خالد عمر يوسف يكتب: انقسام اليوم ليس كانقسام الأمس

حين انقسم السودان في العام 2011 كان هنالك تطابق إرادات داخلية وخارجية غالبة في إتجاه التقسيم. تجلت الإرادة الداخلية حينها في رغبة الحركة الإسلامية المهيمنة على مقاليد السلطة في التخلص من الجنوب الذي كانت تعتبره عبئاً على هيمنتها المنفردة على البلاد، فالسودان الواسع المتنوع لا يتواءم مع مشروعهم الأحادي الذي ينكر التعدد، وعوضاً عن مراجعة أفكارهم وتصوراتهم فقد قرروا مراجعة كيان الدولة نفسه ليقوموا بتفصيله على مقاس أفقهم الضيق المنغلق.

ذات الإرادة غلبت في جنوب السودان الذي أصاب شعبه ونخبه اليأس من إمكانية الوحدة العادلة، فقد عاشوا عقوداً داخل سودان ما بعد الاستقلال لم ينالوا منها سوى براميل الانتنوف والتشرد في معسكرات النزوح واللجوء ولغة الحرب والعنف كلغة وحيدة فرضت فرضاً عليه دون أفق لسلام حقيقي. هذه الإرادة الغالبة شمالاً وجنوباً وجدت في الإرادة الخارجية التي شجعت التقسيم لأسباب متباينة، قابلةً أخرجت مولود السودانين برعاية كاملة وحماس غير مسبوق، حتى صار السودان البلد الواحد الذي لطالما غنينا له بلدين بقدرة قادر.

الآن في العام 2025 ها هو السودان ينقسم مرة أخرى، ولكنه ليس كمثل انقسام العام 2011 من ناحية اختلاف المشهد الداخلي والخارجي، حيث أنه لا توجد إرادة غالبة للتقسيم، ولكن توجد تباينات عديدة ومشهد هش، تنشط في وسطه إرادات صغيرة ولكنها نشيطة تسعى للتقسيم. خارجياً لا يوجد ذات حماس اللوبيهات التي دعمت استقلال جنوب السودان، ولكن توجد رؤية محدودة ترى التقسيم أفضل للإقليم وللعالم من استمرار السودان موحداً. أما داخلياً فالجهة النشطة في التقسيم هي ذات الجهة.. الحركة الإسلامية التي ضاق السودان عن قبول مشروعها ولفظتها ثورة شعبية عميقة، فرأت في الحرب وسيلة لعقاب من ثاروا عليها سلماً، والعودة للسيطرة على البلاد مجتمعة إن أمكن، أو بعضها إذا تعذر الأمر، فنشرت بيئة مسممة بخطابات الكراهية، واستخدمت ما حدث في الحرب من جرائم وانتهاكات من قبل أطرافها لتنشر اليأس في نفوس الناس شرقاً وغرباً من جدوى الوحدة، لينتشر منطق يقول انه إذا كان الحل انقساماً يقود للتخلص من المنتهك، إذاً فليكن!

الخطورة في المشهد الحالي هو أن تقسيم الأمر الواقع الحادث الآن ليس مستداماً، فالمعسكران اللذان يقتسمان السلطة فيه يفتقران للتماسك والتجانس، وبداخلهما تناقضات كبيرة. حين قراءة هذا الأمر مع حقيقة أن إرادة التقسيم الداخلية والخارجية ليست غالبة، بل هي محدودة تستغل حالة الفوضى الحالية، سنصل لنتيجة مفادها أن هذا التقسيم هو خطوة أولى فقط نحو التشظي وليس الانقسام فحسب. هذا التشظي سيدفع ثمنه أهل السودان غالياً، فدوامة الحروب والعنف والانقسامات ستستمر بكل ما تعنيه من موت ولجوء ونزوح ودمار لجميع أهل السودان. وهو انقسام باهظ الثمن خارجياً، فالسودان بلد متداخل مع أقاليم هي الأكثر اضطراباً وحرجاً في المنطقة، فهو يطل على البحر الأحمر، ويتداخل مع منطقة الساحل، وجزء من القرن الأفريقي، ويحاذي الشرق الأوسط، ويؤثر على جنوب السودان الذي يجاور بدوره منطقة البحيرات العظمى. انهيار السودان هو قيامة كبرى لأهله ولمحيطه الإقليمي والدولي.

ما من مصدة لهذا المسار الكارثي سوى وحدة عريضة وسط أهل السودان، تجابه بإرادة حازمة مشاريع النظام السابق ومساعي عسكرة الدولة وفرض رؤى أحادية بقوة السلاح. لا ينفع الإنكار ودفن الرؤوس في الرمال لمواجهة الخطر الوجودي الذي يمر به السودان. مرت ببلادنا أحداث عديدة كانت مكتوبة على الجبين منذ انقسام العام 2011 حتى حرب العام 2023، وكان الإنكار هو ديدن البعض للتنصل عن مواجهة استحقاقات الأزمة والترفع عن صغائر النفوس وسخائمها. فهل يا ترى تكون استجابتنا مختلفة هذه المرة لنمنع سوياً تشظي بلادنا وهزيمة مشاريع من يريدون بها الشر؟!

الوسومالاستقلال الانفصال البحر الأحمر البحيرات العظمى الحركة الإسلامية السودان الشرق الأوسط القرن الأفريقي جنوب السودان خالد عمر يوسف

المصدر: صحيفة التغيير السودانية

كلمات دلالية: الاستقلال الانفصال البحر الأحمر البحيرات العظمى الحركة الإسلامية السودان الشرق الأوسط القرن الأفريقي جنوب السودان خالد عمر يوسف جنوب السودان

إقرأ أيضاً:

التهامي يستعرض مع الإيسيسكو التحديات التي تواجه المنظومة التعليمية بالسودان في هذه الفترة

استعرض د.التهامي الزين حجر وزير التعليم والتربية الوطنية رئيس اللجنة الوطنية السودانية التحديات الكبيرة التي تواجه المنظومة التعليمية في السودان نتيجة الأزمة الدائرة، مشيرا إلى الحاجة العاجلة إلى طباعة الكتاب المدرسي، بجانب تهيئة مرافق الدراسة، وتوفير المقاعد الدراسية، وتأهيل المعلمين، وإعادة بناء مختبرات ومدارس تضررت أو نُهبت بالكامل، مؤكداً أن هذه الاحتياجات تعد أولوية قصوى للحفاظ على استمرارية العملية التعليمية في مختلف المناطق.جاء ذلك خلال لقائه يوم الاربعاء بالدكتور سالم بن محمد المالك، المدير العام لمنظمة العالم الإسلامي للتربية والعلوم والثقافة (إيسيسكو)، وذلك على هامش مشاركته في أعمال القمة العالمية للابتكار في التعليم (وايز) المنعقدة في الدوحة.وبحث اللقاء مجالات التعاون المشترك لدعم القطاع التعليمى في السودان.وأكد الدكتور سالم المدير العام لأيسيسكو التزام المنظمة الكامل بدعم السودان في هذه المرحلة الصعبة التي تعيشها، مبينا أن الإيسيسكو ستعمل على تلبية الاحتياجات التعليمية العاجلة، إضافة إلى تفعيل الشراكات الدولية لتعبئة التمويل اللازم للمشروعات التعليمية في السودان.ووعد المالك بتخصيص منظمة الأيسيسكو جزء من المنح الدراسية التي تتلقاها من الدول الأعضاء لصالح الطلبة السودانيين، بهدف تمكينهم من مواصلة تعليمهم في هذه الظروف الاستثنائية .ووجه وزير التعليم والتربية الوطنية في ختام اللقاء دعوة رسمية للدكتور المالك لزيارة السودان للاطلاع على المنشآت التعليمية والاحتياجات الحالية، مثمنا دعم الإيسيسكو وجهودها المستمرة في تعزيز حق التعليم لأبناء السودان .سونا إنضم لقناة النيلين على واتساب

Promotion Content

أعشاب ونباتات           رجيم وأنظمة غذائية            لحوم وأسماك

2025/11/28 فيسبوك ‫X لينكدإن واتساب تيلقرام مشاركة عبر البريد طباعة مقالات ذات صلة د. جراهام يؤكد على أهمية الآثار في تعزيز هوية الشعب السوداني والحفاظ على إرثه الحضاري العريق2025/11/27 الأعيسر يشيد بجهود مؤسسات الدولة في نجاح امتحانات الشهادة السودانية ويثمن إعلان نتيجة القبول للجامعات للدفعة المؤجلة 20242025/11/27 رئيس المقاومة الشعبية بالشمالية يشيد بدور المحامين في معركة الكرامة2025/11/27 البرهان: الحكومة السودانية لم تتسلم أي وثيقة أمريكية جديدة2025/11/27 اجتماع تشاوي للثقافة والاعلام والسياحة بالنيل الازرق مع اللجنة التمهيدية لنقابة التاكسي2025/11/27 تمبور: تلبية احتياجات مواطني وسط دارفور المنتشرين في عدد من ولايات السودان مع الإيفاء بمستحقات العاملين2025/11/27شاهد أيضاً إغلاق اقتصاد وأعمال وصول 260 ألف جوال من الأسمدة لزراعة محاصيل العروة الشتوية بالجزيرة 2025/11/27

الحقوق محفوظة النيلين 2025بنود الاستخدامسياسة الخصوصيةروابطة مهمة فيسبوك ‫X ماسنجر ماسنجر واتساب إغلاق البحث عن: فيسبوك إغلاق بحث عن

مقالات مشابهة

  • إبراهيم شقلاوي يكتب: أمن المعلومات واستراتيجية إعادة البناء
  • "الدعم السريع" تسيطر على المواد الإغاثية التي تصل إلى دافور
  • «عزة الأمس ذلة اليوم» مخطوط من عالم أذربيجاني إلى أهل عُمان
  • محافظ جنوب سيناء: شرم الشيخ اليوم أصبحت نموذجًا يحتذى في استقطاب السياح
  • محافظ جنوب سيناء: شرم الشيخ اليوم أصبحت نموذجًا يحتذى به في استقطاب السياح
  • ذكرى الجلاء 30 نوفمبر 1967م درسٌ لمحتل الأمس وعدو اليوم
  • معهد واشنطن للسودان الجديد الذي يرأسه نصر الدين عبد الباري
  • علي يوسف: إسلاميو السودان ليسوا جزءا من المنظومة الدولية للإخوان
  • مقتل 80 شخصا إثر فيضانات التي اجتاحت جنوب تايلاند
  • التهامي يستعرض مع الإيسيسكو التحديات التي تواجه المنظومة التعليمية بالسودان في هذه الفترة