لجريدة عمان:
2025-11-04@03:40:45 GMT

ماكرون يعلن الحرب على حرية التعبير

تاريخ النشر: 3rd, November 2025 GMT

ترجمة: أحمد شافعي

يقول إيمانويل ماكرون: إنه ينبغي على الأوروبيين أن يتوقفوا عن الاعتماد على وسائل التواصل الاجتماعي في معرفة الأخبار، وأن يرجعوا إلى وسائل الإعلام التقليدية. ففي حديث له من باريس يوم الأربعاء الماضي قال ماكرون: إن الناس «مخطئون تمامًا» في استعمال شبكات التواصل الاجتماعي في الحصول على المعلومات، ويجب أن يعتمدوا بدلًا منها على الصحفيين والمنابر الراسخة.

وذهب إلى أن المنصات الاجتماعية تتحرك بدافع من عملية «الإثارة القصوى» الرامية إلى «تعظيم العائد الإعلاني»، وهذا نظام وصفه بأنه «يدمر أسس الجدال الديمقراطي».

اتهم ماكرون منصة إكس بأنها «خاضعة لسيطرة المحتوى اليميني المتطرف» وأضاف أن المنصة لم تعد محايدة؛ لأن مالكها «قرر أن يشارك في محاربة الديمقراطية والحركة الرجعية الدولية». ونبَّه إلى أن تيك توك لا يقل خطورة. ودعا ماكرون إلى «أجندة أقوى للحماية والتنظيم في أوروبا» للحد مما يراه تجاوزات من شبكات التواصل الاجتماعي.

يحث ماكرون أوروبا على «استعادة السيطرة على حياتنا الديمقراطية والمعلوماتية». وليست هذه هي المرة الأولى التي يتحدث فيها على هذا النحو؛ فقد نبه إلى أن فرنسا وحلفاءها كانوا على شيء من «السذاجة» حينما سمحوا للجدال العام بأن يصاغ على أيدي منصات مملوكة لأجانب وخوارزميات لم تعد تقيم وزنًا للحياد. ولمواجهة ما أطلق عليه «أزمة المعلومات» فإنه يريد «أجندة أوروبية جديدة للحماية والتنظيم»، وهي عمليا خطة لإخضاع المجال الرقمي لسيطرة سياسية أكثر صرامة.

تمثل تصريحات ماكرون هجوما على طريقة جيل كامل في الحصول على المعلومات. فأكثر من 40% ممن تقل أعمارهم عن ثلاثين عاما وقرابة النصف ممن تتراوح أعمارهم بين الثامنة عشرة والثلاثين يعتمدون الآن على وسائل التواصل الاجتماعي في الحصول على الأخبار. ويبدو أنه يعتقد أنهم ينبغي أن يرجعوا إلى أيام قراءة ومشاهدة وسائل الإعلام الخاضعة لسيطرة الدولة. وهذا اقتراح صادم، بل إن محض كتابة هذا الكلام أمر مخيف؛ فالديمقراطية تعتمد على إتاحة وجهات النظر المختلفة، لا على قنوات التليفزيون المملوكة للدولة والصحف المدعومة. وليس بوسع ماكرون أن يعتقد جادًا في أنه خير للديمقراطية أن يساق الأوروبيون إلى الحصول على الأخبار من شبكات متحالفة مع الحكومة.

وجَّه ماكرون اللوم أيضا إلى التدخل الأجنبي متهمًا روسيا بأنها «أكبر مشتر للحسابات المزيفة»؛ بهدف زعزعة استقرار الديمقراطيات الأوروبية. وقال: «إننا نواجه تدخلًا سامًا». وكان ماكرون قد أشار سابقا إلى تلاعب مزعوم بمحتوى الإنترنت خلال الانتخابات الأخيرة في أوروبا الشرقية وصفه بـ«المريع»، غير أن المراقبين لم يعثروا على أدلة كافية على تلاعب واسع النطاق في تلك الحالات. ولعل ما أزعج باريس وبروكسل حقا كان في الغالب يتمثل في نتيجة تلك الانتخابات ورفض المرشحين المدعومين من الاتحاد الأوروبي. أما تحذيراته من الحسابات الزائفة فلا يبدو دفاعًا عن الديمقراطية بقدر ما يبدو ذريعة لتشديد سيطرة الدولة على حرية التعبير.

والنتيجة المنطقية لما يقترحه ماكرون هي أنه من أجل القضاء على «الحسابات الزائفة» لا بد من القضاء على مبدأ إخفاء الهوية نفسه. ولو أن ماكرون جاد في إنهاء الحسابات الزائفة -وهو لا يفتأ يكرر أنه كذلك- فإن السبيل الوحيد لعمل ذلك إنما هو من خلال الهوية الرقمية. وخطته هذه تفضي حتمًا إلى نظام يكون فيه كل راغب في نشر شيء أو التعليق على الإنترنت مرغمًا على إثبات هويته أولا.

والهيكل اللازم للسيطرة التامة على شبكات التواصل الاجتماعي في أوروبا موجود بالفعل؛ إذ توجب لائحة «eIDAS» التابعة للاتحاد الأوروبي على كل دولة من الدول الأعضاء أن تصدر هويات رقمية. فثمة هوية في فرنسا «France Identité»، وفي ألمانيا هناك«eID» وفي إيطاليا هناك «SPID». وهذه الهويات مصممة أصلا من أجل الأغراض المصرفية والصحية والضريبية، لكن من السهل دمجها في خدمات الإنترنت. وقد تدمجها رؤية ماكرون في قانون الخدمات الرقمية؛ لتكون النتيجة هي إنترنت يمكن تعقب كل منشور فيه، ونسبته إلى شخص موثق، فلا تبقى غير خطوة من مكافحة «الحسابات الزائفة» إلى الحظر التام لأي خطاب مجهول.

على مدى سنوات يذهب ماكرون إلى أنه لا بد من إخضاع الإنترنت للسيطرة. وحينما يعجز عن التشريع في بلده فإنه يمضي به من خلال بروكسل. وقانون الخدمات الرقمية في الاتحاد الأوروبي يمنح بالفعل للجهات التنظيمية سلطة مراقبة ما يصفونه بـ«الأخطار المنهجية» على الإنترنت، وهو مصطلح فضفاض بما يكفي لأن يشمل المعلومات أو خطاب الكراهية أو أي شيء يعد مزعزعا لاستقرار الديمقراطية. وبموجب هذا القانون يمكن تغريم المنصات ما يصل إلى 6% من إجمالي إيراداتها العالمية، وهو تهديد يرغمها على المراقبة بنفسها قبل أن تتدخل بروكسل. والنتيجة هي الإفراط في الامتثال والتآكل الصامت لحرية التعبير. وإذا ما أضفنا إطار الهوية الرقمية «eIDAS» توافرت لماكرون الأدوات اللازمة لتحقيق طموحه القديم بالقضاء على سرية الهوية على الإنترنت.

في فرنسا نفسها تتبدد السلطة من يد ماكرون؛ فحكومته لا تحظى بأغلبية مستقرة، وسلطتها في البرلمان تبددت، وشعبيته هو نفسه تراجعت بشكل كبير. إذ يشير استطلاع رأي نشرته مجلة لو فيجارو هذا الأسبوع إلى أن الثقة فيه لا تصل إلا إلى 11%، وهذه من أدنى النسب المسجلة لرئيس في الجمهورية الخامسة. وهو يتعرض للاستهجان في الشوارع، وللسخرية على الإنترنت بصفة يومية. أما في بروكسل فآلية التنظيم لا تزال طوع أمره، ويمضي قانون الخدمات الرقمية وإطار الهويات الرقمية قدما بغض النظر عن الحالة السياسية الفرنسية، ويعمل على تطبيقهما بيروقراطيون لا برلمانيون. فقد يكون ماكرون مغلول اليد في باريس، لكنه في أوروبا لا يزال قادرًا على العمل وكأنه رجل دولة. والخطر هو أنه لا يزال بوسعه في الوقت المتاح له في السلطة أن يصوغ قواعد تحدد ما يمكن أن يقوله الأوروبيون أو يمتنعون عن قوله. يصر ماكرون على أنه يدافع عن الديمقراطية أمام التلاعب والكراهية، ولكن هذه هي الذريعة؛ فرؤيته إنما هي لأوروبا تتسامح مع حرية التعبير فقط إذا ما أمكن تعقبه ونسبته إلى أشخاص معينين، وتبادر فيها المنصات إلى إخراس أي شيء قد يلفت انتباه الجهات التنظيمية، وهذا ما يسميه «بعث الديمقراطية». وليس ذلك على الإطلاق، بل هو إضفاء للطابع البيروقراطي على الفكر وبداية لقارة لا يبقى فيها مجال للجدال إلا بترخيص. ولو تحقق لماكرون ما يريد فلن يعني هذا محض التنظيم للمجال العام، ولكنه سيعني خضوع المجال العام للترخيص.

جيمس تيدمارش محام دولي مقيم في باريس يرأس شركة متخصصة في قضايا التقاضي والتحكيم التجاري الدولي المعقدة

الترجمة عن ذي سبكتيتور  

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: التواصل الاجتماعی فی على الإنترنت الحصول على فی أوروبا إلى أن

إقرأ أيضاً:

أوقاف الإسماعيلية تنظم ندوات توعوية عن «إدمان وسائل التواصل الاجتماعي» بالمدارس

نظمت مديرية أوقاف الإسماعيلية عددًا من الندوات التوعوية بمدارس المحافظة تحت عنوان «إدمان وسائل التواصل الاجتماعي»، ضمن فعاليات مبادرة «صحح مفاهيمك»، برعاية الأستاذ الدكتور أسامة الأزهري، وزير الأوقاف، وفي إطار التعاون المستمر بين وزارتي الأوقاف والتربية والتعليم.

وتناولت الندوات مخاطر الإفراط في استخدام مواقع التواصل الاجتماعي، وتأثيره على السلوك والقيم والعلاقات الأسرية والتحصيل الدراسي، مع التأكيد على أهمية توجيه استخدام التكنولوجيا نحو ما يخدم الفرد والمجتمع.

وأكد فضيلة الشيخ عبد الخالق محمد عطيفي، مدير مديرية أوقاف الإسماعيلية، أن هذه الندوات تأتي تنفيذًا لتوجيهات وزارة الأوقاف في تصحيح المفاهيم الخاطئة لدى الشباب، ونشر الوعي الديني والتربوي الصحيح، مشيرًا إلى أن الاستخدام الرشيد للتكنولوجيا يعكس وعي المسلم ومسئوليته تجاه وقته وحياته.

وتواصل مديرية أوقاف الإسماعيلية جهودها الميدانية ضمن مبادرة «صحح مفاهيمك» لبناء وعيٍ مستنيرٍ رشيدٍ يواكب متطلبات العصر، ويحصّن النشء من مخاطر الإدمان الإلكتروني والاستخدام السلبي لمواقع التواصل الاجتماعي.

هل يجوز الصيام بدلا من الإطعام حال العجز في تنفيذ كفارة اليمين.. المفتي يجيبعطية لاشين: يجوز صرف أموال الزكاة لبناء المدارس والمعاهد الإسلامية بشروطمستشارة شيخ الأزهر في حفل تكريم الوافدين: العلم عبادة ومسيرة لا تنتهيرئيس قطاع المعاهد للطلاب الوافدين: أنتم سفراء الأزهر في نشر سماحة الإسلام

واستقبل الدكتور أسامة الأزهري، وزير الأوقاف، اليوم الأحد، الدكتور محمد فيصل إبراهيم، الوزير المكلف بالشئون الإسلامية، وزير الدولة الأول للشئون الداخلية بجمهورية سنغافورة، والوفد المرافق له، في مسجد مصر الكبير بالعاصمة الإدارية الجديدة، بحضور عدد من قيادات الوزارة. 

وزير الأوقاف يستقبل الوزير المكلف بالشئون الإسلامية بسنغافورة

وفي بداية اللقاء، رحب وزير الأوقاف بالضيف الكريم والوفد المرافق؛ مؤكدًا أن الزيارة عزيزة على القلب نظرًا لعمق العلاقات بين البلدين وما يجمعهما من روابط علمية ودينية وثقافية وتاريخية وثيقة؛ مشيرًا إلى دور الأزهر الشريف في تخريج عدد من علماء سنغافورة الأجلاء على مستوى المفتين والمعلمين والعلماء، ومن شواهد ذلك "مدرسة الجنيد" بسنغافورة التي تعد نموذجًا مشرقًا في نشر العلم الشرعي والوعي الديني المستنير. 

وأضاف الوزير أن الآفاق رحبة للتعاون بين البلدين في شتى المجالات بما يعود بالخير على الشعبين الصديقين؛ معربًا عن استعداد الوزارة التام لتقديم كل أوجه التعاون الممكنة عبر التدريس والتدريب وتبادل الزيارات وغيرها من أوجه التنسيق؛ وذلك استمرارًا لدور مصر الفكري الرائد، وإحياءً لدور الوقف ونشر ثقافته الفريدة عند المسلمين – فهي ثقافة تجاوزت إكرام الإنسان اجتماعيًا وصحيًا وتعليميًا إلى إكرام مخلوقات الله والحفاظ على البيئة والارتقاء بالمجتمع. 

طباعة شارك أوقاف الإسماعيلية الندوات التوعوية مدارس المحافظة وزير الأوقاف

مقالات مشابهة

  • كاسبرسكي تكشف كيف تحذف بصمتك الرقمية وتحمي خصوصيتك على الإنترنت
  • أوقاف الإسماعيلية تنظّم ندوات توعوية حول «إدمان وسائل التواصل الاجتماعي» بالمدارس
  • أوقاف الإسماعيلية تنظم ندوات توعوية عن «إدمان وسائل التواصل الاجتماعي» بالمدارس
  • أيمن سلامة يرد على إشادة محمد سيد بشير: حق الكاتب يبدأ من حرية التعبير وينتهي بحقوقه المادية
  • صمود و الكتلة الديمقراطية يتفقان على إنهاء الحرب والانتقال للحكم المدني
  • «إدمان الأطفال وسائل التواصل الاجتماعي».. الأوقاف تحدد موضوع خطبة الجمعة القادمة
  • إدمان الأطفال وسائل التواصل الاجتماعي.. موضوع خطبة الجمعة القادمة
  • افتتاح المتحف المصري الكبير يشعل تفاعلًا واسعًا على مواقع التواصل الاجتماعي
  • منصات التواصل الاجتماعي تشتعل بملايين التغريدات.. المتحف المصري الكبير يتصدر ترند العالم