أثار تسريب وثيقة أمريكية ـ إسرائيلية تتحدث عن تحويل غزة إلى "ريفييرا" سياحية واقتصادية تحت وصاية أمريكية، مع تهجير سكانها بالكامل، جدلا واسعا ووصفا بأنها محاولة "جنونية" لإضفاء طابع استثماري على جريمة تطهير عرقي.

الوثيقة، التي كشفتها واشنطن بوست، وأعادت "الغارديان" البريطانية نشرها، تقترح "إعادة التوطين المؤقت" لمليوني فلسطيني خارج القطاع، وتعويضهم بـ"رموز رقمية" مقابل أراضيهم، فيما يُعاد تصميم غزة لتصبح مدن ذكية ومنتجعات ممولة باستثمارات تصل إلى 100 مليار دولار.



لكن ما بدا "مشروعا استثنائيا" لا ينفصل في الحقيقة عن مسار قديم: من "السلام الاقتصادي" الذي روّج له بنيامين نتنياهو في التسعينيات، إلى "صفقة القرن" التي طرحها دونالد ترامب عام 2020، وصولا إلى نسخة أكثر جرأة اليوم: "غزة ريفييرا".

بين "صفقة القرن" و"الريفييرا"

في جوهره، يقوم الطرح الجديد على ذات المعادلة القديمة: الاقتصاد مقابل الحقوق. أي استبدال حق تقرير المصير والسيادة الوطنية بوعود استثمارية وعوائد مالية.

وإذا كانت "صفقة القرن" قد تحدثت عن تحسين الظروف الاقتصادية مقابل إسقاط قضايا جوهرية مثل القدس وحق العودة، فإن "الريفييرا" تذهب أبعد: لا تحسين معيشة، بل ترحيل جماعي يعاد تغليفه في صورة استثمارات عقارية وتكنولوجية.

حين تحدث نتنياهو في منتصف التسعينيات عن "السلام الاقتصادي"، بدا الطرح حينها مجرد مقاربة لتجاوز المفاوضات السياسية العسيرة عبر تشجيع التنمية. لكن هذا المفهوم تطور تدريجيا ليصبح أداة لتبرير الوقائع على الأرض: مستوطنات تتوسع، ومعابر تخنق الفلسطينيين، وتمويل مشروط يحوّل الحقوق إلى "مكرمة" من المانحين.

اليوم، يكشف مشروع "الريفييرا" أن الهدف لم يعد "إدارة الصراع" أو "تسكينه"، بل إنهاؤه لصالح طرف واحد عبر إخراج الفلسطينيين من المشهد جغرافيا وديمغرافيا.

الوثيقة تتحدث عن "مدن ذكية"، "موانئ حديثة"، و"مناطق صناعية على طريقة إيلون ماسك"، لكن جوهرها ـ كما وصفه الحقوقي السويسري فيليب غرانت ـ هو "مخطط للترحيل الجماعي يُسوَّق على أنه تنمية".

فبدلا من معالجة الحصار الإسرائيلي الممتد منذ 2007، أو جرائم الحرب الأخيرة التي قتلت عشرات الآلاف، تأتي الخطة لتقترح ببساطة: إخراج السكان وبناء مشروع استثماري على أنقاضهم.

مفارقة الخطة المسربة أنها تعكس انسجاما في الموقفين الأمريكي والإسرائيلي بشأن غزة: لا سيادة فلسطينية، ولا دولة، بل "كيان وظيفي" ملحق باتفاقات أبراهام.

وهو خطاب يعيد للأذهان تصريحات ترامب وصهره جاريد كوشنر عند طرح "صفقة القرن": "الاقتصاد يمكن أن يشتري السلام". الفارق أن نسخة 2025 لم تعد تتحدث عن شراء الفلسطينيين، بل عن إخراجهم قسرا.




"غزة ليست للبيع"

الرفض الفلسطيني جاء سريعا، إذ شدد مسؤول حماس باسم نعيم على أن "غزة جزء من الوطن الفلسطيني الكبير"، مؤكدا أن أي محاولات للتفريط بالقطاع ستُقابل بالرفض والمقاومة.

لكن الأخطر أن هذه المشاريع، وإن لم تُنفذ حرفيا، تعمل كـ"اختبار بالون" لقياس ردود الأفعال الدولية. وفي ظل انشغال العالم بأزمات متراكمة، قد يمر مثل هذا الطرح ليصبح واقعا تدريجيا، عبر تضييق الخناق على السكان ودفعهم إلى "الرحيل الطوعي".

يكشف مشروع "غزة ريفييرا" أن جوهر الطروحات الأمريكية ـ الإسرائيلية منذ التسعينيات لم يتغير: لا دولة فلسطينية، لا سيادة، بل مقايضة الحقوق الوطنية بوعود تنمية.

الجديد اليوم أن ورقة التجميل الاقتصادي سقطت، وحل محلها خطاب أكثر صراحة: التهجير مقابل الاستثمار. وهو ما يجعل الوثيقة المسربة ليست مجرد "خطة مجنونة"، بل مؤشرا على تصفية علنية للقضية الفلسطينية تحت عنوان "إعمار" غزة.


المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة سياسة عربية مقابلات حقوق وحريات سياسة دولية غزة الخطة امريكا احتلال غزة تسريبات خطة المزيد في سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة قضايا وآراء أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة صفقة القرن

إقرأ أيضاً:

قائمة أفضل 25 فيلما مصريا في الربع الأول من القرن الـ21

أثارت القائمة التي أعلنها مهرجان القاهرة السينمائي الدولي مؤخرًا، موجة جديدة من الجدل والنقاش، عقب كشفه عن أفضل 25 فيلمًا مصريًا عُرضت خلال الربع الأول من القرن الـ21 (2001–2025). تأتي هذه المبادرة ضمن فعاليات الدورة المقبلة للمهرجان، المقرّر انعقادها الشهر القادم، وبالتعاون مع الاتحاد الدولي للنقاد (فيبريسي) وجمعية نقاد السينما المصريين، احتفاءً بمرور مئة عام على تأسيس الاتحاد.

تم التصويت استنادًا إلى قائمة موسعة بدأت بفيلم "لحظات حب" للمخرج يوسف أبو سيف، الذي عُرض في 1 يناير/كانون الثاني 2001، وانتهت بفيلم "الشاطر" للمخرج أحمد الجندي، الذي طُرح في 16 يوليو/تموز 2025.

اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2سينما الجائحة.. كيف عكست الأفلام تجربة كورونا على الشاشة؟list 2 of 2"تيلي نورود".. أول ممثلة افتراضية في هوليود تشعل أزمة جديدة حول الذكاء الاصطناعيend of list

وقد أعدّت جمعية نقاد السينما المصريين هذا الحصر والتوثيق لتشمل 881 فيلما مصريا طويلا عُرضت خلال تلك الفترة، بما في ذلك العروض المحدودة سواء عبر المنصات الرقمية أو في الفعاليات السينمائية الخاصة.

ويهدف هذا التوثيق إلى تسليط الضوء على أبرز التجارب السينمائية خلال مرحلة محورية من تاريخ السينما المصرية، تميزت بتحولات سياسية واجتماعية كبرى، تزامنت مع نقلة نوعية في الصناعة، سواء من حيث التطور التقني أو من خلال أساليب الإنتاج والتمويل الحديثة التي تأثرت بالتحولات العالمية في صناعة السينما.

شارك في عملية التصويت عدد كبير من النقاد والمتخصصين في صناعة السينما، واعتمدت آلية جمع النقاط على مسارين مختلفين وفق رغبة كل مشارك، فالبعض اختار ترتيب الأفلام من المركز 1 إلى 25، بينما فضّل آخرون تقديم قائمة غير مرتبة، وفي هذه الحالة تم منح كل فيلم رقمًا موحدًا في النقاط (13 نقطة).

هذا التنوع في أسلوب التصويت أدى إلى تفاوت النتائج وغياب بعض الأفلام، إذ أن كل قائمة تعبّر بطبيعتها عن ذائقة شخصية مرتبطة بالسياق الثقافي والتاريخي لصاحبها. وكما أوضح الناقد المصري أحمد شوقي، رئيس جمعية النقاد المصريين ورئيس الاتحاد الدولي للنقاد (فيبريسي):

إعلان

"اختيارات كل شخص، وكذلك المجموعة المشاركة في الاستفتاء، تظل ذاتية، نابعة من الذوق الفردي والخبرة المهنية لكل مشارك"، مضيفًا أن باب الاجتهاد سيظل مفتوحًا أمام من يرغب في تنظيم استفتاء آخر، سواء من حيث آليته أو المشاركين فيه أو نتائجه.

في حب السينما

يا سينما يا غرامي، عنوان شهير ليوميات يكتبها المخرج مجدي أحمد علي، ربما يتناسب كثيرا مع الفيلم الذي تصدر القائمة، "بحب السيما" (2004) للمخرج المتميز أسامة فوزي، الذي مثل رحيله المبكر خسارة كبيرة للفن السابع في مصر. وكان طبيعيا أن يحظى الفيلم بنسبة كبيرة من الإجماع، سواء على مستوى المتخصصين أو عشاق السينما، هؤلاء الباحثون عنها بحث المريدين. على الأرجح لم يكن المخرج محمد خان سوى واحد من هؤلاء، مخرجا على الطريق، كما عنون كتابه، يحركه الشغف إلى السينما كمتذوق وصانع، وربما كان هذا أحد الأسباب في جذب سينما خان للشباب تحديدا، لما فيها من تجدد لا ينضب قد لا يخرج عن بعض التفاصيل الصغيرة، (في شقة مصر الجديدة 2007 – فتاة المصنع 2013)، فيلمان يحملان توقيع خان في القائمة، ضمن مجموعة من المخرجين شارك كل منهم بنفس العدد.

الملصق الدعائي لفيلم "الجزيرة" (الجزيرة)

على جانب آخر، لا شك أن السينما الجماهيرية تمثل أحد أكثر أشكال السينما انتشارًا وشعبية حول العالم، إذ لا يقل جمهورها ولاءً عن عشاق السينما الفنية، بل ربما يفوقهم عددًا. وقد كان لهذا اللون حضورٌ لافت في قائمة وُصفت بالنخبوية؛ إذ ضمت "معالي الوزير" (2003)، أحد أبرز أفلام المخرج سمير سيف وأكثرها بساطة وعمقًا، بتجسيدٍ آسر من أحمد زكي. كما شارك مروان حامد بفيلمين حققا نجاحًا جماهيريًا واسعًا في سباق الإيرادات، رغم تفوق الأول فنيا وإخراجيا، وهما "عمارة يعقوبيان" (2006) و"إبراهيم الأبيض" (2009).

كذلك يحضر المخرج شريف عرفة بفيلم "الجزيرة" 2007 بطولة أحمد السقا أيضا. أما يوسف شاهين، أحد العشاق القدامى للفن السابع، فيحل بآخر أعماله "هي فوضى" 2007 بالمشاركة مع خالد يوسف، وعلى الرغم من افتقاد الفيلم لأسلوب شاهين من الأساس، إلا فيما ندر، يبقي أداء الراحل خالد صالح في تجسيد شخصية أمين الشرطة، أجمل ما في الفيلم تقريبا، وواحدا من أميز ما قدم في هذا السياق.

في سياق متصل، مجموعة من الأفلام الأخرى حظيت بالقبول الجماهيري والتقدير النقدي من بينها، "سهر الليالي" 2003 هاني خليفة، "واحد صفر" 2009 كاملة أبو ذكرى، "أحلى الأوقات" 2004 هالة خليل، وبانضمام هالة لطفي بفيلمها "الخروج للنهار" 2012، يتبين لنا حجم التمثيل النسائي، في القائمة والذي لم يتجاوز المخرجات الثلاث، على أن هذا لم يمنع من حضور المرأة أو قضاياها في عدد من الأفلام الأخرى.

لعبة الخيال والواقع

على الرغم من حصول يسري نصر الله، على نصيب الأسد في القائمة من حيث عدد الأفلام، 3، ("باب الشمس" 2004، "احكى يا شهرزاد" 2009، "جنينة الأسماك" 2008)، كان كذلك من أكثر الأسماء المطروحة إثارة للجدل، حيث يحسبه الكثيرون على سينما المثقف، السينما التي نعتها البعض بالنخبوية أو بالتعالي على الجمهور، كما حدث سابقا مع أستاذه يوسف شاهين في جل أعماله، وهو ما قد ينطبق أيضا على المخرج داود عبد السيد المشارك بفيلمين: ("مواطن ومخبر وحرامي" 2001، "رسائل البحر" 2010)، وإن كان الأول يعتبر من أكثر التجارب نضجا في مشواره. في سياق مشابه، تضم القائمة عددا من الأفلام من بينها، (ميكرفون 2010، أحمد عبد الله- آخر أيام المدينة 2018 تامر السعيد – الأبواب المغلقة 2001 عاطف حتاتة"، كذلك فيلم "أوقات فراغ" 2006 من إخراج محمد مصطفى.

إعلان

من الأصوات الهامة أيضا في القائمة، نتابع المخرج رضوان الكاشف وآخر أفلامه "الساحر" (2001)؛ الفيلم الثالث في مسيرته القصيرة بعد رحيله المبكر في الخامس من يونيو/حزيران 2002، وجعبته لا تزال تضج بالحكايات. لعبت سينما الكاشف على الخط الفاصل بين الخيال والواقع، لذلك عدها البعض سينما واقعية فيما اعتبرها فريق آخر أحد تمثلات الواقعية السحرية؛ بحكيها عن أُناس نعرفهم علم اليقين، إلا أن وقع حيواتهم حين يُحركها البؤس وقلة الحيلة، تُعطى من الغرائبية ما يفوق الخيال، غزلها الكاشف ببراعة وفق ما دعاه بـ"نظرية البهجة".

تم التصويت استنادًا إلى قائمة موسعة بدأت بفيلم "لحظات حب" وانتهت بفيلم "الشاطر" للمخرج أحمد الجندي (الجزيرة)

كذلك لم يغفل تصويت النقاد والمتخصصين جيلا جديدا من مخرجي السينما، وصل بعضهم إلى العالمية، مثل عمر الزهيري مخرج فيلم "ريش"2021، الحاصل على عدد من الجوائز، يأتي في مقدمتها الجائزة الكبرى لمسابقة أسبوع النقاد الدولي في الدورة 74 لمهرجان كان السينمائي، بالإضافة إلى جائزة الفيبريسي FIPRESCI لأفضل فيلم في الأقسام الموازية. يطرح الفيلم إشكالية التهميش الذي تعاني منه الطبقات الكادحة وما يصاحبه من فقر وعوز، سواء على مستوى الرجل أو المرأة، على الرغم من أنه يدين الذكورة وينحاز تماما لجانب المرأة، فإن السيناريو يقدم هذه الإدانة على نحو متوازن.

مقالات مشابهة

  • بدون تكييف أو مروحة.. 5 حيل ذكية لتعطير وتهوية المنزل في الشتاء
  • طائرات ليزر ذكية.. اليابان تستخدم أسلوبًا جديدًا للتصدي لإنفلونزا الطيور
  • ترامب يعيد صفقة القرن إلى الحياة من شرم الشيخ .. ومصر تمسك بخيوط السلام في غزة.. خبير يعلق
  • إلباييس: صفقة مصممة لإرضاء الجميع إلا الفلسطينيين
  • تعاقب الأجيال
  • سيناء الحلم الصهيوني منذ هرتزل
  • وثيقة مسرّبة تكشف خطة توني بلير لإدارة قطاع غزة
  • صحيفة إسرائيلية: وثيقة مسرّبة تكشف خطة توني بلير لإدارة قطاع غزة
  • قائمة أفضل 25 فيلما مصريا في الربع الأول من القرن الـ21
  • استشهاد 7 فلسطينيين برصاص جيش الاحتلال منذ فجر اليوم