • ترامب يلتقي بوتين في ألاسكا لبحث إنهاء حرب أوكرانيا
  • ترامب: أولويتي القصوى بقمة ألاسكا ستكون وقف إطلاق النار في أوكرانيا
  • ترامب عن قمة ألاسكا: ليس من مسؤوليتي إبرام صفقة مع بوتين
  • ترامب وبوتين يلتقيان في ألاسكا وسط مخاوف أوروبية من تسوية تُفرض على أوكرانيا
  • قمة ألاسكا.. ما المساحة التي تسيطر عليها روسيا في أوكرانيا ؟
  • ترامب: أعتقد أن بوتين لديه رغبة بإبرام اتفاق لإنهاء الحرب في أوكرانيا
  • ترامب وبوتين ومستقبل أوكرانيا
  • البيت الأبيض: تفاؤل إزاء اللقاء المرتقب بين ترامب وبوتين في ألاسكا