تتجه مصر والمملكة العربية السعودية نحو تعزيز تحالفهما الاستراتيجي في البحر الأحمر، عبر مفاوضات جادة لتأسيس قوة بحرية مشتركة تهدف إلى حماية حرية الملاحة وتأمين خطوط التجارة في واحدة من أكثر الممرات المائية أهمية وحيوية على مستوى العالم. ويأتي هذا المشروع ضمن إطار مجلس البحر الأحمر، الذي تأسس في الرياض عام 2020 ويضم سبع دول عربية وإفريقية، بينها مصر والسعودية واليمن وجيبوتي وإريتريا والصومال والأردن، في محاولة لبناء شبكة أمنية إقليمية تعزز استقرار المنطقة البحرية.

ويعتبر البحر الأحمر أحد أكثر الطرق المائية حيوية عالميًا، ليس فقط بسبب مرور الملايين من حاويات الشحن والبضائع عبره سنويًا، بل أيضًا لدوره الاستراتيجي في توصيل الطاقة والتجارة العالمية. ومن هنا، فإن تحرك القاهرة والرياض لتأسيس قوة مشتركة يُمثل خطوة غير مسبوقة لتعزيز الأمن البحري، خصوصًا في ظل تهديدات مستمرة تتعرض لها السفن المدنية والعسكرية.

ويأتي هذا التطور في وقت تتصاعد فيه الهجمات البحرية التي تشنها جماعة الحوثيين على السفن العابرة للبحر الأحمر، ما أدى إلى تعطيل جزئي لحركة التجارة العالمية، خصوصًا في ممرات خليج العقبة وباب المندب. هذه الهجمات لا تؤثر فقط على حركة الشحن، بل تخلق ضغطًا على أسعار الطاقة والسلع الاستهلاكية، ما ينعكس على الأسواق الإقليمية والدولية.

ويثير هذا الوضع مخاوف إسرائيلية ملحوظة، إذ إن أي تغيير في موازين القوى البحرية أو أي قيود على حرية الملاحة قد يؤثر بشكل مباشر على الموانئ الإسرائيلية في إيلات، التي تعتمد بشكل كامل على مرور السفن عبر خليج العقبة لتأمين إمدادات الطاقة والسلع الأساسية. هذا القلق يعكس حساسية الممرات البحرية بالنسبة للدول المطلة على البحر الأحمر، ويبرز أهمية التعاون الأمني الإقليمي في حماية خطوط التجارة.

القوة البحرية المشتركة المخطط لها ستعمل على تأمين الملاحة وحماية السفن التجارية والعسكرية من التهديدات الإقليمية، في خطوة تُعد ترجمة عملية لتنسيق أمني متزايد بين القاهرة والرياض. وتتضمن الخطط الأمنية مشاركة خبرات ومعدات عسكرية متقدمة، إلى جانب مراقبة ورصد مستمر للحركة البحرية لضمان سرعة الاستجابة لأي تهديدات.

ويأتي هذا التحرك بالتوازي مع تفاهمات سياسية رفيعة المستوى بين البلدين، حيث تعهدت مصر بدعم ترشيح الوزير السعودي السابق، عادل الجبير، لمنصب الأمين العام لمجلس البحر الأحمر، فيما ستدعم السعودية المرشح المصري، الدكتور نبيل فهمي، لمنصب الأمين العام لجامعة الدول العربية، خلفًا للدكتور أحمد أبو الغيط عند انتهاء ولايته في مايو 2026. وتؤكد هذه التفاهمات أن التعاون العسكري والأمني يترافق مع تبادل نفوذ سياسي واستراتيجي بين القاهرة والرياض لتعزيز مصالحهما المشتركة.

وتراقب إسرائيل هذه التحركات عن كثب، إذ تعتبر أي قيود على حرية الملاحة البحرية تهديدًا مباشرًا لشريانها الحيوي في خليج العقبة. وتؤكد مصادر دبلوماسية أن تعزيز الأمن البحري الإقليمي بين الدول العربية والإفريقية قد يُعيد تشكيل موازين القوى البحرية، ويحد من النفوذ التقليدي للدول الغربية، ويزيد من قدرة القاهرة والرياض على مواجهة التهديدات الإقليمية، بما في ذلك التمدد الإيراني والنشاط الحوثي في البحر الأحمر.

يأتي هذا التحرك في سياق تقارب استراتيجي متسارع بين مصر والسعودية، يشمل المجالات الاقتصادية والاستثمارية والأمنية. إذ تعد الرياض من أكبر المانحين والمستثمرين في مصر، فيما تُعتبر القاهرة شريكًا محوريًا في مواجهة التحديات الأمنية في المنطقة، من الإرهاب إلى التهديدات الإقليمية المتزايدة. ويؤكد هذا التعاون أن البحر الأحمر لم يعد مجرد ممر تجاري، بل أصبح ساحة استراتيجية لتعزيز القوة الإقليمية وبناء تحالفات محلية قادرة على حماية المصالح المشتركة في مواجهة المخاطر والتحديات العالمية.

المصدر: نيوزيمن

كلمات دلالية: القاهرة والریاض البحر الأحمر

إقرأ أيضاً:

شركات الشحن تراقب مفاوضات غزة لتقييم الوضع في البحر الأحمر

ونشرت الوكالة اليوم الإثنين تقريراً قالت فيه “مع اجتماع المفاوضين من إسرائيل وحماس لمناقشة الاقتراح الأمريكي لإنهاء الحرب في غزة، لا يوجد ضمانات بشأن عودة أكبر خطوط الحاويات البحرية في العالم إلى طريق البحر الأحمر – قناة السويس في أي وقت قريب”.

وأشارت الوكالة إلى أن “مشغلي السفن ترددوا في إعادة عملياتهم إلى البحر الأحمر خلال ما اعتبروه وقف إطلاق نار هش بين "إسرائيل" وحماس في يناير من هذا العام، والذي انتهى في مارس”.

وأشارت الوكالة إلى أنه لا يمكن الاعتماد على الولايات المتحدة والقوات الأوروبية، لافتة إلى أن “الهجمات البحرية المكثفة التي شنتها الولايات المتحدة في عهد إدارة بايدن، ثم إدارة ترامب، على اليمن فشلت في تحييد القدرات اليمنية بل في الواقع، أسقطت البحرية الأمريكية طائرة مقاتلة أمريكية عن طريق الخطأ في ديسمبر، وخسرت طائرتين أخريين في البحر، إحداهما عندما قامت حاملة الطائرات التي انطلقت منها بمناورة مفاجئة لتجنب هجمات من اليمن، والأخرى نتيجة هبوطٍ فاشلٍ على متن حاملة الطائرات”.

ويعود تردد شركات الشحن بشأن العودة إلى البحر الأحمر إلى عدم اليقين بشأن صمود أي اتفاق لوقف إطلاق النار في غزة لوقت طويل.

ونقل التقرير عن فينسنت كليرك، الرئيس التنفيذي لشركة (ميرسك)، قوله إنه “حتى بعد وقف إطلاق النار بين الولايات المتحدة واليمن، من غير المرجح أن ترسل شركات الشحن سفنها عبر البحر الأحمر حتى يتم استعادة الأمن بشكل موثوق”.

وذكرت الوكالة أن “سورين توف، الرئيس التنفيذي لشركة (ميديترينيان شيبينغ) (إم إس سي)، حذر من العودة السريعة إلى المنطقة حتى يتحسن الوضع الأمني”.

وشركتا (إم إس سي) و(ميرسك) من الشركات الخاضعة لعقوبات قوات صنعاء نتيجة تعاملها مع الموانئ الإسرائيلية.

ونقل التقرير عن شركة (مارش ماكلينان) الأمريكية للتأمين قولها إن “شركات التأمين ونوادي الحماية والتعويض التي تغطي الشحن البحري استجابت لمخاوف مسؤولي الشحن بشأن وضع البحر الأحمر، وذلك بتعديل شروط التغطية، ورفع أقساط التأمين، وإصدار توجيهات جديدة تعكس تصاعد المخاطر الجيوسياسية، ومع استمرار الهجمات، أبدت شركات التأمين ضد مخاطر الحرب حذراً متزايداً بفرض استثناءات، أبرزها استثناء مخاطر الحرب في البحر الأحمر من بعض برامج إعادة التأمين قبل تجديدها في عام 2024”.

وكان لارس جنسن، الاستشاري البارز في قطاع الشحن البحري، أشار أمس الأحد إلى أن تجربة وقف إطلاق النار الذي تم التوصل إليه في يناير الماضي لم تكن مشجعة لشركات الشحن الكبرى، لأنه “تم إفشال الاتفاق في مارس مع استئناف الأعمال العدائية، مما دفع باليمن أيضاً إلى استئناف الحصار الذي أعلنوه، ولذا من منظور الشحن، من المرجح جداً أنه حتى في حال التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار، وحتى في حال نجاحه في البداية، سيتطلب الأمر فترة طويلة من الاستقرار قبل أن نشهد عودةً إلى مسار قناة السويس لسفن الحاويات الكبيرة”، حسب تعبيره.

وكانت القوات المسلحة اليمنية قد اكدت أمس الأحد، إنها تتابع المستجدات بالتنسيق مع المقاومة الفلسطينية وإنها ستتعامل مع الوضع بناء على النتائج الميدانية، مؤكدة أن عملياتها لن تتوقف إلا عند “وقف العدوان على غزة ورفع الحصار عنها”.

مقالات مشابهة

  • توافق أوروبي خليجي لمواجهة الخطر الحوثي الإيراني على الملاحة البحرية
  • مهرجان المانجو يجذب السياح بالغردقة
  • بمشاركة 92 سفينة و66 طائرة.. تركيا تطلق مناورات بحرية واسعة النطاق
  • من أيزنهاور إلى ترومان.. كيف ولّى زمن البحرية الأمريكية وحضر اليمن بعملياته الإسنادية
  • شركات الشحن العالمية تترقب نتائج مفاوضات غزة لتحديد مصير الملاحة في البحر الأحمر
  • شركات الشحن تراقب مفاوضات غزة لتقييم الوضع في البحر الأحمر
  • وزير الخارجية الألماني: توافق مع دول الخليج حول أمن الممرات البحرية
  • عطل في نظام تحديد المواقع العالمي يعرقل الملاحة البحرية في قطر
  • أخبار البحر الأحمر.. بروتوكول تعاون بين حياة كريمة ووزارة الصحة وقطاع البترول لإنشاء وحدة غسيل كلوي جديدة بمستشفى الغردقة العام
  • وزير الدفاع يشدد على جاهزية القوات البحرية لحماية السواحل اليمنية