الدم والعفو الأبوي أمام القاضي.. حكاية الحكم الذي أبكى القاعة
تاريخ النشر: 7th, October 2025 GMT
في مشهد قضائي يختلط فيه القانون بالألم والعاطفة، أصدرت محكمة مستأنف جنايات الجيزة حكما مؤبدا على المتهم ع. ر. في جريمة قتل شقيقه وسحله في الطريق العام بقرية نكلا بمنشأة القناطر، بعد أن قبلت هيئة المحكمة العفو الذي تقدم به الأب المكلوم.
في وسط هذا القرار الذي لامس معاني الرحمة والعدالة، جلس المستشار طارق خميس محمد رئيس الدائرة الرابعة أمام زملائه في الهيئة ليفتح ملف القضية من جديد، مؤجلا النظر في الاستئناف إلى جلسة شهر نوفمبر المقبل.
وقد افتتحت الجلسة بمواجهة مباشرة بين المحكمة والمتهم داخل القفص، حين سئل بلهجة صارمة “هل قتلت أخاك يا عمر؟” فأجاب سريعا “أيوه يا فندم” فاقتصرت العقوبة على السجن المؤبد بدلا من الإعدام، في ضوء رسالة العفو التي حملها الأب، وأطلق عليها وصف «العفو في حضرة القاضي».
عفو أب ينقذ قاتل شقيقه من الإعدام داخل قاعة المحكمةتكونت هيئة المحكمة من المستشار طارق خميس محمد كرئيس، إلى جانبه أعضاء المحكمة، وهم من قضاة الجنائيات المكلفين بالنظر في القضايا الكبرى، وقد بادرت الهيئة إلى مراعاة العوامل الإنسانية إلى جانب القانونية عند حكمها.
الأب الذي دخل قاعة الجلسة بموقف لم يرصد كثيرا في قضايا القتل شد أنظار الجميع، فقد كتب رسالة يدويا مخاطبا القاضي: “القاتل ابني والمقتول ابني” معبرا عن تنازله عن الحق المدني وطلبه العفو.
وقد استندت المحكمة إلى نص المادة 7 من قانون العقوبات التي تنص على أن الحقوق الشخصية في الشريعة لا تمس، لكن العفو وإن كان ليس سببا لبراءة المتهم، فقد سمح بتخفيف العقوبة من الإعدام إلى المؤبد.
بين طعنة الغدر ورسالة العفو.. المحكمة تختار الرحمةالتخطيط والتصفيةفي مستهل القضية التي حملت رقم 15049 لسنة 2024 جنايات مركز إمبابة والمقيدة بـ 5928 لسنة 2024 كلي شمال الجيزة، وجهت النيابة العامة إلى ع. ر. تهمة القتل العمد مع سبق الإصرار، مشيرة إلى أنه عقد العزم مسبقا على التخلص من شقيقه. قالت النيابة إنه استغل غياب الوالدين وانقض على الضحية بعصا حتى أعيته قواه.
الدم يسيل والعفو يعلو.. المؤبد بدلا من الإعدامولم تقف الجريمة عند الضرب بالعصا، بل استل المتهم سكينا وانهال بطعنات قاسية متكررة في مواضع قاتلة بالجسد، ثم سحب الجثة إلى الطريق العام أمام المارة، وهناك أتم الجريمة بضربة من قالب طوب رماه على الضحية، هذه السلسلة من الأفعال أظهرتها التحقيقات وتقرير الصفة التشريحية.
المضبوطات والتعاطيكما وجدت التحقيقات أن المتهم كان بحوزته جوهرتين مخدرتين هما “حشيش” و”ترامادول”، وكذلك السكين المستخدم في الطعن، وأدوات اعتداء مثل قالب طوب وعصا، كلها دون مبرر قانوني.
أقوال المتهمخلال استجوابه أقر المتهم بالتفصيل بأنه استدرج شقيقه مستغلا الغياب، وانقض عليه بالعصا والطعن، ثم سحله في الشارع وانهال بالحجر عليه، بدافع الانتقام من خلافات سابقة بينهما.
تقرير الطب الشرعيكشف تقرير مصلحة الطب الشرعي أن جثة المجني عليه تحمل سبعة عشر إصابة قطعية وطعنية في الصدر والبطن والظهر، وهي التي أدت إلى الوفاة. كما سجل التقرير إصابات رضحية بالرأس والوجه ناجمة عن استخدام الحجر في الجريمة، مؤكدا أن الوفاة سببتها الطعنات النافذة ومضاعفات الرضوض.
حين يعفو الأب عن الدم.. المحكمة تنطق بالمؤبدمن اللحظة التي تفتحت فيها الجلسة نحو المواجهة الصارخة إلى لحظة إلقاء العفو الأبوي أمام القاضي، تتشكل أمام القارئ صورة تتلوها توترات نفسية. المتهم يقف في القفص، كنتيجة لمعركة بين الدم والعاطفة، وبين القانون والحق والحب الأسري.
الأب الحزين الذي تخطى قسوته الطبيعية، وفضل أن يطلب الرحمة على الانتقام، أضفى على القضية بعدا إنسانيا قلما يرى في قضايا الدم البارد.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: جنايات الجيزة العفو المؤبد القتل المفرقعات السحل
إقرأ أيضاً:
براءة أب من اتهامه بإنهاء حياة نجله بقصد تأديبه في البحيرة
قضت محكمة جنايات دمنهور برئاسة المستشار دكتور سامح عبد الله، وعضوية كل من المستشارين: أحمد خضر، وأحمد خليل ومصطفى الرفاعي، ببراءة أب من تهمة ضرب نجله الذي أفضى إلى الموت.
استندت المحكمة في حكمها إلى انقطاع رابطة السببية بين فعل الضرب البسيط الذي صدر عن الأب بقصد تأديب نجله، كما قرر هو وبين النتيجة التي حدثت وهي وفاة الصغير.
كانت إحدى جيران المتهم قد اشتكت له المجني عليه نتيجة تعديه على نجلتها لفظًا فما كان من الأب، إلا أن تعدى على قدم الصغير بفرع شجرة توت عثر عليه بمكان الواقعة، لكن الصغير شعر بإعياء في اليوم التالي وارتفعت درجة حرارته، مما اضطر المتهم إلى نقله إلى أحد المستشفيات الخاصة لتلقي العلاج لكنه قد توفي عقب ذلك.
وأكدت المحكمة أنه لم يثبت من نتيجة تقرير الصفة التشريحية، أن الوفاة حدثت نتيجة تعدي الأب على المجني عليه، إذ قرر الأب أمام المحكمة أنه لا يمكن أن يقتل نجله الوحيد الذي يربيه مع ثلاث بنات بعد وفاة أمهم، على حد قوله.
وأضاف أن المجني عليه سقط بدراجة نارية "موتوسيكل" أرضًا في يوم التعدي عليه، وأن هذا السقوط هو السبب المباشر للوفاة وليس الضرب البسيط على قدمه بفرع شجرة ليس من شأنه أن يحدث الوفاة.
وشددت المحكمة على أن تأديب الطفل يجب أن يكون بالصورة التي تقوّمه وليست بالصورة التي تفزعه، وأن الضرب أيًا كانت درجة بساطته ليست هي الوسيلة الصحية لتأديب الصغار.
وفي وقت سابق، شهدت عزبة القادوسي التابعة لقرية كوم البركة بمركز كفر الدوار وفاة م. م.ع، عقب تعدي والده على نجله الوحيد بواسطة عصا بقصد تأديبه، إذ اشتكت له أحد سيدات القرية بتعدي المجنى عليه على ابنتها لفظًا فما كان من الأب "المتهم آنذاك" إلا أن تعدى على قدم الطفل بفرع شجرة توت عثر عليه بمكان الواقعة.
وقرر المستشار محمد الجندي، المحامي العام لنيابات شمال دمنهور، إحالة المتهم إلى محكمة الجنايات، التي قررت ببراءة المتهم.