في بلدٍ أنهكته الحرب وتمزّقت نسيجه الروحي، لم تسلم حتى بيوت الله من بطش الميليشيا الحوثية، إذ لم تكتف الجماعة بانتهاك الحقوق المدنية والسياسية، بل مدّت يدها إلى المساجد ودور العبادة التي لطالما كانت مأوى للسلام والتقوى، محاولةً تحويلها إلى منصات تعبئة فكرية وطائفية تروّج لمشروعها السلالي منذ انقلابها عام 2015.

تؤكد شهادات حقوقية متطابقة أن الانتهاكات ضد رجال الدين ودور العبادة تجاوزت كل القيم الإنسانية والدينية، لتتحول إلى سياسة ممنهجة تستهدف تفريغ الدين من جوهره وتحويله إلى أداة بيد جماعة تسعى لفرض "حوثنة العقيدة" بقوة السلاح.

وفي أحدث تقرير لها، قالت الشبكة اليمنية للحقوق والحريات إنها وثّقت 4896 اعتداء وجريمة ارتكبتها الميليشيا الحوثية المدعومة من النظام الإيراني ضد رجال الدين والمساجد ودور القرآن الكريم، خلال الفترة من 1 يناير 2015 وحتى 30 يونيو 2025، في مختلف المحافظات اليمنية الخاضعة لسيطرتها.

وجاء التقرير بعنوان: “غريزة الميليشيات الحوثية في تفجير المساجد ودور القرآن وقتل رجال الدين”، مشيرًا إلى أن هذه الانتهاكات تتزايد يومًا بعد يوم دون مراعاة لحرمة الدين أو قداسة أماكن العبادة. وأضافت الشبكة أن آخر تلك الجرائم تمثّلت في تفجير جامع السنة بحي سعوان في صنعاء، وتحويل مركز السلفيين في زراجة بالحداء إلى معتقلٍ للمعارضين والناشطين الدينيين.

أوضح التقرير أن الاعتداءات تنوعت بين القتل المباشر للأئمة والخطباء والمصلين، والإصابات الجسدية، وعمليات تفجير المساجد ودور القرآن الكريم، إضافة إلى الاختطاف والإخفاء القسري والتعذيب النفسي والجسدي. 

كما رصد الفريق الميداني للشبكة 277 حالة قتل استهدفت رجال الدين وخطباء المساجد، بينها: 72 حالة قتل بإطلاق نار مباشر، 19 حالة نتيجة القصف العشوائي، 28 حالة بسبب استخدام القوة المفرطة والضرب، 19 حالة طعن بالأسلحة البيضاء، بالإضافة إلى 178 إصابة جسدية متفاوتة الخطورة.

ووثّقت الشبكة 791 انتهاكًا طال المساجد ودور العبادة، منها 103 عملية تفجير وتفخيخ، و201 حالة قصف، و52 عملية إحراق، إلى جانب 341 عملية اقتحام ونهب. 

وكشف التقرير عن تحويل 423 مسجدًا إلى ثكنات عسكرية لمقاتلي الميليشيا، حيث تُنتهك قدسية المكان عبر تناول القات والشيشة والرقص داخلها، بينما جرى تخصيص 219 مسجدًا كمراكز لغسل عقول الأطفال وتحريف وعيهم الديني، وتحويل 61 مسجدًا إلى غرف عمليات حربية لإدارة الهجمات العسكرية.

كما أغلقت الميليشيا 394 مسجدًا بالكامل، وفرضت 1291 خطيبًا وإمامًا تابعين لفكرها الطائفي، إلى جانب إغلاق 467 مدرسة لتحفيظ القرآن الكريم، في إطار سعيها لتغيير البنية الدينية والفكرية للمجتمع اليمني.

وأكد التقرير أن تفجير الميليشيا للمساجد يعكس البعد العقائدي والفكري لحروبها التي لا تميّز بين المدنيين ورجال الدين، مشيرًا إلى أن معظم المساجد في مناطق سيطرة الحوثيين تحوّلت إلى منابر تحشيد وتجنيد للأطفال، وفضاءات لزرع الكراهية والمذهبية.

وحذّرت الشبكة من أن هذه الجرائم تمثل تهديدًا وجوديًا للهوية الدينية والوطنية اليمنية، ودعت المجتمع الدولي والمنظمات الإسلامية إلى تحرك عاجل لحماية دور العبادة ووقف الحرب على القيم التي تمارسها الجماعة بغطاء ديني زائف.

المصدر: نيوزيمن

كلمات دلالية: رجال الدین مسجد ا

إقرأ أيضاً:

حزب الله.. حضور راسخ ودور لا ينكسر

 

 

منذ استشهاد أمينه العام شهيد الإسلام والإنسانية السيد حسن نصر الله -رضوان الله عليه-، تكاثرت الأصوات المشككة والمحرّضة ضدّ حزب الله وبيئته، وكثر الترويج لانحسار دوره أو حتّى نهايته، فجاء العرض الكشفي الأخير للحزب ليقدم مشهدًا يناقض ويدحض ويذيب كلّ هذه الادّعاءات، حيث شهد لبنان قبل أيام استعراضًا استثنائيًا نظمته كشافة الإمام المهدي (عج)، بمشاركة أكثر من 74 ألف كشاف ومرشدة، ضمن مهرجان عيد التأسيس وتحت عنوان “أجيال السيد”، في مشهد عكس التنظيم المحكم، والمظهر اللافت، والانضباط الدقيق، ومستوى عاليًا من الجهوزية والبنية المؤسسية المتينة التي يتمتع بها الحزب.
هذا الاستعراض، الذي أضاء مجددًا على الجيل القادم في بيئة المقاومة، شكّل ردًا عمليًا على كلّ محاولات التشكيك بوجود الحزب وقوته. كيف ذلك؟.
إذا أُخذ الرقم مجردًا، فهو أكبر من الحاصل الانتخابي لمجموعات في مجلس النواب اللبناني تقود حملة التضليل واستهداف الحزب وبيئته. هكذا علق ناشطون على منصات التواصل الاجتماعي.
ليس الرقم وحده ما يلفت النظر في المهرجان، بل الدلالات العميقة التي يحملها رقم كهذا، أكثر من 74 ألف كشاف ومرشدة، استعرضوا ضمن التنظيم الدقيق والانضباط اللافت ومظهر باهر يشي بما هو أبعد بكثير من مجرد فعالية كشفية.
فحين يتمكّن حزب الله من تعبئة عشرات الآلاف من الناشئة في حدث واحد، تحت راية واحدة، وبخطاب موحد، فإن ذلك يدل على حضور متجذر في المجتمع الجنوبي والبقاعي وفي الضاحية، وعلى امتداد بيئة المقاومة، وليس مجرد حشد جماهيري عابر، هؤلاء الفتية والفتيات هم أبناء هذه البيئة التي ما زالت تحتضن المقاومة وتنتجها وتربي أبناءها على قيمها وتعدهم ليتحملوا المسؤوليات في المستقبل سواء في ميادين الخدمة أو في خطوط الدفاع.
والأهم من ذلك، أن هذا الحجم من المشاركة لا يمكن تحقيقه من دون مؤسسة فعلية قادرة على التخطيط، والتدريب، والتنظيم، والتواصل، والتحكم اللوجستي، ما يعني أن حزب الله، بعيدًا عن الصورة النمطية التي يحاول خصومه ترسيخها، هو ليس مجرد السلاح، حزب الله بنية شاملة متكاملة ثقافية، تربوية، خدماتية، وأمنية. عرض الكشافة بهذا الزخم هو في جوهره عرض لقدرات التنظيم، ومتانة البنية، وسعة الانتشار، وليس لمجرد استعراض شكلي.
من الناحية السياسية، هذا العرض جاء في توقيت لا يمكن تجاهله. فمع تصاعد التصريحات “الإسرائيلية” والغربية حول “انكفاء” حزب الله، ومع الحملات المتواصلة التي تحاول رسم صورة توحي بتراجع الحزب أو فقدانه السيطرة، جاء هذا المشهد ليقول العكس تمامًا. فجيل “السيد” لم ينتهِ، بل هو أكبر، وأشمل، وأكثر حضورًا من أي وقت مضى. وهذه القوّة الناعمة التي رأيناها في العرض الكشفي، تشكّل في الحقيقة أرضية صلبة لأي مواجهة قادمة، ودعامة بشرية ومعنوية في معركة الوعي التي لا تقل خطورة عن المعارك العسكرية.
من هنا، لا يمكن فصل هذا المشهد عن السياق العام في لبنان والمنطقة. فما بين من يروّج لوهم انتهاء الحزب، ومن يراهن على تفكك بيئته، يأتي عرض الـ74 ألفًا ليُعيد التوازن إلى المشهد، ويقول بوضوح إن هذه ليست جماعة متناثرة، فحزب الله أمة تقف خلف مشروع، وأجيال تتسابق على حمل رايته.
ولم يكن العرض الكشفي الوحيد في سياق التأكيد على قوة الحزب واستمراريته، إذ سبقه نجاح سياسي كبير في الانتخابات البلدية، حيث تمكّن حزب الله، بتحالفه الوثيق مع حركة أمل، من حصد كلّ المقاعد الشيعية في الجنوب، وغالبية المجالس البلدية بالتزكية. وقد علق الأمين العام لحزب الله، الشيخ نعيم قاسم، في خطابه بمناسبة سنوية شهيد الإسلام والإنسانية، على هذا الإنجاز “خضنا الانتخابات البلدية بتحالف متين وثيق بين حزب الله وحركة أمل، مع أهلنا وأحبتنا، وكان النجاح ‏عظيمًا، لفت ‏نظر الجميع: كيف ‏لهذه البيئة وهذه الجماعة أن تكون بهذا الزخم، وأن يكون هناك نجاحات ‏بالتَّزكية في أكثر من ‏نصف البلدات، كدليل على التوافق ‏والتعاون‎».
إلى جانب العمل السياسي كانت للحزب إنجازات كبيرة على الصعيد الاجتماعي والخدماتي لا سيما في ما يتعلق بعمليات ترميم وإيواء شملت أكثر من 400 ألف مسكن، وهذا الرقم يعد إنجازًا استثنائيًا في ظل الحصار والأزمات والتضييق والقيود.
كما شكل إحياء ذكرى عاشوراء هذا العام علامة فارقة، من حيث الإقبال الكبير وروح التفاعل واستعداد الجمهور للتضحية وانخراط شرائح جديدة في مسيرة المقاومة.
كل هذه الوقائع تشير بوضوح إلى أن حزب الله لم يهزم، بل لم يضعف أصلًا، وأن ما تردّده ببغاوات الاحتلال “الإسرائيلي” وأدواتهم الإعلامية في الداخل والخارج لا يعدو كونه تمنيات وأوهام، أكثر من كونه قراءة واقعية. وهذه الحملات، وإن بدت صاخبة أحيانًا، فهي في جوهرها محاولات يائسة للتأثير على وعي الناس، وفصلهم عن واقعهم وبيئتهم. لكن الأحداث الأخيرة أثبتت أن جمهور المقاومة لا يزال وفيًا، واعيًا، وراسخًا في خياره.
بالمحصلة، يبقى حزب الله رقمًا صعبًا في معادلة الأمن والاستقرار في لبنان، ودعامة أساسية في محور المقاومة، وكلّ من يظن أن الحزب قد انتهى أو تراجع، إنما يقرأ الأحداث بعيون الوهم والتمني، لا بعين الحقيقة والواقع.

مقالات مشابهة

  • إعلامي: شخصية مرموقة ورجال أعمال تقترب من قيادة الإسماعيلي لإنقاذه
  • من زنزانة حوثية انفرادية عبد المجيد صبره يصرخ : أبلغوا المحامين أن يتحركوا
  • تقرير مفصل يكشف بالأرقام جرائم الحوثيين بحق رجال الدين ودور العبادة منذ 2015
  • صدور التقرير الأول عن المنخفض المداري في بحر العرب
  • مسجد المرسى ابو العباس ... جوهرة دينية فى قلب الاسكندرية
  • حزب الله.. حضور راسخ ودور لا ينكسر
  • “الشعبية” تتهم المجرم نتنياهو بمحاولة تفجير اتفاق وقف إطلاق النار في غزة
  • محافظ الأقصر يدشن مبادرة تاريخ بلدنا في عيون ولادنا لترسيخ الانتماء الوطني بين الطلاب
  • وليد صلاح الدين: فوز مهم في توقيت صعب.. وكل مباراة لها حساباتها الخاصة