طوباس- في أرضه الممتدة على 22 دونما (الدونم يعادل ألف متر مربع) في سهل طوباس، يقف المزارع دياب سعد أبو عامر وسط دفيئاته (بيوت بلاستيكية) المزروعة بالخيار والبندورة، يروي بحزن أنه كلما حاول تطوير عمله اصطدم بعقبات الاحتلال والمستوطنين، إذ إن هذه المساحة الواسعة لا تعكس بالضرورة وضعا ماديا مريحا، ويعيش أبو عامر واقعا مغايرا تماما لما قد يبدو من الخارج.

يقول أبو عامر -للجزيرة نت- إن التكاليف باهظة، وفواتير المياه وحدها، على المزارعين في طوباس، تتجاوز 600 ألف شيكل (نحو 180 ألف دولار)، "خسرت في 5 دونمات بطاطا نحو 15 ألف شيكل، فما بالك بالمزارعين الكبار الذين يملكون آلاف الدونمات".

يعيل أبو عامر عائلته المكونة من 9 أفراد، ويشغّل في أرضه 6 عائلات أخرى. لكن ما يخرج من الأرض بالكاد يغطي تكاليف الري والدفيئات والأسمدة، لتتراكم الديون عاما بعد عام. والسبب لا يقف عند حدود السوق وتكاليف الإنتاج فقط، بل يجد جذوره في سياسات الاحتلال التي تضيّق الخناق على المزارعين في الأغوار وطوباس.

الاحتلال يصادر آلاف الدونمات ويهدم الدفيئات الزراعية بحجة عدم الترخيص (الجزيرة)حصار مائي

تشكل الأغوار نحو 28% من مساحة الضفة الغربية، وتاريخيا عُرفت بأنها "سلة فلسطين الغذائية"، غير أن الاحتلال حوّلها إلى منطقة عسكرية مغلقة يسيطر فيها على الأرض والمياه.

وصادر الاحتلال آلاف الدونمات لمصلحة المستوطنات أو التدريبات العسكرية، وهدم الدفيئات الزراعية بحجة عدم الترخيص.

ويخوض المزارعون معركة يومية على المياه، إلى جانب الأرض. ففي قرية عين البيضا مثلا، استولى الاحتلال على معظم مصادر المياه الجوفية والينابيع، وقلّص حصة المزارعين إلى 30% تُضخ في ساعات محدودة فقط. كما منع إدخال المعدات الزراعية وصادر الجرارات والمضخات، فجعل ذلك استمرار الزراعة في مناطق مثل الفارسية وخلة خضر شبه مستحيل.

إعلان

ويؤكد أبو عامر أن الينابيع والآبار الجوفية كلها مغلقة، ومصنفة مناطق عسكرية، والدخول إليها ممنوع تماما.

أبو عامر قرب بركة مياه يستخدمها في جمع مياه الأمطار لتساعده في الري (الجزيرة)إغراق السوق وإغلاق المعابر

لا تتوقف معاناة المزارع الفلسطيني عند حدود الأرض والمياه، بل تمتد إلى السوق. فبعد عناء الزراعة، يجد نفسه أمام منتجات إسرائيلية أرخص ثمنا تغرق السوق المحلية وتباع أحيانا بنصف سعر المحصول الفلسطيني، بينما يفرض الاحتلال قيودا تمنع تسويق المنتج الفلسطيني أو توريده على نطاق أوسع.

يقول أبو عامر "في البقيعة زُرع 400 دونم بصل، وبينما سعر البصل الفلسطيني 20 شيكلا، يُدخل الاحتلال البصل الإسرائيلي بـ10 شياكل، فيضطر المزارعون إلى إتلاف محاصيلهم بدل بيعها".

كما تعيق الحواجز الإسرائيلية حركة الشاحنات لساعات طويلة، مما يتسبب بتلف كميات كبيرة من الخضار الطازجة، والوصول إلى أسواق رئيسية مثل الخليل أو بيتا يصبح صعبا، وهو ما يضاعف الخسائر ويحدّ من قدرة المزارعين على تسويق منتجاتهم.

نتيجة لذلك، يلجأ بعض المزارعين إلى إقامة بسطات (نقط بيع صغيرة) على شارع 90 -طريق رئيسي يربط الأغوار بالمحافظات الكبرى وهو تحت السيطرة الإسرائيلية الأمنية بالكامل- لبيع منتجاتهم، لكنهم يواجهون مضايقات متكررة من المستوطنين الذين يعتدون على هذه البسطات ويحرقونها.

المزارعون الفلسطينيون يلجؤون إلى تسويق منتجاتهم على جوانب الطرق في طوباس والأغوار (الجزيرة)تضييق ممنهج

يصف معتز بشارات، مسؤول ملف الاستيطان في الأغوار، ما يحدث بأنه "تدمير ممنهج للزراعة". فمنذ أكتوبر/تشرين الأول الماضي استولى الاحتلال على مساحات واسعة من الأراضي الزراعية، وقطع المياه عن قرى مثل بردلة وكردلة والعين البيضا.

ويضيف بشارات للجزيرة نت "المياه التي تصل إلى المزارعين تقلصت بشكل كبير، فأثّر ذلك على آلاف الدونمات المزروعة".

إلى جانب ذلك، تغلق الحواجز العسكرية مثل الحمرا وتياسير المنطقة بشكل شبه كامل، بحيث ينتظر المزارع أو العامل 5 أو 6 ساعات لعبور الحاجز، فيضيع يوم عمل كامل ويقطع الصلة بين المزارعين وأراضيهم.

ويشير المتحدث إلى أن الاحتلال صادر أكثر من 700 دونم مزروعة بالخضراوات في مناطق بردلة وكردلة والدير. كما لم يتبقَّ اليوم سوى 3 ينابيع فقط في الأغوار الشمالية بعد الاستيلاء على أكثر من 18 نبعا وتحويلها إلى مشاريع سياحية تخدم المستوطنين.

ويؤكد أن هذه السياسات تهدف إلى تفريغ الأغوار من سكانها؛ "فالاعتداءات على المزارعين وحرق الممتلكات ليست أعمالا فردية، بل جزء من منظومة الاحتلال التي تمارس دور الجيش بلباس مدني، مدعومة من حكومة الاحتلال التي تخصص شهريا أكثر من 135 مليون شيكل للمستوطنات، و35 مليون شيكل لمراقبة ومنع البناء الفلسطيني".

المزارعون يتلفون محاصيلهم ليتجنبوا خسائر أكبر خلال قطفها (الجزيرة)تهديد الوجود

ويختتم بشارات حديثه بالإشارة إلى عجز المؤسسات الدولية، مؤكدا أن ما يحتاجه المزارع الفلسطيني هو حماية دولية حقيقية تُمكّنه من البقاء على أرضه.

ويشدد على أن "الشعب الفلسطيني يعيش جحيما يوميا في الأغوار، وإذا لم يتحرك العالم بجدية لوقف جرائم الاحتلال فإن الوجود الفلسطيني برمته مهدد في هذه المناطق".

ينعكس هذا الواقع على تراجع الإنتاج الزراعي المحلي، بما يضعف قدرة الفلسطينيين على تحقيق الاكتفاء الذاتي الغذائي، ويرفع الاعتماد على المنتجات الإسرائيلية، ويزيد من هشاشة "سلة فلسطين الغذائية"، ويحمل في طياته خطرا حقيقيا على الوجود الفلسطيني الزراعي والسكاني في منطقة طالما عُرفت بأنها قلب فلسطين الزراعي النابض.

إعلان

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات دراسات على المزارعین آلاف الدونمات فی الأغوار أبو عامر

إقرأ أيضاً:

الإحصاء الفلسطيني: تضرر أكثر من 190 ألف مبنى بشكل كامل جراء العدوان الإسرائيلي

أفاد الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، بأن عدد المباني المتضررة جراء عدوان الاحتلال الإسرائيلي المتواصل على قطاع غزة، بلغ نحو 190 ألفا و115 مبنى، منها 102 و67 مبنى مدمرا بشكل كامل، وذلك في الفترة من 7 أكتوبر 2023 وحتى 8 يوليو من العام الحالي.

ماكرون: قريبون من إطلاق الرهائن ووقف النار في غزة الرئيس الأمريكي:  سأواصل متابعة مسألة غزة

وذكر الإحصاء الفلسطيني ، وفقا لوكالة الأنباء الفلسطينية "وفا"، أن عدد المباني المتضررة بشكل متوسط جراء عدوان الاحتلال، بلغ في الفترة ذاتها 41 ألفا و895 مبنى، فيما بلغ عدد الوحدات السكنية المتضررة حتى سبتمبر الماضي نحو 330 ألفا و500 وحدة سكنية.

 

وأشارت التقديرات إلى نزوح أكثر من مليون فلسطيني وتواجدهم في مناطق خيام مكتظة بكثافة سكانية عالية، وفيما تبقى من المباني الصالحة للسكن في شمال القطاع فقط، وأظهرت الصور الجوية التابعة لمركز الأمم المتحدة للأقمار الصناعية بين 4 و15 سبتمبر أن آلاف الخيام التي أقيمت في أراض فارغة بين أنقاض مدينة غزة، على طول الساحل وفي مناطق أقل تحضرا في الشمال، قد اختفت أو انخفض عددها بشكل كبير.

 

وأوضح أن صور مركز "بلانيت لابس" الجوية التي تم التقاطها في 15 سبتمبر، أظهرت أن خيام النازحين ما زالت منتشرة على طول الطريق الساحلي جنوب ميناء غزة، رغم أن جيش الاحتلال الإسرائيلي أعلن أن حوالي 400 ألف فلسطيني غادروا المنطقة استجابة لأوامر الإخلاء القسري، ويقدر أن أكثر من نصف مليون لا يزالون في شمال غزة.

 

كما تشير التقييمات الأولية إلى أن أكثر من 85% من مرافق المياه والصرف الصحي وأصولها في قطاع غزة قد خرجت على الخدمة كليا أو جزئيا جراء العدوان الإسرائيلي، وتبلغ تكلفة إعادة تأهيلها تقديريا أكثر من 1.5 مليار دولار، ويشمل ذلك محطات المعالجة والتحلية والضخ والآبار والخزانات وخطوط النقل وشبكات المياه والصرف الصحي، وقد أدى هذا الدمار إلى تراجع حاد في معدلات التزود بالمياه لتتراوح بين 3–5 لترات فقط للفرد يوميا؛ أي أقل بكثير من الحد الأدنى الإنساني المقدر بحوالي 15 لترا وفق معايير منظمة الصحة العالمية.

 

والضفة الغربية والقدس، أفادت وكالة الأنباء الفلسطينية بأن إسرائيل صعدت سياساتها الهادفة إلى التهجير القسري والاستيلاء على الأراضي وفقا لبيان الإحصاء الفلسطيني، مبينا أن أكثر من 1200 مواطن في مسافر يطا يعانون خطر الترحيل بسبب إخطارات هدم المنازل ورفض تصاريح البناء وتشديد القيود على التنقل، إلى جانب اعتداءات المستوطنين اليومية. 

 

ووفقاً لمكتب الأمم المتحدة للشئون الإنسانية في الأراضي المحتلة (أوتشا)، فقد تم تهجير أكثر من 6 آلاف و463 مواطنا قسرا بسبب هدم منازلهم ومساكنهم، و40 ألفا آخرين من مخيمات مدينتي جنين وطولكرم بفعل الاقتحامات العسكرية، إضافة إلى أكثر من 2200 نتيجة لاعتداءات المستوطنين، في الفترة من 7 أكتوبر 2023 وحتى 31 مايو 2025.

 

ووفقا لهيئة مقاومة الجدار والاستيطان الفلسطينية، فقد نفذت قوات الاحتلال الإسرائيلي خلال النصف الأول من العام الحالي، 380 عملية هدم طالت 588 منشأة في الضفة بما فيها مدينة القدس، منها 322 مسكنا مأهولا.

 

وأوضح الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، أن 5% من الأسر في الضفة الغربية تسكن في وحدات سكنية ذات كثافة سكنية عالية (3 أفراد فأكثر في الغرفة الواحدة)، وعلى مستوى نوع التجمع بلغت 4.8% في الحضر و3.6% في الريف، وارتفعت إلى 10.5% في المخيمات في عام 2024.

 

جدير بالذكر أن متوسط عدد الغرف في المسكن بلغ 3.6 غرفة عام 2024 في الضفة الغربية، ومتوسط 3.6 غرفة في الحضر و3.7 غرفة في الريف، مقابل 3.2 غرفة في المخيمات.

 

وأوضح أن عدد الوحدات السكنية المرخصة في الضفة الغربية (الجديدة والقائمة) بلغ 13 ألفا و819 وحدة سكنية مرخصة العام الماضي، في حين كانت 18 ألفا و230 وحدة سكنية مرخصة في عام 2023، وذلك حسب السجلات الإدارية لإحصاءات رخص الأبنية لعامي 2023 و2024.

 

ومنذ السابع من أكتوبر 2023، يتعرض قطاع غزة لعدوان واسع وإبادة جماعية من قبل الاحتلال الإسرائيلي، ما أسفر عن موجات كبيرة من النزوح القسري، حيث يقدر عدد النازحين بأكثر من مليونيْ نازح حتى 11 يوليو 2025، وقد دمرت أحياء ومدن بالكامل بما في ذلك خيام اللاجئين والأبراج السكنية.

 

مقالات مشابهة

  • عودة نشطاء أسطول الصمود للأردن وشهادات عن التنكيل بهم في سجون الاحتلال
  • مشروعية مقاومة الشعب الفلسطيني للاحتلال قانونيًا
  • الهلال الأحمر الفلسطيني: 29 شهيداً من طواقمنا في غزة منذ بداية العدوان
  • الهلال الأحمر الفلسطيني: ارتقاء 29 شهيدا من طواقمنا في قطاع غزة منذ بدء حرب الإبادة
  • الاحتلال يغلق حاجز الحمرا العسكري في الأغوار الشمالية
  • مستوطنون يقتحمون خربة سمرا بالأغوار الشمالية
  • أسطول الضمير يتحدّى الاحتلال: نحو غزة رغم التهديد والاعتراض
  • "إسرائيل" ترحل 171 مشاركًا بأسطول الصمود منهم الناشطة السويدية ثونبرغ
  • الإحصاء الفلسطيني: تضرر أكثر من 190 ألف مبنى بشكل كامل جراء العدوان الإسرائيلي
  • عاجل | الهلال الأحمر الفلسطيني: إصابة فلسطيني برصاص قوات الاحتلال في مدينة طوباس شمالي الضفة الغربية