بين حرية المخرج ورؤيته الفنية وحدود الصدق
تاريخ النشر: 5th, November 2025 GMT
يعرف الفيلم الوثائقي ببساطة على أنه فيلم عن الحياة الواقعية، فيلم يروي ويجسد قصة لتجربة شخص ما مع الواقع. تقول باتريشيا أوفدرهايدي -أستاذ دراسات التواصل في كلية التواصل بالجامعة الأمريكية في واشنطن- في كتابها "مقدمة قصيرة جدًا: الفيلم الوثائقي" إن المشكلة أن الأفلام الوثائقية تدور حول الحياة الواقعية، لكنها ليست حياة واقعية، وإنما لوحات ومادة خام عنها، فأبطال هذه الأفلام يقدمون الأدوار بتوجيه من المخرجين مثلما يفعل الممثلون في أي فيلم روائي.
أمانة الواقع
يصف المخرج السينمائي محمد الكندي المخرج بأنه "القائد الفني والفكري" للعمل السينمائي، سواء كان وثائقيًا أو روائيًا أو من أي جنس من أجناس المحتوى البصري، وقال: من خلال الفيلم يستطيع المخرج إيصال رسالته كيفما يشاء، دون المساس بمبادئ وقوانين العمل السينمائي الإنساني النبيل، وهو الصدق دون زيف، لأن الفيلم الوثائقي يرصد وقائع تكون في المستقبل تاريخًا، أو تاريخًا يُعاد صياغة أحداثه بالممكنات المتوفرة في عصره، وكما سبق آنفًا دون تزييف للوقائع، وعليه أن يكون محايدًا في طرح القضايا من حيث اختياره للشخصيات والمتحدثين والمكان والزمان احترامًا لأمانة الواقع.
وأضاف: بالنسبة لحرية الترتيب والمونتاج، بلا شك ذلك حق أصيل للمخرج وللمونتير في صياغة العمل فنيًا حسبما يتطلبه الموضوع، بدءًا من طريقة التصوير إلى اتخاذ خط سير العمل ومعالجته الدرامية إلى أن يصل إلى وحدة المونتاج ومن ثم إلى المتلقي، لذا للمخرج الوثائقي الحق أن يصوغ عمله الواقعي أو التاريخي متى ما كانت إرادته تجسيد الحقيقة بعمق دون تزييف.
سرد الحقيقة
رأت المخرجة السينمائية الفلسطينية رنا أبو شخيدم أن هذا السؤال مهم، خاصة في المرحلة الحاسمة من التاريخ الفلسطيني، وقالت:
"في الحقيقة، كمخرجة أفلام وثائقية، أؤمن بأني أقدم وجهة نظري للحقيقة، وأحاول استخدام كل الأدوات التي تساعدني في إظهار الفيلم بأعلى درجة من المصداقية، مثل استخدام الأرشيفات والصور الحقيقية والمقابلات، حتى أظهر الواقع بكل ما يشمله من تناقضات تُبين الوجع الفلسطيني بكل القوة والصمود على الأرض.
واقع مُعاد
أما من وجهة نظر عراقية، فأجاب المخرج السينمائي حسين رعد بقوله: أنا كمخرج وثائقي أتعامل مع الواقع، لكنه لا يأتي جاهزًا أمامي، أضطر أن أكتشفه وأنتزع قصصه من بيئة مليئة بالتعقيدات والتحديات.
وأضاف: في العراق أواجه معركة مزدوجة مع الواقع نفسه ومع الظروف المحيطة بي، فالقيود اللوجستية والأمنية تحد من حريتي في التنقل والتصوير، وأحيانا تفرض رقابة غير معلنة على المواضيع الحساسة. محدودية الدعم الإنتاجي والتمويلي تجعل من الصعب إنجاز مشاريع مستقلة تُعبّر بصدق عن هموم الناس وتفاصيل حياتهم اليومية.
ورغم كل ذلك، مهمتي أن أصوغ الواقع بصدق فني، لا أن أنقله حرفيًا. فالمونتاج والترتيب ليسا أدوات تزوير، بل وسيلة لإيصال جوهر الحقيقة، طالما أحافظ على أمانتي الأخلاقية في تمثيل الواقع دون مبالغة أو تشويه.
التحدي الأكبر هو أن أوازن بين حريتي الإبداعية ومسؤوليتي الواقعية، لأنتج فيلمًا يكون وثيقة صادقة وموقفًا إنسانيًا في الوقت نفسه."
حرية مسؤولة
معتبرا الفيلم وسيطا بين الواقع والجمهور وليس ناقلًا عنه، يقول مخرج الأفلام الوثائقية العُماني ماجد الإسماعيلي: يحق لمخرج الفيلم الوثائقي أن يصوغ الواقع بحدود، من خلال اختيار الزاوية واللقطات وطريقة السرد، بما يخدم الفكرة أو الرسالة التي يريد إيصالها. لكن هذه الصياغة يجب أن تبقى أمينة للحقائق، فلا يجوز له أن يختلق أحداثًا أو يغيّر تسلسلها بطريقة تضلل المتلقي."
وأضاف: أما فيما يتعلق بالمونتاج والترتيب، فهي أدوات فنية مشروعة في الوثائقي، لأن الفيلم في النهاية عمل إبداعي له إيقاعه ووجهة نظره. غير أن الحرية هنا يجب أن تكون مسؤولة، بحيث لا تُشوّه الواقع ولا تُخفي جوهر الحقيقة. فكلما حافظ المخرج على توازنه بين الصدق الفني والصدق الواقعي، كان عمله أعمق وأقرب إلى الوثائقي الحقيقي.
شعور الواقع
يجد المخرج السينمائي السعودي علي العبدالله أن القوة الحقيقية للمخرج في الأفلام الوثائقية تكمن في المونتاج، لأنه ليس وسيلة لتغيير الحقيقة، بل أداة لتوجيه الإحساس.
وقال: قد تبدو المشاعر التي تظهر على الشاشة مختلفة عمّا عاشه أبطال الحدث في لحظتها، لكنها ليست تزويرًا، بل إعادة بناء للشعور داخل زمن الفيلم، لا زمن الواقع. وهنا تظهر صنعة المخرج، حين يعيد ترتيب المشاهد بطريقة تعبّر عن رؤيته الخاصة وتوجّه إحساس المشاهد نحو معنى معين.
وأضاف: يملك المخرج أدوات كثيرة تساعده في توثيق موضوعه كما يراه، مثل زوايا التصوير، والتكوين، وتسلسل الأحداث في الخط الزمني للفيلم. تقديم مشهد أو تأخيره قد يخلق تأثيرًا شعوريًا مختلفًا، لكنه لا يغيّر من حقيقة الحدث، لأن الوقائع نفسها تظل كما هي، موثقة بصدق. حرية المخرج تكمن في المعالجة لا في التزييف، فالفيلم الوثائقي لا يختلق واقعًا جديدًا، بل يصنع إحساسًا جديدًا بالواقع نفسه.
في النهاية، الوثائقي ليس عن "ما حدث" فقط، بل عن "كيف شعرنا بما حدث"، وتلك هي المساحة التي يعيش فيها الإخراج الوثائقي الحقيقي.
وعي الإخراج
تقول مخرجة الأفلام الوثائقية العُمانية فاطمة سعيد: أؤمن أن دوري لا يقتصر على نقل الواقع، بل على فهمه وتقديمه من زاوية إنسانية تلامس المشاهد. لا أغيّر الحقيقة، لكني أرتبها بطريقة تجعلها أوضح وأقرب للناس. فالمونتاج بالنسبة لي ليس تلاعبًا بالأحداث، بل وسيلة لتنظيم الفكرة وإيصال الرسالة بأفضل شكل.
وأضافت: الحرية في الترتيب لا تعني فقدان الصدق، بل تتطلب وعيًا واحترامًا للحقيقة. هناك دائمًا خط رفيع بين الإبداع والتحريف، والمخرج الحقيقي يعرف كيف يحافظ عليه. صدق الفيلم الوثائقي لا يُقاس بعدد اللقطات الواقعية، بل بصدق نية المخرج في نقل ما يشعر به دون أن يبتعد عن جوهر الواقع. فعندما تكون الرسالة صادقة، يصبح الإبداع جزءًا من الحقيقة لا خطرًا عليها.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: الأفلام الوثائقیة الفیلم الوثائقی ر الحقیقة فیلم ا
إقرأ أيضاً:
أبو ريدة: علاقتي مع الأهلي ممتازة
أكد المهندس هاني أبو ريدة رئيس الاتحاد المصري لكرة القدم، أن علاقته مع النادي الأهلي ورئيسه محمود الخطيب لم تشهد أي خلافات حقيقية أو توتر على أرض الواقع، موضحاً أن ما تم ترويجه عبر مواقع التواصل الاجتماعي بشأن وجود صدام أو خلاف شخصي بينه وبين إدارة القلعة الحمراء، كان مجرد تصعيد إلكتروني لا علاقة له بالواقع.
وقال أبو ريدة في تصريحات إعلامية إن علاقته بالأهلي تاريخية وقوية، وأنه تربطه بالخطيب علاقة أخوة وصداقة ممتدة منذ سنوات طويلة، تتجاوز حدود المنافسة داخل الملاعب.
وأوضح أبو ريدة أن الجيل الحالي أصبح ضحية تفاعل منصات السوشيال ميديا، وأن أي تصريح أو جملة أو موقف يتم تضخيمه وتحويله لقضية رأي عام، رغم أن الوسط الكروي في مصر لا يعيش هذه الحساسية على أرض الواقع بين القيادات الأساسية.
وأضاف أن السوشيال ميديا في مصر أصبحت تصنع حالة صدام أكثر مما تعكس الواقع، مشيراً أن بعض الصفحات تحاول تضخيم الخلافات وتوجيه الرأي العام نحو صدامات غير حقيقية، بينما الحقيقة أن العلاقة بينه وبين الخطيب قائمة على احترام متبادل وتنسيق كامل في الملفات الكبرى داخل كرة القدم المصرية.
وأكد رئيس اتحاد الكرة أن الأهلي والزمالك هما ركيزتان أساسيتان في صناعة كرة القدم داخل مصر، وأن أي توتر رسمي أو صدام مؤسسي بين اتحاد الكرة والأندية الكبرى لا يخدم الرياضة المصرية، مشدداً على أن دوره كرئيس اتحاد ليس الانحياز لطرف على حساب آخر، بل إدارة المنظومة بالكامل وحماية عدالة المنافسة.
وأشار إلى أن اجتماعاته مع محمود الخطيب تتضمن نقاشات مستمرة حول ملفات تطوير الكرة المصرية، وتبادل خبرات وتحليل واقع الكرة محلياً وإفريقياً، مؤكداً أن الخطيب يمتلك رؤية مهمة جداً في تطوير الاستثمار الرياضي والتي تصب في مصلحة الكرة المصرية.
وأضاف أن الفترة المقبلة ستشهد عملاً مشتركاً أكبر بين اتحاد الكرة والأندية في ملفات الرعاية والتنظيم والتحكيم، وأن باب الاتحاد مفتوح لجميع الأندية وليس الأهلي فقط.
وختم أبو ريدة تصريحاته بالتأكيد على أن جمهور الأهلي والزمالك يجب أن يدركوا أن الخلافات الإعلامية ليست حقيقة الواقع، وأن الكرة المصرية تحتاج للهدوء والتعاون وليس صناعة معارك وهمية.