أثارت التحركات المصرية داخل البحر المتوسط الآن الكثير من الأسئلة حول أهداف الخطوة وعلاقتها بالاتفاقية البحرية بين تركيا وليبيا، وما غذا كانت القاهرة بدأت فعليا خطوات رفض الاتفاقية والضغط على مجلس النواب الليبي لعدم إقرارها.

وكشفت صحيفة "كاثيميريني" اليونانية أن "مصر قامت بعدة مسوحات في مناطق بحرية على طول حدودها البحرية الغربية مع ليبيا، وشمل المسح جزءا مثلثيا تعتبره ليبيا ضمن ولايتها القضائية، بل ومنحته رسميا في يونيو/حزيران الماضي لشركة النفط الحكومية التركية "تي بي إيه أو".


"تحرك مصري لرفض الاتفاقية"

Egypt seismic surveys challenge Turkey-Libya maritime accord https://t.co/8HSDkLxS5V pic.twitter.com/vYuWSBqgdx — Kathimerini English Edition (@ekathimerini) September 10, 2025
وأكدت الصحيفة المقربة من الحكومة في أثينا أن "المسوحات المصرية تجريها سفينة الأبحاث الزلزالية "رامفورم هايبريون"، منذ 21 آب/أغسطس في المياه التي تطالب بها طرابلس بموجب مذكرة التفاهم التركية الليبية لعام 2019.

وأشارت إلى أن "القاهرة رفضت هذا الادعاء قبل ثلاث سنوات بموجب المرسوم الرئاسي رقم 595 الموقع في تاريخ 11 كانون الأول/ديسمبر 2022، الذي حدد الحدود البحرية الغربية لمصر مع ليبيا، وتعمل مصر حاليًا بموجب هذا المرسوم بإجراء مسوحات في المنطقة المتنازع عليها.

واعتبرت الصحيفة أن التحركات المصرية هي أول رفض عملي لاتفاقية الحدود البحرية الموقعة بين تركيا وليبيا، وكذلك للاتفاقيات بين أنقرة وطرابلس بشأن التنقيب عن الهيدروكربون جنوب جزيرة كريت، وفق تقريرها، ليبقى السؤال، هل تسبب التحركات المصرية في المتوسط صداما مع تركيا؟ أم هي تحركات للضغط على البرلمان الليبي وفقط؟.

"غياب القانون الدولي في المتوسط"
من جهته، قال عضو المجلس الأعلى للدولة في ليبيا، سعد بن شرادة إن "النزاعات البحرية أمر طبيعي بين أغلب الدول المطلة على البحر المتوسط، وربما يرجع ذلك لعدم وجود الجهات المختصة بفصل المنازعات البحرية، إضافة إلى أن بعض الدول لم توقع على اتفاقية ترسيم الحدود لعام 1988.
وأوضح في تصريحات لـ"عربي21" أن: "هذه الخلافات قد تؤدي أحيانا إلى اختراقات أو تصرفات استفزازية، مثل ما يحدث بين اليونان وتركيا، وأحيانًا تأخذ بعدًا سياسيًا لجلب الطرف الآخر للجلوس على الطاولة، وهذا ملف شائك"، وفق قوله.

وبخصوص الاتفاقية البحرية بين ليبيا وتركيا، قال بن شرادة: "مصر نفسها مستفيدة من هذه الاتفاقية وجاء ذلك على لسان وزير خارجيتها آنذاك بأن الاتفاقية زادت من مساحة مصر البحرية، لكن لمصر حسابات أخرى تتعلق بعلاقاتها مع دول الجنوب الأوروبي، وأعتقد أنه لن يحدث خلافات بينها وبين ليبيا، وإن حدثت فسيكون اللجوء إلى المنظمات الدولية المختصة للفصل في الأمر"، كما أكد.
"إرباك تركيا والدبيبة وعرقلة الاتفاقية"

في حين رأى الإعلامي الليبي، عاطف الأطرش أن "التحرك المصري بإجراء مسوحات بحرية قرب حدودها الغربية مع ليبيا يمثل ردا عمليا على مذكرة التفاهم البحرية بين أنقرة وطرابلس والتي رفضتها القاهرة منذ توقيعها عام 2019".

وأكد في تصريحه لـ"عربي21" أن "أهمية هذه الخطوة أنها شملت قطاعا منحت ليبيا امتياز التنقيب فيه لشركة النفط التركية الحكومية، ما يجعلها رسالة مباشرة ضد محاولات تركيا تكريس وجودها في شرق المتوسط، لذا فإن هذه الخطوة لا تبدو تمهيدا لمواجهة مفتوحة مع أنقرة بقدر ما هي ورقة ضغط سياسية"، وفق تقديره.

وأضاف: "تهدف الخطوة إلى عرقلة تنفيذ الاتفاقية والتشكيك في قانونية الامتيازات وبالتالي إرباك الاستثمارات التركية، كما تحمل رسالة إلى حكومة الدبيبة بأن المضي في التفاهم مع تركيا سيضر بعلاقاتها مع القاهرة، لذا فإن هذه المسوحات أقرب إلى إبراز موقف سياسي واستراتيجي يرفض ترسيم الحدود وفق الاتفاقية التركية–الليبية، مع إبقاء الخيارات مفتوحة دون الانزلاق إلى صدام مباشر"، كما أشار.

"تحالفات ثلاثية"
الأكاديمي الليبي، فرج دردور قال من جانبه إن "المنطقة التي يتم فيها المسح المصري هي ملك خالص لليبيا، وترسيم الحدود البحرية بين مصر وليبيا تم بقرار أحادي من الحكومة المصرية دون التباحث مع ليبيا ما يعد اغتصاب لملكية ليبية".


واستبعد حسب تصريحه لـ"عربي21"، أن تكون مصر تقوم بهذا المسح عمليا من أجل الضغط على ليبيا حتى تلغي مذكرة التفاهم مع ليبيا، متوقعا أن تتحالف ليبيا مع تركيا مجددا ضد مصر من أجل إجبارها على ترك المسح داخل هذه المنطقة، وقبل أن يتأزم الموقف لربما تكون هناك تفاهمات ثلاثية بين مصر وتركيا وليبيا، تسمح للجميع ضمان حقوقه، لأن مصر تعلم جيدا أنها لن تستطيع المضي قدما في نهج يحرمها من الاستفادة من هذا المسح". 

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة سياسة عربية مقابلات حقوق وحريات سياسة دولية اليونانية اليونان مصر والبحر المتوسط المزيد في سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة قضايا وآراء أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة ترکیا ولیبیا البحریة بین مع لیبیا

إقرأ أيضاً:

السيسي يستقبل حفتر.. حين تُعيد الجغرافيا تشكيل السياسة وتختبر القاهرة بوصلتها في الغرب

في مساء شتوي بارد من ديسمبر 2025، كانت القاهرة تشبه مدينة تستعد لقراءة فصل جديد من خرائط الإقليم. لم يكن استقبال الرئيس عبد الفتاح السيسي للمشير خليفة حفتر في قصر الاتحادية مجرد لقاء عابر على صفحات البروتوكول، بل كان أشبه بفتح غرفة الخرائط على مصراعيها، حيث تتقاطع خطوط الحدود مع مصالح الأمن القومي، وتتجاور حسابات البحر مع حسابات الصحراء. لحظة تحمل رائحة السياسة الثقيلة، وتقول إن الجغرافيا ما زالت أقوى من كل خطابات النوايا.

القاهرة، التي تعتبر ليبيا امتدادًا مباشرًا لنَفَسها الغربي، كانت ترسل رسالة لا تحتاج إلى دبلوماسية: لا فراغ استراتيجي عند حدود مصر، ولا سماح بتحويل ليبيا إلى ساحة مفتوحة للمرتزقة وألعاب القوى الإقليمية. البيان الرسمي، وإن جاء هادئًا، أعاد التأكيد على وحدة ليبيا وخروج القوى الأجنبية وضرورة الذهاب إلى انتخابات شاملة، لكنه أخفى بين السطور ملامح رؤية مصرية أكثر حسمًا: حماية مصالحها، منع تهديد حدودها، وتحصين المتوسط من أي محاولة لإعادة رسم خرائطه دون حضور القاهرة.

في عمق المشهد، بدا اللقاء كأنه تثبيت لوزن شرق ليبيا في معادلات المرحلة المقبلة، وتعزيز لقدرة هذا التيار على الإمساك بخيوط التفاوض. لكنه في الوقت ذاته كشف إدراكًا مصريًا بأن القوة بلا سياسة تتحول إلى عبء، وأن ليبيا لا تحتاج طرفًا ينتصر بل دولة تستعيد تماسكها. فكل فراغ هناك يعني فوضى هنا، وكل انزلاق في الشرق أو الغرب ينعكس على القاهرة مباشرة، سواء عبر الحدود الرملية أو عبر البحر المتوسط.

أما ملف الهجرة غير الشرعية فكان حاضرًا كظل لا يفارق الساحل الليبي، أي استقرار في الشرق سيحد من قدرة شبكات التهريب، ويمنح مصر مساحة أوضح لملاحقة خطوط التسلل، بينما أي انفجار سياسي سيحوّل البحر إلى ممر مفتوح للهاربين والفوضى معًا.

لذا بدا واضحًا أن ضبط الحدود البحرية والبرية لم يعد مسألة أمنية فقط، بل جزءًا من سياج استراتيجي يحمي الداخل المصري من ارتدادات الفوضى الليبية.

ومع ذلك، كان على القاهرة أن تتحرك بوعي تجاه مفارقات المشهد: ألا تتحول ليبيا إلى رقعة صراع بين محاور خارجية، وألا يُبنى النفوذ المصري على تحالف أحادي يُهمل المكونات الليبية الأخرى، وألا تجرّها معارك المتوسط إلى مواجهات جانبية مع لاعبين إقليميين يبحثون عن موطئ قدم في شرق البحر.

في المجموع، بدا استقبال السيسي لحفتر إعلانًا بأن مصر عادت لاعبًا مباشرًا في رسم مستقبل غربها، لا مراقبًا يتحسّس النتائج. لكنه إعلان يحمّل القاهرة مسؤولية شاقة: تثبيت الحدود، ضبط المتوسط، متابعة الداخل الليبي، ومراقبة ما يجري في السودان الممتد أثره حتى طرابلس وطبرق في آن واحد.

ولكي تحتفظ هذه الخطوة بزخمها، يصبح من الضروري التوازن بين ثلاثة مسارات:

ربط الدعم العسكري بمسار سياسي واضح يضمن انتخابات شاملة.

تشديد الرقابة على الحدود والبحر لوقف شبكات التهريب والهجرة.

تفعيل دبلوماسية إقليمية متوازنة تمنع الاشتعال في شرق المتوسط وتُبقي ليبيا خارج دوائر الحروب بالوكالة.

البعد الاستخباراتي، ما وراء الصور والتصريحات.

قد يبدو اللقاء سياسيًا في ظاهره، لكنه في عمقه يحمل إشارات استخباراتية واضحة:القاهرة تُعيد بناء شبكة تنسيق ميداني مع شرق ليبيا تشمل مراقبة الحدود، تبادل معلومات عن الميليشيات والمقاتلين الأجانب، ومسارات تهريب السلاح والبشر.

هناك اهتمام مصري برسم “خريطة مصادر التهديد” داخل ليبيا، من مواقع المرتزقة إلى ممرات الصحراء وصولًا إلى الموانئ التي يمكن أن تتحول إلى نقاط انطلاق للهجرة غير الشرعية.

المعلومات المتداولة تشير إلى رغبة مصر في امتلاك صورة كاملة عن التحركات الإقليمية في ليبيا: التمويل، السلاح، القيادات الجديدة، وتغيّر الولاءات القبلية.

كما تسعى القاهرة إلى ضمان ألا يتحول الساحل الليبي الشرقي إلى نقطة نفوذ لقوى قد تغيّر موازين المتوسط، سواء في الطاقة أو الحدود البحرية أو قواعد النفوذ العسكري.

إنها قراءة استخباراتية تقول إن ليبيا ليست مجرد جار، بل لوحة أمنية مفتوحة، وأي ضباب عليها يعني ظلامًا على حدود مصر.

(محمد سعد عبد اللطيف «كاتب وباحث في الجيوسياسية والصراعات الدولية»).

اقرأ أيضاًمحامٍ لدى «الجنائية الدولية»: قائد الجنجويد الأسبق علي كوشيب ارتكب جرائم وفظائع في السودان

خالد الترجمان: الخطوط الحمراء المصرية بين سرت والجفرة منعت التوغّل نحو الحقول والموانئ النفطية

مقالات مشابهة

  • الركاب بأمان.. العثور على يخت إسرائيلي فُقد في المتوسط بعد عاصفة بايرون
  • نائب وزير الخارجية يستقبل المفوضة الأوروبية لشؤون البحر الأبيض المتوسط
  • السيسي يستقبل حفتر.. حين تُعيد الجغرافيا تشكيل السياسة وتختبر القاهرة بوصلتها في الغرب
  • قنصل إيطاليا: الإسكندرية عروس البحر المتوسط عن جدارة
  • حماد: ليبيا ترفض الإملاءات اليونانية وتتمسّك بحقوقها البحرية
  • إطلاق شبكة متوسطية جديدة لمنظمات مسارات المشي
  • تحذير جوي.. سحب رعدية تغطي محافظات البحر المتوسط
  • حماد: إملاءات اليونان بشأن الاتفاقية التركية “تدخل سافر” وندعوها للجلوس مع لجنة ترسيم الحدود
  • الرئيس السيسي: دعم مصري كامل لسيادة واستقرار ليبيا ووحدة وسلامة أراضيها
  • ضغوط يونانية على برلمان ليبيا لإسقاط الاتفاقية البحرية مع تركيا.. هل يستجيب عقيلة؟