«المروءة.. عبادة خفية ومجدٌ باقٍ»
تاريخ النشر: 23rd, October 2025 GMT
المروءة يا صديقى العزيز ليست مجرد خُلُق يُذكر فى الكتب، ولا صفة تُزيَّن بها سِيَر العظماء، بل هى تاج الأخلاق وميزان النفوس الرفيعة؛ بها يسمو الإنسان ويرتقى، فتجعله أكبر من شهواته، وأعلى من نزواته، وأكرم من أن يَرضى لنفسه بالدنايا.
وتأمل قوله تعالى: (خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ)، تجدها آية جامعة لركائز المروءة: العفو، والأمر بالخير، والإعراض عن الصغائر
وانظر إلى قوله تعالى: (ادْفَعْ بِالَّتِى هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِى بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ)، ففيها قمة المروءة: أن تُقابل الإساءة بالإحسان، فتُبدِّل العداوة مودة.
المروءة هى أن تغلبك نفسُك على العطاء لا على الأخذ، وعلى الستر لا على الفضح، وعلى الوفاء لا على الغدر، فهى فلسفة العلو على الصغائر، بمعنى أن تكون حاضرًا مع الناس فى حاجاتهم، غائبًا عنهم فى زلّاتهم، وأن تُقدِّم المعروف ولا تذكره، وتغضى عن الإساءة ولا تُحصيها.
وقد جسّد النبى (صلى الله عليه وسلم) معالم المروءة فى أقواله وأفعاله، فقال: «أحبُّ الناس إلى الله أنفعهم للناس»، فجعل النفع للآخرين من أرقى صور المروءة.
وقال (صلى الله عليه وسلم): «ليس الشديد بالصرعة، إنما الشديد الذى يملك نفسه عند الغضب»، فدل على أن كفّ النفس عن الطيش والغضب من أعمدة ودعائم المروءة.
وقال (صلى الله عليه وسلم): «المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده»، فبيّن أن سلامة الناس وصونَهم من الأذى من أعظم دلائل المروءة.
إذن، المروءة تتجلّى فى كل أمرٍ أمر الله (عز وجل) به من كرمٍ وسماحة وعفو، وفى كل خلق دعا إليه النبى (صلى الله عليه وسلم) من صدقٍ ورحمة وبذلٍ وستر.
إن المروءة صديقى العزيز أن تكون إنسانًا فى لحظة يمتحن فيها الناس إنسانيتهم؛ فتتذكر أن الخُلُق أثمن من المال، وأن القيم لا يُتنازل عنها، وأن الكرامة أرفع من المنصب، فالكرامة لا تُشترى، والإنسان لا يُقاس بما يملك، بل بما يَترفّع عنه، فالبذل أجمل من التملّك.
المروءة أن تعيش كبيرًا فى عين نفسك قبل أن تكبر فى أعين الآخرين، وأن تُبقى قلبك عامرًا بالخير، ولسانك صادقًا بالقول، ويدك مبسوطة بالفضل. هى أن تكون مرآةً صافية يلمح فيها من حولك صفاء النية، ونقاء السريرة، وسماحة الخُلق.
المروءة فى عمقها هى التى تجمع بين القوة والرحمة، بين الشجاعة والعدل، بين البذل والعفة. وهى فى جوهرها عبادة، لأن الله سبحانه يحب أن يرى عبده كريمًا متعاليًا عن سفاسف الأمور، محققًا لقوله (صلى الله عليه وسلم) : «إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق».
فاللهم اجعل المروءة زادنا فى الدنيا، وسببًا لرضوانك فى الآخرة، وقرّبنا بها إليك قرب المحبين الصادقين، واجعلنا بها من أهل مكارم الأخلاق الذين مدحتهم فى كتابك ورضيت عنهم فى لقائك.
رئيس الإدارة المركزية لشئون القرآن بالاوقاف
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: صلى الله علیه وسلم
إقرأ أيضاً:
أذكار المساء.. عبادة تحفظ النفس وتملأ القلب سكينة
أذكار المساء اقتداءً بسنة النبي صلى الله عليه وسلم، لما تحمله من فضل عظيم وأثر طيب في النفس، فالذكر عبادة عظيمة يتقرب بها العبد إلى ربه، وتمنحه راحة القلب وطمأنينة الروح، كما أنها حصن يحميه من الشرور والهموم.
أذكار المساءوتتضمن أذكار المساء مجموعة من الأدعية النبوية التي أوصى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومنها قوله: «أمسينا وأمسى الملك لله، والحمد لله، لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير»، و*«اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت، خلقتني وأنا عبدك…»*، وكذلك «رضيت بالله ربًا، وبالإسلام دينًا، وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيًا»، وهي من الأذكار التي تكفِّر الذنوب وتجلب رضا الله تعالى.
كما ورد في السنة أن من قال أذكار المساء موقنًا بها ومات ليلته دخل الجنة، وأن هذه الأدعية تحفظ المسلم من السوء وتدفع عنه الهم والغم. ومن الأذكار الواردة أيضًا: «اللهم ما أمسى بي من نعمة أو بأحد من خلقك فمنك وحدك لا شريك لك، فلك الحمد ولك الشكر»، و*«حسبي الله لا إله إلا هو عليه توكلت وهو رب العرش العظيم»، و«بسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم»*.
ولا تقتصر أذكار المساء على الذكر فقط، بل تشمل أدعية للتحصين والوقاية من الحسد والسحر والعين، ومنها قوله تعالى: ﴿وَيُحِقُّ اللَّهُ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ﴾، والدعاء النبوي: «أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق».
أما عن وقتها، فقد أوضح العلماء أن أفضل وقت لترديد أذكار المساء يبدأ من بعد صلاة العصر حتى غروب الشمس، وإن لم يتمكن المسلم من قولها في هذا الوقت، فله أن يقولها حتى ثلث الليل.
ويؤكد علماء الدين أن المحافظة على الأذكار اليومية تُعد من أسباب رضا الله ومغفرته، كما أنها تجلب السكينة للنفس، وتنير الوجه، وتشرح الصدر، وتبارك في العمر والرزق، وتكون وقاية للعبد من الشرور والمكروهات، لتظل أذكار المساء طوق نجاة وطمأنينة لكل قلب مؤمن.