لم تعد قضية الأمن المائي تقتصر في السنوات الأخيرة على الأبعاد البيئية والتنموية فحسب، بل تحوّلت إلى أحد أبرز التّحديات الجيوسياسية التي تواجهها الدول، وتستلزم جهودا مضاعفة على المستويين الوطني والدولي.
فالعالم اليوم يواجه تحدّيات عديدة، من حروب وصراعات ومجاعة وفقر، وعقوبات اقتصادية مفروضة على بعض الدول.
وفي ظلّ التّغيرات المناخية المتسارعة التي أدّت إلى زيادة الاحتباس الحراري والجفاف والتّصحر في مناطق كثيرة في العالم، بات إيلاء الاهتمام بالأمن المائي ضرورة موازية في الأهمية للأمن الغذائي، لتصبح ركيزة أساسية لا غنى عنها لاستدامة استقرار المجتمعات وسيادة الدول.
حذر تقرير للبنك الدولي صدر في 1 سبتمبر/أيلول 2025، من أنّ 90% من سكان العالم يعانون إما من تدهور الأراضي أو تلوث الهواء أو الإجهاد المائي، بما يمثّل 8 من كل 10 أشخاص في البلدان المنخفضة الدخل يعيشون بلا هواء صحي أو ماء أو أراضٍ سليمة. وتتفاقم هذه الأزمة خاصة في البلدان التي تعاني من ضعف البنى التحتية والنزاعات المستمرة.
ووفقا لتقرير نشرته لجنة الأمم المتحدة المعنية بالموارد المائية في مارس/آذار 2024، لا يزال 2.2 مليار شخص يعيشون دون الحصول على مياه الشرب الآمنة ويفتقر نحو 3.5 مليارات شخص إلى خدمات الصرف الصحي المدارة بأمان، في حين يعانى نحو نصف سكان العالم من ندرة المياه عام 2022.
وبحسب المصدر ذاته، يفتقر ما يقارب 646 مليون طفل إلى خدمات النظافة الأساسية، في حين بلغ عدد الوفايات الناتجة عن الأمراض المعدية بسبب نقص الوصول إلى المياه والصّرف الصحي نحو 1.4 مليون وفاة سنويا بحسب تقرير للبنك الدولي.
كما أنّ أكثر من 800 مليون شخص معرّضون لخطر الجفاف، وأكثر من 1.5 مليار شخص يعيشون في المناطق الساخنة المعرضة للفياضانات.
إعلانوكشف تقرير اللجنة أنّه من المتوقع أن يؤدّي التغير المناخي إلى زيادة حدّة الظواهر البيئية من الجفاف وندرة المياه والتصحر والتلوث البيئي، بالإضافة إلى وجود مخاطر شديدة على استقرار المجتمعات.
وعن تداعيات الحروب والتغيرات المناخية على الأمن المائي، ترى الخبيرة الدولية في علم المناخ والبيئة، الدكتورة شادن دياب، في حديثها للجزيرة نت أنّ الأمن المائي أصبح اليوم ظاهرة تؤثر ليس فقط بيئيا بل حتى اجتماعيا من خلال الهجرة والتنقل السكاني نتيجة الجفاف والتّصحر وتغيّر الغطاء النباتي، وهذا يؤدي إلى الزحف السكاني إلى مناطق الشمال أو عبر الدول ما يتبعه زعزعة الاستقرار المجتمعي الذي يزداد مع الحروب.
تحديات متزايدة تفاقم مشكلة المياه
وسط التحديات والتغيرات المناخية المتسارعة وتفاقم الحروب في عدد من المناطق في العالم، تبقى مشكلة الأمن المائي أولوية أساسية يتوجب حلّها بمختلف الطرق بعيدا عن الصراعات السياسية والاقتصادية.
ووفقا لآراء مختصين وباحثين بمجال البيئة والتغير المناخي، فمن المتوقع أن تشهد الأرض في السنوات الخمس المقبلة درجات حرارة عالية، مما سيؤثر على صحة ملايين الناس، ومن المتوقع أيضا انتشار الأوبئة والالتهابات الجديدة الناتجة عن النقص الحاد في الغذاء والمياه.
ويقول الباحث في جامعة "ميلبورن لمستقبل المناخ" الأسترالية بيل بوركمان في تقرير نشرته صحيفة "موسكوفسكي نوفوستي" الروسية إن تغيّر المناخ سيؤثر سلبا على صحة مئات الملايين من الناس، بانتشار الأوبئة والالتهابات الجديدة نتيجة النقص الحاد في الغذاء والمياه. وعلى مر السنين، ستزداد هذه المشاكل سوءا.
وتشير التقارير إلى أنّ الطلب على المياه العذبة سيتجاوز العرض بنسبة 40 % بحلول عام 2030، مما يهدد أكثر من نصف الإنتاج الغذائي العالمي.
كما توقعت المنظّمة العالمية للأرصاد الجوية، أنّ ثلثي سكان العالم سيواجهون ندرة المياه بحلول عام 2050، وإن لم تُتخذ الإجراءات اللازمة ستصبح حقيقة واقعية.
وتجمع الدّول على ضرورة الاهتمام بالبيئة وتوفير المياه الصالحة للشرب في المناطق النائية والجافة وتكثيف الجهود لإيجاد حلول واعدة نحو تنمية مستدامة وأمن مائي وغذائي في ظل تصاعد تأثيرات التغير المناخي.
وتعتبر قمم المناخ الدولية من بين الجهود التي تدعو إلى الحفاظ على كوكب الأرض وضمان أمان وسلامة البشر.
وعن الإستراتيجيات التي تنتهجها الدول لدعم مشاريع الأمن المائي وتقليل أضرار التّغير المناخي وتأثيراته على البيئة، قالت الدكتورة دياب للجزيرة نت، إنّ الجهود الدولية اليوم نراها بشكل كبير في قمم المناخ، التي تحاول من خلالها وضع إستراتيجيات قائمة على تخطيط وحلول مشاكل المناخ وتقليل أضراره على الدول النامية.
واعتبرت الدكتورة دياب للجزيرة نت، أنّ الاهتمام بالأمن المائي يوازي الاهتمام بالأمن الغذائي، لأن من ركائز الأمن الغذائي والزراعة هي المصادر المائية، دون إهمال نوع التربة والابتكار في هذا المجال، لأنّ هناك إستراتيجيات تعتمد على تحسين نوعية البذور وتقليل استهلاك المياه والتأقلم على نقص المصادر المائية".
الحلول التكنولوجيةفي ظلّ التّطور التقني الهائل الذي بات اليوم أرضية داعمة للمشاريع الوطنية والدولية وركيزة أساسية لمواجهة أزمة المياه العالمية، تتجه الدول للاعتماد على حلول تكنولوجية متقدمة لضمان أمن مائي مستدام لجودة حياة الأجيال القادمة.
إعلانعلى رأس هذه الحلول مشاريع تحلية مياه البحر باستخدام الطاقات المتجددة، وأنظمة إعادة تدوير المياه وفلترتها باستخدام الذكاء الاصطناعي، وتطوير شبكات ذكية لمراقبة جودة المياه، وتقنيات الرّي الحديثة، وتقنية توليد المياه من الهواء باستخدام تقنيات التكثيف.
في هذا السياق، برزت روسيا كواحدة من الدول الرائدة في مشاريع تحلية المياه وتصفيتها، من خلال تقنياتها الحديثة ومشاريعها المبتكرة، كما برزت كشريك في هذا الصدد مع دول أخرى لا سيما في مصر ومنطقة شمال أفريقيا.
ويبرز مشروع "محطة الضبعة النووية" بين شركة "روسآتوم" الروسية والحكومة المصرية، كواحد من المشاريع التي تشكّل أهمية بالغة في مجال الطاقة والكهرباء وتحلية مياه البحر بالطاقة الكهربائية.
كما وقّع المغرب عددا من الاتفاقيات مع شركات روسية، من بينها الاتفاقية بين شركة "حلول الماء والطاقة المغربية" وشركة "روسآتوم"، بهدف بناء محطات لتحلية مياه البحر، إضافة لمشاريع الزراعة التي تعتمد على المياه بشكل منخفض وبجودة عالية.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: غوث حريات دراسات الأمن المائی
إقرأ أيضاً:
تمديد مؤتمر المناخ بعد انتقادات شديدة لمشروع اتفاق طرحته البرازيل
صراحة نيوز-دخلت المفاوضات في إطار مؤتمر المناخ مرحلة التمديد الرسمي الجمعة، بعد أسبوعين من المفاوضات غير المثمرة، وسط غياب أي بوادر توافق بين الدول الـ200 المشاركة والتي لا تزال مواقفها متباعدة جدا بشأن مصادر الطاقة الأحفورية.
طرحت الرئاسة البرازيلية للمؤتمر المنعقد في بيليم منذ الأسبوع الماضي، مسودة اتفاق في اليوم الأخير لكن مع إغفال نقطة رئيسية، إذ لم تتضمّن عبارة “مصادر الطاقة الأحفورية”، فضلا عن عدم تطرقها إلى “خارطة الطريق” التي طالب بها ما لا يقل عن 80 دولة أوروبية وأميركية لاتينية وجزرية.
وقال مفوض المناخ في الاتحاد الأوروبي فوبكي هوكسترا إن التكتل لا يستبعد أن ينتهي مؤتمر المناخ “بدون اتفاق”، لأن مسودة النص التي قدمتها الرئاسة البرازيلية ليست طموحة بما يكفي بشأن خفض انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري.
وقالت وزيرة التحوّل البيئي الفرنسية مونيك باربو، في رسالة إنّ “هذا النص مخيب للآمال، فهو لا يذكر الوقود الأحفوري المسؤول عن أكثر من 80% من الاحترار المناخي. هذا إغفال غير مفهوم في ظل حال الطوارئ المناخية”.
رفضت منظمات غير حكومية مسودة المشروع فورا. وعلقت تريسي كارتي من منظمة “غرينبيس” بالقول إنّ “المسودة أشبه بصفحة بيضاء، لا تتضمّن سوى القليل لسدّ النقص في الطموح للحد من الاحترار عند 1,5 درجة مئوية، أو لدفع الدول إلى تسريع التحرك”. ووصف الصندوق العالمي للطبيعة النص بأنه “مخيب جدا للآمال”.
وبحسب مفاوض رفض ذكر اسمه، عارضت الصين والهند والسعودية ونيجيريا وروسيا بشدة أي خارطة طريق.
واتّهمت فرنسا روسيا والهند والسعودية بعرقلة أي تقدم نحو التخلص التدريجي من الوقود الأحفوري، في حين حذرت ألمانيا من أن المفاوضات بشأن نص طموح ستكون “صعبة”.
وقالت مونيك باربو “ما هي أهم الدول المعرقلة؟ جميعنا نعرفها. إنها الدول المنتجة للنفط بالطبع. روسيا والهند والسعودية. لكن انضمت إليها دول ناشئة كثيرة”.
وقال وزير البيئة الألماني كارستن شنايدر “لا يمكن أن يبقى النص على حاله”، محذرا من أن “المفاوضات ستكون صعبة”.
وخلال الليل، اعتبرت نحو ثلاثين دولة، منها فرنسا وألمانيا وكولومبيا، أنّ هذا الأمر غير مقبول، وهددت بعرقلة مسودة الاتفاق، في رسالة موجهة إلى رئيس المؤتمر أندريه كوريا دو لاغو.
وكتبت هذه الدول “لا يمكننا دعم نص لا يتضمن خارطة طريق لانتقال عادل ومنظم ومنصف نحو التخلي عن الوقود الأحفوري”.
أجرى البرازيليون، المتأخرون أصلا عن جدول الأعمال، مشاورات طوال الليل.
وسيتعين عليهم مواصلة المفاوضات الجمعة، في ظل مهمة شاقة من أجل التوصل إلى توافق بين 194 دولة والاتحاد الأوروبي، لاعتماد سلسلة من النصوص بالإجماع، على ما تجري العادة في مؤتمرات المناخ.
وتقضي “خارطة الطريق” بتسريع التخلص التدريجي من النفط والفحم والغاز، المسؤولة بشكل كبير عن التغير المناخي، بهدف المضي قدما في الالتزام بالتخلص التدريجي من الوقود الأحفوري عملا بما تم الاتفاق عليه في مؤتمر الأطراف الثامن والعشرين قبل عامين.
وأعاد الرئيس البرازيلي هذه القضية إلى الواجهة الأربعاء خلال زيارته بيليم.
وقال كوريا دي لاغو إن “أولئك الذين يشكّون في أن التعاون هو أفضل ما يمكن القيام به من أجل المناخ سيكونون مسرورين للغاية لرؤية لعجزنا عن التوصل إلى اتفاق”.
عصرا، رفع كوريا دي لاغو جلسة استمرّت أكثر من أربع ساعات، وأعطى الوفود استراحة لتناول الطعام، طالبا استغلال الوقت للتفكير في حلول التي يمكن طرحها، وفق ما أفاد مشاركون.
ومنذ العام 2003، لم ينجح أي مؤتمر أطراف في إنهاء أعماله في الموعد المحدد.