القاهرة (زمان التركية)ــ خريطة مركاتور العالمية، التي لطالما كانت جزءًا لا يتجزأ من الفصول الدراسية حول العالم، تجعل الاتحاد الأوروبي يبدو بحجم أفريقيا تقريبًا. في الواقع، أفريقيا أكبر بسبع مرات.

وهذا التشويه هو ما دفع إلى إطلاق مبادرة أفريقية جديدة، وهي “تصحيح الخريطة”، والتي تدعو إلى وضع صور توضح الحجم الحقيقي لأفريقيا.

وقالت فارا ندياي، المؤسسة المشاركة لمنظمة “تحدثوا عن أفريقيا” التي تقود الحملة إلى جانب مجموعة مناصرة أخرى تدعى “أفريقيا نو فيلتر”: “على مدى قرون، قللت هذه الخريطة من شأن أفريقيا، مما غذّى رواية مفادها أن القارة أصغر حجماً وهامشية وأقل أهمية”.

قال خبراء لوكالة فرانس برس إن ترجمة كرة الأرض بدقة إلى خريطة مسطحة تتطلب دائما حلولا وسطى، وتتطلب تمديد أجزاء منها أو قطعها أو تركها خارجا.

تاريخيا، كانت الخرائط تعكس النظرة العالمية لصانعيها.

تشير الألواح الطينية البابلية التي تعود إلى القرن السادس قبل الميلاد إلى أن إمبراطوريتهم كانت في مركز العالم، في حين ركزت الخرائط الأوروبية في العصور الوسطى غالبًا على المواقع الدينية.

لا بد من اتخاذ خيارات: ستبدو خريطة العالم مختلفة للغاية اعتمادًا على ما إذا كانت أستراليا أو سيبيريا أو أوروبا تقع في مركزها.

تم تصميم الخريطة الأكثر استخدامًا اليوم للملاحة البحرية بواسطة رسام الخرائط الفلمنكي جيراردوس ميركاتور في عام 1569.

لقد ركزت على التصوير الدقيق لأشكال وزوايا الكتل الأرضية، لكن أحجامها النسبية كانت في كثير من الأحيان غير دقيقة.

أدى إسقاط مركاتور إلى تضخم المناطق الشمالية وضغط المناطق الاستوائية، مما جعل أوروبا وأميركا الشمالية تبدو أكبر بكثير، في حين أدى إلى انكماش أفريقيا وأميركا الجنوبية.

إن التشوهات صارخة: إذ تبدو رقعة مساحتها مائة كيلومتر مربع حول أوسلو في النرويج أكبر بأربع مرات من نفس المنطقة حول نيروبي في كينيا.

تبدو جرينلاند بحجم أفريقيا، على الرغم من أنها أصغر منها بـ 14 مرة.

تحقيق التوازن في خريطة العالم

ظهرت بدائل لمركاتور في القرن العشرين، منها إسقاط أوزوالد وينكل عام ١٩٢١، وآخر عام ١٩٦٣ لآرثر روبنسون، قلّل التشوهات لكنه ضحّى بالدقة. أما إسقاط جال-بيترز في سبعينيات القرن العشرين، فقد أعاد الأحجام المتناسبة، لكنه مَدَّ الأشكال.

من أجل إيجاد التوازن بين الدقة والجماليات، أطلق رسامو الخرائط توم باترسون وبويان سافريك وبرنارد جيني مشروع إسقاط الأرض المتساوية في عام 2018.

وهذا يجعل أفريقيا وأميركا اللاتينية وجنوب آسيا وأوقيانوسيا تبدو أكبر حجماً إلى حد كبير.

وقال سافريك لوكالة فرانس برس “يحافظ مشروع الأرض المتساوية على المساحات السطحية النسبية للقارات، ويظهر، قدر الإمكان، أشكالها كما تظهر على الكرة الأرضية”.

وهذا هو التوقع الذي أيده الآن الاتحاد الأفريقي.

وتقول منظمة “تحدثوا عن أفريقيا” إن الخطوات التالية في حملتها هي الضغط من أجل تبني هذه الاستراتيجية من قبل المدارس ووسائل الإعلام والناشرين في أفريقيا.

وقال ندياي “إننا نتعاون أيضًا مع الأمم المتحدة واليونسكو (هيئتها الثقافية)، لأن التغيير المستدام يتطلب مؤسسات عالمية”.

الجدل حول “السذاجة”

يرفض بعض النقاد ادعاءات التحيز. وقال مارك مونمونير، أستاذ الجغرافيا في جامعة سيراكيوز ومؤلف كتاب “كيف تكذب بالخرائط”، لوكالة فرانس برس: “أي ادعاء بأن ميركاتور يضلل الناس بشكل صارخ يبدو ساذجاً”.

“إذا كنت تريد مقارنة أحجام البلدان، استخدم رسمًا بيانيًا أو جدولًا، وليس خريطة.”

ورغم تشوهاتها، تظل خريطة مركاتور مفيدة للمنصات الرقمية لأن تركيزها على أشكال الأرض الدقيقة والزوايا يجعل “الاتجاه سهل الحساب”، كما قال إد بارسونز، وهو خبير سابق في تكنولوجيا الجغرافيا المكانية في جوجل، لوكالة فرانس برس.

وقال “بينما قد تؤدي خريطة مركاتور إلى تشويه حجم المعالم على مساحات واسعة، إلا أنها تمثل بدقة المعالم الصغيرة وهو الاستخدام الأكثر شيوعًا للمنصات الرقمية”.

إن الحصول على أحجام نسبية دقيقة، كما هو الحال مع خريطة الأرض المتساوية، قد يؤدي إلى تعقيد حسابات الملاحة، ولكن التكنولوجيا تتكيف.

قال سافريك: “دعمت معظم برامج رسم الخرائط مبادرة “الأرض المتساوية” منذ عام ٢٠١٨. يكمن التحدي في الاستخدام. فالناس كائناتٌ مُعتادة.”

ويرفض البعض الهدف الكامل للحملة الأفريقية.

ويقول المحلل السياسي الغاني برايت سيمونز إن القارة تحتاج إلى أكثر من مجرد حجم أكبر على الخرائط “لكسب الاحترام العالمي”.

وقال “إن كوريا الجنوبية، بغض النظر عن كيفية تفسيرها من قبل ميركاتور، لديها نفس الناتج المحلي الإجمالي تقريبا مثل كل الدول الأفريقية الخمسين مجتمعة”.

لكن المدافعين عن هذه القضية ما زالوا مقتنعين بقضيتهم.

وأضاف ندياي “إن النجاح سوف يتحقق عندما يفتح الأطفال في كل مكان كتبهم المدرسية ويرون أفريقيا كما هي في الحقيقة: دولة شاسعة ومركزية ولا غنى عنها”.

Tags: خريطة العالمخريطة دول العالمخريطة مركاتوردول العالم

المصدر: جريدة زمان التركية

كلمات دلالية: خريطة العالم خريطة دول العالم خريطة مركاتور دول العالم لوکالة فرانس برس

إقرأ أيضاً:

العطش يهدد ربع سكان الأرض

لم تعد قضية الأمن المائي تقتصر في السنوات الأخيرة على الأبعاد البيئية والتنموية فحسب، بل تحوّلت إلى أحد أبرز التّحديات الجيوسياسية التي تواجهها الدول، وتستلزم جهودا مضاعفة على المستويين الوطني والدولي.

فالعالم اليوم يواجه تحدّيات عديدة، من حروب وصراعات ومجاعة وفقر، وعقوبات اقتصادية مفروضة على بعض الدول.

وفي ظلّ التّغيرات المناخية المتسارعة التي أدّت إلى زيادة الاحتباس الحراري والجفاف والتّصحر في مناطق كثيرة في العالم، بات إيلاء الاهتمام بالأمن المائي ضرورة موازية في الأهمية للأمن الغذائي، لتصبح ركيزة أساسية لا غنى عنها لاستدامة استقرار المجتمعات وسيادة الدول.

التصحر والجفاف يضرب أنحاء مختلفة من العالم نتيجة الاحتباس الحراري (الأوروبية)زمن الحروب

حذر تقرير للبنك الدولي صدر في 1 سبتمبر/أيلول 2025، من أنّ 90% من سكان العالم يعانون إما من تدهور الأراضي أو تلوث الهواء أو الإجهاد المائي، بما يمثّل 8 من كل 10 أشخاص في البلدان المنخفضة الدخل يعيشون بلا هواء صحي أو ماء أو أراضٍ سليمة. وتتفاقم هذه الأزمة خاصة في البلدان التي تعاني من ضعف البنى التحتية والنزاعات المستمرة.

ووفقا لتقرير نشرته لجنة الأمم المتحدة المعنية بالموارد المائية في مارس/آذار 2024، لا يزال 2.2 مليار شخص يعيشون دون الحصول على مياه الشرب الآمنة ويفتقر نحو 3.5 مليارات شخص إلى خدمات الصرف الصحي المدارة بأمان، في حين يعانى نحو نصف سكان العالم من ندرة المياه عام 2022.

وبحسب المصدر ذاته، يفتقر ما يقارب 646 مليون طفل إلى خدمات النظافة الأساسية، في حين بلغ عدد الوفايات الناتجة عن الأمراض المعدية بسبب نقص الوصول إلى المياه والصّرف الصحي نحو 1.4 مليون وفاة سنويا بحسب تقرير للبنك الدولي.

كما أنّ أكثر من 800 مليون شخص معرّضون لخطر الجفاف، وأكثر من 1.5 مليار شخص يعيشون في المناطق الساخنة المعرضة للفياضانات.

إعلان

وكشف تقرير اللجنة أنّه من المتوقع أن يؤدّي التغير المناخي إلى زيادة حدّة الظواهر البيئية من الجفاف وندرة المياه والتصحر والتلوث البيئي، بالإضافة إلى وجود مخاطر شديدة على استقرار المجتمعات.

وعن تداعيات الحروب والتغيرات المناخية على الأمن المائي، ترى الخبيرة الدولية في علم المناخ والبيئة، الدكتورة شادن دياب، في حديثها للجزيرة نت أنّ الأمن المائي أصبح اليوم ظاهرة تؤثر ليس فقط بيئيا بل حتى اجتماعيا من خلال الهجرة والتنقل السكاني نتيجة الجفاف والتّصحر وتغيّر الغطاء النباتي، وهذا يؤدي إلى الزحف السكاني إلى مناطق الشمال أو عبر الدول ما يتبعه زعزعة الاستقرار المجتمعي الذي يزداد مع الحروب.

تحديات متزايدة تفاقم مشكلة المياه

وسط التحديات والتغيرات المناخية المتسارعة وتفاقم الحروب في عدد من المناطق في العالم، تبقى مشكلة الأمن المائي أولوية أساسية يتوجب حلّها بمختلف الطرق بعيدا عن الصراعات السياسية والاقتصادية.

ووفقا لآراء مختصين وباحثين بمجال البيئة والتغير المناخي، فمن المتوقع أن تشهد الأرض في السنوات الخمس المقبلة درجات حرارة عالية، مما سيؤثر على صحة ملايين الناس، ومن المتوقع أيضا انتشار الأوبئة والالتهابات الجديدة الناتجة عن النقص الحاد في الغذاء والمياه.

ويقول الباحث في جامعة "ميلبورن لمستقبل المناخ" الأسترالية بيل بوركمان في تقرير نشرته صحيفة "موسكوفسكي نوفوستي" الروسية إن تغيّر المناخ سيؤثر سلبا على صحة مئات الملايين من الناس، بانتشار الأوبئة والالتهابات الجديدة نتيجة النقص الحاد في الغذاء والمياه. وعلى مر السنين، ستزداد هذه المشاكل سوءا.

وتشير التقارير إلى أنّ الطلب على المياه العذبة سيتجاوز العرض بنسبة 40 % بحلول عام 2030، مما يهدد أكثر من نصف الإنتاج الغذائي العالمي.

كما توقعت المنظّمة العالمية للأرصاد الجوية، أنّ ثلثي سكان العالم سيواجهون ندرة المياه بحلول عام 2050، وإن لم تُتخذ الإجراءات اللازمة ستصبح حقيقة واقعية.

أعمال إنشائية بمحطة الضبعة النووية (هيئة المحطات النووية لتوليد الكهرباء بمصر)قمم المناخ

وتجمع الدّول على ضرورة الاهتمام بالبيئة وتوفير المياه الصالحة للشرب في المناطق النائية والجافة وتكثيف الجهود لإيجاد حلول واعدة نحو تنمية مستدامة وأمن مائي وغذائي في ظل تصاعد تأثيرات التغير المناخي.

وتعتبر قمم المناخ الدولية من بين الجهود التي تدعو إلى الحفاظ على كوكب الأرض وضمان أمان وسلامة البشر.

وعن الإستراتيجيات التي تنتهجها الدول لدعم مشاريع الأمن المائي وتقليل أضرار التّغير المناخي وتأثيراته على البيئة، قالت الدكتورة دياب للجزيرة نت، إنّ الجهود الدولية اليوم نراها بشكل كبير في قمم المناخ، التي تحاول من خلالها وضع إستراتيجيات قائمة على تخطيط وحلول مشاكل المناخ وتقليل أضراره على الدول النامية.

واعتبرت الدكتورة دياب للجزيرة نت، أنّ الاهتمام بالأمن المائي يوازي الاهتمام بالأمن الغذائي، لأن من ركائز الأمن الغذائي والزراعة هي المصادر المائية، دون إهمال نوع التربة والابتكار في هذا المجال، لأنّ هناك إستراتيجيات تعتمد على تحسين نوعية البذور وتقليل استهلاك المياه والتأقلم على نقص المصادر المائية".

الحلول التكنولوجية

في ظلّ التّطور التقني الهائل الذي بات اليوم أرضية داعمة للمشاريع الوطنية والدولية وركيزة أساسية لمواجهة أزمة المياه العالمية، تتجه الدول للاعتماد على حلول تكنولوجية متقدمة لضمان أمن مائي مستدام لجودة حياة الأجيال القادمة.

إعلان

على رأس هذه الحلول مشاريع تحلية مياه البحر باستخدام الطاقات المتجددة، وأنظمة إعادة تدوير المياه وفلترتها باستخدام الذكاء الاصطناعي، وتطوير شبكات ذكية لمراقبة جودة المياه، وتقنيات الرّي الحديثة، وتقنية توليد المياه من الهواء باستخدام تقنيات التكثيف.

في هذا السياق، برزت روسيا كواحدة من الدول الرائدة في مشاريع تحلية المياه وتصفيتها، من خلال تقنياتها الحديثة ومشاريعها المبتكرة، كما برزت كشريك في هذا الصدد مع دول أخرى لا سيما في مصر ومنطقة شمال أفريقيا.

ويبرز مشروع "محطة الضبعة النووية" بين شركة "روسآتوم" الروسية والحكومة المصرية، كواحد من المشاريع التي تشكّل أهمية بالغة في مجال الطاقة والكهرباء وتحلية مياه البحر بالطاقة الكهربائية.

كما وقّع المغرب عددا من الاتفاقيات مع شركات روسية، من بينها الاتفاقية بين شركة "حلول الماء والطاقة المغربية" وشركة "روسآتوم"، بهدف بناء محطات لتحلية مياه البحر، إضافة  لمشاريع الزراعة التي تعتمد على المياه بشكل منخفض وبجودة عالية.

مقالات مشابهة

  • القمر العملاق يُنير سماء العالم العربي الليلة
  • علي جمعة ينعى الدكتور أحمد عمر هاشم: بموته تنطفئ مصابيح كانت تُهدي الناس
  • أوروبا كانت أكبر مناصر لغزة والمستقبل يحتاج خطة
  • الصين تكشف عن أكبر توربين رياح عائم في العالم
  • شاهد.. “بقال” يهاجم قيادات “المليشيا” من جديد: (حميدتي أكبر كوز ولقبه عند الرئيس السابق “حمايتي” وكان يقول البشير في رأس أي زول وأنا حالياً قنعت من الدعم السريع ومشيت وتركته)
  • ما القمر العملاق الذي يُنير سماء العالم العربي غدا؟
  • تعرف على خريطة بطولة العالم لرفع الأثقال البارالمبي بالعاصمة الإدارية الجديدة
  • العطش يهدد ربع سكان الأرض
  • الله أكبر.. كانت سر الانتصار والعبور في حرب أكتوبر
  • الرئيس السيسي: القوات المسلحة ساهمت في بناء البنية الأساسية للدولة.. 6 أكتوبر كانت بداية للجيش في استعادة الأرض وتحقيق السلام