الفاشر تسقط والخرائط تُعاد رسمها من جديد| تحذيرات روسية من مجازر وجرائم تطهير عرقي.. وخبير: السودان يواجه أخطر مرحلة في تاريخه
تاريخ النشر: 30th, October 2025 GMT
في قلب القارة الإفريقية، تتوالى فصول المأساة السودانية، ويعلو صدى الألم من مدينة الفاشر، التي تحولت إلى عنوان جديد للجراح المفتوحة في جسد السودان المنهك بالحرب.
بينما يواصل المدنيون دفع الثمن الباهظ لصراع لا يعرف رحمة، تتعالى أصوات القلق من العواصم العالمية، كان أبرزها من موسكو، التي أعربت عن قلقها البالغ من تصاعد انتهاكات حقوق الإنسان في المدينة المنكوبة، وسط تحذيرات من أن ما يجري في دارفور قد يكون مقدمة لتقسيم جديد يهدد وحدة السودان وسلامة أراضيه.
أصدرت وزارة الخارجية الروسية بيانًا شديد اللهجة أعربت فيه عن قلقها العميق إزاء ما يجري في مدينة الفاشر، مشيرة إلى تقارير تتحدث عن انتهاكات واسعة لحقوق الإنسان ومجازر مروّعة بحق المدنيين.
وأكد البيان، الذي نقلته وكالة "سبوتنيك" الروسية، أن العنف ضد السكان المدنيين أمر غير مقبول ويتنافى مع قواعد القانون الإنساني الدولي، داعية الأطراف المتنازعة إلى اتخاذ إجراءات عاجلة لحماية المدنيين وضمان أمنهم وسلامتهم.
وشددت موسكو على تمسكها بالحل السلمي للأزمة السودانية التي دخلت عامها الثاني، مؤكدة أن الطريق الوحيد للخروج من هذا النفق المظلم هو الحوار الوطني الشامل، ووقف فوري للأعمال العدائية، حفاظًا على وحدة السودان وسيادته وسلامة أراضيه.
نبيل السيد.. السودان يواجه أخطر مراحله منذ الاستقلال
وفي السياق ذاته، أعرب اللواء نبيل السيد، الخبير الاستراتيجي، عن بالغ قلقه من تطورات الأوضاع المتسارعة في السودان، واصفًا ما يحدث بأنه “أخطر مرحلة تمر بها الدولة السودانية منذ استقلالها”، بعد سقوط مدينة الفاشر آخر معاقل الحكومة السودانية في إقليم دارفور بيد ميليشيات الدعم السريع.
وأكد اللواء نبيل السيد أن ما يجري ليس مجرد صراع داخلي على السلطة، بل هو صراع له أبعاد إقليمية ودولية، تتداخل فيه أطراف تسعى إلى تفكيك السودان وإعادة رسم حدوده العرقية والقبلية، في تكرار لمأساة انفصال الجنوب عام 2011.
مخطط التقسيم الجديد.. من دارفور إلى كردفانوأوضح اللواء نبيل السيد أن ميليشيات الدعم السريع، ، تنفذ اليوم ما وصفه بـ“المرحلة الثانية من مخطط التقسيم”، عبر السيطرة على دارفور بالكامل، تمهيدًا لإعلانها كيانًا منفصلًا عن الدولة الأم.
وأشار إلى أن السيطرة على الفاشر تمثل تحولًا استراتيجيًا خطيرًا، لأنها العاصمة الإدارية لولاية شمال دارفور، وأحد أهم المراكز الجغرافية التي تربط بين كردفان، وليبيا، وتشاد، وأفريقيا الوسطى، ما يمنح الميليشيات قدرة على التحكم في الإمدادات والطرق الحيوية، ويمنحها نفوذًا واسعًا على كامل الشريط الغربي للسودان.
وأضاف أن هذا التطور يعني أن “الجيش السوداني خسر أحد أهم خطوط دفاعه، وأن الدعم السريع أصبح يمتلك الآن مساحة استراتيجية تمكنه من الضغط العسكري والسياسي في أي مفاوضات مستقبلية”.
دور خارجي وتمويل مشبوهوشدد اللواء نبيل السيد على أن ما يجري ليس بعيدًا عن أيادٍ خارجية، مشيرًا إلى أن هناك “دولاً تموّل ميليشيات الدعم السريع بالسلاح والعتاد، وتوفر لها الغطاء السياسي والإعلامي”، في محاولة لتمرير مشروع تقسيم السودان إلى ثلاث دويلات: شمال، وشرق، وغرب (دارفور).
وأوضح أن دعم تلك القوى للانفصاليين يأتي “في إطار مشروع أوسع لإضعاف المنطقة بالكامل، وإبقاء السودان ساحة مفتوحة للفوضى والاقتتال الداخلي، مما ينعكس مباشرة على الأمن القومي المصري والعربي”.
وقال اللواء نبيل السيد: “ما يحدث في دارفور ليس مجرد معركة على الأرض، بل هو إعادة رسم لخرائط النفوذ في قلب إفريقيا، ومن لا يرى ذلك فهو لا يدرك حجم المؤامرة.”
جرائم ضد الإنسانيةعبّر الخبير الاستراتيجي عن صدمته من التقارير الإنسانية الواردة من الفاشر، مشيرًا إلى أن ميليشيات الدعم السريع ارتكبت جرائم بشعة.
وأوضح أن التقارير الصادرة عن القوة المشتركة المتحالفة مع الجيش السوداني تشير إلى إعدام أكثر من ألفي مدني في الفاشر خلال يومين فقط (26 و27 أكتوبر)، معظمهم من النساء والأطفال وكبار السن، مضيفًا أن الصور الملتقطة بالأقمار الاصطناعية تؤكد حجم الكارثة.
وقال اللواء نبيل السيد إن هذه الممارسات ليست أعمالًا عشوائية، بل “تطهير عِرقي متعمد” يهدف إلى تفريغ الإقليم من سكانه الأصليين وخلق واقع ديموغرافي جديد، يُستخدم لاحقًا كورقة ضغط لتبرير فكرة “الانفصال الذاتي”.
دارفور.. القلب الذي ينزفتوقف اللواء نبيل السيد عند الأهمية الاستراتيجية لإقليم دارفور، موضحًا أنه يمثل نحو ربع مساحة السودان، ويعد أحد أغنى المناطق بالموارد الطبيعية والمعدنية، فضلًا عن موقعه الجغرافي الذي يجعله بوابة السودان إلى إفريقيا الوسطى.
وقال اللواء نبيل السيد إن “الفاشر لم تسقط في يوم، بل بعد شهور من الحصار والتجويع والقتل، في ظل صمت دولي ”.
رسالة إلى المجتمع الدوليووجّه اللواء نبيل السيد رسالة حادة إلى المجتمع الدولي، مؤكدًا أن الاكتفاء ببيانات الشجب والإدانة “لن يوقف حمام الدم”.
وطالب بضرورة فرض عقوبات فورية على قادة الدعم السريع، ووقف إمدادات السلاح القادمة إليهم، وإرسال بعثة مراقبة دولية لتوثيق الانتهاكات، مؤكدًا أن “ما يحدث في دارفور ليس حربًا أهلية بل جريمة ضد الإنسانية بكل المقاييس”.
واختتم السيد تحليله بالقول إن السودان يقف اليوم على حافة الانهيار الكامل، وإن ما يجري في دارفور ليس نهاية المعركة، بل بداية فصل جديد من الصراع على هوية الدولة ومستقبلها.
وقال: “إما أن يتوحد السودانيون خلف جيشهم وقيادتهم لإنقاذ الوطن، أو أن تنجح قوى التقسيم في تحويل السودان إلى خريطة من الدويلات المتناحرة.”
وختم مؤكدًا أن على العالم، وخاصة الدول العربية والإفريقية، أن تتحرك لإنقاذ السودان الآن، لأن سقوطه لن يهدد حدوده فقط، بل سيصيب الأمن القومي العربي والإفريقي في مقتل.
بين الانقسام والنجاة
بين مأساة الفاشر وصمت العالم، يقف السودان اليوم أمام خيارين لا ثالث لهما: الانقسام أو النجاة.
فإما أن تنتصر إرادة شعبه في الحفاظ على وحدته، أو أن تنجح قوى الظلام في تحويله إلى ساحة دائمة للفوضى.
ووسط كل ذلك، تبقى الفاشر جرحًا مفتوحًا في جسد إفريقيا، وصرخة في وجه العالم بأن الإنسانية لا تزال في اختبار صعب أمام مأساة تتكرر بلا نهاية.
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: السودان موسكو بالسلاح الإنسانية الإنسان میلیشیات الدعم السریع فی دارفور ما یجری
إقرأ أيضاً:
كارثة إنسانية في السودان: البرهان يتعهد بالاقتصاص من الدعم السريع
أكّد رئيس مجلس السيادة السوداني عبد الفتاح البرهان أن الشعب السوداني وقواته المسلحة ماضية نحو النصر، مشدداً على أن قرار القيادة مغادرة مدينة الفاشر، عاصمة ولاية شمال دارفور، جاء نتيجة لما تعرضت له المدينة من تدمير ممنهج خلال المعارك الدائرة.
وقال البرهان، في كلمة متلفزة، إن "القوات المسلحة قادرة على قلب الطاولة وتحقيق النصر واستعادة الأراضي"، مضيفاً: "نحن عازمون على الاقتصاص لشهدائنا وتطهير البلاد من المرتزقة".
وجاءت تصريحات البرهان بعد ساعات من إعلان قوات الدعم السريع سيطرتها على مدينة الفاشر، إثر حصار استمر أكثر من عام. ووفق مصادر عسكرية سودانية تحدثت لقناة الجزيرة، فإن الجيش السوداني أخلى مقر قيادة الفرقة بالمدينة لأسباب "تكتيكية".
ويمثل سقوط الفاشر، إن تأكد، حدثاً مفصلياً في مسار الحرب الدائرة، إذ يعني بسط قوات الدعم السريع سيطرتها الكاملة على ولايات إقليم دارفور الخمس، ما يعمّق واقع الانقسام بين شرق البلاد الذي يهيمن عليه الجيش وغربها الخاضع للدعم السريع.
ومنذ اندلاع القتال بين الجيش وقوات الدعم السريع في 15 أبريل/نيسان 2023، فشلت الوساطات الإقليمية والدولية في وقف الحرب التي أودت بحياة نحو 20 ألف شخص وشرّدت أكثر من 15 مليوناً، وفق تقارير أممية ومحلية، بينما قدّرت دراسة أعدّتها جامعات أميركية عدد القتلى بنحو 130 ألفاً.
وفي ظل تدهور الأوضاع الإنسانية، دعت المنسقة الأممية للشؤون الإنسانية في السودان، دينيس براون، قوات الدعم السريع إلى السماح بوصول المساعدات الإنسانية إلى الفاشر وتأمين ممرات آمنة للمدنيين. وقالت براون إن المدنيين يحاولون الفرار من المدينة عبر طرق "غير آمنة"، مشددة على ضرورة تسهيل وصول الأمم المتحدة والمنظمات الإغاثية.
بدورها، طالبت وزارة الصحة في إقليم دارفور الأمم المتحدة ومنظمات حقوق الإنسان بالتحرك العاجل لإنقاذ المدنيين، مؤكدة أن الفاشر تشهد "أسوأ كارثة إنسانية في العالم"، متهمة قوات الدعم السريع بارتكاب "مجازر بشعة وتصفية عرقية وقتل ممنهج وأعمال انتقامية" بحق السكان منذ يوم السبت الماضي.
وفي السياق، أعلنت مؤسسة أهلية سودانية، اليوم الاثنين، وصول 1117 نازحاً جديداً من الفاشر إلى منطقة طويلة في شمال دارفور، بسبب تصاعد العنف وانعدام الأمن، فيما أفادت منظمة الهجرة الدولية أمس الأحد بنزوح ما بين 2500 و3000 شخص جراء الاشتباكات الأخيرة.
كما دعا مسعد بولس، مستشار الرئيس الأميركي دونالد ترامب للشؤون الأفريقية، طرفي النزاع في السودان إلى قبول هدنة إنسانية لمدة ثلاثة أشهر، تمهيداً لوقف دائم لإطلاق النار وتهيئة الظروف أمام المساعدات الدولية.
© 2000 - 2025 البوابة (www.albawaba.com)
انضممت لأسرة البوابة عام 2023 حيث أعمل كمحرر مختص بتغطية الشؤون المحلية والإقليمية والدولية.
الأحدثترنداشترك في النشرة الإخبارية لدينا للحصول على تحديثات حصرية والمحتوى المحسن
اشترك الآن