سورية وإسرائيل.. استحالة السلام
تاريخ النشر: 22nd, November 2025 GMT
أن يُجري رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو وعدد من الوزراء، ورئيس الشاباك دافيد زيني، ورئيس الأركان إيال زامير، جولة ميدانية داخل الأراضي السورية، فهذا ليس بالحدث العادي، وأن تقوم إسرائيل بتأهيل رجال إطفاء من السويداء جنوبي سورية داخل دولة الاحتلال، وتزويدهم بأحدث المعدات، فهذا ليس بالحدث العادي العابر أيضا.
إنهما رسالتان واضحتان لدمشق تؤكدان على أمرين أساسيين: الأول أن إسرائيل لن تنسحب من النقاط العسكرية التي أقامتها داخل الأراضي السورية بعد الثامن من ديسمبر العام الماضي.
لا يتعلق الأمر هنا بقمة جبل الشيخ الاستراتيجية فقط، بل بكل النقاط العسكرية الأخرى، بما فيها تلك المُقامة عند الحدود قرب خطوط الاشتباك.
إنها مقاربة تقوم على مبدأ اختلال موازين القوى بين الجانبين، وعلى مبدأ الواقع القائم الذي لا تستطيع سورية تغييره، وعلى رؤية استراتيجية تعتمدها إسرائيل منذ سنوات طويلة حيال التعامل مع العرب، وهي القوة والمزيد من القوة والبطش لإجبار العرب على تقديم التنازلات.الأمر الثاني، أن إسرائيل لن تكتفي بالتدخل العسكري والأمني في سورية فحسب، بل ستتعدى ذلك إلى التدخل في الشأن السياسي والاجتماعي الداخلي من بوابة الطائفة الدرزية، أو الأصح عن طريق بعض الأطراف الدرزية.
المقاربة الإسرائيلية تجاه سورية واضحة جدا، وهي تقوم على مبدأ القوة فقط، والاستسلام السوري حسب ما عبرت عنه "القناة 12" العبرية نقلا عن مسؤولين إسرائيليين قالوا: "لو كان الحديث عن اتفاق سلام بين سورية وإسرائيل، لكان هناك منطق معين في الانسحاب الإسرائيلي من الأراضي السورية التي سيطرت عليها إسرائيل بعد 8 ديسمبر الماضي، والبقاء في الجولان، وتقديم رد على التهديدات، لكن من أجل ترتيبات أمنية، في حين أن لدينا بالفعل سيطرة أمنية، فلا يوجد منطق في ذلك".
بعبارة أخرى، إن السقف السياسي ـ الأمني الذي تطرحه إسرائيل على سورية يقوم على التالي:
استعداد إسرائيل الانسحاب من المناطق التي احتلتها بعيد سقوط نظام الأسد مقابل توقيع سورية اتفاق سلام شامل مع إسرائيل، ونسيان الجولان نهائيا، وعلى أن تكون المنطقة الممتدة من الحدود الإسرائيلية إلى دمشق، منطقة عازلة منزوعة السيادة السورية عسكرياً، مع إعطاء حرية التحرك العسكري في المنطقة إذا اقتضت الظروف ذلك وفق الاعتبارات الإسرائيلية.
إنها مقاربة تقوم على مبدأ اختلال موازين القوى بين الجانبين، وعلى مبدأ الواقع القائم الذي لا تستطيع سورية تغييره، وعلى رؤية استراتيجية تعتمدها إسرائيل منذ سنوات طويلة حيال التعامل مع العرب، وهي القوة والمزيد من القوة والبطش لإجبار العرب على تقديم التنازلات.
الشرع بين موسكو وواشنطن
رفض الرئيس السوري أحمد الشرع المطالب الإسرائيلية لأنها ستؤدي إلى نتائج كارثية في الداخل السوري، ليس لأن التخلي عن الجولان المحتل مسألة لا يستطيع أي سوري اتخاذ القرار فيها فحسب، بل أيضا لأن الموافقة على المطالب الإسرائيلية ستعني أن سورية تحولت إلى دولة مُحتلة بطريقة غير مباشرة من قبل إسرائيل.
قدم الشرع مقاربة سورية للرئيس الأميركي دونالد ترمب الذي أبدى تأييدا للمقاربة السورية حسب ما أعلن الشرع نفسه، لكن في الوقت ذاته، لم تقم واشنطن ولا تنوي ممارسة ضغوط على إسرائيل لإجبارها التراجع عن مطالبها، وليست زيارة نتنياهو والوفد المرافق له للجنوب السوري إلا دليلا على غياب الضغط الأميركي.
رفض الرئيس السوري أحمد الشرع المطالب الإسرائيلية لأنها ستؤدي إلى نتائج كارثية في الداخل السوري، ليس لأن التخلي عن الجولان المحتل مسألة لا يستطيع أي سوري اتخاذ القرار فيها فحسب، بل أيضا لأن الموافقة على المطالب الإسرائيلية ستعني أن سورية تحولت إلى دولة مُحتلة بطريقة غير مباشرة من قبل إسرائيل.بالنسبة لواشنطن، يجب تحقيق استقرار سياسي وعسكري وأمني في سورية، ويجب أن يُحل النزاع السوري الإسرائيلي بما يحقق شروط الاستقرار هذه في سورية، لكنها بالمقابل تبدي تفهما لـ "القلق" الأمني الإسرائيلي حيال جبهتها الشمالية، لاسيما السورية منها في ظل عدم استقرار الأوضاع فيها.
في ضوء هذه الاعتبارات يعمل الشرع على فصل مسألة الجولان المحتل عن الأراضي التي سيطرت عليها إسرائيل خلال العام الجاري، بحيث يتم التوصل إلى اتفاق أمني تنسحب إسرائيل بموجبه من هذه النقاط، ثم يتم الانتقال إلى مفاوضات حول مصير الجولان.
يعتمد الشرع في هذا الطرح على أمرين، الأول ممارسة حلفاء سورية (الرياض، الدوحة، أنقرة) ضغطا على الرئيس الأميركي لإجبار إسرائيل على تقديم تنازلات، والثاني أن الاستسلام للطرح الإسرائيلي سيؤدي إلى زيادة التوتر السياسي والعسكري والاجتماعي داخل سورية، وهي المقاربة التي تلقى قبولا من ترمب ومن الدول الإقليمية.
وسع الشرع دائرة تحركاته، فاستغل موافقته على استمرار الاتفاقيات العسكرية مع روسيا للاستفادة منها في الجنوب السوري بسبب خبرتها المتراكمة خلال السنوات الماضية في الجنوب، وبسبب وجود ثقة متبادلة بينها وبين إسرائيل.
في هذا السياق جال وفد عسكري روسي قبل أيام الجنوب السوري، بما فيها المناطق الحدودية ضمن ترتيبات تشكل قوة شرطية روسية تكون بمثابة قوات حفظ سلام.
لكن المُلفت للانتباه أن التحرك الروسي في الجنوب السوري، جاء بعد نحو أسبوعين من تسريب وكالة "رويترز" للأنباء نقلا عن ست مسؤولين أميركيين، عزم الولايات المتحدة إقامة قاعدة عسكرية بمحاذاة دمشق.
المُحير في الموضوع أن القاعدة العسكرية حسب التسريبات ستقام قرب دمشق وليس في الجنوب السوري وفق المنطق العسكري، لأن هدف مثل هذه القاعدة أن تكون وسيطا جغرافياً بين طرفين، لكن إقامتها بمحاذاة دمشق يُثير الكثير من علامات الاستفهام! ثم جاء التحرك العسكري الاستشرافي في الجنوب ليزيد المسألة حيرة.
يُمكن الاستنتاج من هذه التسريبات والتحركات ما يلي، أن هدف القاعدة العسكرية الأميركية قرب دمشق هي حماية للحكم العاصمة وبالتالي الحكم في سورية من أي تحركات إسرائيلية ضد دمشق كما حدث في يوليو الماضي، وبالتالي طمأنة دمشق.
بهذا المعنى، فإن القاعدة العسكرية الأميركية قرب دمشق تخدم في النهاية الرؤية الإسرائيلية، لا الرؤية السورية، لأن غايتها طمأنة سورية من أي تهديد إسرائيلي لنظام الحكم الجديد، وليس لها علاقة بأوضاع الجنوب السوري.
بالمقابل، تُشكل القوة الشرطية الروسية في حال نفذت انتشارها، طمأنة لإسرائيل وليس لسورية، لأن هذه القوة الشرطية ستكون حاجزا جغرافياً يحمي الحدود من جهة الشمال.
خاتمة
من الصعب التكهن بمسار العلاقات السورية الإسرائيلية، طالما أن الجانب السوري لا يمتلك القدرة والقوة الكافيتين لإجبار إسرائيل على الانسحاب من الأراضي السورية.
وعلى الرغم من خطورة بقاء نقاط عسكرية في العمق السوري، إلا أن المسألة الأكثر خطورة في هذه المرحلة تكمن في قرار إسرائيل المضي قدما في دعم التوجه الدرزي الذي يمثله شيخ عقل الدروز حكمت الهجري.
من هنا تبدو المخاطر الكبرى للوجود العسكري الإسرائيلي في سورية، والخط الجغرافي المفتوح بين السويداء وإسرائيل، فمع مرور الزمن قد تترسخ هذه العلاقة وتفرض واقعا قائما على الأرض يصعب تغييره.
في ضوء ذلك، ثمة ثلاثة سيناريوهات للمرحلة المقبلة:
ـ استمرار الوضع على ما هو عليه، إي بقاء الوجود العسكري الإسرائيلي في سورية، واستمرار إسرائيل في التدخل في الشأن السياسي السوري من بوابة الهجري.
ـ كما مجح الشرع خلال الأشهر الماضية بدفع واشنطن لمنع إسرائيل بقصف سورية مجددا، قد يتجه الشرع نحو إقناع واشنطن في هذه المرحلة بقطع العلاقة بين إسرائيل وتيار الهجري، لمنع تفاقم التوتر الداخلي، وهو توجه يحظى بدعم أميركي.
ـ السيناريو الثالث والأكثر صعوبة، إن لم يكن أكثر استحالة، هو قبول الشرع بالمطالب الإسرائيلية، أو على الأقل القبول بصيغة تجمع بين الأمني والسياسي من شأنها أن تكون إطارا لتفاهم بين الجانبين.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات قضايا وآراء كاريكاتير بورتريه قضايا وآراء السورية إسرائيل العلاقات إسرائيل علاقات سورية رأي قضايا وآراء قضايا وآراء قضايا وآراء قضايا وآراء قضايا وآراء قضايا وآراء مقالات مقالات مقالات رياضة سياسة سياسة سياسة سياسة صحافة سياسة سياسة سياسة أفكار سياسة اقتصاد رياضة صحافة قضايا وآراء أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة المطالب الإسرائیلیة الأراضی السوریة الجنوب السوری فی الجنوب على مبدأ فی سوریة
إقرأ أيضاً:
رابطة العالم الإسلامي تدين الانتهاكات الإسرائيلية في غزة وسوريا
أدانت رابطة العالم الإسلامي بشدة، الانتهاكات الجسيمة التي يرتكبها الجيش الإسرائيلي، تجاه الشعب الفلسطيني، ولا سيما أبناء غزة، وتجاه سوريا وسلامة أراضيها، مواصلة نهجها الهمجي الخطر في التعدي على سيادة الدول، وانتهاك القوانين والأعراف الدولية، وزعزعة الأمن والاستقرار في المنطقة، وتقويض جهود السلام.
ونوهت الرابطة في بيان، اليوم الجمعة، بالإدانة الدولية لانتهاكات الجيش الإسرائيلي للسيادة السورية، وتهديد أمنها واستقرارها، وفقًا لوكالة الأنباء السعودية (واس).
ورحبت بالتوافق الدولي المهم والواسع بشأن اعتماد الجمعية العامة للأمم المتحدة، لعدد من القرارات الداعمة للشعب الفلسطيني وحقوقه المشروعة، والتصدي لممارسات الاحتلال الخارجة عن القانون، بما فيها انتهاكات حقوق الإنسان، والمستوطنات.
وشدد أمين الرابطة، رئيس هيئة علماء المسلمين، الشيخ الدكتور محمد بن عبدالكريم العيسى، على أن هذا التوافق الدولي يعبر بجلاء عن رفض وإدانة قاطعة، وبأغلبية ساحقة، لهذه الانتهاكات الجسيمة من الحكومة الإسرائيلية من دون رادع، مما يحتم ضرورة إنفاذ الإرادة الدولية، وقراراتها ذات الصلة بالقضية الفلسطينية، وعلى رأسها "إعلان نيويورك" للتسوية السلمية للقضية الفلسطينية، وتنفيذ حل الدولتين الذي قادت جهوده الدولية السعودية بالاشتراك مع فرنسا، بصفته السبيل الوحيد لإرساء السلام الدائم الشامل والعادل في المنطقة.