تأجيل ثانٍ لمحاكمة ممرضة بمستشفى زميرلي صاحبة الفيديو المثير للجدل
تاريخ النشر: 7th, September 2025 GMT
أجّلت صباح اليوم الأحد محكمة الحراش ملف ممرضة بمستشفى سليم زميرلي صاحبة الفيديو الذي آثار الكثير من الجدل عبر تطبيق “التيك توك”. والذي تظهر فيه جثمان شخص ميت تقوم بتحضيره قبل إرساله لغرفة حفظ الجثث بالمستشفى.
وجاء التأجيل الثاني لتاريخ 21 سبتمبر الجاري، بطلب من الدفاع لتحضير الشهود في قضية الممرضة. التي تم وضعها تحت نظام الرقابة القضائية الاسبوع الفارط بطلب من المحكمة.
هذا وكانت وزارة الصحة قد أصدرت بياناً، استنكرت فيه هذه التصرفات التي اعتبرتها غير انسانية والبعيدة كل البعد عن قيمنا الإنسانية والدينية، وعن المبادئ الأساسية لمهنة التمريض والرسالة النبيلة للقطاع الصحي.
هذا وقد كشفت مصادر مطلعة لـ “النهار”، أن الممرضة محل الاتهام تبلغ من العمر 24 سنة، تعمل بمستشفى سليم زميرلي منذ 4 سنوات تم تقديمها أمام وكيل الجمهورية لدى محكمة الحراش، أين استمع لأقوالها بخصوص الفيديو الذي قامت بنشره، والذي تبيّن أن تسجيله كان شهر جانفي الفارط، ولم تقم بنشره إلا مؤخرا، بغرض توعوي فقط.
حيث ستواجه المعنية بموجب الأفعال المنسوبة لها تهمة المساس بحرمة الميت بموجب قانون العقوبات الجزائية.
هذا وقد كانت وزارة الصحة قد نددت في بيانها بهذه السلوكيات الفردية وأكدت أنها مرفوضة بحكم أنها تمسّ بكرامة الميت ومشاعر ذويه.
وجدّدت وزارة الصحة في بيانها التزامها التام باحترام حرمة الموتى، والتقيّد الصارم بأخلاقيات المهنة وقواعد ممارسة العمل الصحي. كما أنها لن تتسامح مع أي تجاوز أو سلوك يسيء لسمعة القطاع الصحي.
تجدر الإشارة أن مستشفى زميرلي، تأسست طرفا مدنيا في ظل غياب وعدم تأسس ذوي حقوق الشخص المتوفي الذي ظهر في الفيديو، كما سحب الممثل القانوني للخزينة العمومية تأسسها في الملف. في انتظار ما ستكشف عنه المحاكمة من مستجدات.
المصدر: النهار أونلاين
كلمات دلالية: محاكم
إقرأ أيضاً:
حكايتا نادية وفاطمة… من بلاط أحزان صاحبة الجلالة
(1)
قالها شرطي المرور في قسم الحوادث ببحري، قبيل العاشرة مساءً بقليل أو بعدها بدقائق:
(تعالوا عشان تتعرّفوا على الجثمان).
كنّا — عطاف وياسر وعزمي وشخصي — كلٌّ منا يريد للآخر أن يتقدّم نيابة عنه.
رُفع الغطاء عن ذلك الوجه الوضيء… فإذا هي نادية عثمان مختار، زميلتي وشقيقتي وصديقتي منذ سنوات ليست بالطوال، لكنها كانت كافية لتجعل لها مكاناً عزيزاً في القلب.
لم تُفارقها الابتسامة يوماً، حتى في أشد لحظات الإحباط والحزن.
كانت ابتسامتها سرّ قوتها، ومصدر طاقتها في مواجهة صعاب الحياة ابتسامة تعمل كمضادٍّ حيوي ناجز ضدّ الكآبة وران القلوب.
(2)
على حائطها في فيسبوك نشرت صورة لها وكتبت تحتها تعليقاً لطيفاً:
(ابتسامة في زمن العبوس القسري).
لم تُفارقها الابتسامة حتى وهي تقاوم البكاء في لحظات الخذلان وانكسار الأحلام وخيبة العشم.
ولم تُغادر وجهها وهي تعبر من عالمنا إلى عالمٍ آخر، عبر حادث سير مروّع.
وبإذنه تعالى، لن تُفارقها الابتسامة يوم لقائه عزّ وجل.
(3)
كانت بداية معرفتنا لقاءً على “الماسنجر” في مطلع الألفية الثالثة. سألتني:
(هل أنت ضياء الدين بلال الصحفي؟)
سؤال، فتعقيب، فتعليقات مشتركة على الأعمال الصحفية. كانت وقتها مقيمة بالقاهرة، وبدأ اسمها يصعد في عالم الصحافة بسرعة الصاروخ.
كانت تمضي إلى الأمام بحماس وثبات. النجاح يغريها بمزيد من العطاء، والشهرة تزيدها تواضعاً.
تكتب وتحاور بتدفّق واستمرار، كأنها تسابق الزمن لإنجاز مهام عظيمة!
أحبت الصحافة فبادلَتْها حباً بحب، ثم انتقلت إلى الشاشة البلورية بذات الألق والحضور البهي، والقدرة المدهشة على تحقيق النمرة الكاملة.
(4)
قلت لها في حوارات الماسنجر:
(عندك مقدرة حوارية مُرعبة في انتزاع الاعترافات)!
فربما ضحكت ضحكتها تلك، ضحكة فيها شيء من الطفولة والغموض والشغب البريء، وفيها بُحّة من سراب اللون والظل، وطعمٌ من بلح دنقلا العجوز.
أحدهم مدحها وهو يريد انتقادها بعنف، فكتب:
(مذيعة قناة أمدرمان ومقدّمة برنامج “أرياف وبنادر” وغيره من اللقاءات الناجحة… ورغم عقلها المتفتح إلا أن وجهها الطفولي يخذلها كمذيعة تلفزيون. وعليه أقترح — ولمنفعتها — أن تقدّم برامج للأطفال.
وصدقوني ستكون الأنجح في هذا المجال!).
(5)
ليست الصدف هي التي تُرتّب ذلك، ولكنها أيادي الأقدار تضع كل شيء في موضعه في ميقاتٍ محدد في الأزل المعلوم.
نادية مختار وفاطمة خوجلي — اللتان ارتحلتا معاً عام 2013 في حادث سير وهما عائدتان من الصحيفة — التقتا في صالة تحرير السوداني على محبة وانسجام، وبليلة الحاجة زينب وكوب شاي.
اختارت نادية فاطمة خطيبةً لشقيقها مختار، وقبل ذلك وبعده لم تفترقا؛ ضحكة وابتسامة ومدح متبادل على صفحات الفيسبوك:
(خطيبة أخوي وعاجباني).
ومضتا معاً حتى بلغتا تلك اللحظة المأساوية، وهما تمسكان بأيدي بعضهما، تحاولان عبور الطريق إلى منزل أسرة فاطمة بالخوجلاب.
(6)
قبل شهرٍ من الرحيل إلى الدار الآخرة — من دون “جواز سفرها المتعب” — كتبت نادية على صفحتها تناجي زوجها الراحل:
رسالة إلى محمد في عليائه!
واحشني يا أبو إيمان، يا ابن عمي، يا غالي…
يا ريت في يدك ترجع ليَّ، أو في يدي أجيك هناك في الجنة التي أسأل الله أن تكون تحت ظلها الوارف.
إيمان بتسلم عليك يا محمد… ومريم وإسراء وكل أحبابك.
نم قرير العين واسعد بالنعيم. ولن أقول لك إنو ما ناقصنا إلا رؤياك… فالذي ينقصنا كثيييير بعدم رؤياك، أيها الإنسان الطيب… الملاك بحق.
الله يرحمك يا غالي… ويخلي إيمان حتّة منك وفيك وبيك. أحلى هدية منك يا ود عمي العزيز والحبيب والغالي جداً جداً.
نادية… أم إيمان.
وبعد تلك الرسالة بأيام كتبت:
ما في أجمل من عظمة ربنا لمن يحرمك من زول بالموت… ثم برحمته يجيبو ليك في المنام؛ تتونس وتضحك وتهظر وتعيش معاهو أحلى اللحظات… وتصحى مليان بيهو، ولا تحس إنو ميت وفي دنيا غير دُنيتك!
(7)
نادية… عاشقة الصحافة والمسكونة بحب الحوارات.
لو مُنحت عشر دقائق فقط لأجرت حواراً مع سائق السيارة الطائشة — دكتور فلان — بكل هدوء ومهنية!
فالموت وحده — لا المرض ولا الحزن — هو القادر على منع نادية من أداء واجبها الصحفي.
(????
طرقت فاطمة باب مكتبي أول مرة، عرّفتني بنفسها: فاطمة خوجلي.
صحفية تعمل في العزيزة (الرأي العام).
كانت المفاجأة أنها خريجة علوم — كيمياء بتفوق — ولكن قوة مغناطيسية خارقة جذبتها إلى مهنة الصحافة.
كان في عينيها ذياك البريق… بريق المبدعين المحبّين لمهنة المتاعب، مهنة الأحزان الكبرى والأفراح العابرة.
قلت لها ممازحاً:
(لماذا لا تذهبين للعمل في مجال تخصصك؟ أفضل ليك من الدردرة في مهنة الصحافة!)
فردّت بحزم ووضوح:
(أنا بحب الصحافة يا أستاذ و…) — ولا أذكر ماذا قالت بعد ذلك!
-٩-
يوماً بعد آخر، بدأت فاطمة تكشف عن موهبة نادرة في التحقيقات الاستقصائية؛
كان “نفسها طويل” — ويا ليت روحها كانت كذلك — لا تتعب في ملاحقة المعلومات ومطاردتها.
في أحد تحقيقاتها المميزة اكتشفت، بالملاحظة والمتابعة، أن مركزاً كبيراً لغسيل الكلى تسبب في إصابة عدد من المرضى بالتهاب الكبد الوبائي بسبب ضعف إجراءات السلامة.
موهبة “بت الخوجلاب” لم تقتصر على الأداء التحريري. مع الأيام برزت موهبتها الاجتماعية المدهشة؛ كانت تملك كاريزما قيادية آسرة، دوماً أول المبادرين في المناسبات، وفضّ النزاعات بين الزملاء، وتقديم مطالبهم لإدارة الصحيفة:
(يا أستاذ عليك الله وجدان دي أدوها سلفية… ودندش لازم يجي راجع… وما تنسوا أولاد عبد المجيد).
ومع امتداد علاقاتها الاجتماعية، كانت دائماً قادرة على رسم الخطوط الحمراء للتعامل معها… بنظراتها فقط، دون أن تنطق بكلمة.
-١٠-
بعد عودتي من مقابر الخوجلاب، فاجأتني صغيرتي رنا بسؤال أوجع القلب:
(يا بابا ليه الله ما استجاب لدعواتنا لخالتو فاطمة وخلاها تموت؟!)
فقلت لها بعد تفكير:
(احتمال يا رنا الله اختار ليها الموت عشان يدخلها الجنة… وهناك عندو ليها هدايا كتييييرة).
وعلى موجة سؤال رنا، كتب الشفيف عطاف مختار في القروب:
(فاطمة السمحة بنية جميلة… جاها الموت قال إلا يشيلها)!
جاءها الموت وهي تنتظر “الزفاف الأبيض” جاء في موعد آخر وقدرٍ مسطّر في الأزل.
كان الكفن الأبيض في انتظارها… في ليلة شتوية مثقلة بالحزن ومبللة بالدموع.
رحم الله نادية عثمان مختار وفاطمة خوجلي رحمةً واسعة، وجعل قبريهما نوراً وفسحةً وسروراً.
اللهم اجعل ابتسامة نادية شاهدةً لها، وطيبة قلب فاطمة ظلاً دائماً عليهما.
*في ذكرى الرحيل.
ضياء الدين بلال