مطرقة أممية وسندان رباعية.. البرهان في زاوية حرجة

أحمد عثمان جبريل

❝إن أقسى الحروب ليست التي تُخاض بالسلاح، بل تلك التي تُخاض بصمت العالم. ❞

— إبراهيم الكوني

في الوقت الذي أصبحت فيه المجازر في رقعة جغرافية عزيزة من السودان، كجزء من المشهد اليومي، والنزوح الجماعي كأنه قدر محتوم، يعود ملف السودان إلى طاولة الأمم المتحدة بثقلٍ غير مسبوق.


قرارٌ يُنتظر صدوره في مجلس حقوق الإنسان، لا ليصف المأساة فحسب، بل ليبدأ “ولو متأخرًا” في تسمية الجريمة باسمها: حربٌ ضد المدنيين، وجرائمٌ ضد الإنسانية لا يمكن أن تُدفن في ركام الخرطوم، ولا أن تُنسى بمرور الوقت.
لكن الأهم من القرار نفسه، هو ما قد يليه: “ضغوط، واصطفافات، وتحولات حاسمة، قد تفتح أمام شعب السودان الذي يعاني ويلات حرب كارثية، طريقًا جديدًا.. أو تعيده إلى هاوية أعمق.

إذ يُنتظر أن يصوّت مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، خلال اليوميين القادميين، على مشروع قرار جديد بشأن السودان، يطالب بوقفٍ فوري لإطلاق النار، وإنشاء آلية رقابة دولية مستقلة لضمان الالتزام، إلى جانب الدفع باتجاه محاسبة مرتكبي الانتهاكات الجسيمة بحق المدنيين.
المسودة الأولية للقرار، وفق مصادر دبلوماسية وإعلامية، تذهب أبعد من مجرد الدعوة لوقف الحرب، إذ تعتبر كثيرًا من الجرائم المرتكبة منذ اندلاع النزاع في أبريل 2023، جرائمَ حرب وجرائم ضد الإنسانية، تستدعي الإحالة إلى المحكمة الجنائية الدولية.

يأتي هذا التحرّك الدولي في لحظةٍ يبدو فيها المشهد السوداني غارقًا في الدم، ومُثقلًا بالانهيارات الإنسانية والمؤسسية.. أكثر من عامين ونصف من القتال، خلفت عشرات الآلاف من القتلى، وملايين المهجّرين، وانهيار البنية الصحية والتعليمية، وفقدان السيطرة على العاصمة وأجزاء واسعة من البلاد، مع تصاعد وتيرة الانتهاكات، بما في ذلك القصف العشوائي، العنف الجنسي، والقتل على الهوية.

لكن القراءة الأعمق لمشروع القرار تكشف عن أبعاده السياسية أيضًا:” فالمجتمع الدولي، على ما يبدو، لم يعد يكتفي بمناشدات خجولة، بل بدأ يلوّح بوسائل ضغط حقيقية على أطراف الصراع، وتحديدًا قيادة الجيش بقيادة الفريق عبد الفتاح البرهان، للدخول في مفاوضات مباشرة تفضي إلى وقف الحرب، والقبول بعملية سياسية شاملة”.

إذ تسري معلومات في كواليس الدوائر الدبلوماسية عن اتصالات متقدمة بين أطراف الرباعية الدولية (السعودية، الإمارات، مصر، والولايات المتحدةالأمريكية) للضغط على الجنرال البرهان، باعتباره الطرف الأكثر قدرة – من حيث الشكل – على اتخاذ قرار سياسي يمهّد لإنهاء الحرب.
وفي السياق ذاته، يُتوقع أن يتم خلال أيام لقاء مرتقب بين البرهان و السيسي، في خطوةٍ قد تحمل دلالات حاسمة، خصوصًا في ظل تقارير تفيد بأن القاهرة باتت تُمثّل حليفًا رئيسيًا للبرهان، وظهر قويا و”ضمانة إقليمية” في حال غادر محطة التردد وقرر بشكل قاطع، القطيعة مع شركاء الأمس من الإسلاميين.

فالمعلومات المتقاطعة تشير إلى وجود خلافات متزايدة بين البرهان وبعض دوائر الإسلاميين النافذة، الذين يرون في أي اتجاه نحو تسوية سياسية مع القوى المدنية، يمثل خيانة وتفريطًا في مشروعهم القديم.. وفي المقابل، تؤكد المعلومات تتزايد مؤشرات البرهان على الميل إلى خيار التسوية، ولو بصمت حذر، بعد أن استنزفته الحرب عسكريًا وسياسيًا، وفاقمت من عزلته الإقليمية والدولية.

لكن هذه الانعطافة، إن صحّت، لن تكون سهلة. إذ ما زالت بقايا شبكات الإسلاميين تتموضع داخل مؤسسات الدولة، وتستخدم أدواتها الإعلامية واذرعها الأمنية لتقويض أي اتجاه نحو الحل، بما في ذلك بث شائعات في الميديا وملهيات على غرار كيكل وفضيل، مع تحريض داخلي ضد التفاوض، فضلاً عن محاولات ترهيب النخبة العسكرية من تداعيات تسليم السلطة أو الانفتاح على قوى الثورة.

ومن هنا، تبرز أهمية الدور المصري في هذا التوقيت.. فبالنسبة للبرهان، تبدو القاهرة شريكًا يمنحه الغطاء اللازم للانفكاك من ضغط الإسلاميين، دون أن يخسر توازناته الداخلية. كما أن مصر، بحكم الجغرافيا والتاريخ، لا تنظر إلى ما يجري في السودان كملف خارجي بحت، بل كأمن قومي مباشر، يهدده تمدد الميليشيات، أو الانهيار التام للدولة السودانية.

المفارقة أن هذا الانفتاح – إن تَرسّخ – قد لا يكون انتصارًا لطرف على آخر، بل بارقة أمل للمدنيين، الذين أنهكتهم الحرب وجرّدتهم من كل شيء:” منازلهم، أرزاقهم، مدارس أطفالهم، ومستقبل وطنهم”.

الواقع أن القرار الأممي المرتقب ليس خاتمة الطريق، لكنه قد يشكّل نقطة تحوّل، إن ترافق مع إرادة سياسية صادقة، وضغط دولي فعّال، وتوحيد الجبهة المدنية حول رؤية واضحة لما بعد الحرب.

بقى أن نقول:” السودان اليوم لا يحتاج إلى انتصارات عسكرية جديدة، بل إلى شجاعة سياسية توقف النزيف، وتضع حدًا للانفلات، وتعيد للناس حقهم في الحياة، لا أكثر..
فلا أحد يربح في حربٍ كهذه، إلا الذين اتخذوا من تركيا وكرا للمؤامرات ولا يدفعون ثمنها.. إنا لله ياخ.. الله غالب.

الوسومأحمد عثمان جبريل توقف النزيف زاوية حرجة سندان رباعية.. البرهان مطرقة أممية

المصدر: صحيفة التغيير السودانية

كلمات دلالية: زاوية حرجة

إقرأ أيضاً:

النفط يُحمى.. والشعب السوداني يترك للمجهول!

ابراهيم هباني

في السودان لا يحتاج المرء الى جهد كبير ليفهم ما الذي يجعل الاطراف المتحاربة تتفق بسرعة، وما الذي يجعلها تختلف حتى اخر مدى.

يكفي النظر الى ما جرى في هجليج، وما جرى قبله في الفاشر وبابنوسة، ليتضح ان اولويات الحرب لا علاقة لها بحياة الناس، بل بما فوق الارض وتحتها.

في هجليج، انسحب الجيش السوداني الى جنوب السودان، ودخلت قوات الدعم السريع الحقل بلا مقاومة كبيرة، ثم ظهر رئيس جنوب السودان سلفا كير ميارديت ليؤمن المنشاة الحيوية التي يعتمد عليها اقتصاد بلاده.

ولم يحتج الامر الى جولات تفاوض او بيانات مطولة. اتفاق سريع، وترتيبات واضحة، وهدوء مفاجئ. السبب بسيط: الحقل شريان لبلدين، وله وزن في حسابات دولية تتابع النفط اكثر مما تتابع الحرب.

لكن الصورة تختلف تماما عندما نعود الى الفاشر. المدينة عاشت اكثر من خمسمئة يوم تحت الحصار. 500 يوم من الجوع والانهيار، بلا انسحاب من هذا الطرف او ذاك، وبلا موافقة على مبادرة لتجنيبها الحرب. سقطت الفاشر لانها ليست هجليج. لا تملك بئرا، ولا انبوبا، ولا محطة معالجة. ولذلك بقيت خارج الحسابات.

وبابنوسة قصة اخرى من النوع نفسه. المدينة ظلت لما يقارب 680 يوما بين حصار واشتباكات وانقطاع، ثم سقطت نهائيا.

وخلال ذلك نزح منها ما لا يقل عن 45 الف شخص. ومع ذلك لم تعلن وساطة عاجلة، ولا ترتيبات لحماية المدنيين، ولا ما يشبه العجلة التي رأيناها في هجليج الغنية بالنفط!

بابنوسة، مثل الفاشر، لا تضخ نفطا، ولذلك لم تجد اهتماما كبيرا.

دولة جنوب السودان تحركت في هجليج لانها تعرف ان بقاءها الاقتصادي مرتبط بانبوب يمر عبر السودان.

والصين تراقب لان مصالحها القديمة في القطاع تجعل استقرار الحقول مسألة مهمة.

اما الاطراف السودانية، فاستجابت بسرعة نادرة عندما تعلق الامر بالبرميل، بينما بقيت المدن تنتظر نصيبا من العقل، او نصيبا من الرحمة.

المعادلة واضحة. عندما يهدد النفط، تبرم الترتيبات خلال ساعات. وعندما يهدد الناس، لا يحدث شيء. هجليج اخليت لانها مربحة. الفاشر وبابنوسة تركتا لان كلفتهما بشرية فقط.

والمؤسف ان هذا ليس تحليلا بقدر ما هو وصف مباشر لما حدث. برميل النفط حظي بحماية طارئة، بينما المدن السودانية حظيت بالصمت.

وفي نهاية المشهد، يبقى الشعب السوداني وحيدا، يواجه مصيره بلا وساطة تحميه، وبلا اتفاق ينقذه، وبلا جهة تضع حياته في اولوياتها.

هذه هي الحكاية، بلا تجميل. النفط يوقع له اتفاق سريع. الشعب ينتظر اتفاقا لم يأت بعد.

الوسومإبراهيم هباني

مقالات مشابهة

  • النفط يُحمى.. والشعب السوداني يترك للمجهول!
  • الجيش السوداني: ماضون في مسيرة تحرير الوطن والدفاع عن سيادته
  • البرهان يناور بذكاء ويتوعد الدعم السريع
  • منظمات أممية وإغاثية لـ«الاتحاد»: تحديات إنسانية غير مسبوقة تواجه السودان
  • حضرموت.. بين مطرقة الاحتلال المقنع وسندان أدواته
  • سفير السودان: القرار البريطاني ضد الدعم السريع خطوة سياسية مهمة
  • صدام علني بين الحلفاء.. الإخوان يكشفون دورهم في حرب السودان
  • حوار مع صديقي المصري عاشق السودان
  • البابا تواضروس: الروابط بين المصريين حجر زاوية لصمود الوطن أمام التحديات
  • صورة من بورتسودان..!