الأولى من نوعها.. منح شهادة الاعتماد الدولي للمركز الوطني للتوحد
تاريخ النشر: 31st, August 2023 GMT
مسقط- الرؤية
أعلن المجلس الدولي للاعتماد ومعايير التعليم المُستمر (IBCCES) بالولايات المتحدة الأمريكية عن منح شهادة الاعتماد الدولي للمركز الوطني للتوحد التابع لوزارة التنمية الاجتماعية، وهو أوَّل مركز في سلطنة عُمان يحصل على هذا الاعتماد.
ويمنح مجلس الاعتماد شهادات التوحد (IBCCES) المخصصة للمهنيين المسؤولين عن تقديم الدعم أو الخدمات التأهيلية لحالات اضطراب طيف التوحد بعد استكمالهم لبرنامج تدريبي شامل متخصص، وبيانات اعتماد متخصصة بهدف الحصول على المعرفة العلمية وأفضل الممارسات المهنية داخل المركز لتلبية الاحتياجات التأهيلية بكفاءة وجودة عالية للأشخاص ذوي اضطراب طيف التوحد.
ويأتي هذا الاعتماد الدولي للمركز الوطني للتوحد بهدف التأكد من استمرار حصول المختصين والعاملين في المركز على أفضل الممارسات الحديثة في مجال تأهيل حالات اضطراب طيف التوحد، ودمج المعرفة المحدّثة في الممارسة المهنية، وتحسين جودة العمل؛ بما يتعلق بالعلاجات الفعّالة المستندة على الدليل العلمي، كذلك إعلان المركز الوطني للتوحد عالميًا على صفحة الاعتماد الدولي الرسمية كمركز معتمد عالميًا لتقديم الخدمات العلاجية للأشخاص ذوي اضطراب طيف التوحد، ومن خلال تجديد الشهادة كل سنتين بعد اجتياز ساعات التعليم المستمر يضمن المركز مواكبة جميع التحديثات العلمية المتعلقة بتأهيل الحالات، إلى جانب أن الزيارات المستمرة للمركز كل سنتين من قبل لجنة الاعتماد الدولي ستضمن تطبيق المركز لخدمات التوحد على أكمل وجه.
المصدر: جريدة الرؤية العمانية
كلمات دلالية: الاعتماد الدولی
إقرأ أيضاً:
اضطراب وأسى
تبدو فكرة أكثر من ممتازة، من دون أدنى شك، هي تلك التي تعمل عليها حاليا «دار الرافدين» (بيروت - بغداد) والمتمثلة في «تكملة» ترجمة أعمال الكاتب الألماني -السويسري توماس مان. وأقول تكملة، لأن ما صدر لغاية اليوم من كتب لــ مان بالعربية، لا تشكل كلّ أعماله الأدبية والفكرية، على الرغم من أن رواياته الأساسية - مثل «الجبل السحري» و«الموت في البندقية» و«الدكتور فوستوس» وغيرها - انتشرت بالعربية من عقود طويلة؛ إلا أن «مكتبته» (بلغة الضاد) لا تزال ناقصة. فنحن لو نظرنا فعلا إلى لائحة هذه الكتب، لوجدنا أن الكثير منها، لا يزال «غريبا» عن لغتنا وبعيدا عنها.
من هنا، جاءت ترجمة روايته الاستثنائية «يوسف وأخوته» (التي صدرت قبل أشهر قليلة بأربعة أجزاء من ترجمة محمد إسماعيل شبيب) لتسدّ ثغرة في هذا الجدار الكبير الذي شيّده الكاتب، والتي يعيد فيها «سرد القصة التوراتية، لكنه يمزج فيها أيضا علم النفس والفلسفة»، ليحول هذا السرد التوراتي إلى «ملحمة تجمع الأسطورة والتاريخ بالأفكار الحديثة»، و«يجعل منها فعلا واحدة من قمم الأدب العالمي الفريدة»؛ (علينا أن لا ننسى أنه كتبها قبل الحرب العالمية الثانية وخلالها، في الوقت الذي اختار فيه مغادرة مسقط رأسه احتجاجا على وصول النازية إلى سُدّة الحُكم، والتي سنعود إليها قريبا).
كان أبناء توماس مان وأقاربه يلقبونه بــ «الساحر»، إذ كان شغوفا بكلّ شيء، مثلما كان بطبيعته مولعا بالسحر، (وفق ما قرأنا عنه). هذا الولع، نجده في قصته الطويلة (أو نوفيلا) «ماريو والساحر»، التي صدرت حديثا بالعربية في كتاب واحد، مع قصة أخرى بعنوان «اضطراب وأسى مبكر» (نقلهما إلى العربية فلاح رحيم)، مع العلم أن الساحر الذي يصوره مان، هو منوم مغناطيسي يثير القلق في ساحة ألعاب، في إيطاليا. هذا القلق، ليس في واقع الأمر، سوى ممارسته - على جمهوره الصغير - سُلطة تضاهي سُلطة الدكتاتوريين على الحشود. لذا فإن القراءة الفعلية الممكنة لهذه الــ «نوفيلا»، ليست في العمق سوى سيرة عائلة إيطالية، تقرر الذهاب في عطلة، وكأنها تقع تحت سلطة الساحر «موسوليني»، بمعنى آخر، نحن أمام هجاء لاذع للفاشية، التي كانت تقترب كثيرا من نازية هتلر في ألمانيا، وكأن الروائي يريد القيام بجردة حساب لأنظمة أوروبية قادت البشرية إلى حرب مدمرة لا تزال تعاني منها لغاية اليوم. وبشكل أعمّ يمكننا القول إن هذه القصة الطويلة هي - في العمق أيضا - استنطاق لطبيعة الإرادة الفردية وحدود حريتها، يوسع فيها استكشافه للمجهول حيث يكون فيها صاحب كتاب «الجبل السحري» في بيئته الحقيقية.
تبدأ «ماريو والساحر» (التي تدور أحداثها حوالي العام 1926، أي مع بدء صعود الفاشية الإيطالية) بتأملات مفاجئة، في ذلك الوقت، وكأن السياحة الجماعية كانت متقدمة جدا. يصور توماس مان أجواءً ثقيلةً ومزعجةً، مشيرًا إلى بعض الحوادث التي لم يألفها كسائحٍ في إيطاليا. يُدرك القارئ وطأة الفاشية الآخذة في التصاعد. مع اقتراب نهاية الإقامة، يأتي ساحر ليُقدّم عرضه في بلدة ساحلية صغيرة، فيذهب الجميع، سكانًا وسياحًا، إلى العرض. الساحر، الفارس سيبولا، وهو في الواقع مُنوّم مغناطيسي، كما أسلفنا، شخصية كريهة ومشوّهة، تُثير مشاعر غير سارة وتُزعج الكاتب، وفي النهاية تُبهر جمهوره رغم ازدرائه له. (لن أضيف المزيد لتجنب حرق الأحداث). هل هذه قصة رمزية تُدين الفاشية التي تُفسد العقول؟ ربما، لكن معنى النهاية يُخلّف أيضًا شعورًا بعدم الارتياح مع ارتياح الراوي عند وقوع حادثة مأساوية. ومع تأثير سُلطة هذا المنوم المغناطيسي ذي القوة المقلقة التي تنتهك خصوصية الجمهور وتدوس كرامته، يُثير توماس مان، بأسلوبه «الأسطوري» وبوسائله الجمالية البحتة، مشكلة التماهي مع القائد المُرعبة، مُشيرًا في الوقت عينه إلى إمكانية وجود خط مقاومة.
حظيت هذه القصة، التي مُنعت في إيطاليا قبل ثلاث سنوات من وصول هتلر إلى السلطة، بإشادة واسعة كتحفة فنية سردية، لكن يُنظر إليها بشكل متزايد على أنها استحضارٌ مُبشّر. في غموضها المُقلق، تظل «ماريو والساحر» نصًا مُلفتًا، بأسلوب الكاتب البارع ووصفه الدقيق والنادر.
أما النص الثاني «اضطراب وأسى مبكر»، وعلى الرغم من تشويقه، إلا أننا نقع فيه على لحظات فكاهية، وطريقة في رؤية الأشياء تبدو لي معاصرة بشكل غريب. أو ربما خالدة. لكنها خفيفة الظل، وممتعة نوعًا ما (ربما يجدها البعض أكثر امتاعا من النص الأول). يعود تاريخ «اضطراب...» إلى العام 1925، وهي عن معاناة الشباب، فيما لو أحببنا أن نختصرها بكلمة واحدة؛ وهي تتحدث عن الدكتور كورنيليوس، وهو شخص أكاديمي متقدم في السن - إن لم يكن قد كبر بالفعل - مستقر في عائلته وحياته البرجوازية، يلاحظ في حفل نظمه ابنه الأكبر كيف يتغير العالم ويبدو له مضطربًا. اضطراب في كل مكان، حتى في تعلقه بابنته لوريت ذات الخمس سنوات، ابنته المفضلة من بين أطفاله الستة. اضطراب في المجتمع - حيث يتصرف هؤلاء الشباب بغرابة! - اضطراب في عالمه، اضطراب في عائلته - لماذا لا يستطيع ابنه بيرت مواكبة أصدقائه؟ - اضطراب في كل مكان. والأسوأ من ذلك كله، الاضطراب الذي أحدثه حب لوريت الأول العابر، ولكنه حقيقي للغاية، والذي جعلها تشعر بحزن شديد لدرجة أنها لن تهتم لا لأبيها ولا لأي شخص آخر، ربما لساعة أو ساعتين. يتابع توماس مان بتواضع مخاوف الدكتور كورنيليوس في مواجهة عالم لم يعد ملكه، وأسئلته، وانسحابه الوشيك المحتمل من الحياة الاجتماعية. ويتابع بنفس التحفظ مخاوفه كأب يرى أبناءه يهربون من محيط الأسرة، المراهقة والطفولة، حتى لأصغرهم، ولو للحظة. نصٌّ بنكهة المرارة... عن تلك الفترة التي بدأت فيه أوروبا تفقد كل الروابط العائلية والتي قادتها إلى التفكك الاجتماعي وبالتالي إلى الحروب المتناسلة التي لم تنته منها. وكأن ما يكتبه توماس مان كان بمثابة رؤية متقدمة لما حدث لاحقا، وعلى جميع الصُعُد.
صحيح أن هاتين القصتين، لا تُجَاريا روائع الكاتب الأخرى، لكنهما تبقيان شهادة فعلية عن كاتب راء، عرف كيف يقرأ لحظته التاريخية الراهنة، من دون أن يسقط في الأيديولوجيا المباشرة، ليقدم في النهاية أدبا يستحق أن نكتشفه بعد.
إسكندر حبش كاتب وصحفـي من لبنان