الانسحاب من الفاشر .. المأزق الأقل فداحة
تاريخ النشر: 28th, October 2025 GMT
عندما أعلنت القيادة العامة للقوات المسلحة السودانية أن قيادة الفرقة السادسة مشاة قررت إخلاء مدينة الفاشر والإنسحاب منها بعد ثلاثين شهراً من الصمود الأسطوري ، انقسم الرأي العام بين مؤيد للقرار باعتباره ضرورة عسكرية، ومعارض يرى فيه تخلياً عن مسؤولية حماية المدنيين، لكن قراءة متأنية للموقف تكشف أن هذا القرار – رغم مرارته – يمثل اختياراً للمأزق الأقل فداحة في معادلة أكثر تعقيدا مما يظهر لنا …
في قرطاج القديمة استمر الحصار الروماني لمدة ثلاث سنوات مع مقاومة شرسة حتى الموت، فكانت النتيجة إبادة كاملة للمدينة، وتدمير تام للحضارة ، مع استعباد للناجين، وفي الفاشر استمر الحصار لثلاثين شهراً مع مقاومة أسطورية في ظل اختلال موازين القوى، والنتيجة انسحاب واخلاء منظم لحماية ما تبقى من المدينة وسكانها، والفرق الجوهري أن قادة قرطاج اختاروا المقاومة حتى المحرقة، بينما اختار القيادة في الفاشر الحفاظ على بذرة الحياة لمعارك أخرى .
في الحسابات العسكرية فان الخسائر المحتملة في الفاشر في حال استمرار المقاومة، هي ابادة كاملة للوجود العسكري من القوات المسلحة والقوات المشتركة مع 80% من المدنيين المتبقين في المدينة، بالاضافة لتحويل المدينة إلى أنقاض بالكامل، مع تدمير كل البنى التحتية، ثم النتيجة النهائية ستكون سقوط المدينة، لذلك كان خيار الاحتفاظ بالقوة العسكرية مرجحا على الاحتفاظ بالأرض ..
وفي الحسابات الاستراتيجية، فالحرب في السودان ليست معركة واحدة، بل هي حرب وجود وحرب نفس طويل ، لذا فالقرار بالانسحاب يأتي في إطار إعادة التمركز والانتقال إلى مواقع بديلة، والحفاظ على المؤسسة العسكرية بمنع الانهيار الكامل للجيش النظامي، لذلك عندما تكون نتائج المواجهة ليست في صالحك يكون تقليل الخسائر هو النصر الوحيد الذي يمكنك تحقيقه ، وكلنا يعلم أن الثمن الأخلاقي للإستمرار في المقاومة سيكون باهظا في مواجهة مليشيا لا أخلاق لها ولا تعرف الرحمة ..
والتاريخ يخبرك أن المقاومة حتى الموت ليست خيارا جيدا في كل الأحوال ، كما أن الانسحاب التكتيكي يمكن أن يكون أساسا لنصر استراتيجي، وقرار الانسحاب من الفاشر هو قرار اختيار بين (المُر) المؤقت و (الأمر منه) الدائم ..
ورغم أن الجنجويد غير مأمونين على أرواح وحيوات المدنيين بالفاشر، ورغم أن هذا الإنسحاب الممض هو بمثابة ترك شعب مدينة الفاشر أمام آلة من الإجرام والتعسف الذي لا مثيل له، إلا أنه خيار اتخذ بتقديرات ميدانية باعتباره أقل تكلفة من معركة كسر عظم نهايتها ستكون اذلالا لمؤسسة الدولة والجيش السوداني ..
يوسف عمارة أبوسن
27 أكتوبر 2025
المصدر: موقع النيلين
إقرأ أيضاً:
“إما تفاوض أو لا تفاوض”.. بري يضع شروطا صارمة أمام إسرائيل
لبنان – أكد رئيس البرلمان اللبناني نبيه بري تعذر المضي في اجتماعات لجنة “الميكانيزم”، ما لم تظهر إسرائيل استعدادها للانسحاب من موقع واحد على الأقل من المناطق التي تحتلها، وتوقف النار.
وأكد بري في تصريحات له امس الجمعة، تعليقا على اجتماعات لجنة “الميكانيزم”، المكلفة بمراقبة وقف إطلاق النار بين لبنان وإسرائيل، أن “أول ما ينبغي حصوله هو وقف إطلاق النار، وإظهار إسرائيل استعدادها للانسحاب من موقع واحد على الأقل من المناطق التي تحتلها جنوب لبنان.
وقال: “ليس ذلك فحسب ما نرغب في الوصول إليه، بل سيتعذر علينا من دونه القبول بالمضي في الاجتماعات. إما تفاوض أو لا تفاوض”.
وأوضح بري أن “في المفاوضات ليست هناك نيات حسنة، وإنما إجراءات ملموسة ضرورية، وقد نفذ لبنان ما عليه في اتفاق وقف النار، والجيش اللبناني انتشر ويقوم بواجبه كاملا، ونظف كل جنوب نهر الليطاني. في المقابل، إسرائيل لم تلتزم ما يترتب عليها في الاتفاق، بل تستمر في الاعتداءات اليومية على الجنوب بلا توقف”.
وأشار بري إلى “أننا لا نراهن على الآلة العسكرية الإسرائيلية لأن أحدا لا يمون عليها، بل نتتبع المواقف السياسية، وآخرها كلام الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لإسرائيل باعتماد الحلول الدبلوماسية. لنر إلى أين ستفضي هذه الضغوط”.
وعما إذا كان يعتقد أن إسرائيل جاهزة لإعطاء شيء ما، أجاب: “هذا ما نركز عليه”.
وحول ما إذا كان يوافق على إحياء اتفاق الهدنة، لفت بري، الذي يترأس البرلمان اللبناني منذ العام 1992، ويتزعم حركة “أمل” الشيعية، إلى “أنه حاضر للعودة إلى اتفاق الهدنة فورا”.
وقال: “أنا والرئيس السّابق للحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط وكثيرون سوانا مع العودة إليه. لنعد إلى اتفاق الهدنة على الأقل”.
وشن الطيران الحربي الإسرائيلي اليوم الجمعة سلسلة غارات استهدفت بلدات عدة في جنوب وشرق لبنان، وفق ما أفادت مراسلتنا.
وقال الجيش الإسرائيلي في بيان له، إنه استهدف منشأة تدريب تابعة لوحدة الرضوان في حركة الفصائل اللبنانية.
المصدر: RT