الانتخابات المغربية في عصر الذكاء الاصطناعي.. حماية النزاهة أم رقابة على الكلمة؟
تاريخ النشر: 29th, October 2025 GMT
مع اقتراب استحقاقات 2026 التشريعية، في المغرب، يبدو أن المعركة الانتخابية لن تُخاض فقط في الميدان، بل أيضا في الفضاء الرقمي. فمشروع التعديلات المقترحة على القانون التنظيمي رقم 27.11 المتعلق بمجلس النواب، فجّر نقاشا واسعا حول التوازن الدقيق بين ضبط الفوضى الرقمية وصون حرية التعبير.
وتوالت الاستفسارات بالقول: "هل تمثل العقوبات الحبسية والغرامات الثقيلة التي أقرّها المشروع وسيلة فعّالة لحماية نزاهة الانتخابات من الفوضى الرقمية؟ أم أنها قد تُستخدم لتكميم التعبير السياسي المشروع، ولزرع الخوف في فضاء يُفترض أنه مفتوح للنقاش؟".
قانون بنَفَس رقمي.. وعقوبات مثيرة للجدل
تنص المسودة الجديدة، من مشروع القانون، على عقوبات حبسية تتراوح بين سنتين وخمس سنوات، وغرامات مالية تصل إلى مئة ألف درهم، لكل من نشر أو بث أو وزّع إشاعات أو أخبارا "زائفة" بقصد التشكيك في نزاهة الانتخابات، سواء عبر شبكات التواصل الاجتماعي أو أدوات الذكاء الاصطناعي أو المنصات الإلكترونية.
هذا التوجه التشريعي قد استنفر أحزابا في المعارضة، إذ رأت فيه تهديدا بحرية التعبير وعودة إلى "مناخ الرقابة"، في وقتٍ باتت فيه التكنولوجيا وسيلة رئيسية لمتابعة النقاش السياسي وكشف الانتهاكات الانتخابية.
التعديلات نفسها، تأتي في ظل مخاوف متنامية من استخدام الذكاء الاصطناعي في التضليل الانتخابي، عقب موجات من الأخبار المفبركة التي طالت انتخابات في بلدان عديدة.
لكن في الحالة المغربية، تثير الصرامة الواردة في النص مخاوف من أن يتوسع تعريف "الخبر الزائف" ليشمل التعبير النقدي أو المواقف السياسية المعارضة، ما قد يفتح الباب أمام تأويلات تقيّد النقاش العمومي بدل أن تنظمه.
سخرية رقمية ومخاوف سياسية
على مختلف مواقع التواصل الاجتماعي، قوبلت مقتضيات المشروع الجديد بسيلٍ من التعليقات الساخرة، حيث كتب أحد النشطاء: "الانتخابات القادمة نزيهة بلا شك، القانون قرّر ذلك!"، في إشارة إلى ما يعتبره البعض تضييقا مسبقا على النقاش العام.
في المقابل، دافع آخرون عن النص باعتباره ضرورة لحماية الحياة السياسية ممّا وصفوه بـ"العبث الرقمي" والمحتوى المضلّل الذي يمكن أن يشوّه صورة المترشحين أو يزرع الشك في المؤسسات المنتخبة.
بين الردع والرقابة..
في حديثه لـ"عربي21" قال الباحث في العلوم السياسية والتواصل، سمير الباز، إنّ: "النص لا يمكن رفضه بالكامل بدعوى المساس بحرية الرأي، ولا قبوله دون ضمانات".
وأضاف الباز بأنّ: "التجريم لا يستهدف التعبير عن المواقف، بل نشر الأخبار الكاذبة والإشاعات التي تمس نزاهة الانتخابات، خصوصا مع توسّع استخدام الذكاء الاصطناعي في صناعة محتوى مضلل أو مفبرك".
"بقدر ما يبدو تشديد العقوبات ضروريا لردع الممارسات الرقمية المسيئة خلال الحملات الانتخابية، فإنه ينبغي بالمقابل ضمان الشفافية الكاملة ونزاهة العملية الانتخابية، سواء من خلال حياد الإدارة، أو من خلال إشراك الأحزاب والمراقبين في تتبع كل مراحل التصويت والفرز" استرسل في الوقت نفسه.
وتابع: "استخدام الذكاء الاصطناعي في التضليل والتشهير يشكل خطرا حقيقيا على الديمقراطية، لكن معالجته لا ينبغي أن تتحول إلى وسيلة لتكميم الأصوات أو التضييق على النقد، بل إلى آلية قانونية متوازنة تحمي الحياة الخاصة للأشخاص وتحصّن الفضاء الانتخابي من التلاعب، مع الإبقاء على حرية التعبير والنقاش السياسي المسؤول".
في المقابل، يرى حقوقيون أن مواجهة التضليل الرقمي لا ينبغي أن تتحوّل إلى أداة لتكميم الأصوات. فيما أوضحت إحدى الفاعلات في مجال حرية الإعلام أنّ: "القانون في صيغته الحالية يحتاج إلى تعريف دقيق للمفاهيم حتى لا يُستخدم ضد الصحافيين والنشطاء الرقميين بدعوى نشر أخبار غير صحيحة".
إلى ذلك، إنّ التوازن بين ضبط التكنولوجيا وحماية الكلمة الحرة يبقى الرهان الحقيقي للمرحلة المقبلة. وبينما يسعى المشرّع إلى تحصين الديمقراطية من "الذكاء الاصطناعي"، يخشى البعض أن يُستبدل صخب النقاش العمومي بـ"صمت ذكي" لا يخدم سوى من يملكون مفاتيح السلطة.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة سياسة عربية مقابلات حقوق وحريات سياسة دولية المغرب حرية التعبير الحملات الانتخابية المغرب مجلس النواب حرية التعبير الحملات الانتخابية المزيد في سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة قضايا وآراء أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الذکاء الاصطناعی
إقرأ أيضاً:
مستقبل الفضاء الإذاعي في ظل تطبيقات الذكاء الاصطناعي
مع دخول الذكاء الاصطناعي إلى الميادين كافة، لا سيما برمجيات توليد النصوص، أصبح من الطبيعي أن يكون للإذاعة نصيب من هذا التداخل الرقمي، نظرا لتعاملها مع الصوت والنصوص، ومؤخرا مع الصورة أيضا.
وفي حين تطرح هذه التحولات تحديات تقنية وأخلاقية، فإنها تفتح أيضا آفاقا جديدة للإبداع والتطوير في المجال الإذاعي، وتُعيد تشكيل العلاقة بين الوسيلة والجمهور.
اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2واشنطن بوست تنتج برامج بودكاست بالذكاء الاصطناعي مليئة بالأخطاءlist 2 of 2الذكاء الاصطناعي يكتب أكثر في 2026 لكن الصحافة البشرية لا تفقد قيمتهاend of listيُعد الصوت الوسيلة الأساسية للتعبير اللغوي قبل الكتابة، وذلك بعد أن كانت لغة الإشارة هي السائدة، إلى أن بدأ الإنسان بربط الأصوات بمعان محددة، فأصبح الصوت معيارا للتواصل البشري، فمنذ نشأة الإذاعة، كان الصوت جوهرها ومانحها هويتها التي تميزها عن باقي الوسائط الإعلامية.
يتمتع الصوت ببصمة فريدة ترتبط بالذبذبات الصوتية الناتجة عن حركة الأوتار الصوتية، أما على المستوى الإدراكي، فيُعد الصوت إحدى الحواس الخمس المرتبطة ارتباطا وثيقا بالشبكة العصبية في الشق الأيسر من الدماغ، وهو مركز اللغة، وكشأن باقي الحواس، يساهم الصوت في تشكيل الذكريات، ونقل المشاعر، ويحمل معه اللهجات وأيضا الصمت.
فكيف سيُعاد تعريف هذا السحر الإذاعي في عصر الذكاء الاصطناعي، في ظل حيرتنا المستمرة بين الخوف من فقدان هذا العنصر وبين فرصة تعزيزه؟ وكيف يمكننا الاستفادة من التطور الرقمي مع الحفاظ على الروح الإنسانية للصوت وسط هذه التحولات؟
ترتبط العلاقة بين الذكاء الاصطناعي والصوت بإمكانيات التكيف وإعادة التشكيل، ويتيح الذكاء الاصطناعي، كما هو ملاحظ، فرصا جديدة لم تكن متاحة سابقا، مثل الترجمة الفورية، وتخصيص البرامج، وتوفير محتوى صوتي للأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة، بالإضافة إلى تحسين جودة الصوت، أما ثقافيا، فيساهم الذكاء الاصطناعي في أرشفة التراث الإذاعي وتسهيل الوصول إليه بسرعة، وبناء توصيفات وملخصات للنصوص الصوتية وتحويلها إلى نص مكتوب.
إعلانكما يُسرّع الذكاء الاصطناعي من إنتاج المحتوى، كالنشرات الإخبارية وتقارير الطقس، مما يُحرّر الصحفي من المهام الروتينية ليركز على المحتوى التحليلي والإبداعي، ومع ذلك، قد تُفضي هذه السرعة أحيانا إلى توحيد الصيغ وتبسيط المحتوى، مما يستدعي تحقيق توازن بين الكفاءة والحفاظ على العمق. بالإضافة إلى ذلك، تساعد أدوات التحرير الذكية في تصحيح الأخطاء اللغوية، وتحسين الأسلوب، وتقديم اقتراحات تحريرية تُثري النص.
وعلى الرغم من تزايد المخاوف بشأن تراجع الاستماع للإذاعة وتقلص عدد المحطات عالميا، يشير تقرير "هاي فيجن حول تحول البث الإذاعي" (Haivision Broadcast Transformation Report 2025) إلى أن هيئات البث تتجه بسرعة نحو تبني الذكاء الاصطناعي، حيث ارتفع استخدامه من 9% في عام 2024 إلى 25% في عام 2025. بالإضافة إلى ذلك، تؤكد تقارير "راديو وورلد" (Radio World) أن أكثر من 50% من المحطات الإذاعية المحلية في أميركا الشمالية تعتمد حاليا على أنظمة أتمتة جزئية لإدارة عمليات البث اليومية.
ويرى المعلقون والصحفيون والفنيون أن أدوارهم مهددة بسبب الأتمتة، لكن التقنيات الحديثة تتيح في المقابل فرصا لتطوير المهارات، وابتكار أشكال جديدة من السرد الصوتي، وتوسيع نطاق العمل الإذاعي ليشمل منصات رقمية متعددة. علاوة على ذلك، يمكن للتدريب على أدوات الذكاء الاصطناعي أن يحوّل العاملين في الإذاعة إلى منتجين رقميين متعددي المهارات، مما يعزز قيمة العمل الإعلامي.
تحديات الثقة والتضليل الخوارزميوماذا عن التحيز والتضليل؟ نماذج الذكاء الاصطناعي تُدرَّب على بيانات متحيزة، وقد تُنتج صورا نمطية وتنشر محتوى خاطئا، وفي سياق الإذاعة، يؤدي وضوح الإسناد إلى إضعاف مصداقية الوسيلة الإعلامية، ويُخفي التضليل وراء حياد تقني زائف. ولكن، مع الاستخدام الواعي، يمكن للذكاء الاصطناعي المساعدة في كشف التحيزات وتحسين جودة المحتوى عبر أدوات تحليل النصوص ومراقبة الانحياز.
ومن ناحية الشفافية والثقة في ما يتعلق بأخلاقيات استخدام الذكاء الاصطناعي، تتبنى بعض المؤسسات مواثيق أخلاقية تتضمن الإشارة إلى استخدام الذكاء الاصطناعي وضمان الإشراف البشري. ومع ذلك، تظل هذه التدابير طوعية، وهناك حاجة ماسة إلى لوائح إلزامية تضمن الشفافية والمساءلة. بالإضافة إلى ذلك، ينبغي تعزيز وعي الجمهور بكيفية إنتاج المحتوى وتوفير أدوات تُمكّنه من التحقق من مصادر المعلومات، الأمر الذي يُعزز الثقة بين الوسيلة والمُتلقي.
???????? Introducing our latest customer audio offering: “Your Personal Podcast,” a personalized, AI podcast experience only available in The Washington Post app.
App users will be able to shape their own briefing, select their topics, set their lengths, pick their hosts and soon… pic.twitter.com/wHtD3owGL6
— Washington Post Communications (@WashPostComms) December 10, 2025
كيف استفادت الإذاعة من التحول الرقمي؟استطرادا، كيف استفادت الإذاعة من التحول الرقمي؟ أتاح التحول الرقمي للإذاعة توسيع نطاق وصولها إلى جمهور أوسع عبر الإنترنت والبودكاست، كما حسّن من جودة الإنتاج ووفر أدوات لتحليل سلوك الجمهور وتخصيص المحتوى. وقد أسهم هذا التحول في دمج الوسائط المتعددة، مما جعل الإذاعة أكثر تفاعلية وانفتاحا على الابتكار، بالإضافة إلى ذلك، أصبح بالإمكان إنتاج برامج تفاعلية تعتمد على الذكاء الاصطناعي، وتقديم تجارب صوتية مصممة خصيصا لكل مستمع.
إعلانومن أبرز مظاهر هذا التحول الزيادة الكبيرة في عدد الإذاعات حول العالم، حيث أصبح بإمكان أي شخص إنشاء إذاعته الخاصة باستخدام أدوات بسيطة ومنصات رقمية متاحة للجميع. هذا التوسع في الإنتاج الإذاعي يعزز التعددية، ويهيئ فرصا جديدة للتعبير، ويعيد تعريف الإذاعة من مؤسسة مركزية إلى فضاء مفتوح للمشاركة والتجريب.
وتشير الإحصائيات إلى أن عدد مستمعي الإذاعة عالميا يتجاوز 4 مليارات شخص، ويوجد في العالم العربي أكثر من 388 محطة إذاعية عبر الإنترنت موزعة على 18 دولة. وفيما يخص البودكاست، بلغ عدد مستمعيه عالميا 584 مليون مستمع في عام 2025، ومن المتوقع أن يصل إلى 630 مليونا بنهاية العام، وذلك وفقا لتقرير صادر عن (Statista).
بصورة عامة فإننا نحتاج إلى منظور يخرج عن الإطار الهندسي للذكاء الاصطناعي. إن هذا المنظور النقدي يساعدنا على فهم الإذاعة كفضاء ثقافي واجتماعي وليس مجرد أداة تقنية. دوره الأساسي هو حماية الروح النقدية والتعبيرية في المحتوى الإذاعي، عبر تحليل كيف تؤثر الخوارزميات على المهن، وتشويه التنوع، وتعميق التحيزات. هذا المسار يضمن أن يظل العنصر البشري هو الموجه لاستخدام التقنيات، ويحافظ على القيمة الثقافية الفريدة التي تقدمها الإذاعة.
الإذاعة ليست محكومة بالزوال، بل تتمتع بنقاط قوة فريدة. إن قدرتها على بناء الروابط وتقديم محتوى متنوع وسهل الوصول إليه يجعلها وسيلة مرنة، ولكي تحافظ على مكانتها، يجب أن تعيد ابتكار نفسها، وذلك عبر تدريب المهنيين، ومراجعة نماذج العمل، وتعزيز رسالتها الثقافية والنقدية.
كما أن الاستثمار في الابتكار الصوتي وتطوير تطبيقات ذكية يمكن أن يعيد للإذاعة مكانتها في المشهد الإعلامي الرقمي، إذ يوفر نظام البث الرقمي الصوتي (DAB+)، المنتشر والمُستخدم حديثا في العديد من البلدان خاصة في أوروبا وأميركا، جودة صوت أعلى واستهلاكا أقل للطاقة، كما يوسع نطاق البث، مما يثري تجربة المستمع.
ومع ذلك، يتطلب هذا التحديث استثمارات كبيرة، وقد يهمّش المحطات المحلية، كما يثير تساؤلات حول مدى سهولة الوصول إليه. لذا، ينبغي أن يُصاحب هذا التقدم دعمٌ للمحطات الصغيرة، وتوعيةٌ للجمهور، بالإضافة إلى تطوير محتوى يتناسب مع الإمكانيات الجديدة التي يتيحها هذا النظام.
في أوروبا، يُدمج نظام DAB+ في أكثر من 98% من السيارات الجديدة، وبلغت نسبة التغطية السكانية في ألمانيا 34% من السكان الذين يستمعون إلى الراديو عبر DAB+ يوميا.
يمكن للذكاء الاصطناعي أن يُثري الإذاعة أو يُفقرها. ويكمن التحدي الكبير في الحفاظ على الطابع الإنساني للوسيلة، وتنوعها، وقدرتها النقدية. المشكلة ليست في التكنولوجيا بحد ذاتها، بل في السياسة الأخلاقية لاستخدامها، ومن المفترض ألا يصبح صوت الراديو الذي نعرفه مجرد صدى خوارزمي بلا أي شعور إنساني. فإذاعة الغد عليها أن تكون ذكية ومسؤولة وإنسانية، وأن تجسد روح الابتكار والانفتاح، مع الحفاظ على رسالتها الثقافية والاجتماعية في عالم دائم التحول.