الاقتصاد البرتقالي وفرص تنميته في السودان بعد الحرب
تاريخ النشر: 9th, September 2025 GMT
الاقتصاد البرتقالي وفرص تنميته في السودان بعد الحرب
Orange Economy( 4.0)
بقلم: عمر سيد أحمد
خبير مصرفي ومالي وتمويل مستقل
???? [email protected]
سبتمبر 2025
المقدمة: الحرب وإرث ثلاثة عقود من التراجع
رغم ما خلّفته الحرب من دمار وتشريد، فإن مصيرها أن تنتهي. وننادي بوقفها الفوري حتى يتوقف نزيف الدم، ويعود المشردون، وتستعاد الحياة.
لكن جذور الأزمة الثقافية والإبداعية في السودان أعمق من الحرب الحالية. فخلال ثلاثة عقود من حكم الإسلاميين (1989–2019)، جرى إفساد المناهج التعليمية وتسييسها أيديولوجيًا، وإفقار المؤسسات الثقافية والإبداعية، وقُمعَت الفنون التي كانت تميز السودان – من سينما ومسرح وفنون تشكيلية وموسيقى. هذا التراجع البنيوي أضعف قدرة المجتمع على تطوير مبادرات إبداعية قابلة للتحول إلى صناعات.
ومع ذلك، قاومت مبادرات فردية هذا المناخ المعادي. فقد قدّم المخرج السوداني أمجد أبو العلاء فيلمه *ستموت في العشرين* (2019)، الذي أعاد السودان إلى الخريطة السينمائية العالمية، مستندًا إلى إرث رواد مثل جاد الله جبارة وغيرهم ممن أنتجوا أفلامًا منذ ستينيات القرن الماضي. كذلك، عزز الغناء السوداني حضوره الثقافي في أفريقيا والعالم العربي.
دور الفنون والآداب
إلى جانب السينما، لعبت الموسيقى والأدب والفنون التشكيلية السودانية دورًا محوريًا في إبراز الهوية الثقافية للسودان خارج حدوده. فقد حمل محمد وردي ورفاقه الأغنية السودانية عبر أفريقيا والعالم العربي، ممزجين إيقاعات النوبة ووادي النيل ودارفور في صوت حديث تخطّى الحدود الوطنية. كانت موسيقاهم صوت مقاومة وجسرًا ثقافيًا.
وفي الأدب، وضع الطيب صالح السودان على الخريطة الأدبية العالمية من خلال أعماله مثل *موسم الهجرة إلى الشمال*، التي تُرجمت على نطاق واسع وصارت من كلاسيكيات الأدب ما بعد الاستعمار، كاشفة تعقيدات الهوية السودانية والتداخل بين التراث والحداثة.
أما الفن التشكيلي، فقد أسس إبراهيم الصلحي، أحد أبرز رواد الحداثة في أفريقيا، مدرسة إبداعية وصلت إلى المعارض العالمية. وواصل خريجو كلية الفنون الجميلة والتطبيقية – مثل عصام عبد الحفيظ – هذا الإرث، مجرّبين أشكالًا وأساليب جديدة مع الحفاظ على الجذور المحلية.
هذه المساهمات في الموسيقى والأدب والفن التشكيلي تؤكد أن ثروة السودان الإبداعية لا تقتصر على السينما، بل تقوم على منظومة ثقافية متكاملة يمكن أن تكون ركيزة للاقتصاد البرتقالي ودعم إعادة الإعمار.
ما هو الاقتصاد البرتقالي؟
الاقتصاد البرتقالي، أو الاقتصاد الإبداعي، يقوم على تحويل الفنون والثقافة والإبداع إلى قوة اقتصادية حقيقية. فتصبح الموسيقى والسينما والحرف اليدوية والمحتوى الرقمي وحتى الأزياء مصادر للدخل والتوظيف، وأدوات لإعادة بناء الهوية الوطنية.
نشأ المفهوم في بدايات العقد الثاني من الألفية، حين أصدر البنك الأمريكي للتنمية (IDB) كتابه المرجعي عام 2013 بعنوان *الاقتصاد البرتقالي: فرصة لا نهائية*. اختير اللون البرتقالي لارتباطه عالميًا بالطاقة الإبداعية والثقافية. ومع الثورة الرقمية منذ التسعينيات وصعود الإعلام الجديد، تطور الاقتصاد الإبداعي إلى قطاع تنافسي عالميًا.
واليوم، يتطور المفهوم إلى ما يُعرف بـ **الاقتصاد البرتقالي 4.0**، حيث يلتقي الإبداع بالتكنولوجيا الرقمية وثورة الصناعة الرابعة.
الأهمية الاقتصادية العالمية
تشير البيانات الحديثة إلى أن الاقتصاد البرتقالي:
– يساهم بما يقارب **2.3 تريليون دولار سنويًا** في الناتج المحلي الإجمالي العالمي.
– يدعم حوالي **48.4 مليون وظيفة**.
– يشكّل نحو **10% من الناتج المحلي** في دول مثل الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية.
– يمثل أكثر من **5%** من الناتج المحلي في كينيا وإثيوبيا.
– ولو اعتُبر دولة قائمة بذاتها، لاحتل المرتبة **الرابعة كأكبر اقتصاد** في العالم.
وبحسب تقارير الأونكتاد (UNCTAD) واليونسكو (UNESCO)، تولّد الصناعات الثقافية والإبداعية نحو **3.1% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي** (أكثر من تريليوني دولار)، وتوظّف قرابة **50 مليون شخص**، نصفهم تقريبًا من النساء، ونسبة كبيرة من الشباب (15–29 عامًا). وقد تجاوزت عائدات الاقتصاد الإبداعي عالميًا عائدات قطاع الاتصالات.
الاعتراف الدولي والأممي
في عام 2021، أعلنت الأمم المتحدة “السنة الدولية للاقتصاد الإبداعي من أجل التنمية المستدامة”، اعترافًا بدوره في تحقيق أهداف التنمية المستدامة (العمل اللائق، الابتكار، تقليص التفاوتات). ولأول مرة، وضعت قمة العشرين الاقتصاد الإبداعي على أجندتها كأداة للتعافي بعد الجائحة.
وقد أنشأت دول عدة وزارات أو هيئات متخصصة للاقتصاد الإبداعي – مثل **إندونيسيا والإمارات** – فيما تبنت أخرى استراتيجيات وطنية لدعم الصناعات الثقافية. وتشير تقارير الأونكتاد (2021) إلى أن أكثر من 30 دولة باتت تعتبر الاقتصاد البرتقالي قطاعًا استراتيجيًا.
دروس من العالم: من نوليوود إلى برشلونة
– **نيجيريا**: أصبحت نوليوود (صناعة السينما) ثاني أكبر مشغل بعد الزراعة.
– **المغرب**: تشكّل الصناعات الثقافية نحو 7% من عائدات السياحة.
– **الإمارات**: أنشأت مناطق حرة مثل مدينة دبي للإعلام وحي دبي للتصميم.
– **مصر**: لعقود، لعبت السينما والدراما دورًا في تعزيز قوتها الناعمة.
– **إثيوبيا**: وظّفت الموسيقى الحديثة والتقليدية لتعزيز الهوية الوطنية.
– **إسبانيا**: تحولت برشلونة ومدريد إلى مراكز إبداعية بفضل الاستثمار في الفنون.
– **إيطاليا**: مركز عالمي للأزياء والأوبرا والسينما.
– **فرنسا**: سباقة في جعل الثقافة ركيزة للسياسات العامة.
– **كولومبيا**: من أوائل الدول التي دمجت المفهوم في سياساتها الوطنية.
السودان: إرث ثري وموارد مهمَلة
يمتلك السودان أحد أعمق المخزونات التراثية في المنطقة – من أهرامات مروي وآثار نبتة إلى موسيقى دارفور والنسيج النوبي وأغاني الطمبور. لكن هذا الثراء ظل مهمَلًا بفعل الإهمال المؤسسي وضعف الإنفاق الثقافي.
وقد عمّقت الحرب الأخيرة الجراح: ملايين الطلاب انقطعوا عن التعليم، ودُمّرت المسارح والمراكز الثقافية، وتوقفت معظم الأنشطة الفنية. وتفيد تقارير اليونسكو (2024) بأن نحو **70% من المؤسسات التعليمية والثقافية** تضررت مباشرة أو غير مباشرة بفعل النزاع.
نماذج سودانية ملهمة
من أبرز الأمثلة مبادرة هشام صالح عبد الرحمن في غرب السودان، الذي تعاون مع مزارعين في زراعة الفول السوداني وتصنيعه عبر آلة صممها أحد طلاب جامعة الجزيرة كمشروع تخرج. وقد مكنت هذه الابتكار من إنتاج أغذية اعتمد عليها لاحقًا برنامج الغذاء العالمي في مناطق الكوارث.
خارطة طريق للسودان
حتى يصبح السودان لاعبًا في الاقتصاد البرتقالي، لا بد من خطوات أساسية:
1. **الاستثمار في الشباب** عبر برامج تدريبية في الفنون والتصميم.
2. **إحياء التراث** ودمج رموز وطنية مثل مروي ونبتة في السينما والأزياء.
3. **إعادة تأهيل البنية التحتية** – المسارح، المراكز الثقافية، دور السينما.
4. **دمج التعليم الفني والمهني** لدعم الصناعات الإبداعية.
5. **إنشاء صندوق وطني للصناعات الإبداعية** يقدم قروضًا وضمانات.
6. **إصدار حوافز وتشريعات** – حماية الملكية الفكرية، إعفاءات ضريبية.
7. **إشراك البنوك والقطاع الخاص** لتصميم منتجات تمويل مبتكرة.
8. **بناء شراكات دولية** مع اليونسكو والبنك الدولي والاتحاد الأفريقي.
إدماج السودان في مسار **الاقتصاد البرتقالي 4.0** يتطلب تأسيس استراتيجية وطنية تقوم على ركائز الابتكار الرقمي، حماية الملكية الفكرية، والتعاون الدولي.
أكثر من اقتصاد… مشروع وطني
الاقتصاد البرتقالي ليس مجرد قطاع اقتصادي جديد، بل هو مشروع وطني لإعادة صياغة الهوية السودانية. يمكن للموسيقى الشعبية، والمسرح الجامعي، والأفلام الوثائقية، والمعارض الفنية أن تصبح جسورًا للوحدة والمصالحة.
الخاتمة
في بلد يشكل الشباب أكثر من 60% من سكانه، لا يمكن تجاهل طاقة الإبداع. يمنح الاقتصاد البرتقالي السودان فرصة نادرة لإعادة البناء على أسس جديدة – ليست من الأسمنت والطرقات فحسب، بل من الأفكار والخيال والهوية.
لم يعد الإبداع ترفًا ثقافيًا بعد الحرب؛ بل صار حجر أساس لإحياء السودان ورسم مستقبله.
لقد لم تُعطّل الحرب الأخيرة المؤسسات التعليمية والثقافية فحسب، بل أصابت ذاكرة السودان الحضارية نفسها. فقد تعرض المتحف القومي لنهب ممنهج، وهُرّبت قطع أثرية لا تُقدّر بثمن إلى الخارج. وتعرضت متاحف أخرى في العاصمة للتخريب، فحُطمت مجموعاتها وسُرقت ودُنّست. هذه الجريمة الثقافية تضيف جرحًا جديدًا لهوية الأمة، وتؤكد أن إعادة الإعمار لا بد أن تشمل أيضًا حماية التراث وصون الذاكرة الجمعية.
الوسومالاقتصاد البرتقالي السينما بعد الحرب دور الفنون عمر سيد أحمد فرص التنمية في السودان
المصدر: صحيفة التغيير السودانية
كلمات دلالية: الاقتصاد البرتقالي السينما بعد الحرب دور الفنون عمر سيد أحمد
إقرأ أيضاً:
وزير الزراعة السوداني للجزيرة نت: خسائر الزراعة جراء الحرب 100 مليار دولار
الخرطوم– عصفت الحرب السودانية المشتعلة منذ منتصف أبريل/نيسان 2023 بكل القطاعات والبنية التحتية السودانية، وكانت الزراعة الأكثر تضررا، وفق قول وزير الزراعة السوداني البروفيسور عصمت قرشي عبد الله.
ويواجه القطاع الزراعي السوداني في سعيه إلى التعافي مشكلات عديدة، منها التضخم والتدهور المعيشي وارتفاع الأسعار وهجرة ونزوح المزارعين وتدمير المعدات الزراعية ونهب بنوك السلالات وتدمير مراكز البحوث.
وكشف وزير الزراعة السوداني البروفيسور عصمت قرشي عبد الله -في حوار مع الجزيرة نت- عن إجراءات اتخذتها وزارته في سعيها للإصلاح وأجاب عن تساؤلات أخرى بشأن الأمن الغذائي السوداني وخسائر القطاع وغيرها من التساؤلات، وفي ما يلي نص الحوار:
كيف تصفون الوضع الراهن لقطاع الزراعة في السودان، في ظل الحروب والأزمات الاقتصادية التي تعصف بالبلاد؟عانت الزراعة في السودان بعد الحرب من دمار ممنهج وكبير. وبعد خروج المليشيات من المناطق المحررة، زرنا -نحن في الوزارة- مشاريع (الجزيرة، والرهد، المناقل، الفاو) لنقف على حجم الدمار لبنية الري لنكتشف 1470 كسرا في قنوات الري في مشروع الجزيرة فقط.
ويحتاج الكسر الواحد إلى 36 يوما للإصلاح، مثل كسر قنوات الشريف مختار في مشروع الجزيرة، ويضاف هذا إلى أكثر من ألف كسر في مشروع الرهد، وتعطيل الطلمبات عبر ضربها بالأسلحة، وتفريغ الزيوت منها وسرقة المعدات مما أثر على الزراعة، ولعل أكبر ضرر عانى منه مشروع الجزيرة هو حريق مخزن الخرط في الري، وهي خرط تعود إلى عام 1925، مما يؤكد أن التدمير كان ممنهجا.
شمل الضرر مخازن التقاوي، والمدخلات الزراعية والآليات الزراعية بالنهب والسرقة وتعطيلها وحرقها، والغرض الأساسي من التدمير هو تعطيل القطاع كليا وضمان عدم نهضتنا من جديد.
وما طمأنني هو قول مزارعي مشروع الجزيرة حين التقيتهم: "السيد الوزير، لا تحزن! نحن الآن نتعافى"، ومن ثم إذا تعافى مزارع الجزيرة بالتأكيد سيتعافى كل السودان.
إعلانونبشر بأن الإنتاج الآن في الموسم الصيفي يتجاوز حد احتياجاتنا؛ نحن الآن نمضي بخطى حثيثة نحو التعافي، واستعداداتنا للموسم الشتوي جارية على قدم وساق بدعم كامل من الطاقم الحكومي على رأسه السيد كامل إدريس رئيس الوزراء.
بعض الأرقام قدرت خسائر القطاع الزراعي برقم يتجاوز 100 مليار دولار، وهي أرقام أولية، ونحن ماضون في عمل إحصاءات دقيقة مصحوبة بدراسات متخصصة لتقديمها للجهات الداعمة.
كما أن الخسائر لم تقتصر على الجانب المادي فقط، بل شملت الجوانب النفسية، والاقتصادية بفقدان أجيال من المعارف الزراعية عند نزوح الأسر، فكثيرا ما أُجبر شباب الريف على ترك الزراعة للعمل في مناطق الحضر ومخيمات اللاجئين، مما أدى إلى استمرارية انهيار الحياة الريفية وجعل التعافي هشا وبطيئا.
ويجب إلى جانب إعادة الإعمار، إعادة بناء الثقة في المجتمعات الممزقة وحماية سبل عيشهم واستعادة كرامتهم، مما يتطلب جهدا مضاعفا من الوزارة في الفترة المقبلة.
ما خطط وزارة الزراعة لإعادة الأمن الغذائي السوداني على المدى القريب والبعيد؟قدمنا خطة الـ100 يوم الإسعافية لمجلس الوزراء التي شملت إعمار 47 مشروعا بتكلفة إجمالية بلغت 90 مليون دولار، و71 تريليون جنيه سوداني، اعتقادا منا بأن هذه المشاريع ستحدث تغييرا كبيرا في خطة قصيرة المدى.
كما أن ثمة خطة للوزارة طويلة المدى من 2026 إلى 2030 نأمل أن تساهم على إعادة تأهيل القطاع الزراعي.
كم بلغت نسبة الأراضي الخارجة عن دائرة الإنتاج الزراعي بسبب الحرب؟وفق دراسة أجريناها في الوزارة حتى نهاية سبتمبر/أيلول 2025، فإن المساحة المبدئية الخارجة عن الإنتاج بسبب الحرب هي 21.683 مليون فدان، وهي أراض ضمن المشاريع المروية بالأمطار.
لم ننته من الحصر بعد، ففي القطاع المروي (من المياه الجارية) خرج 1261 فدانا عن الإنتاج، بما يعني نسبة 72% من جملة الأراضي المحددة التي تبلغ 1700 فدان، ونتوقع أن تتجاوز الأرقام أكثر من ذلك، إضافة إلى فقدان المحاصيل ونوعيتها.
ما مشاريع التعافي التي نفذتها الوزارة في الولايات الآمنة في أثناء انحسار الحرب وبعدها؟عملنا على التغلب على المعوقات، التي تعوق الزراعة إصلاح وصيانة قنوات الري، وتوفير مدخلات الزراعة وزيادة المساحات المزروعة، وتوفير التقاوي للمزارعين، ونتوقع أن يزيد الإنتاج بنسبة أعلى من السنوات الماضية، وأيضا عملنا على دعم القمح باعتباره أهم محصول الآن.
وبلغت جملة التقاوي المطلوبة لزراعة القمح 50 ألف طن استطعنا أن نوفر معظم الكمية، أما التقاوي المتوفرة للبذور والمحاصيل الأخرى، فتبلغ 35 ألف طن.
ونعمل على سد النقص بتكلفة إجمالية من تقاوي وأسمدة ومدخلات إنتاج نحو 612 ألف جنيه للفدان الواحد، وهذه الكلفة لا تشمل تجهيز الأرض وإزالة الحشائش والحصاد.
ولكن لدينا مشاكل في التمويل الزراعي، خاطبنا على إثرها وزارة المالية السودانية وبنك السودان المركزي، ونعمل على محاولة توفير محافظ لإنجاح الموسم الشتوي، لأن تكلفته كبيرة، إذ نتحدث عن خطة لإنتاج مليون فدان قمح بتكلفة إجمالية 612 مليون دولار لسد جزء كبير من فاتورة استيراده، وهو جزء قليل من احتياج السودان من القمح.
إعلانوالمساحة المبدئية لزراعة القمح في الولاية الشمالية وحدها 9 ملايين هكتار، وفق دراسة لمنظمة "إكساد".
ولعل هذا أحد المشاريع الجاهزة للاستثمار سواء مع القطاع الخاص أو الجهات الداعمة والمانحة أو مع الدول الشقيقة أو الصناديق الاستثمارية لعدد من الدول.
وما يميز شمال السودان أنه لا يعاني من مشاكل ري أو حيازات أراض، وهذه دعوة وفرصة كبيرة للمستثمرين للدخول في الاستثمار في مجال زراعة القمح شمالي السودان، كما نقدم حزما تشجيعية للاستثمار في محاصيل أخرى بمساحة 16 مليون فدان رائدة وواعدة في إنتاج كثير من المحاصيل الزراعية.
الصمغ العربي من أكبر المحاصيل في السودان، وفي ظل الحرب تراجعت إنتاجيته، وبرزت أسواق أفريقية تنافس السودان.. هل يشكل هذا خطرا على المحصول الأشهر في البلاد؟خروج ولايات كردفان ودارفور ووقوعها داخل إطار الحرب أدى إلى تراجع كبير في إنتاج السودان من الصمغ العربي، لكن ثمة مجموعة من الخطط بين وزارة الزراعة والهيئة القومية للغابات لمعالجة هذه المشكلة.
في أثناء زيارتكم لدولة قطر، هل عقدتم اتفاقيات وشراكات للتعاون في مجال الزراعة؟
ذهبنا إلى الدوحة لمناقشة عدد من المشاريع المقترحة للاستثمار عبر منصة مبادرة الأمن الغذائي التي نظمها معهد الدوحة للدراسات العليا بالتعاون مع رابطة المهندسين الزراعيين السودانيين بدولة قطر.
وهي فرصة لحشد وتوفير الموارد اللازمة لبناء شراكات إستراتيجية وذكية مع دولة قطر بغرض إعمار القطاع الزراعي وبناء قدرات المنتجين.
وتأتي زيارتنا لدولة قطر ضمن المسارات التي نسلكها لإعادة تأهيل القطاع الزراعي في السودان، لأن القطاع الزراعي متطلباته أكبر من المساعدات الإنسانية قصيرة الأجل.
نبحث عن التعافي المستدام عبر استثمارات طويلة الأجل في القطاع الزراعي والبنية التحتية الريفية.
ووفقا لدراسة البنك الدولي 2024، فإنه من دون استثمارات إستراتيجية ستواجه المجتمعات في السودان خطر البقاء حبيسة في دوامة التبعية والتخلف، وأعتقد أن مساهمة الاستثمار في بناء القدرات والتكيف تؤدي لفاعلية أكبر في استدامة جهود التعافي، وإعادة التأهيل.
أين وصلت جهود الوزارة لإعادة إعمار القطاع الزراعي؟الآن وصلنا إلى معالجة 80% من قنوات الري، وإنجاح موسم الصيف والعمل على إنجاح الموسم الشتوي بزراعة 22 مليون فدان، بما يحقق الاكتفاء الذاتي من محاصيل المواطن ومحاصيل الصادر، وبذلنا جهودا كبيرة لإعادة مناطق كبيرة لدائرة الإنتاج عبر عديد من البرامج، منها دعم صغار المزارعين، في جمعيات المزارعين بالتقاوي المحسنة، والأسمدة، والمبيدات وتمويل عمليات تحضير الأرض للوصول لحالة تعافي القطاع الزراعي والمزارعين أنفسهم.
ولأنهم تعرضوا لهزات كبيرة، فقدوا كل مدخراتهم، واستطعنا خلال الموسم الصيفي أن نعيد كثيرا من المزارعين لدائرة الإنتاج، ومن ثم نتوقع مزيدا من التعافي بعض النتائج الإيجابية بشكل واضح للجميع.
ومن النقاط المهمة أننا الآن نمتلك خريطة مستقبلية لإعادة إعمار القطاع الزراعي في السودان، إضافة إلى عدد من الترتيبات الخاصة بمكافحة الآفات.
تشمل التحديات التمويل، وتوطين مدخلات الإنتاج، وصناعة التقاوي في السودان، وتوطين صناعة الأسمدة، إضافة إلى دعم البحوث الزراعية لزيادة الإنتاجية، لأن زيادة إنتاج الفدان من الحلول الكبيرة المعول عليها.
تتمثل أكبر تحديات الوزارة في التحول الرقمي -الذي نعمل عليه الآن- إضافة إلى توطين زراعة المدخلات، وحل مشاكل التمويل وتوفر البيانات، فإن توفر المعلومة يساعدنا في اتخاذ القرار.