الإنجازات العظيمة التي حققتها مصر فى السنوات الماضية، توجت قبل أيام، بافتتاح المتحف المصرى الكبير فى حدث جذب انتباه العالم، وشارك فيه وفود رسمية من ثمانين دولة من ملوك ورؤساء ورؤساء وزراء وامراء وغيرهم من ممثلى الدول، وعاش المصريون حالة من الفرح والزهو والفخر ليس فقط بالاحتفاء بأجدادهم وحضارتهم وتراثهم العظيم، وإنما أيضًا بقدرتهم علي النهوض وصناعة التاريخ من جديد بإنشاء مشروع القرن الذى يشكل بانوراما فريدة من نوعها على كوكب الأرض، بعد أن تعانقت الحداثة فى أعلى صورها سواء فى منشآت المتحف العملاقة وأحدث طرق العرض المتحفى واستخدام التكنولوجيا الحديثة والذكاء الاصطناعى فى الابهار البصرى والسمعى.
افتتاح المتحف المصرى الكبير يجب أن يكون نقطة انطلاق وبداية فى مسارات عدة، وليس مجرد حدث عابر أو مشروع تم انجازه وإضافته لباقى المشروعات، على اعتبار أن هذا المشروع يختلف عن باقى المشروعات التنموية، كونه مشروعا فريدا من نوعه فى العالم يجب توظيفه اقتصاديًا وثقافيًا واجتماعيًا وعلميًا وسياسيًا، من خلال تحويله إلي بؤرة إشعاع ثقافى عالمى لدراسة علم المصريات ومركز أكاديمى لنقل المعرفة بتاريخ مصر وأسباب تفوق المصريين القدماء فى شتى مجالات الحياة بداية من العمارة والهندسة والطب والزراعة وانتهاءً بعلم الرياضيات والفلك، كما يجب أن يكون مركزًا لنشر الوعى وترسيخ الهوية المصرية التي تجذرت قبل آلاف السنين ويكفى أن يخرج من هذا الصرح العملاق رسائل الأجداد لأحفادهم عن سر تفوقهم والمبادئ التي عاشوا عليها وحكمت مجتمعهم وكانت تسمى قانون - ماعت - بعد أن عرف المصرى القديم التوحيد وأيقن أن هناك عالما اخر بعد الموت سوف يحاكم فيه ويدافع عن نفسه، وهو ما جعلهم يضعون قانونا للعدالة فى الحياة الدنيوية من 42 محظورا أهمها.. أنا لم أظلم ولم أسرق ولم أكذب ولم أقتل ولم أسب الآلهة ولم أخطف الطعام ولم أرتكب الزنى أو أغوى زوجة أحد، ولم أتصرف بالعنف أو أهدد السلام، ولم ألوث مياه النيل وغيرها من الأهداف النبيلة التي شكلت أخلاف ونجتمع المصرى القديم.
مؤكد أن المتحف المصرى الكبير له عائد اقتصادى هائل فى مضاعفة الجذب السياحى إلي مصر، ولكن يجب استغلاله أيضًا فى هذا التوقيت في جذب المزيد من الاستثمارات فى المشروعات السياحية، خاصة وأن مصر تعانى قلة عدد الغرف السياحية التى لا تتجاوز حتى الآن 250 ألف غرفة سياحية لا تستوعب أكثر من 16 مليون سائح فى العام، ويمكن استغلال هذا الحدث فى منشآت سياحية جديدة فى المنطقة القريبة من الأهرامات والمتحف وحتى مطار سفنكس الجديد وإنشاء عشرات الفنادق والقرى السياحية، شريطة أن تقوم الحكومة بطرح منح ومزايا وفرص استثمارية جديدة فى هذا القطاع للأجانب والمصريين حتى تتحقق الاستفادة الكاملة من هذا الصرح العالمى الفريد الذى أصر الرئيس عبدالفتاح السيسى على جعله مشروع القرن وهدية مصر للعالم وترسيخًا للقيم الإنسانية والسلام العالمى.. ولأن مصر دولة كبيرة وعظيمة لم تغفل أو تنسى تكريم صاحب فكرة هذا الانجاز العظيم الفنان والوزير القدير فاروق حسنى الذى أسهم فى نهضة ثقافية مصرية كبيرة على شتى المستويات، عايشتها معه علي مدار حوالى عشرين عامًا كصحفى يتابع الشأن الثقافى والأثرى وفى جولات مكوكية فى كل أرجاء مصر.. كل التحية والتقدير لكل من أسهم وشارك فى تحقيق هذا الحلم وجعله حقيقة على أرض مصر الطيبة.
حفظ الله مصر
المصدر: بوابة الوفد
إقرأ أيضاً:
خبير: المتحف الكبير يفتح أبوابه للجمهور في عيد الحب ليعلن ميلاد حورس
يفتح اليوم المتحف المصري الكبير أبوابه للجمهور في يوم 4 نوفمبر ليستقبل رواده في عيد الحب ليفتح معهم صفحة جديدة تبدأ وتنتهى بالحب والذى يجدونه في عدة قطع أثرية.
وفى ضوء ذلك يشير خبير الآثار الدكتور عبد الرحيم ريحان عضو لجنة التاريخ والآثار بالمجلس الأعلى للثقافة، رئيس حملة الدفاع عن الحضارة المصرية إلى أن المصريين القدماء سجلوا معاني الحب على لوحات وعاشوا الحب قصصًا في حياة الملوك والأفراد ونظموا الحب شعرًا في قصائد خالدة وأدبًا في القصص والأساطير وجسّدوا الحب فنًا في نحت التماثيل وحرصوا على إبراز جمال المرأة فهم أبدع من عبروا عن الحب في كل صورة.
ويوضح الدكتور ريحان أن إسطورة إيزيس وأوزوريس والتى شاهدناها مجسّمة فى افتتاح المتحف المصرى الكبير جسّدت معانى الوفاء والإخلاص فى الحب فى أعظم صوره التى تحكى كيف غدر ست بأخيه أوزوريس الذى كان يبغض فيه جمال وجهه ورجاحة عقله وحمله رسالة المحبة والخير بين البشر فدبر مكيدة للقضاء عليه واتفق مع أعوانه من معبودات الشر على أن يقيموا لأوزوريس حفلًا تكريمًا له ثم أعد تابوتًا مكسى بالذهب الخالص بحجم أوزوريس وزعم أنه سيقدمه هدية لمن يكون مرقده مناسبًا له ورقد فى التابوت كل الضيوف ولم يكن مناسبًا لأى أحد حتى جاء دور أوزوريس فأغلق عليه ست التابوت وألقوه فى نهر النيل وانتقل التابوت من النيل عابرًا البحر المتوسط حتى وصل إلى الشاطئ الفينيقى في أرض ليبانو عند مدينة بيبلوس وهناك نمت على الشاطئ شجرة ضخمة وارفة الظلال حافظت على التابوت المقدس من أعين الرقباء.
وينوه الدكتور ريحان إلى وجود ملكة جميلة تسمى «عشتروت» فى بيبلوس خرجت لتتريض على الشاطيء فبهرتها الشجرة الجميلة النادرة وأمرت بنقلها لقصرها، أمّا إيزيس فبكت على أوزوريس وبحثت عنه على طول شاطيء النيل واختلطت دموعها بماء النيل حتى فاض النهر وبينما كانت تجلس بين سيقان البردى في الدلتا همس في أذنيها صوت رياح الشمال تبلغها بأن المعبود أوزوريس ينتظرها على شاطئ بيبلوس فذهبت واستضافتها عشتروت وكانت إيزيس تحول نفسها كل مساء بقوة سحرية إلى نسر مقدس تحلق في السماء وتحوم حول شجرة زوجها أوزوريس حتى حدثت المعجزة وحملت إيزيس بالطفل حورس من روح أوزوريس ورجعت به مصر تخفيه بين سيقان البردي في أحراش الدلتا حتى كبر وحارب الشر وخلص الإنسانية من شرور «ست». وأن افتتاح ما هو إلا ميلاد جديد لحورس الذى يخلص البشرية من الشر وينشر السلام فى ربوع الدنيا.
ويتابع الدكتور ريحان بأن المصرى القديم جسّد معانى الحب على الجدران وفى نحت التماثيل بمنظر وقوف الزوج مجاورًا لزوجته أو الجلوس معًا على مقعد بينما تلف الزوجة ذراعها برفق حول عنق زوجها أو تضع يدها على إحدى كتفيه أو تتشابك أيديهما معًا رمزًا للحب الجارف أو تقف أمامه لتقدم له الزهور أو تقف جانبه وتسند عليه ذراعها كناية عن معاونتها له في كل الأمور.
ويجسّد تمثال القزم (سنب) وأسرته من الأسرة الخامسة بالمتحف المصرى بالتحرير روح المحبة والعطف التي تسود الأسرة المصرية حيث تجلس الزوجة إلى جوار زوجها وتلف ذراعها حوله برقة ولطف على حين وقف الأبناء بجانب الأب والأم فى أدب واحترام ومنظر على ظهر كرسى عرش الملك توت عنخ آمون بالمتحف المصرى يصور جلوس الملك دون تكلف والملكة مائلة أمامه وفى إحدى يديها إناء صغير للعطر تأخذ منه وباليد الأخرى عطر آخر تلمس به كتف زوجها برقة ولطف.
ولفت الدكتور ريحان إلى قصص الحب فى حياة الملوك ومنها قصة الحب الخالدة بين الملك أحمس الأول وزوجته أحمس- نفرتاري وهي الزوجة التي شاركته في الحكم وأقام لها معبدًا في طيبة وخصص لها مجموعة من الكهنة لعبادتها وقدسها الشعب بعد وفاتها كمعبودة فجلست مع ثالوث طيبة المقدس (آمون وموت وخونسو)، واستمرت عبادتها ٦٠٠ عام بعد وفاتها وحتى الأسرة الـ ٢١، وقد سجل نقش في معبد الكرنك للملك حريحور، أول ملوك الأسرة الـ٢١، متعبدًا للأرباب ( آمون وموت وخونسو وأحمس- نفرتاري).
وتابع الدكتور ريحان بأن معبدي أبوسمبل خلدا أعظم قصص الحب التي جمعت بين الملك رمسيس الثاني الملك الذى استقبل ملوك العالم فى المتحف الكبير وزوجته نفرتاري (جميلة الجميلات) والتي أطلق عليها في مصر القديمة (المحبوبة التي لا مثيل لها والنجمة التي تظهر عند مطلع عام جديد رشيقة القوام الزوجة الملكية العظمى مليحة الوجه الجميلة ذات الريشتين)، حيث بنى لها رمسيس الثاني معبد أبو سمبل الصغير بجوار معبده وأعد من أجلها بوادي الملكات، أجمل مقابر تصور الملكة المحبوبة مرتدية ثياب الكتان الناعم، وتزدان بالحلي الملكية النفيسة، تصاحبها الآلهة.
وقصة الحب الشهيرة بين الملك أمنحتب الثالث والملكة تيي، وهي القصة التي تحدت العادات والتقاليد، ومن أجلها أمر بتغيير القوانين المقدسة لكهنة آمون؛ حيث كانت «تيي» من خارج الدماء الملكية ولا يجوز زواجهما، ومن أجلها أمر بإنشاء بحيرة شاسعة لمحبوبته العظيمة، ومن أجلها أيضا أمر بإقامة معبد كرسه لعبادتها في منطقة صادنقا، على بعد 210 كم جنوبي وادي حلفا.
ونظم المصرى القديم الحب شعرًا ويشير الدكتور ريحان من خلال دراسة أثرية للدكتور خالد شوقى البسيونى الأستاذ بجامعة قناة السويس عنوانها " شعر الغزل والغرام فى مصر القديمة" إلى نماذج من الشعر المصرى من قصيدة العاشقة العذراء عن بردية شستربيتى تشبه أغنية ( يا امّا القمر على الباب)
لقد أثار حبيبى قلبى بصوته – وتركنى فريسة لقلقى وتلهفى – أنه يسكن قريبًا من بيت والدتى – ومع ذلك فلا أعرف كيف أذهب نحوه – ربما تستطيع أمى أن تتصرف حيال ذلك – ويجب أن أتحدث معها وأبوح لها – أنه لا يعلم برغبتى فى أن آخذه بين أحضانى – ولا يعرف بما دفعنى للإفصاح بسرى لأمى – إن قلبى يسرع فى دقاته عندما أفكر فى حبى – أنه ينتفض فى مكانه.
لقد أصبحت لا أعرف كيف أرتدى ملابسى – ولا أضع المساحيق حول عينى ولا أتعطر أبدًا بالروائح الذكية
ويبحر بنا الدكتور ريحان فى جمال المرأة المصرية القديمة من خلال دراسة أثرية للدكتورة ماجدة أحمد عبدالله أستاذ تاريخ وآثار مصر والشرق الأدنى القديم ورئيس مجلس قسم التاريخ بكلية الآداب جامعة كفر الشيخ عن مكياج المرأة أكدت أن المصرى القديم هو أول من صنع مساحيق وأدوات التجميل وأهتم الفنانين المصريين القدماء بتصوير المرأة فى أجمل صورة وتفانى رجال مصر القديمة فى إسعاد زوجاتهم بتقديم العطور والهدايا وحرصت المرأة على أن تتزين لزوجها ليراها فى أبهى صورها عند عودته إلى المنزل من يومه الشاق بالعمل وصنع المصرى القديم الكحل والروج والكريمات والعطور والبخور والحناء والشعر المستعار "الباروكة" وإكسسورات المرأة وقد عثر على الكحل والزيوت العطرية والمساحيق فى المقابر منذ فجر التاريخ وأن المرأة المصرية عرفت كيف تبرز جمالها بالتركيز على رسم العينين بالكحل ووصلت فى المهارة كما لو كانت تستخدم أى لاينر حول العينين كما حددت الشفتين باللون ألأحمر أو الوردى وتبدو بشرة المرأة فاتحة اللون نضرة ويظهر هذا فى ملامح رأس الملكة نفرتيتى المعروضة بمتحف برلين وفى مناظر الملكة نفرتارى بمقبرتها فى وادى الملكات بالبر الغربى بالأقصر ولقد عُثر على تماثيل تمثل نماذج لسيدات يقمن بتصفيف الشعر وأطلق عليهن لقب "نشت "، وظهرن فى عدد من النقوش وهن يتعاملن بمهارة فى شعر الأميرات أو الملكات.