الفراعنة الصّغار حين تدوسهم الأقدام
تاريخ النشر: 24th, October 2025 GMT
#سواليف
#الفراعنة_الصّغار حين تدوسهم الأقدام
#الشيخ_كمال_الخطيب
لقد تحدّث #القرآن_الكريم عن قصّة كثيرين من الجبابرة والطواغيت الذين عاندوا الرسل وقاتلوهم، لكن قصة فرعون والحديث عنه قد حظي بالنصيب الأوفر والمساحة الأوسع في سور القرآن الكريم وآياته. ليس لأن فرعون هو اسم لشخص معيّن بعينه، وإنما لأن الفرعونية هي ظاهرة وسلوك وممارسات يقوم بها ظلمة وطواغيت وجبابرة آخرون، حتى لو لم يكن اسم أحدهم فرعون، ومع ذلك فإن في قصة فرعون الكثير من العظات والعبر التي يُستفاد منها في هذا الزمان الذي كثر فيه وجود فراعنة صغار يسيرون على نفس منهج وطريق الفرعون الكبير.
مؤمنة القصر
رغم أن فرعون كان طاغية زمانه وهو المتجبّر والمتطاول على الله سبحانه لما قال كما جاء في القرآن الكريم: {أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَىٰ} آية 24 سورة النازعات، ولما قال: {مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي} آية 38 سورة القصص، ولما قال: {ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَىٰ وَلْيَدْعُ رَبَّهُ} آية 26 سورة غافر، فرغم أنه قال مثل هذا وأكثر منه، إلا أن فرعون كانت له زوجة مؤمنة قانتة صالحة لم يغرِها جمال ونعيم القصور، ولا بريق ولمعان الذهب، ولا الخدم ولا الحشم، وإنما هي التي تعلّق قلبها بالآخرة وتلذّذت بمعاني العبودية لله رب العالمين، حتى أنها أصبحت مضرب الأمثال في الإيمان، {وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِّلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَتَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِندَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِن فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} آية 11 سورة التحريم. وأن النبي ﷺ قد قال في حقّها: “أفضل نساء أهل الجنة خديجة بنت خويلد، وفاطمة بنت محمد، ومريم ابنة عمران، وآسية امرأة فرعون”.
وإذا كان زوجها الطاغية يقول {أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَىٰ} آية 24 سورة النازعات، فإن الزوجة المؤمنة كانت تقول {رَبِّ ابْنِ لِي عِندَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ} آية 11 سورة التحريم. هكذا هو الورد ينبت بين الشوك، ومن وسط بيوت الكفر تخرج براعم الإيمان. وإن في قصة آسية زوجة فرعون الدروس والعظات لمن يستهويهم بريق الدنيا الخادع فيحجبهم عن الآخرة فينحرفون ويزيغون. فمن نفس البيت خرجت آسية زوجة فرعون، من قصور الدنيا إلى قصور الجنة، وخرج زوجها فرعون من قصور الدنيا إلى قعر البحر وظلمة القبر وعذاب جهنم، فسبحان من جمع بين رأسين على وسادة وفرّق بين قلبين على عقيدة.
إنه الفارق إذن بين آسية زوجة فرعون الكبير وبين زوجات ونساء الفراعنة الصغار وكيف يتغيّر حالهن ويصيبهن الغرور لما يقال عن إحداهن إنها سيّدة القصر أو سيدة البلاد الأولى، وإذا بها ترتع في نعيم وخيرات الوطن لا تقتني فساتينها إلا من أشهر دور الأزياء في باريس ولندن حيث الثوب والفستان الواحد بمئة ألف دولار أو أكثر، وفي دواليب خزائنها بل في غرفة في القصر تحتوي على 2200 حذاء، وتصبح لصّة تسرق وتهرّب المليارات في حسابات فرنسية لها خارج بلدها كما سوزان مبارك وليلى طرابلسي وأسماء الأسد وغيرهن من زوجات الفراعنة الجدد.
آسية، العصيّة على الذوبان
قالوا في المثل الشعبي: “اطعم الثم بتستحي العين”، وقالوا في المثل الشعبي الآخر: “الصاحب ساحب”، وقال الشاعر:
أحسن إلى الناس تستعبد قلوبهم فطالما استعبد الإحسان إنسانا
ما أكثرهم الذين يجاملون ويتزلّفون لمن أحسن إليهم حتى يصلوا إلى حدّ الذوبان، فكيف إذا كان هو الزوج صاحب القصور والعطور والبخور، وصاحب العطايا والهدايا والخدم والحشم والمال والذهب. ولأن المرأة تحب الزينة والنعم، فإنها الزوجة حتمًا وغالبًا ما تنقاد وتطيع من أعطاها كلّ هذا، وغالبًا ما تذوب وتنصهر في زوجها وسلوكياته ونمط حياته.
لقد سمعنا بل عرفنا عن فتيات صاحبات خلق ودين ومنشغلات في خدمة الدعوة والدين، وبعد إذ يتقدم لإحداهن شاب صاحب مركز ولقب وجاه ومال فقبلت به على حساب الدين والخلق مع أن النبي ﷺ قال: “إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوّجوه إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد كبير” وأن تبريرها في التنازل عن ضوابط ومعيار الدين والخلق أنها ستصلحه وتهديه وتغيّر نمط حياته إِلى الأفضل.
ما أكثرها الأمثلة التي رأينا الرهان فيها خاسرًا وإذا بها هي من تتراجع وتغيّر نمط حياتها ويضعف التزامها وتبدأ تتنازل حتى في لباسها وحجابها وضوابطها الشرعية، وكلّ ذلك بفعل تأثير الزوج صاحب العطايا والهدايا والرحلات، فلم تستطع مقاومة بريق وإغراء المال وصاحبه.
لا بل إننا رأينا وقرأنا وعرفنا دعاة ومشايخ وعلماء وقعوا في فخ الحكام الظلاّم تحت شعار وتبرير “سأنصحهم ، سآمرهم بالمعروف وأنهاهم عن المنكر”، ورويدًا رويدًا وتحت تأثير وبريق المال والمنصب الذي أشغلوه، فقد أصبح الواحد منهم يجامل ويتلوّن ويداهن وينافق ثم ينقلب على عقبيه حتى أنه أصبح سلعة رخيصة بيد الظلمة يدافع عنهم ويبرّر جرائمهم، لا بل إنهم أصبحوا يأمرون بالمنكر وينهون عن المعروف.
لكن آسية زوجة فرعون لم تكن مثل الملح يذوب ولا مثل النحاس يتغيّر لونه، وإنما بقيت مثل الماسّة الصلبه الأصيلة لا تذوب ولا يتغيّر لونها، بل تبقى على أصالتها ونقائها.
لقد بقيت هناك في بيت الطاغية لم يغرها البريق ولا الزيف ولا اللمعان، وعلمت أن ليس كل ما يلمع ذهبًا، وعلمت أن ما عند الله خير وأبقى، فاختارت ما عند الله على ما عند فرعون، وهكذا هم أصحاب العقيدة والمبادئ لا يتغيّرون ولا يتبدّلون ولا يذوبون ولا ينسلخون من جلدهم ولا يتنكّرون لأصلهم .
الفراعنة الصغار
ولأن فرعون كان صاحب إمكانيات رهيبة ومميزة، ولأن كفره وطغيانه قد تجاوز كل الحدود، فإن الله سبحانه قد فصّل في ذكره والحديث عنه بما لم يكن لغيره من الطواغيت الجبابرة.
وبالمقابل ولأن فرعون كذلك، فإن الله سبحانه وتعالى قد جعل نهاية فرعون عبرة وآية ومثلًا لكل المتجبّرين بأن الله سبحانه لا يعجزه هؤلاء الطواغيت مهما بلغت قوتهم، ومهما كانت عدتهم، ومهما كثر جنودهم، ومهما ظنّوا أنهم أقوياء متجذّرون {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ*إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ*الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ*وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ بِالْوَادِ*وَفِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتَادِ*الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلَادِ*فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ*فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ*إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ} آية 6-14 سورة الفجر.
إنه فرعون الذي نظر إلى السماء متحديًا يقول {ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَىٰ وَلْيَدْعُ رَبَّهُ} آية 26 سورة غافر {يَا هَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحًا لَّعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبَابَ*أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ فَأَطَّلِعَ إِلَىٰ إِلَٰهِ مُوسَىٰ وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ كَاذِبًا} آيه 36-37 سورة غافر. وليس أنه نظر إلى السماء متحديًا، بل إنه نظر إلى الأرض متحديًا كذلك {أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَٰذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِن تَحْتِي ۖ أَفَلَا تُبْصِرُونَ} آية 51 سورة الزخرف.
إنه فرعون كما كلّ الجبابرة والطواغيت الذين اغتروا بقوتهم بل إنهم أقسموا أنهم مخلّدون إِلى الأبد بسبب قوتهم {أَوَلَمْ تَكُونُوا أَقْسَمْتُم مِّن قَبْلُ مَا لَكُم مِّن زَوَالٍ *وَسَكَنتُمْ فِي مَسَاكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنَا بِهِمْ وَضَرَبْنَا لَكُمُ الْأَمْثَالَ} آية 44-45 سورة إبراهيم، وإذا بقوة الله التي لا تُغلب تدمّرهم وتجعلهم للناس عبرة وآية {إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ} 14 سورة الفجر، {فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا} آية 2 سورة الحشر.
وإنهم فراعنة صغار كثيرون في هذا الزمان يملكون الجيوش والأموال والإعلام والمخابرات، فيظنّون أنهم الأقوى فيتحدّون من في الأرض ومن في السماء كما فعل فرعون، فيطاردون الشرفاء والخيّرين والصالحين والسائرين على درب الأنبياء كما طارد فرعون موسى شعاره {إِنِّي أَخَافُ أَن يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَن يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ} آية 26 سورة غافر. يا سبحان الله لقد أصبح موسى مفسدًا وفرعون مصلحًا، وأصبح العلماء والدعاة والصالحون وخيار الناس هم الأشرار والمفسدون، بينما أصبح القتلة والمتجبّرون هم الأتقياء والأنقياء الحريصون على مصالح العباد. نعم لقد أصبح محمد مرسي هو المفسد الذي لا محل له إلا السجن ثم القتل والقبر بينما يصبح السيسي هو المصلح ومحله القصر.
نعم إن هؤلاء ولجهلهم لا يتعلّمون الدروس من فرعون الكبير، وأنه إذا كان الله تعالى قد أمهله وحلم على سفاهته، فإنه بعد أن طغى أنزل الله به العقاب والانتقام {فَلَمَّا آسَفُونَا انتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ} آية 55 سورة الزخرف. وكذلك صغار الفراعنة في هذا الزمان، فإن كانت لهم مع الحق جولة فإن للحق جولات، وإذا كان فرعون الكبير قد انتقم الله منه وأخزاه فما بالك بالفراعنة الصغار؟
الفرعون ترامب
لعلّ أشهر الفراعنة الصغار في هذا الزمان هو فرعون أمريكا ترامب الذي ظهرت معاني ودلالات فرعونيته في مصطلحات العلوّ والاستكبار والعنجهية التي قالها في خطابه الذي ألقاه في كنيست إسرائيل قبل أقلّ من أسبوعين حين كرّر لمرات كثيرة كلمة أنا:
أنا من دمّرت قدرات إيران النووية، وأنا من اعترفت بسيادة إسرائيل على الجولان، وأنا من نقلت سفارة أمريكا من تل أبيب إلى القدس عاصمة اسرائيل الأبدية، وأنا من أجبر حركة حماس على إطلاق سراح الأسرى الإسرائيليين عندها، هذه وغيرها من معاني الاعتداد بالنفس حتى أنه ما عاد ينقصه إلا أن يقول {أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَىٰ} آية 24 سورة النازعات، {أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ} آية 258 سورة البقرة.
لقد قرأنا عن فرعون والنمرود في القرآن الكريم وفي الكتب، وها نحن نرى اليوم بأم أعيننا فرعون والنمرود ونسمعه في نسخته الجديدة “ترامب”. وقرأنا عن هلاك فرعون وإذلال الله له وإغراقه في البحر. قرأنا كذلك في القرآن الكريم وفي الكتب ولا أظن إلا أننا سنرى نهاية لفرعون أمريكا الصغير تلتقي وتتناسب مع حجم غطرسته وعنجهيته وطغيانه وفرعنته.
حين لا ينفع الندم
لقد وصل الحال بفرعون الطاغية المستبدّ أن يأمر بالبطش وقتل الأطفال واغتصاب النساء {اقْتُلُوا أَبْنَاءَ الَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ وَاسْتَحْيُوا نِسَاءَهُمْ} آية 25 سورة غافر، وأمر بالتمثيل والتشنيع في تعذيب من آمنوا بموسى عليه السلام {لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُم مِّنْ خِلَافٍ ثُمَّ لَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ} آية 124 سورة الأعراف، إنه تحدى الله تعالى {ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ} آية 26 سورة غافر. هكذا بكل غرور وصلف وتحدٍ وإذا به وأمام الحقيقة وبعد إذ استعان موسى بالله ولاذ بحماه {فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَىٰ إِنَّا لَمُدْرَكُونَ*قَالَ كَلَّا ۖ إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ} آية 61-62 سورة الشعراء، وإذا بفرعون وهو يرى البحر يطبق عليه بعد أن ضربه موسى بعصاه، يتوسل ويتودّد صاغرًا مهينًا {حَتَّىٰ إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنتُ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ} آية 90 سورة يونس.
إننا ويقينًا والله وكما قرأنا في كتاب ربنا كيف أصبح فرعون الكبير يتوسل ويندم ويدّعي الإيمان والتوبة، فإننا سنرى بأم أعيننا كيف سيكون حال الفراعنة الصغار عندما يرون الحقيقة بانتصار الإسلام وظهوره على الدين كلّه، وكيف سيكونون صاغرين أذلاء يتوسلون؟. وإذا كان الفرعون الكبير قد قال {آمَنتُ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ} آية 90 سورة يونس، فإن الفراعنة الصغار لما يروا رايات الإسلام ترفرف وصوت التكبير يملأ الدنيا وزحوف الإسلام تتقدم ودولته تقوم، فعند ذلك سيندمون بل سيعضّون أصابع الندم ويقولون آمنا بالله الذي آمن به الدعاة والصالحون، آمنا بالذي آمن به أتباع محمد ﷺ وإننا من المسلمين.
الآن يا أقزام، الآن يا جبناء، الآن يا عملاء، الآن يا فراعنة، الآن وقبل إذ تدوسكم الأقدام، وإن غدًا لناظره قريب.
نحن إلى الفرج أقرب فأبشروا.
رحم الله قارئًا دعا لي ولوالدي ولوالديه بالمغفرة.
والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.
المصدر: سواليف
كلمات دلالية: سواليف الشيخ كمال الخطيب القرآن الكريم القرآن الکریم فی هذا الزمان الله سبحانه ا ف ی ال یتغی ر
إقرأ أيضاً:
الأوقاف تحدد موضوع خطبة الجمعة المقبلة.. «البيئة هي الرحم الثاني والأم الكبرى»
كشفت وزارة الأوقاف عن موضوع خطبة الجمعة المقبلة 24 أكتوبر 2025، الموافق 2 جمادى الأولى 1447هـ، وهي بعنوان «البيئة هي الرحم الثاني والأم الكبرى».
وأكدت «الأوقاف» أن الهدف من موضوع خطبة الجمعة المقبلة، هو التوعية بضرورة وأهمية الحفاظ على البيئة وأثر ذلك في بناء الحضارة.
نص موضوع خطبة الجمعة المقبلةالحمد لله رب العالمين، نحمده تعالى حمد الشاكرين، ونشكره شكر الحامدين.
وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد يحيي ويميت، وهو على كل شيء قدير، القائل في كتابه العزيز: ((وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا ۚ إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِّنَ الْمُحْسِنِينَ)) سورة الأعراف (56) وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله، وصفيه من خلقه وحبيبه، اللهم صل وسلم وزد وبارك عليه وعلى آله وصحبه أجمعين، حق قدره ومقدره العظيم.
أما بعد، أيها المسلمون، فلقد خلق الله سبحانه وتعالى هذا الكون بكل ما فيه، وسخّره لخدمة الإنسان، من أرض وسماء وماء وهواء وغيرها الكثير والكثير من الأشياء الأخرى، قال تعالى ((هُوَ ٱلَّذِيٓ أَنزَلَ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءٗۖ لَّكُم مِّنۡهُ شَرَابٞ وَمِنۡهُ شَجَرٞ فِيهِ تُسِيمُونَ (10) يُنۢبِتُ لَكُم بِهِ ٱلزَّرۡعَ وَٱلزَّيۡتُونَ وَٱلنَّخِيلَ وَٱلۡأَعۡنَٰبَ وَمِن كُلِّ ٱلثَّمَرَٰتِۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَأٓيَةٗ لِّقَوۡمٖ يَتَفَكَّرُونَ (11) وَسَخَّرَ لَكُمُ ٱلَّيۡلَ وَٱلنَّهَارَ وَٱلشَّمۡسَ وَٱلۡقَمَرَۖ وَٱلنُّجُومُ مُسَخَّرَٰتُۢ بِأَمۡرِهِۦٓۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَأٓيَٰتٖ لِّقَوۡمٖ يَعۡقِلُونَ (12) وَمَا ذَرَأَ لَكُمۡ فِي ٱلۡأَرۡضِ مُخۡتَلِفًا أَلۡوَٰنُهُۥٓۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَأٓيَةٗ لِّقَوۡمٖ يَذَّكَّرُونَ (13) وَهُوَ ٱلَّذِي سَخَّرَ ٱلۡبَحۡرَ لِتَأۡكُلُواْ مِنۡهُ لَحۡمٗا طَرِيّٗا وَتَسۡتَخۡرِجُواْ مِنۡهُ حِلۡيَةٗ تَلۡبَسُونَهَاۖ وَتَرَى ٱلۡفُلۡكَ مَوَاخِرَ فِيهِ وَلِتَبۡتَغُواْ مِن فَضۡلِهِۦ وَلَعَلَّكُمۡ تَشۡكُرُونَ (14) وَأَلۡقَىٰ فِي ٱلۡأَرۡضِ رَوَٰسِيَ أَن تَمِيدَ بِكُمۡ وَأَنۡهَٰرٗا وَسُبُلٗا لَّعَلَّكُمۡ تَهۡتَدُونَ (15) وَعَلَٰمَٰتٖۚ وَبِٱلنَّجۡمِ هُمۡ يَهۡتَدُونَ (16))) سورة النحل.
كما أوجد الله سبحانه وتعالى الإنسان فى هذه الحياة، وأمره بالمحافظة على هذه الأشياء التي لا تقوم حياته إلا بها، كما أمره بعمارة الأرض وإصلاحها، ونهى عن الإفساد فيها، قال تعالى: ((وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا ۚ إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِّنَ الْمُحْسِنِينَ)) سورة الأعراف (56)، وقال: ((وَإِذَا تَوَلَّىٰ سَعَىٰ فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ ۗ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ)) سورة البقرة (205)، وقال: ((وَإِلَىٰ ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا ۚ قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَٰهٍ غَيْرُهُ ۖ هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ ۚ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُّجِيبٌ)) سورة هود (61).
أيها المسلمون، إن المتتبع لسنة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم فإنه سيجد أنها حافلة بالنصوص التي تدعو للمحافظة على البيئة التي نعيش ونحيا عليها، بل هناك وعيد شديد، وعقاب أليم فى انتظار كل متعد ملوث لهذه البيئة، لأنه بذلك لا يضره نفسه فحسب، وإنما الضرر يعود على الجميع.
فإذا جئنا إلى الأرض الزراعية مثلاً كأحد أهم أسس وركائز البيئة، من حيث عمارة الأرض والبعد عن ظاهرة التصحر، وكذلك بوجود التوازن البيئي الذى يحققه النبات، الذى يأخذ ثاني أكسيد الكربون، مما يعمل على نقاء الهواء، ويخرج لنا الأوكسجين، الذى نحتاج إليه فى عملية التنفس، ومن هنا فقد حثنا الإسلام على الزراعة وعلى الغرس، ووعد الأجر والثواب العظيم لمن يفعل ذلك، ففي الصحيحين، من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه أنه قال صلى الله عليه وسلم: ((ما مِن مُسْلِمٍ يَغْرِسُ غَرْسًا، أَوْ يَزْرَعُ زَرْعًا، فَيَأْكُلُ منه طَيْرٌ أَوْ إِنْسانٌ أَوْ بَهِيمَةٌ، إِلّا كانَ له به صَدَقَةٌ)).
كما حذّر الإسلام من قطع الأشجار بغير ضرورة، سواء كانت الأشجار مثمرة، أو غير مثمرة أو يستظل بظلها، بل يعد ذلك من الإفساد في الأرض، والتعدي على البيئة وفى هذا المعنى وردت الأحاديث عن سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، من ذلك ما أخرجه الإمام أبو داوود وغيره بسند صحيح، من حديث، عبد الله بن حبشى الخثعمى، أنه قال صلى الله عليه وسلم: ((منْ قَطَعَ سدرةً صَوَّبَ اللهُ رأسَهُ في النّارِ)). أي شجر السدر.
كذلك الماء من أهم ركائز البيئة، بل هو عماد الحياة، ولذلك دعانا الإسلام للمحافظة عليه بعدم تبديده والاسراف فيه، ولو كان المسلم حتى يقوم بالوضوء، حتى ولو كان يتوضأ من نهر جار، كذلك نهى الإسلام عن أن نلوث الماء لأن ذلك يعود بالضرر على الآخرين، ومن ذلك، ما روى بسند صحيح من حديث معاذ بن جبل، أنه قال صلى الله عليه وسلم: ((اتَّقوا المَلاعِنَ الثَّلاثَ: البرازَ في المَوارِدِ، وقارِعةِ الطَّريقِ، والظِّلِّ))، وفى صحيح مسلم من حديث جابر بن عبد الله ((عَنْ رَسولِ اللهِ ﷺ أنَّه نَهى أنْ يُبالَ في الماءِ الرّاكِدِ)).
أيها المسلمون، لقد دعانا الإسلام إلى المحافظة على البيئة بوجه عام نظيفة نقية، والله سبحانه وتعالى يحب عباده المتمسكين بالنظافة والطهارة قال تعالى ((إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ)) سورة البقرة (222)، وعند السيوطي بسند صحيح، من حديث سعد بن ابى وقاص أنه قال صلى الله عليه وسلم: ((إنَّ اللهَ تعالى طيبٌ يُحِبُّ الطيبَ، نظيفٌ يُحِبُّ النظافةَ، كريمٌ يُحِبُّ الكرَم جوادٌ يُحِبُّ الجودَ، فنظِّفوا أفنيتَكم، ولا تشبَّهوا باليهودِ)).
الخطبة الثانيةأيها المسلمون، وهكذا فإن ارتباط الإنسان ببيئته هو ارتباط ذو صلة وثيقة، فكما أن الإنسان مرتبط برحمه وأهله خاصة والدته التي كانت سبباً فى وجوده فى هذه الحياة، فكذلك البيئة هي التي تمدنا بمقومات الحياة، ولذلك من العبث بمكان، أن لا نحافظ عليها من كل ضرر بكل أسف فى النهاية سيعود علينا جميعاً بالضرر.
وهكذا فإن الذي يتجاوز ويتعدى على البيئة بأي مظهر من مظاهر الإفساد، هو مفسد ومعتد، سواء كان يلوث ماءها أو هواءها أو زرعها، والاعتداء على الزرع ليس فقط بقطعه الأشجار، بل الأصعب من ذلك، أن بعضاً ممن لا خلاق لهم، قد يستعملون بعض المبيدات غير المصرح بها، في غير ما خصصت له بغرض الربح وفقط ولو كان الثمن هو صحة وعافية الناس، فبلا شك من يفعل ذلك، هو آثم في حق دينه ووطنه ومجتمعه.
نسأل الله العلى القدير بفضله وكرمه أن يحفظ مصرنا الحبيبة من كل سوء وشر.
اقرأ أيضاً«البيئة هي الرحم الثاني والأم الكبرى».. ننشر نص موضوع خطبة الجمعة المقبلة
«البيئة هي الرحم الثاني والأم الكبرى».. الأوقاف تحدد موضوع خطبة الجمعة المقبلة
«بالتي هي أحسن ».. الأوقاف تحدد نص خطبة الجمعة 17 أكتوبر 2025