دان مجلس الاتحاد الأوروبي الاثنين بأشد العبارات الصراع المتواصل في السودان، والذي أدى إلى مقتل الآلاف وتسبب في معاناة إنسانية هائلة للشعب السوداني على مدار أكثر من عامين. ورأى أن هذا الصراع يشكل تهديداً خطيراً للاستقرار والأمن في المنطقة بأكملها.
وقال الاتحاد، في بيان عن توصله لاستنتاجات بشأن السودان، إنه “يتواصل مع جميع أطراف النزاع بما يخدم تحقيق 4 مطالب مع الحرص على عدم إضفاء الشرعية على أي هيكل حكم خارج إطار الانتقال السياسي المدني الشامل”.

وأشار إلى أنه مستعد لزيادة هذا التواصل حال حدوث تقدم ملموس في تنفيذ مطالبه التي في مقدمتها الانخراط في مفاوضات تهدف إلى وقف فوري لإطلاق النار والمشاركة في عملية وساطة شاملة تؤدي إلى وقف دائم للعدائيات. وأوضح أن مطالبه تتضمن من أطراف النزاع التزامات حقيقية لتسهيل إقامة حكم مدني وضمان الوصول الإنساني وحماية المدنيين واستعادة سيادة القانون وتحقيق المساءلة والعدالة.
وذكر البيان أن الاتحاد الأوروبي سيظل منخرطًا في الجهود الرامية إلى التوصل إلى نهاية الصراع، بما في ذلك جهود الوساطة المنسقة التي يقودها الاتحاد الأفريقي والأمم المتحدة ومنظمة الإيقاد والسعودية والولايات المتحدة. ورحب الاتحاد الأوروبي ببيان الآلية الرباعية المؤلفة من الولايات المتحدة والسعودية ومصر والإمارات الخاص باستعادة السلام والأمن في السودان.
وطرحت الآلية الرباعية في 12 سبتمبر الماضي خارطة طريق لإنهاء النزاع تقوم على تأمين هدنة إنسانية لمدة ثلاثة أشهر يعقبها وقف إطلاق النار وابتدار عملية سياسية تفضي إلى حكم مدني. وقال الاتحاد الأوروبي إن مسؤولية إنهاء النزاع تقع على عاتق قيادتي الجيش والدعم السريع والجهات التي تقدم لهما دعمًا مباشرًا أو غير مباشر، داعيًا جميع الجهات التي تزود أطراف الصراع بوقف جميع أنواع الدعم بما في ذلك الأسلحة والمال.

وأبدى قلقه البالغ إزاء وحدة السودان وسلامة أراضيه واستقراره، في ظل المخاطر الجسيمة التي يواجهها بسبب التفتت المتزايد على أسس سياسية وإثنية زاد من حدتها ظهور هياكل حكم موازية أعلن رفضه لها. وأكد الاتحاد التزامه الراسخ بسيادة السودان ووحدته وسلامة أراضيه ورفض أي محاولات لتقسيمه. وشكلت الدعم السريع وحلفاؤها حكومة موازية للسلطات الرسمية اتخذت من مدينة بولاية جنوب دارفور مركزًا لها. وأعرب الاتحاد الأوروبي عن قلقه من تدهور الوضع الإنساني في السودان، مشيرًا إلى أن الصراع تسبب في أسوأ كارثة إنسانية عالمية حاليًا، كما أبدى قلقه حيال التقارير التي تتحدث عن العنف ضد المدنيين بما في ذلك العنف الجنسي.

وأعلن عن عزمه تعزيز جهوده الدبلوماسية والتعاون مع الشركاء لوضع إجراءات ملموسة لحماية المدنيين والبنية التحتية المدنية. وأدان الفظائع التي قال إنها تُرتكب بشكل ممنهج وعلى نطاق واسع ولها تأثير مدمر على المدنيين، كما طالب الدعم السريع بفك الحصار على الفاشر بولاية شمال دارفور وسحب جميع المقاتلين الذين يهددون سلامة المدنيين. وأدان الاتحاد الأوروبي قمع حرية التعبير من خلال الاعتقالات والاعتداءات والتهديدات ضد المدافعين عن حقوق الإنسان والصحفيين والعاملين الإعلاميين. وقال إنه لاحظ الانكماش المقلق في الحيز الإنساني، حيث لا تزال العراقيل البيروقراطية تمنع وصول المساعدات المنقذة للحياة إلى المحتاجين. وشدد الاتحاد الأوروبي على ضرورة المساءلة عن انتهاكات اتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية مثل النهب المنهجي للمقار والبعثات الدبلوماسية.

ودعا إلى توسيع ولاية المحكمة الجنائية الدولية وحظر الأسلحة ليشمل جميع أنحاء السودان. ويفرض مجلس الأمن الدولي حظر وصول الأسلحة إلى جميع الكيانات في دارفور غربي السودان، كما أن ولاية المحكمة الجنائية مقتصرة على هذا الإقليم فقط. وتعهد الاتحاد بدعم الشعب السوداني وفق نهج الترابط الإنساني والإنمائي والسلام، معلنًا استعداده للمساهمة في إعادة تأهيل الخدمات الأساسية في جميع أنحاء البلاد حال توافر الظروف السياسية المناسبة مع دعم العودة الطوعية والآمنة للنازحين واللاجئين. وذكر أن التعافي الاقتصادي الطويل الأمد يعتمد على التسوية السلمية وتشكيل حكومة مدنية، إلى جانب إصلاحات اقتصادية شاملة وإعفاء من الديون والوصول إلى التمويل والاستثمار الأجنبي المستدام. وأوضح الاتحاد الأوروبي أن الأزمة السودانية تهدد مجالات تتقاطع فيها المصالح الاستراتيجية للاتحاد وأفريقيا مثل مكافحة الإرهاب والهجرة غير النظامية والاتجار بالبشر وأمن البحر الأحمر.
وأبدى قلقه الشديد إزاء مخاطر امتداد الصراع في السودان، خاصة في القرن الأفريقي ومنطقة الساحل، وتأثيراته على تدفقات الهجرة غير النظامية نحو أوروبا. وبيّن أنه يواصل استخدام جميع أدوات السياسة الخارجية المتاحة، بما في ذلك الإجراءات التقييدية لتحقيق حل سلمي لأزمة السودان. وفي 22 سبتمبر المنصرم، مدّد الاتحاد العقوبات التي فرضها على 10 أفراد و8 كيانات بذريعة زعزعة استقرار السودان وعرقلة الانتقال السياسي إلى 10 أكتوبر 2026.
وفرض الاتحاد عقوبات على مدير منظومة الصناعات الدفاعية التابعة للجيش ميرغني إدريس، ومدير استخبارات الجيش محمد علي صبير، والأمين العام للحركة الإسلامية علي كرتي، وقائد قوات درع السودان أبو عاقلة كيكل، وآخرين من بينهم المستشار المالي للدعم السريع.

التيار

إنضم لقناة النيلين على واتساب

المصدر: موقع النيلين

كلمات دلالية: الاتحاد الأوروبی فی السودان بما فی ذلک

إقرأ أيضاً:

متى ستعود بريطانيا إلى الاتحاد الأوروبي؟

هل ستعود بريطانيا إلى حضن الاتحاد الأوروبي خلال السنوات المقبلة؟ إنه سؤال يناقشه الرأي العام في بريطانيا بحماس، بينما تستمر الطبقة السياسية في التعاطي معه بنوع من الاحتشام، أو في صمت كما يجري مع حزب المحافظين، وقد تقف عوامل متعددة منها انتقال العالم إلى حرب باردة جديدة.
علاقة بريطانيا بالاتحاد الأوروبي هي علاقة زواج غير مستقرة، منذ انضمامها إلى صفوفه سنة 1973، حيث رسمت لنفسها سياسة لا تلتقي دائما مع توجهات الاتحاد، حتى انتهى الأمر إلى الفراق. ومن أبرز عناوين هذا الاختلاف يمكن الاقتصار على ثلاثة أمثلة دالة للغاية، وهي:

أولا، رفض بريطانيا الانضمام إلى فضاء شينغن المفتوح، الذي يسمح لساكنة الدول الأعضاء، سواء الأوروبيين أو الأجانب المقيمين، التحرك من دون قيود الجواز والتأشيرة. وفي المعطى الثاني، إصرارها الاستمرار في الاحتفاظ بعملتها الوطنية الجنيه الإسترليني، نظرا لارتباط اقتصاديات دول الكومنولث بها، وأخيرا كانت لندن بمثابة امتداد لصوت البيت الأبيض في هياكل الاتحاد الأوروبي. وهكذا، حصل الانفصال في التصويت الشهير بـ»البريكسيت» يوم 23 يونيو/حزيران 2016 وبذا أصبحت بريطانيا رسميا خارج الاتحاد سنة 2020.

وبعد مرور خمس سنوات، يبدو أن البريطانيين بدأوا بمراجعة قرارهم الذي أدى إلى الانسحاب من الاتحاد الأوروبي، ويودون الآن العودة إلى العائلة الأوروبية، وإن كانت الأحزاب السياسية ترفض الخوض حاليا في هذا الموضوع. فمن جهة، يلتزم حزب العمال الحاكم الصمت، ولا يريد فتح النقاش حول الموضوع، على الرغم من أن أمينه العام ورئيس الحكومة الحالي كير ستارمر صوت لصالح البقاء في استفتاء 2016، ومن جهة أخرى، يرى حزب المحافظين، أن البريكسيت كان قرارا صائبا.

غير أن التطورات التي تجري في بريطانيا وفي العالم بدأت تفرض وستفرض بقوة عودة الجدل حول، هل كان القرار صائبا أم لا، وهل يمكن العودة إلى العائلة الأوروبية. مثل باقي الدول الديمقراطية، عادة ما تعكس المؤسسات البريطانية الرأي السائد في المجتمع، لاسيما في بلد يحترم الانتخابات ويقدّر صوت الناخب، الذي من خلاله تصل الأحزاب إلى رئاسة الحكومة وباقي المؤسسات التنفيذية. وأخذا بعين الاعتبار آخر استطلاعات الرأي التي أجرتها مؤسسة «يوغوف»، سنلاحظ أن أنصار الاتحاد الأوروبي يزداد عددهم عاما بعد عام.

ويبرز ملخص استطلاعات السنة الجارية 2025، أن 55% من البريطانيين يرون ضرورة العودة للانخراط في الاتحاد الأوروبي، بينما يعتبر 60% أن قرار البريكسيت كان خاطئا، علما أن نسبة المصوتين لصالح الخروج من الاتحاد الأوروبي في عام 2016 كانت نحو 52%.

في المقابل، لا يتجاوز المؤيدون في الوقت الراهن لاستمرار البريكسيت 31%. وتشير نتائج الاستطلاع أيضا إلى أن حتى بين أولئك الذين صوتوا لصالح الخروج في عام 2016، هناك شريحة متزايدة بدأت تدرك التكاليف والمضاعفات، التي أفرزها هذا الانفصال، مما يعزز الميل نحو إعادة النظر في القرار. وبما أن الشباب يمثل عماد المستقبل، فقد أظهر الاستطلاع أن 75% من الذين تتراوح أعمارهم بين 16 و24 سنة، والذين لم يصوتوا في عام 2016 لعدم بلوغهم السن القانوني، يرون أن قرار الخروج كان خاطئاً ويؤيدون العودة إلى الاتحاد الأوروبي. ومن المتوقع أن يكون للشباب دور محوري في الحسم مستقبلا، بشأن العودة أو البقاء خارج الاتحاد الأوروبي.

لقد اقتنعت غالبية البريطانيين أن الانفصال عن الاتحاد الأوروبي جلب مزيدا من البطالة وتسبب في ارتفاع الأسعار وعدم النمو، بل إنه وفقًا لتقديرات مكتب الميزانية المالية البريطاني (OBR)، فإن الناتج المحلي الإجمالي البريطاني هو منخفض بنسبة 4-5% مما لو كان قد بقي في الاتحاد الأوروبي.

جيوسياسيا، راهن أنصار البريكسيت في الدولة العميقة في بريطانيا على رفع مستوى العلاقات مع الولايات المتحدة كما كان عليه الشأن، غداة الحرب العالمية الثانية. ولم يحصل هذا السيناريو، وعلى الرغم من استمرار العلاقة متينة بين لندن وواشنطن، إلا أن هذه العلاقة لا يختلف كثيرا عن العقود الأولى من القرن التاسع عشر، عندما بدأت واشنطن ترسم سياستها الخارجية والدفاعية بشكل فردي ومنها «عقيدة مونرو»، التي حالت دون استعمار بريطانيا وفرنسا لبعض مناطق أمريكا الجنوبية والكاريبي.
لن تجد بريطانيا أحسن من العودة إلى العائلة الأوروبية مجددا
وهكذا، في عالم يعيش حربا باردة جديدة بين الغرب والثنائي الصين وروسيا والدول التي تدور في فلكهما، وأمام رغبة واشنطن الانفراد بقرارات، من دون الاعتماد على حلفائها وشركائها في الغرب، لن تجد بريطانيا أحسن من العودة إلى العائلة الأوروبية مجددا. وتدرك لندن أنها هدف رئيسي لموسكو في أي حرب، ويكفي أنه تجري بينهما حرب باردة الآن.

ونظرا لانشغال الولايات المتحدة بالصين بالدرجة الأولى، فإن بريطانيا ستجد نفسها مضطرة، رغم وجود الناتو، إلى تطوير علاقاتها إلى مستوى العودة إلى الاتحاد الأوروبي لمواجهة الخطر الروسي. ولا تمنع قوانين الاتحاد الأوروبي عودة أي دولة إلى العائلة الأوروبية، لاسيما وأن بريطانيا تتوفر على جميع الشروط المنصوص عليها في الفصل 49 من الوثيقة التأسيسية لهذا التكتل. عمليا، لن تكون عودتها سهلة، بل بشروط صعبة لن تمنحها تلك الامتيازات التي تمتعت بها في عضويتها الأولى منذ 1973 إلى 2020.

في غضون ذلك، وعلى الرغم من عدم وجود جبهة مؤسسية ذات أجندة رسمية للعودة إلى الاتحاد الأوروبي في الوقت الحالي، إلا أن أصوات السياسيين البارزين والقادة الاجتماعيين والمثقفين المؤيدين للعودة إلى الاتحاد الأوروبي اكتسبت حضوراً وظهوراً أكبر في النقاش العام البريطاني في عام 2025. وهذا سيفرض على الطبقة السياسية ترجمته إلى واقع مستقبلا. وقد سبق أن صرح نيك كليج نائب الوزير الأول السابق وزعيم الحزب الليبرالي الديمقراطي، بأنه لا يمكن تحدي الجغرافية في علاقة بريطانيا بأوروبا.

شعور البريطانيين بنوع من اليتم الجيوسياسي، بسبب تطورات الحرب الباردة الآخذة في التبلور وارتفاع تكاليف الحياة من العناصر الرئيسية التي ستدفع بعودة بريطانيا إلى العائلة الأوروبية خلال السنوات المقبلة. لا يوجد شك حول هذه العودة المرتقبة، ولكن السؤال المعلق متى بالضبط؟

القدس العربي

مقالات مشابهة

  • الاتحاد الأوروبي: الصراع في السودان يهدد وحدة البلاد واستقرار المنطقة
  • الاتحاد الأوروبي يحدد شروطه لتسوية النزاع في السودان ويلوّح بعصا العقوبات ويجدد رفضه للحكومة الموازية
  • عرقاب يبحث تعزيز الإستثمار في المحروقات والمناجم مع الإتحاد الأوروبي
  • متى ستعود بريطانيا إلى الاتحاد الأوروبي؟
  • الاتحاد الأوروبي يقر حظراً كاملاً على عبور الغاز الروسي
  • عبد العاطي يبحث مع مبعوثة الاتحاد الأوروبي تطورات القرن الأفريقي ودعم بعثة الاستقرار بالصومال
  • الإتحاد الأوروبي يشيد بدور الهيئة القومية لسلامة الغذاء في تعزيز الصادرات المصرية
  • الخارجية الروسية: الاتحاد الأوروبي يسعى لتعطيل جهود السلام قبل اجتماع بوتين وترامب
  • تعرف على غيابات الأهلي في مواجهة الاتحاد السكندري بالدوري