في صباحٍ لم تعلنه الشمس، وعند مفترق نارٍ وسحاب، ترجل القائد. لا صوتٌ للوداع، لا صدى لخطوة أخيرة، فقط السماء تنفجُر على جسدٍ طالما مشى بثباتٍ في طرق لا يعرفها إلا أصحابُ العقيدة، وذوو البصائر، هناك، في ميدان المهمة المقدسة، خطّت دماؤه آخر سطرٍ في حكاية رجلٍ لم يكن مجرد اسمٍ في قائمة الشهداء، بل أسطورة صيغت من العزم والبصيرة، اسمه،  محمد عبد الكريم الغماري.

يمانيون / خاص

 

أعلنت القوات المسلحة اليمنية، ببيان مليء بالفخر والاعتزاز، نبأ استشهاد رئيس هيئة الأركان العامة، الرجل الذي كان يوقّع بيانات الحرب بدمه، قبل أن يوقّعها بالحبر. غارة صهيونية استهدفت روحه، فارتقى كما يليق بالرجال العظماء، واقفًا في الميدان، باسلًا، لم ينكسر.

لكن مهلاً ..  من هو الغماري؟ من هذا الرجل الذي حين يذكره المجاهدون، تنكسر نبرة الصوت من المهابة لا من الحزن؟ من هذا القائد الذي إذا حضر في الجبهة، صمتت البنادق احترامًا قبل أن تشتعل نيرانها تحت إشارته؟

 

الولادة من رحم الدين والهوية

في قريةٍ وادعةٍ من عمران، عام 1983، وُلد محمد عبد الكريم الغماري، من أسرةٍ متدينةٍ، أنجبت قلوبًا مؤمنةً لا تنكسر، نشأ في بيتٍ يرى في القيم درعًا، وفي القرآن سلاحًا، وفي الكرامة قدَراً، ما إن بلغ العشرين من عمره، حتى استلّ تكبيرة الحق من حنجرته، وانضم إلى المشروع القرآني، مضى خلفه لا بدافع الحماسة، بل بيقين العارفين المؤمنين الواثقين بالله .

لم يكن الميدان حلمًا بعيدًا بالنسبة للغماري، بل دربًا مشى عليه منذ بدايات الحرب الظالمة على صعدة، قاتل في الطلائع، سُجن، خرج، وعاد، لم تثنه الزنازين، ولم تضعف عزيمته العواصف، سلاحه إيمانٌ لا يصدأ، وخطةٌ لا تُقرأ إلا بعيون من فهموا أن الجهاد ليس انفعالًا، بل مسارٌ ممتد.

 

من القائد الميداني إلى صانع الردع

شيئًا فشيئًا، تحوّل الغماري من مقاتلٍ في الجبهة إلى عقلٍ يدير الجبهة، عام 2016، عُيّن رئيسًا لهيئة الأركان العامة، لكن المنصب والرتبة لم تغيّره، ظلّ ذلك القائد الذي يضع قدمه حيث يسير جنوده، والذي يرى في كل جبهةٍ محرابًا للصلاة، وفي كل معركةٍ آيةً من آيات القرآن تُترجم على الأرض.

أعاد هيكلة القوات المسلحة، ليس بالمعايير التقليدية، بل بمنهجٍ إيماني عسكري فريد. دمج الصواريخ الباليستية بالطائرات المسيّرة، وربط البحر بالبر، والسماء بالأرض، والميدان بالهدف، كان يؤمن أن المعركة مع الاستكبار لا تُكسب بالعدة فقط، بل بالنية الصادقة والعقيدة الثابتة.

 

القدس في القلب 

حين اشتد العدوان على غزة، لم تكن فلسطين بالنسبة له نشرة أخبار، بل جزءٌ من القلب، من الهوية، من الايمان، فتح جبهات الرد من البحر الأحمر إلى باب المندب، وأدار المعارك بلغةٍ لا يفهمها العدو إلا حين تصله الصواريخ على ظهر بارجة، أو ترتطم به المسيّرات كأنها الغضب المجسد.

كان يؤمن أن الدفاع عن القدس لا يحتاج إلى جغرافيا، بل إلى قرار، وكان قراره واضحًا، خندق واحد من اليمن إلى فلسطين.

 

قيادة من نوعٍ آخر

الشهيد القائد الغماري لم يتخرّج من أي كلية عسكرية أجنبية، لكنه علّم جيوش الأرض كيف تُقاد الحروب بالإيمان وقوة العقيدة، لم يكن جنديًا نمطيًا، بل خبير تكتيك، يُفكك الجغرافيا، ويرتبها كما يرتب آيات الفتح في ذهنه، آمن أن الحرب علمٌ لكن نصرها من الله، وأن التخطيط سر، لكن التثبيت من فوق سبع سماوات.

القادة لم يهابوه، بل أحبوه، الجنود لم يخافوا منه، بل تأسوا به اتباعاً وتسليماً، لم يكن يعطي أمرًا إلا وكان هو أول من ينفذه، كان في مقدمة الصفوف، في عمق المعركة، عند مفترق الموت والحياة، لذلك حين سقط، لم يشعر أحدٌ أن الغياب قد وقع، بل أن البطولة تجلّت.

 

شهادة لا تُفني، بل تُخلِّد

حين جاءت الغارة، لم يفاجأ بها أحد، كثيرًا ما تنبأ العدو بمقتله، وكثيرًا ما صمت الغماري، كان يدير المعركة حتى في الغياب، وحتى في استشهاده اختار ألا يرحل بصخب، بل كأبٍ يُسلّم الراية ويختفي بهدوء، فجأة، صدر البيان .. استشهد الغماري،  ولم تنكسر الجبهة، بل انتفضت، واشتدّت عزيمتها.

خلفه يوسف المداني، كما لو أن الغماري كان يخطّط للرحيل بعين القائد، ويُسلّم المهمة بثقةٍ بمن اختارهم، فالمشروع القرآني لا يعرف الفراغ، ولا يؤمن بالانكسار.

 

الدم الذي كتب العهد

دم الغماري لم يُسفك، بل كتب وثيقة عهدٍ جديدٍ بين اليمن وفلسطين، دماءه كانت الحبر الذي وُقّع به ميثاق الأمة، لن نخذل غزة، ولو فنينا من الوجود، كلماتٌ تحوّلت إلى عقيدة، وصورةٌ له وهو يبتسم وسط الغبار، تحوّلت إلى راية.

رحل محمد عبد الكريم الغماري كما يرحل القادة الكبار، جسدٌ في التراب، وروح لا تموت، لم يكن رحيله خسارة، بل ولادة جديدة لقوةٍ لم تعد تعتمد على القادة، بل على مدرسةٍ كاملةٍ أسّسها الغماري بدمه وإيمانه.

 

من صنعاء إلى القدس

سلامٌ على الغماري، يوم صدّق، ويوم ثبت، ويوم ارتقى،  سلامٌ على روحه التي ما زالت تقاتل، وصورته التي لا تفارق الجبهات، واسمه الذي صار نشيدًا على ألسنة المجاهدين.

لقد علّمنا الغماري أن القادة لا يُصنعون في الكليات، بل في ساحات الإيمان، وأن الحرب ليست فعلًا عسكريًا فقط، بل عقيدة، ورسالة، وجهاد مستمر.

ولذلك كله .. ما زال محمد عبد الكريم الغماري حيًا،  لا تسألوا عن مرقده، بل فتشوا عن فكرته، عن مبدأه، عن دمٍ ما زال يرسم خارطة النصر.

المصدر: يمانيون

كلمات دلالية: محمد عبد الکریم الغماری لم یکن

إقرأ أيضاً:

ابن سائق محمد صبحي يقلب الرواية المتداولة رأسًا على عقب .. تفاصيل

خلال الساعات الماضية تصدر الفنان محمد صبحي محركات البحث، وذلك بعد انتشار فيديو يظهر فيه وهو ينفعل على سائقه عقب انتهاء تكريمه بمهرجان "آفاق" بمسرح الهناجر في دار الأوبرا، وهو ما أحدث موجة واسعة من الجدل على مواقع التواصل الاجتماعي.

أبويا عنده 65 سنة.. نجل سائق محمد صبحي يفجر مفاجأة غير متوقعة عن واقعة الانفعال مهرجان البحر الأحمر السينمائي يعلن عن شراكة استراتيجية للارتقاء بصناعة الرسوم المتحركة .. تفاصيل حفلات عالمية في قلب المتحف المصري الكبير بمشاركة العازف العالمي هاوزر.. تفاصيل هاري ستايلز يخوض معركة قانونية بملايين الدولارات لوقف استغلال اسمه تجاريًا إصابة تجبر يسرا اللوزي على الانسحاب من عرض المورستان.. الليلة عرض فيلم "محفوظ وهي" اليوم على شاشة الوثائقية العاشرة مساءً دور غامض يجعل كريم قاسم يعيد حساباته قبل الانضمام لـ فيلم "القصص" مهرجان البحر الأحمر يختتم دورته الخامسة.. الليلة عملية تجميل واحدة تغير نظرة جينيفر لوبيز لنفسها وتدفعها نحو إجراء سلسلة عمليات في عام 2026 ابتعاد المخرج جمال عبد الحميد عن العمل 13 عامًا يدخل حياته في أزمة نفسية.. زوجته تكشف التفاصيل


وعلق نجل سائق الفنان محمد صبحي على الفيديو المتداول الذي أثار جدلًا على مواقع التواصل الاجتماعي، والذي انفعل فيه صبحي على والده بعد تكريمه على مسرح الهناجر بدار الأوبرا المصرية، فبعد مغادرة الفنان للمسرح التف الجمهور والمصورون حوله فانزعج لتأخر السائق عليه.

قال نجل السائق: "الراجل اللي بيجري وراه ده هو أبويا، واللي حصل أن أبويا راح الحمام، وللعلم هو عنده 65 سنة يعني مش صغير لما طلع هو مكلموش لأنه مش بيطلع معاه كثير أصلاً، هو سواق أخته مدام سلوى عشان كده هو كان بيكلمها لما خرج، وأبويا غلط آه معترضتش".

وأوضح أيضًا:"بس اللي حصل ده عيب جداً ولاقيت ناس عمالة تقول السواق مهمل والسواق مش عارف إيه ولازم يقف جنب العربية موقف طبيعي جداً، ووالدي طول عمره سواق وبيحصل مع كل الناس نفس الموقف ده وعادي بيعدي هو ما أجرمش".

واختتم حديثه:"أنا طالب لو هتنزلي توضيح عشان الراجل ميبقاش متهان قدام العالم كله وكمان ألاقي كلام وحش من ناس لا عارفة ولا فاهمة اللي حصل، على فكرة أنا أبويا كان شغال مع واحد ومشي بسبب إنه قاله اغسل العربيات وده مش شغله، يعني أبويا مش بيذل نفسه ولا هو اللي عمل كده في نفسه زي ما الناس بتقول".

وكان قد علق الفنان الكبير محمد صبحي على الواقعة، حيث  كتب عبر صفحته على فيسبوك: "رغم كل الماء العذب الذي تصبه السماء في البحر إلا أنه يبقى مالحاً، فلا ترهق نفسك، البعض لا يتغيرون مهما حاولت!".

مقالات مشابهة

  • ابن سائق محمد صبحي يقلب الرواية المتداولة رأسًا على عقب .. تفاصيل
  • “لجان المقاومة في فلسطين”: الجبهة الشعبية شكّلت علامة مضيئة في مسيرة الكفاح الوطني الفلسطيني
  • ترامب يتهم “نيويورك تايمز” بالخيانة.. والصحيفة ترد: الشعب يستحق الاطلاع على صحة القائد الذي انتخبه
  • الأمم المتحدة: تصريحات رئيس الأركان الإسرائيلي حول الخط الأصفر تتعارض مع خطة ترامب للسلام
  • رئيس هيئة الأركان يزور مجموعة حمزة بن عبد المطلب في الحرس الملكي الخاص
  • الأمم المتحدة: تصريحات رئيس الأركان الإسرائيلي حول «الخط الأصفر» تتعارض مع خطة ترامب للسلام
  • المسيرة القرآنية .. إعصار الوعي الذي حطم أدوات التضليل ونسف منظومة الحرب الناعمة للعدوان
  • حماس: نرفض تصريحات رئيس الأركان الإسرائيلي بشأن الخط الأصفر
  • القبيلة اليمنية .. حارسة القيم والهوية وركيزة الصمود عبر تاريخ المواجهة مع الغزاة
  • رئيس الأركان الإسرائيلي: مستعدون لأي حرب مفاجئة.. 58% من الجنود يعانون «اضطراب نفسي»!