القضية ليست غزة.. بل إسرائيل الكبرى
تاريخ النشر: 17th, August 2025 GMT
برهنت تصريحات رئيس الوزراء الإسرائيلي الأخيرة عن كونه في مهمة روحية تاريخية لتنفيذ إسرائيل الكبرى من النيل إلى الفرات، لتشمل الأردن وأجزاء من خمس دول عربية هي مصر وسوريا ولبنان والعراق والسعودية، على حقيقة الأطماع التوسعية للدولة الإسرائيلية، المستندة إلى دعم أمريكي غير مشروط لتحقيق تلك الأطماع، وإلى تغاض غربي ودعم مستمر لتؤدي دورها في كونها خنجرا مسموما في قلب المنطقة العربية، يمنع أية مبادرة للاستقلال الحقيقي والتنمية الذاتية بها.
ولعل ذلك يدفع الصهاينة العرب إلى التنبه إلى أن القضية الأساسية لدولة الاحتلال ليست طوفان الأقصى، أو احتلال غزة والضفة الغربية، بل أطماعها التوسعية التي تشمل ست دول عربية بخلاف فلسطين، حيث تعتقد أن الأردن جزء أساسي من إسرائيل وكذلك سيناء.
وكالعادة، لم تجد التصريحات الإسرائيلية من العرب وحتى الدول المستهدفة بالأطماع التوسعية سوى بيانات الشجب والتنديد، ولم تقم أي منها بأي إجراء عملي لوقف التعاون السياسي والدبلوماسي والاقتصادي والتجاري بل والعسكري، في دلالة واضحة على أن تلك الأنظمة يهمها استقرار عروشها أولا ولو كان ذلك على حساب الأمن القومي لبلدانها.
ولم تكن ردود فعل دول الجوار العربية مفاجئة، فالدول التي لم تتحرك مع مسلسل الإبادة المستمر لما يقرب من 22 شهرا لغزة التي تمثل خط دفاع أول عن أمنها القومي، لا يُرجى منها موقف جاد أو فعال بعد أن نسقت من البداية مع دولة الاحتلال لسرعة القضاء على المقاومة، ومنعت إدخال المساعدات لأطفال غزة الجوعى، ومنعت قوافل الإغاثة والمساندة من الاقتراب من حدود غزة، وتصدت للطائرات الإيرانية المسيّرة والصواريخ المتجهة إلى إسرائيل، وسخّرت موانئها لخدمة السفن الإسرائيلية لإيصال العتاد الحربي للكيان، وواصلت إمداد العدو بما يحتاجه من أغذية في نفس الوقت الذي تمارس فيه إسرائيل عمليات التجويع لسكان غزة، وواصلت وارداتها السلعية من إسرائيل لتساهم في علاج الميزان التجاري الإسرائيلي المصاب بالعجز المزمن.
شواهد متعددة تاريخية للأطماع التوسعية
فهي دول متآمرة مهما ادعت خلاف ذلك، رغم أن وزارات خارجيتها متخمة بالوثائق التاريخية التي تتناول مخططات إسرائيل الكبرى منذ عقود طويلة، وأقسام التاريخ في كلياتها الجامعية وجمعياتها التاريخية ومراكزها البحثية عامرة بالكتابات والتصريحات المتعلقة بتنفيذ الحلم التوراتي من النيل إلى الفرات، بل إن رجل الشارع العربي يدرك تلك الحقائق من خلال مظاهر متعددة واضحة للجميع، منها وجود خريطة على ملابس الجنود الإسرائيليين تتضمن الحدود من النيل إلى الفرات، وحتى علم الدولة في أعلاه وأسفله خطان عريضان باللون الأزرق، كإشارة إلى نهري النيل والفرات كحدود للبلاد، ووسط العلم نجمة داود كرمز لدولة الملك داود التي تمثل أقصى حدود وصل إليها أسلاف اليهود.
وها هي العملة المعدنية الإسرائيلية "الياغورا" منقوش عليها خريطة إسرائيل الكبرى، كما أشارت تصريحات كبار المسؤولين الإسرائيلية ومنهم سموتريتش منذ عام 2016 لإسرائيل الكبرى، كما تحدث رئيس الوزراء الإسرائيلي نفسه عن خريطة الشرق الأوسط الجديد علانية أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في أيلول/ سبتمبر 2023، والتي خلت من وجود دولة فلسطينية.
كذلك التصرفات العملية، كقانون يهودية الدولة والتوسع في المستوطنات وقرار الكنيست الأخير بتبعية الضفة الغربية لإسرائيل، والمستوطنات الجديدة التي أعلن عنها سموتريتش مؤخرا لفصل الضفة الغربية عن القدس، وجعل إقامة الدولة الفلسطنية أمرا متعذرا من حيث الجغرافيا.
استبعاد التعويل على الحكام العرب
وهكذا، فإن التعويل على أي تحرك عملي للحكام العرب مهما فعلت إسرائيل هو أمر مستبعد تماما، فقد اتفقوا مع دولة الاحتلال على أن تقوم إسرائيل بالإجراءات العملية التي تسلب حقوق الفلسطينيين، وعلى أن يقوموا هم بإصدار بيانات الشجب والإدانة، مثلما فعلوا مع اعتراف الولايات المتحدة بالقدس عاصمة لإسرائيل ونقل السفارة الأمريكية للقدس، ومثلما فعلوا مؤخرا بإصدار بيان من وزراء خارجية 31 دولة إسلامية وعربية لإدانة تصريح رئيس الوزراء الإسرائيلي عن سعيه لإقامة إسرائيل الكبرى.
فإذا كانت قرارات القمم العربية والإسلامية التي حضرها بعضها رؤساء وملوك لـ57 دولة أعضاء في منظمة التعاون الإسلامي، والتي قررت إدخال المساعدات لسكان غزة، قد تحولت جميعها إلى مجرد حبر على ورق، فما بالنا بمصير قرارات وزراء الخارجية، والتي لم تكتف ببيانات الإدانة والشجب بل سعت لتحقيق أهداف الاحتلال من خلال مؤتمر نيويورك في تموز/ يوليو الماضي بالدعوة لنزع سلاح المقاومة؟
كما تضغط دول عربية حاليا على الحكومة اللبنانية لنزع سلاح حزب الله، تنفيذا للمطلب الإسرائيلي الأمريكي الأوروبي بذلك، رغم استمرار إسرائيل في احتلال أراض لبنانية، ومثلما تمكنت من قبل من تحييد المقاومة العراقية عن مهاجمة الكيان الإسرائيلي، ومثلما تتآمر لمنع الحوثيين من التمكن من مهاجمة إسرائيل، ومثلما وقفت موقف المتفرج عند مهاجمة إسرائيل للمفاعلات النووية الإيرانية.
وما ينطبق على اليأس الواقعي من أي تحرك جاد من الأنظمة العربية، ينطبق على مواقف الدول الأوروبية التي تتفق مع الدول العربية على التمويه على الشعوب ببعض المواقف الجزئية، لإتاحة أكبر فرصة لدولة الاحتلال لتنفيذ مخططاتها بالقضاء على المقاومة وتهجير شعب غزة. وعلينا أن نكون واثقين من أن الحكام العرب لن يسمحوا للمقاومة بالانتصار مهما كلفهم ذلك من جهد وتكلفة، لأن ذلك يعريهم ويفضحهم ويكشف زيف ادعاءاتهم بقوة إسرائيل، ويؤكد ضعف جيوشهم المخصصة لمواجهة شعوبهم. وهو ما يتفق معهم فيه حكام الدول الأوروبية، فالجميع كاره للإسلام وقيمه مهما تصنّعوا وادعوا غير ذلك في تصريحاتهم الدبلوماسية، ولعل في ضغطهم لتغيير المقررات الدراسية ومنع أي شيء يتعلق باليهود خير دليل.
الأمل في تحرك الشعوب العربية
لذا يصبح الأمل والرجاء في مواقف الشعوب العربية والإسلامية، وأن تؤمن تلك الشعوب بإمكاناتها وقدراتها وتتخطى حالة التردد والخوف، من خلال المقاطعة الاقتصادية لسلع الدول والشركات المساندة لإسرائيل وعلى رأسها الولايات المتحدة، والضغط على الحكام لإدخال المساعدات لسكان غزة. وها هي الفعاليات التي جرت حول عدد من السفارات المصرية في الخارج، قد تسببت في إدخال السلطات المصرية قدرا من المساعدات لسكان غزة، في مشهد نسف كل دعاوى منع دولة الاحتلال دخول المساعدات منذ أيار/ مايو من العام الماضي.
ولعل القمة العربية للشعوب التي عُقدت منتصف الشهر الحالي هي إحدى الفعاليات المترجمة لذلك، حيث حددت مطالب الشعوب فيما يخص حرب غزة، والتي تختلف كلية عما يرد في تصريحات الرسميين من القادة العرب، على أن تعقبها إجراءات عملية مستمرة يتم ابتكارها من قبل النشطاء والجمهور، كتحديد الشركات المساندة لدولة الاحتلال، وأشهر منتجات الدول المساندة لإسرائيل الرائجة في الأسواق العربية، وغير ذلك من الأدوار التي تساهم في دفع تلك الشركات والدول إلى إعادة النظر في مواقفها إذا أحست بتضرر مصالحها.
وكذلك فضح ممارسات مؤسسة غزة الإنسانية ومصائد الموت التي تنفذها يوميا، ومطالبة الدول التي تلقي ببعض المساعدات جوّا بتحويلها إلى النقل البري الأقل تكلفة والأقل ضررا والأكثر نفعا، والمطالبة بوقف الحرب؛ حيث يتجه الجيش الإسرائيلي حاليا للانتقام العنيف من المدنيين خلال عملياته لاحتلال كامل غزة، بعد فشل عملياته الحربية السابقة على مدار الشهور السابقة، ولعل عمليات التدمير العنيفة التي تمت في حي الزيتون قبل أيام خير شاهد.
وهذا إلى جانب السعي بكافة الوسائل المتاحة لتوصيل العون الغذائي والدوائي لسكان غزة، في ظل منع سلطات الاحتلال الكثير من شاحنات المساعدات لأسباب شكلية، وتسليط أعوانها لنهب قدر كبير من الشاحنات التي يتم السماح لها بالدخول، والتصريحات الشكلية للرئيس الأمريكي منذ أسابيع عن وجود مجاعة بغزة، ووعوده بالتدخل في شكل جديد؛ وهو ما لم يتم معه أي إجراء عملي، في دلالة واضحة على مساندته العملية للتجويع والتدمير والإبادة.
x.com/mamdouh_alwaly
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات قضايا وآراء كاريكاتير بورتريه الإسرائيلي عربية غزة إسرائيل غزة عرب مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة رياضة سياسة سياسة سياسة رياضة سياسة اقتصاد سياسة اقتصاد رياضة صحافة قضايا وآراء أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة إسرائیل الکبرى دولة الاحتلال لسکان غزة على أن
إقرأ أيضاً:
وزير الخارجية يُدين التصريحات الإسرائيلية حول "إسرائيل الكبرى"
مسقط- العُمانية
أدان معالي السّيد بدر بن حمد البوسعيدي وزير الخارجية- في بيان مشترك صادر عن وزراء خارجية 30 دولة عربية وإسلامية والأمناء العامين لكل من جامعة الدول العربية، ومنظمة التَّعاون الإسلامي، ومجلس التعاون لدول الخليج العربية- بأشدّ العبارات التصريحات التي أدلى بها بنيامين نتنياهو رئيس وزراء إسرائيل (القوة القائمة بالاحتلال)، والتي نقلتها وسائل الإعلام الإسرائيلية بشأن ما يُسمى بـ "إسرائيل الكبرى"، والتي تمثّل استهانة بالغة وافتئاتًا صارخًا وخطيرًا لقواعد القانون الدولي، ولأسس العلاقات الدولية المستقرة، وتشكل تهديدًا مباشرًا للأمن القومي العربي ولسيادة الدول، والأمن والسلم الإقليمي والدولي.
وشددوا على أنَّه في الوقت الذي تؤكد فيه الدول العربية والإسلامية احترامها للشرعية الدولية وميثاق الأمم المتحدة، ولا سيما المادة المتعلقة برفض استخدام القوة أو التهديد بها، فإن الدول العربية والإسلامية سوف تتخذ كافة السياسات والإجراءات التي تُؤطر للسلام وتكرسه، بما يحقق مصالح جميع الدول والشعوب في الأمن والاستقرار والتنمية، بعيدًا عن أوهام السيطرة وفرض سطوة القوة.
وأدانوا بأشدّ العبارات موافقة الوزير الإسرائيلي المتطرف بتسلئيل سموتريتش على خطة الاستيطان في منطقة "E1"، وتصريحاته العنصرية المتطرفة الرافضة لإقامة الدولة الفلسطينية، والذي يعد انتهاكًا صارخًا للقانون الدولي، واعتداءً سافرًا على حق الشعب الفلسطيني غير القابل للتصرف في تجسيد دولته المستقلة ذات السيادة على خطوط الرابع من يونيو عام 1967، وعاصمتها القدس المحتلة، مشددين على أن لا سيادة لإسرائيل على الأرض الفلسطينية المحتلة.
وأكدوا رفضهم المطلق وإدانتهم لهذه الخطة الاستيطانية ولكافة الإجراءات الإسرائيلية غير القانونية، التي تشكل خرقًا فاضحًا للقانون الدولي ولقرارات مجلس الأمن، وعلى وجه الخصوص القرار 2334، الذي يدين جميع الأنشطة الاستيطانية الإسرائيلية الرامية إلى تغيير التكوين الديموغرافي، والطابع والوضع القانوني للأرض الفلسطينية المحتلة منذ عام 1967، بما فيها القدس الشرقية، عاصمة دولة فلسطين. كما أكدوا على الرأي الاستشاري الصادر عن محكمة العدل الدولية، الذي شدَّد على عدم قانونية الاحتلال الإسرائيلي للأرض الفلسطينية، وضرورة إنهائه فورًا، وإزالة آثاره والتعويض عن أضراره.
وحذروا من خطورة النوايا والسياسات الإسرائيلية الهادفة إلى ضم الأراضي الفلسطينية، واستمرار الحكومة الإسرائيلية في نهجها الاستيطاني التوسعي في الضفة الغربية المحتلة، بما فيها من محاولات المساس بالأماكن المقدسة الإسلامية والمسيحية، وفي مقدمتها المسجد الأقصى المبارك/ الحرم القدسي الشريف، وإرهاب المستوطنين، والاقتحامات اليومية للمدن والقرى والمخيمات الفلسطينية والتدمير المنهجي لمخيمات اللاجئين الفلسطينيين وتهجير الفلسطينيين من بيوتهم، والذي يسهم بشكل مباشر في تأجيج دوامات العنف والصراع، ويقوض فرص تحقيق السلام العادل والشامل في المنطقة.
كما حذروا من الاستناد إلى أوهام عقائدية وعنصرية، ما ينذر بتأجيج الصراع وبما يصعب التحكم في مساراته أو التنبؤ بمآلاته، وبما يُهدد الأمن والاستقرار الإقليمي والدولي على حد سواء.
وفي سياق متصل، جدد وزراء الخارجية في الدول العربية والإسلامية، وجامعة الدول العربية، ومنظمة التعاون الإسلامي، تأكيدهم على رفض وإدانة جرائم العدوان الإسرائيلي والإبادة الجماعية والتطهير العرقي والتأكيد على وقف إطلاق النَّار في قطاع غزة، مع ضمان النفاذ غير المشروط للمساعدات الإنسانية لوقف سياسة التجويع الممنهج الذي تستخدمه إسرائيل كسلاح إبادة جماعية بما يتطلبه ذلك من إنهاء فوري للحصار الإسرائيلي القاتل على القطاع، وفتح المعابر الإسرائيلية مع قطاع غزة، وتحميل إسرائيل، "القوة القائمة بالاحتلال"، كامل المسؤولية عن تبعات جرائمها في قطاع غزة، من انهيار المنظومة الصحية والإغاثية.
وأعادوا التأكيد على الرفض الكامل والمطلق لتهجير الشعب الفلسطيني بأي شكل من الأشكال وتحت أي ذريعة من الذرائع، ومطالبة المجتمع الدولي بالضغط على إسرائيل لوقف العدوان والانسحاب الكامل من قطاع غزة، تمهيدًا لتهيئة الظروف الملائمة من أجل تنفيذ الخطة العربية- الإسلامية لجهود التعافي المبكر ولإعادة إعمار القطاع.
وأكدوا على أنَّ قطاع غزة جزء لا يتجزأ من الأرض الفلسطينية المحتلة، وضرورة تولي دولة فلسطين مسؤوليات الحكم في القطاع كما في الضفة الغربية، بما فيها القدس الشرقية، بدعم عربي ودولي، في إطار البرنامج السياسي لمنظمة التحرير الفلسطينية، الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، وسياسة نظام واحد وقانون واحد وسلاح شرعي واحد.
وفي هذا السياق، دعوا المجتمع الدولي، وخاصة الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن، لا سيّما الولايات المتحدة الأمريكية، إلى تحمل مسؤولياتها القانونية والأخلاقية، والعمل الفوري على إلزام إسرائيل بوقف عدوانها المتواصل على قطاع غزة وتصعيدها الخطير في الضفة الغربية المحتلة، ووقف التصريحات التحريضية الواهمة التي يُطلقها مسؤولوها، إضافة إلى توفير الحماية الدولية للشعب الفلسطيني، وتمكينه من نيل حقوقه المشروعة، وفي مقدمتها حقه في إقامة دولته المستقلة ذات السيادة على ترابه الوطني، ومحاسبة مرتكبي الجرائم والانتهاكات بحق الشعب الفلسطيني.