هل تفك الهيئة الوطنية للمفقودين ألغاز الغياب في سوريا؟
تاريخ النشر: 26th, August 2025 GMT
دمشق- قرب مقبرة جماعية في ريف دمشق جنوبي سوريا تقف المسنة السبعينية أم حسين، بعد أن رجحت فرق الدفاع المدني أن يكون جثمان ابنها الشاب الذي فقد خلال اجتياح قوات النظام المخلوع لغوطة دمشق بين رفات الراقدين في هذه المقبرة.
ويبعث هذا الترجيح القليل من السكينة إلى نفس أم حسين التي قد تجد في المقبرة إمكانية لزيارة ابنها وقراءة الفاتحة على روحه، بعكس صديقتها أم خالد التي لم يصلها أي خبر عن ابنها المفقود في مكان قريب من حي جوبر الدمشقي.
ولا تزال قضية المفقودين في سوريا تمثل أحد أكثر الملفات الإنسانية حساسية وتعقيدا منذ بداية الثورة السورية على نظام بشار الأسد في مارس/آذار 2011، حيث تستمر آلاف الأسر في البحث عن أبنائها الذين اختفوا في ظروف غامضة، ما بين الاختطاف القسري والاعتقال التعسفي، وسط جهود الحكومة الجديدة للكشف عن مصير آلاف المختفين.
ويقدّر عدد المعتقلين أو المختفين قسرا في سوريا بأكثر من 181 ألف شخص، من بينهم 5 آلاف و332 طفلا و9201 سيدة، منذ مارس/آذار 2011 حتى يونيو/حزيران 2025. ومن بين هؤلاء، يُصنف ما لا يقل عن 177 ألف شخص مختفين قسرا.
كشف المصيروفي سياق ذلك، أعلنت الهيئة الوطنية للمفقودين في سوريا أن عدد الأشخاص الذين فُقدوا خلال عقود من حكم عائلة الأسد وفترة الحرب التي أعقبت الثورة قد يتجاوز 300 ألف شخص.
وتضطلع الهيئة بالكشف عن مصير آلاف المفقودين السوريين في مهمة تبدو من أصعب المهام الحقوقية والإنسانية، وسط كم هائل من المقابر الجماعية، في وقت ينتظر فيه ذوو المفقودين معرفة ما حدث لأبنائهم وأقاربهم.
ويقول رئيس الهيئة الوطنية للمفقودين في سوريا محمد رضا جلخي إن هدف الهيئة الأساسي يتمثل في السعي لكشف مصير جميع المفقودين والمفقودات داخل البلاد وخارجها، مشددا على أنها تعمل حاليا على مسارين متوازيين:
إعلان الأول توثيق حالات الفقدان بطرق مختلفة وبناء قواعد بيانات وطنية لمحاولة معرفة مصير الضحايا. والثاني تقديم الدعم القانوني والاجتماعي والنفسي لعائلاتهم.وقال جلخي، في حديثه للجزيرة نت، إن المقابر الجماعية التي اكتشفت حتى الآن تعود بمعظمها إلى فترة الثورة السورية أي ما بعد عام 2011، مضيفا أن الهيئة "لا تمتلك حتى الآن أي معلومات دقيقة عن الجثامين والرفات الموجودة فيها".
رئيس الهيئة الوطنية للمفقودين الدكتور محمد رضى جلخي لـ سانا: 63 مقبرة جماعية موثقة، وأعداد المفقودين تُقدر بنحو 300 ألف شخص.#هيئة_المفقودين#سوريا#سانا pic.twitter.com/ruIsz44Zr6
— الوكالة العربية السورية للأنباء – سانا (@Sana__gov) August 19, 2025
وأشار جلخي إلى أن عملية التعرف على الجثامين والرفات تحتاج إلى وقت طويل وإمكانات كبيرة، نظرا لتعقيد إجراءات تحليل الحمض النووي وأخذ العينات من عائلات المفقودين لمطابقتها.
ومنذ سقوط نظام الأسد في الثامن من ديسمبر/كانون الأول 2024، وتفريغ معظم السجون السورية، تضاءلت آمال ذوي آلاف المفقودين السوريين بالعثور عليهم أحياء، مع ترجيح تقارير حقوقية بمقتلهم تحت التعذيب.
ويؤكد رئيس الشبكة السورية لحقوق الإنسان فضل عبد الغني ضرورة التفريق بين مصطلحي "المختفين قسريا" و"المفقودين" في سوريا، مشيرا إلى أن الأول يُقصد به من تعتقلهم جهة ما وتنكر وجودهم لديها.
ووفق حديث عبد الغني للجزيرة نت، فإن مفهوم المفقودين هو مفهوم أوسع، وليسوا بالضرورة فقدوا، وقد يكونون اعتقلوا أو اختطفوا أو قتلوا ومصيرهم لم يكشف. ويشترك المفهومان بأن المصير غير معروف ومجهول لدى ذويهم والجهات الحقوقية.
وعن التعاون بين المنظمات الحقوقية السورية والهيئة الوطنية للمفقودين في سوريا، يشير عبد الغني إلى أن هناك تعاونا وتنسيقا وشراكة بين الشبكة السورية لحقوق الإنسان والهيئة، للكشف عن مصير المختفين في سوريا كنوع من العدالة، والكشف عن المتورطين بحوادث الإخفاء والخطف.
ومن أبرز ما يميز عمل الهيئة الوطنية للمفقودين في سوريا أن ولايتها تمتد لتشمل ما قبل اندلاع الثورة السورية، بما يلزمها بالعمل على كشف مصير المفقودين خلال حكم رئيس النظام السوري الأسبق حافظ الأسد، وكذلك في عهد ابنه المخلوع بشار الأسد.
وتتمثل رؤية الهيئة، وفق رئيسها محمد رضا جلخي، في الوصول إلى كشف مصير كل مفقود في سوريا حتى آخر شخص، إذ تؤكد أنها معنية بجميع المفقودين والمفقودات على اختلاف أماكنهم وأزمنتهم وانتماءاتهم، بما يشمل أيضا المفقودين من جنسيات أخرى داخل سوريا، وذلك بالتعاون مع الجهات المعنية ذات الصلة.
ووجه جلخي رسالة إلى ذوي المفقودين السوريين بأن من حقهم الاستمرار بالنضال والمطالبة بكشف مصير أحبائهم، مؤكدا أن الهيئة لا تعتبر نفسها جهة منفصلة عنهم، كونها تضع هذه القضية في صلب محور عملها.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات دراسات ألف شخص
إقرأ أيضاً:
انطلاق أول انتخابات لمجلس الشعب في سوريا منذ سقوط الأسد
شهدت سوريا، الأحد، لحظة مفصلية في تاريخها الحديث مع انطلاق أول انتخابات لمجلس الشعب منذ سقوط نظام بشار الأسد في ديسمبر/كانون الأول الماضي، في خطوة تُعد اختبارًا حقيقيًا لقدرة الدولة الجديدة على إدارة عملية سياسية شاملة بعد عقود من الحكم الأحادي الذي انتهى بانهيار مؤسسات النظام السابق.
وتأتي هذه الانتخابات، وفق مراقبين، كأول استحقاق سياسي رسمي في "الجمهورية السورية الجديدة"، وسط آمال بأن تُشكّل بداية لمسار بناء مؤسسات دستورية شرعية تعبّر عن التعددية السياسية والاجتماعية في البلاد، بعد أكثر من ستة عقود من حكم حزب البعث وهيمنته على الحياة السياسية.
وبدأت صباح اليوم عملية الاقتراع في عموم المحافظات السورية لاختيار أعضاء أول مجلس شعب بعد سقوط النظام، حيث فتحت المراكز الانتخابية أبوابها أمام أعضاء الهيئات الناخبة للإدلاء بأصواتهم، بحسب ما أفادت وكالة الأنباء السورية الرسمية (سانا).
وقال الرئيس السوري أحمد الشرع خلال تفقده أحد مراكز الاقتراع في المكتبة الوطنية بدمشق إن بلاده "دخلت في غضون أشهر قليلة مرحلة انتخابية تعكس نضوج الوعي الوطني واستعداد السوريين لمرحلة البناء والازدهار"، مشيرًا إلى أن "هناك العديد من القوانين المعلقة التي تنتظر البرلمان الجديد لإقرارها والمضي في عملية إعادة الإعمار".
وأضاف الشرع أن "بناء سوريا مهمة جماعية، وعلى جميع السوريين المساهمة فيها"، مؤكداً أن "عجلة التشريع والمساءلة ستدور بوتيرة سريعة لضمان الشفافية وتعزيز الثقة بالمؤسسات الجديدة".
وفي السياق، أوضح المتحدث باسم اللجنة العليا للانتخابات نوار نجمة أن عملية الاقتراع انطلقت عند التاسعة صباحًا بالتوقيت المحلي، مشيرًا إلى أن التصويت يجري عبر صناديق اقتراع علنية، وأن عملية الفرز ستبدأ فور إغلاق الصناديق أمام وسائل الإعلام، فيما يُتوقع إعلان النتائج النهائية خلال يومي الاثنين أو الثلاثاء المقبلين.
وتجري الانتخابات وفق المرسوم الرئاسي رقم (66) لعام 2025 الذي حدّد آلية مؤقتة لتشكيل اللجنة العليا للانتخابات من عشرة أعضاء برئاسة محمد طه الأحمد، تتولى الإشراف الكامل على العملية الانتخابية. ويقضي المرسوم بتوزيع مقاعد مجلس الشعب — الذي يبلغ عدد أعضائه 210 — بين الفئات السكانية والاجتماعية، بحيث يُنتخب ثلثا الأعضاء عبر هيئات محلية فيما يعيَّن الثلث المتبقي بقرار من الرئيس.
وبحسب اللجنة العليا للانتخابات، يتنافس 1578 مرشحًا، بينهم 14% من النساء، على مقاعد المجلس، في سابقة تشهد مشاركة رمزية لأقليات دينية وعرقية كانت مغيّبة عن الحياة السياسية لعقود، أبرزهم المرشح السوري الأمريكي هنري حمرا، نجل آخر حاخام يهودي غادر سوريا في تسعينيات القرن الماضي، ليكون أول مرشح يهودي للبرلمان منذ سبعين عامًا تقريبًا.
ويرى محللون أن الانتخابات تمثل اختبارًا جوهريًا لمدى قدرة السلطة الانتقالية على إدارة استحقاق ديمقراطي فعلي، في ظل بيئة سياسية وأمنية ما تزال هشة، وتحديات اقتصادية متفاقمة تعيق جهود إعادة الإعمار وعودة النازحين.
كما تُعد هذه الانتخابات أول خطوة تنفيذية للنظام السياسي الجديد الذي بدأ يتشكل عقب سقوط نظام الأسد في ديسمبر 2024، عندما أنهت فصائل سورية مسلحة أكثر من ستة عقود من حكم البعث، وأعلنت نهاية حقبة استبدادية امتدت لأكثر من نصف قرن.
وبينما يترقب السوريون نتائج هذا الاقتراع التاريخي، يرى مراقبون أن المجلس المقبل سيكون أمام اختبار حقيقي لترجمة تطلعات الشارع نحو العدالة والمساءلة وإعادة بناء مؤسسات الدولة على أسس جديدة من الشفافية والتشاركية، في وقت تحاول فيه سوريا استعادة مكانتها الإقليمية والدولية بعد سنوات طويلة من العزلة والصراع.