إسرائيل تتعقّب الفلسطينيين بتشريع «الحقنة المسمومة»
تاريخ النشر: 25th, November 2025 GMT
قريبًا، سيجد الفلسطيني نفسه أمام معادلة معقدة ودامية عندما يهاجمه مستوطن إسرائيلي مسلح في الضفة أو خارجها، فإذا لم يدافع عن نفسه قد يقتله المستوطن مباشرة، وإن قاوم وتغلب عليه خلال الاشتباك وقتله ستعامله حكومة الاحتلال باعتباره متهمًا في قضية «قومية»، وفق مشروع قانون جديد يرى أن دفاع الفلسطينيين عن أنفسهم «سلوك إرهابي»، يستوجب الإعدام، مما يضع الفلسطيني في دائرة «ميت.
تم إقرار القانون بـ«القراءة الأولى»، بالتزامن مع زيادة اعتداءات المستوطنين والتوسع في تسلحهم كجماعات منظمة تنشط في مناطق واسعة من الضفة الغربية. فيما تعمل حكومة، بنيامين نتنياهو، على حسم التشريع الجديد الذي يستهدف الفلسطينيين، ويمنح المهاجمين الإسرائيليين غطاءً سياسيًا، ويكشف هشاشة النظام القضائي الإسرائيلي، ويزيد المخاوف من دخول المنطقة مرحلة أشد توترًا إذا جرى تمرير مشروع القانون بصيغته الحالية، إذ يسمح للمستوطنين باستخدام القوة ويعاقب الفلسطينيين على محاولاتهم البقاء أحياء.
وأقر الكنيست مشروع القانون الذي قدمته النائبة في حزب الوزير إيتمار بن غفير، لمور سون هار ميلاخ، بحصوله على 39 صوتًا مقابل 16، في حين غاب معظم الأعضاء عن الجلسة. وينص المشروع على معاقبة المدان بقتل إسرائيلي بدافع قومي بالإعدام وجوبًا، ويُلزم المحكمة بإصدار الحكم بأغلبية القضاة دون مجال للاجتهاد أو تخفيف العقوبة بعد تثبيت القرار. ويعكس هذا النوع من التشريعات سياقًا سياسيًا وأمنيًا متوترًا، ومحاولة لفرض نهج عقابي مشدد.
متى ينفذ؟إقرار مشروع القانون بالقراءة الأولى، أو المرحلة العلنية الأولى في مسار أي تشريع، لا يعني دخوله حيّز التنفيذ أو صيرورته نهائيًا، بل يوضح أن الحكومة أو أحد أعضاء الكنيست طرح المشروع للتصويت بعد نقاش قصير. وعندما يصوّت النواب لمصلحة المشروع في هذه المرحلة، ينتقل إلى اللجان المختصة لمراجعته وصياغة بنوده وتعديلها وفق الحاجة القانونية.
إذا استمر المشروع في الحصول على دعم سياسي، يمكن أن يصل إلى القراءة الثالثة خلال دورات لاحقة، إلا أن جوانب قانونية وأمنية ودبلوماسية قد تؤثر على مساره بسبب حساسية استخدام عقوبة الإعدام في النظام القضائي الإسرائيلي وارتباط الموضوع بالوضع السياسي والأمني، إلى جانب احتمالية ردود الفعل الإقليمية والدولية التي قد تعرقل تقدمه أو تعدّل صياغته النهائية.
وتظهر مخاوف إسرائيلية من ردود الفعل الدولية في حال توسعت الحكومة في تطبيق عقوبة الإعدام، إذ تعتبر غالبية الدول الغربية هذه العقوبة «غير إنسانية». ورغم ذلك، تراهن الحكومة على ظروف إقليمية ودولية مواتية، تتمثل في الحرب الأخيرة على غزة، وتراجع الضغط الدولي، والبيئة الإقليمية الممزقة، ما قد يمكّنها من تمرير القانون دون دفع ثمن دبلوماسي كبير، مع احتفاظها بمرونة سياسية نسبية داخليًا.
جماعات ضغطتعمل جماعات ضغط يمينية على إقناع الإدارة الأمريكية بأن القانون يمثل «أداة ردع ضد الإرهاب»، بينما تحذر منظمات دولية من أن تمريره سيشكّل واقعًا قانونيًا خطيرًا قد يفتح الباب أمام تحقيقات جنائية دولية. هذا التوازن بين الطموحات الداخلية والمخاطر الدولية يوضح تعقيد المشهد السياسي ويبرز التحديات التي تواجه إسرائيل في محاولة تطبيق تشريع مثير للجدل دون الإضرار بعلاقاتها الخارجية.
ويشير الإقرار الحالي إلى موافقة الأغلبية على القانون من حيث المبدأ، لكنه لا يزال يحتاج إلى القراءة الثانية والثالثة داخل الكنيست، التي تتضمن نقاشًا موسعًا وتصويتين إضافيين. وقد يخضع المشروع لتغييرات واسعة أو يتوقف عند مرحلة لاحقة، قبل أن يتحول إلى قانون ملزم، رغم أنه يفتقد الشرعية من الأساس لكون الجهة المصدرة له هي سلطة الاحتلال.
يمنح النص الذي يتم التداول حوله في الكنيست المحاكمَ العسكرية في الضفة الغربية صلاحية إصدار حكم الإعدام بأغلبية بسيطة، ويقلّص مساحة الاستئناف إلى الحد الأدنى. هذا الإجراء يلغي عمليًا أي تمييز بين القتل المتعمد وبين الفعل الناتج عن مقاومة اعتداء مباشر، ويجمع كل الحالات في مسار واحد.الفلسطيني، وفق هذا التصور، يتحول إلى «خطر أمني» حتى وهو يواجه تهديدًا لحياته. القانون يطيح مبدأ التقدير الذي يحكم النظر في ظروف المواجهة، ويجعل القراءة الرسمية للحادثة محصورة في زاوية أمنية ثابتة لا تعترف بوجود فعل دفاعي.
التوجه نفسه يخلق بيئة قضائية لا توفر للفلسطيني أدوات عادلة لعرض ملابسات الوقائع أو إثبات طبيعة الخطر الذي تعرض له. وتظهر المناقشات البرلمانية رغبة واضحة لدى نواب التيار اليميني المتطرف في تمرير الإعدام بوصفه أداة لتعزيز ما يسمونه «الأمن القومي». المداولات كشفت استعدادًا لتوسيع العقوبة حتى في الحالات التي تحمل طابع الاشتباك المباشر، مع الإشارة المتكررة إلى تنفيذ الحكم عبر «حقنة مسمومة».
الخطاب يعكس نزعة إلى تحويل العقوبة إلى عنصر ردعي رمزي يتجاوز حدود القضاء، ويمنح المؤسسة العسكرية قوة إضافية على الأرض في ظرف سياسي مشحون. استمرار الدفع بهذا التشريع سيعمق الفجوة مع المجتمع الفلسطيني، ويزيد احتمالات التصعيد في مرحلة تتراجع فيها فرص أي معالجة سياسية حقيقية.
اجتماع عاصفوشهد اجتماع لجنة الأمن القومي في الكنيست نقاشًا صاخبًا حول مشروع قانون إعدام الأسرى الفلسطينيين، الذي ينص على تنفيذ الحكم عبر حقنة سامة ويحدد العقوبة لمن يقتل يهوديًا «على الهوية» في مرحلة التخطيط أو التنفيذ. المشروع يلغي الاستئناف ويمنع تخفيف الحكم. قناة الكنيست بثت مقاطع للنقاش والجهة الحزبية التي تتبنى التشريع المشبوه.
النقاش أوضح أن حزب «القوة اليهودية» بقيادة وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير يقف خلف الصياغة. الأجواء توترت بعد اعتراض ممثل نقابة الأطباء الإسرائيلية الذي رفض أي دور للأطباء في تنفيذ الإعدام، وأعلن أن ذلك «محظور». رئيس اللجنة طرده من الجلسة، ما عكس طبيعة الجدل الأخلاقي والسياسي المرتبط بالمشروع.
وألغت إسرائيل عقوبة الإعدام في جرائم القتل عام 1954 عبر تعديل «قانون العقوبات»، لأن المؤسسات التشريعية (!) تبنّت توجهًا يربط العقوبة بظروف استثنائية فقط. النصوص التي ظلت قائمة سمحت باستخدام العقوبة في حالات محددة، أبرزها الجرائم المنسوبة إلى «النازيين والمتعاونين معهم» بموجب قانون عام 1950، إضافة إلى جرائم «الخيانة» خلال الحرب أو فترات الطوارئ وفق تشريعات الأمن.
ويظل إعدام أدولف أيخمان عام 1962 الحدث الوحيد الذي نُفذت فيه عقوبة الإعدام بعد محاكمة مدنية مكتملة. المحاكمة جرت استنادًا إلى «قانون النازيين والمتعاونين معهم»، واعتُبرت اختبارًا تشريعيًا وسياسيًا لمبدأ العقوبة في الدولة العبرية. منذ ذلك التاريخ لم تنفذ إسرائيل أي حكم بالإعدام، رغم أن الإطار القانوني لاستعمالها بقي موجودًا بصورة ضيقة، ويعاد إحياؤه في النقاشات السياسية من حين لآخر.
ورغم أن المنطقي أن يشمل أي تشريع من هذا النوع المتطرفين اليهود الذين نفذوا اعتداءات دامية ضد الفلسطينيين، فإن حكومة بنيامين نتنياهو تدعم المشروع بصيغة تركز على معاقبة من يُتهم بقتل إسرائيليين بدافع قومي. الحكومة تعرضه كأداة «لردع من يستهدف إسرائيل»، لكن مسار التطبيق سيجري عمليًا على الفلسطينيين وحدهم.
يبدو أن الدفع نحو قانون الإعدام لم يأتِ من حسابات أمنية محضة، بل جاء كجزء من محاولة لإعادة ضبط التوازن السياسي داخل الائتلاف الحاكم. ويأتي التركيز على القاعدتين المتشدّدتين اللتين يقودهما إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش، حيث استغل كل منهما هذا الملف لتعزيز موقعه السياسي. قدم بن غفير نفسه كمهندس المشروع داخل الحكومة، وادّعى أنه يوفر لقاعدته اليمينية ما وصفه بـ«ردع» من خلال فرض عقوبة الإعدام على الأسرى الفلسطينيين، في خطوة تعكس سباقًا على المزايدة السياسية أكثر من أي حسابات تتعلق بالسياسة الأمنية أو معالجة العنف على الأرض.
انقسام الداخلداخل إسرائيل، بدا أن اللغة حول مشروع القانون أصبحت أكثر وضوحًا وانقسامًا. صحيفة «هآرتس» ربطت التشريع بارتفاع موجة عنف المستوطنين في الأشهر الأخيرة، مشيرة إلى أن المقترح يعكس «مزاجًا انتقاميًا» يسعى لتبرير استخدام القوة ضد الفلسطينيين، ويهدف أيضًا إلى خلق توازن سياسي مع قاعدتي إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش، في ظل انتقادات متزايدة لأداء الحكومة. الصحيفة اعتبرت أن المشروع ليس مجرد مسألة قانونية، بل خطوة سياسية لاسترضاء قواعد يمينية داخلية وتعزيز شرعية الحكومة في إدارة الملف الأمني.
ويهاجم المستوطنون القرى الفلسطينية ويحرقون البيوت ويطلقون النار بحماية الجيش، تحظى مجموعات كبيرة منهم بحصانة فعلية، في حين تُقدّم أي مواجهة فلسطينية على أنها عمل إرهابي. وفي ظل هذا الواقع، يصبح القانون سلاحًا إضافيًا بيد الدولة لتجريم الفلسطيني وحرمانه من حق الدفاع عن النفس، خصوصًا أن سلطات الاحتلال تدعم مجموعات المستوطنين المسلحة باعتبارها “خط دفاع” في الضفة الغربية.
من جهة أخرى، «يديعوت أحرونوت» أشارت إلى أن القانون لن يحقق الردع المرجو، بل إنه موجّه أساسًا إلى جمهور يميني يريد الشعور بأن الدولة لم تعد تكتفي بالدفاع بل تحوّلت إلى الهجوم القانوني. بعض كتاب الرأي ذهبوا أبعد من ذلك، مشبهين المشروع بمحاولة «خفض مكانة القضاء العسكري» عبر تحويله من جهاز تقني متخصص إلى أداة سياسية بامتياز، ما يثير تساؤلات حول استقلالية القضاء ومستقبل النظام القانوني في معالجة النزاع مع الفلسطينيين.
تزامن التصويت مع فقدان حكومة نتنياهو أغلبيتها البرلمانية إثر انسحاب حزبي «يهودت هتوراه» و«شاس» بسبب الخلاف حول تجنيد الحريديم، ورغم هذا الانسحاب، لم يتجه الحزبان للتصويت ضد مشاريع الحكومة. موقف «شاس» من مشروع الإعدام لايزال غير محسوم، ويعد عاملًا مؤثرًا في المسار التشريعي المقبل، خاصة أن الحكومة تعتمد عمليًا على دعم هذه الكتل في تمرير القوانين، هذا الوضع يشير إلى مرحلة سياسية مضطربة، وقد يدفع الأطراف لمقايضات جديدة في الأسابيع المقبلة إذا اتسع الجدل حول المشروع وتداعياته.
مواقف متناقضةالمعارضة الإسرائيلية انقسمت حول مشروع قانون الإعدام، بين من اعتبره خطوة انتخابية بحتة، ومن حذر من أنه «سيُدمر موقع إسرائيل الدولي» ويزيد من عزلة الدولة على الساحة العالمية. نواب من حزبَي «هناك مستقبل» و«المعسكر الوطني» شددوا على أن القانون لن يُطبّق على الإسرائيليين الذين ينفذون عمليات قتل بدوافع قومية ضد الفلسطينيين، ما يمنح التشريع طابعًا تمييزيًا واضحًا ويضفي عليه بعدًا عنصريًا صريحًا.
في المقابل، ركز نواب تيار ميرتس واليسار على الأثر السياسي والأيديولوجي للقانون، معتبرين أنه «يشرعن اليمين المتطرف» ويؤسس لمقاربة تفترض أن الفلسطيني مذنب حتى قبل بدء المحاكمة. هذه المواقف تعكس مخاوف جدية بشأن استقلال القضاء ونزاهته، كما تسلط الضوء على تحول التشريع من أداة قانونية إلى أداة سياسية تستخدم لإضفاء شرعية على نهج استثنائي في التعامل مع الفلسطينيين.
هذا السياق يشير إلى أن المشروع لا يرتبط فقط بمواجهة خطر محدد، بل يُستخدم وسيلة للضغط السياسي الداخلي وتحقيق مكاسب انتخابية أو حزبية، ما يعزز الفجوة بين خطاب الحكومة الرسمي والواقع الأمني على الأرض. المزايدات السياسية بهذا الشكل تزيد من احتمالات تصعيد التوتر، وتجعل أي تقييم موضوعي لمخاطر التنفيذ القضائي أو لردود الفعل الفلسطينية أقل وزنًا أمام الحسابات السياسية الداخلية.
ويبقى السؤال الأكثر جدية حول ما إذا كان القانون سيُطبّق على الأسرى الفلسطينيين الموجودين حاليًا في السجون الإسرائيلية؟ المناقشات الداخلية داخل الحكومة تشير إلى رغبة إيتمار بن غفير في أن يشمل القانون أيضًا الملفات التي صدرت فيها أحكام مؤبدة لأشخاص أدينوا بدوافع قومية، ما كان سيشكل تطبيقًا رجعيًا للعقوبة.
مع ذلك، حذّر المستشار القانوني للحكومة من خطورة «التطبيق الرجعي»، ما يعني عمليًا أن القانون سيقتصر على القضايا الجديدة التي ستُنظر بعد إقراره. هذا التقييد القانوني يضع حدودًا لتأثير المشروع في المدى القصير، ويشير إلى أن الحكومة لن تتمكن من استخدام القانون لمعاقبة المعتقلين الحاليين، ما يترك المجال مفتوحًا للنقاش السياسي والقانوني حول مدى عدالة وحصرية العقوبة الجديدة.
اقرأ أيضاًمندوب فلسطين بمجلس الأمن: إسرائيل تعمل على انهيار وقف إطلاق النار
خالد الغندور يكشف مصير حامد حمدان بعد إيقاف قيد نادي الزمالك
وزارة الأوقاف الفلسطينية تُشيد ببرنامج دولة التلاوة وتثمّن إحياء مدرسة الأداء المصري الأصيل
المصدر: الأسبوع
كلمات دلالية: إسرائيل الفلسطينيين الإدارة الأمريكية إیتمار بن غفیر مشروع القانون عقوبة الإعدام أن القانون سیاسی ا عملی ا إلى أن
إقرأ أيضاً:
كيف استخدمت إسرائيل خاصية الموقع في إكس لمحاولة تشويه المؤثرين الفلسطينيين؟
في أعقاب إطلاق منصة "إكس" ميزة جديدة تعرض معلومات إضافية عن حسابات المستخدمين، من بينها الموقع الجغرافي المرتبط بخوادم الاتصال، شنّت حسابات إسرائيلية حملة تضليل رقمية واسعة تهدف إلى إنكار جرائم الاحتلال في غزة والطعن في مصداقية الرواية الفلسطينية.
واستغلت هذه الحسابات -بينها حسابات إسرائيلية رسمية وأخرى دعائية- صفحة "نبذة عن هذا الحساب" في المنصة لعرض بيانات غير دقيقة على أنها تمثل "موقع المستخدم الحقيقي"، مما أثار موجة من الجدل والتساؤلات.
اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2تحليل شبكي للجزيرة يظهر حملة إسرائيلية ضد رئيسة أيرلندا الجديدةlist 2 of 2هل تعهد رئيس الوزراء البريطاني بـ40 مليار إسترليني لإعمار غزة؟end of listوقدّمت الحملة تلك البيانات باعتبارها "أدلة قاطعة" تشكك في وجود صحفيين فلسطينيين داخل غزة، وفي مقدمتهم مؤثرون وناشطون يوثقون القصف والمعاناة اليومية، أو تزعم أنهم "أشخاص مزيفون" لا صلة لهم بالواقع الميداني.
Now you know how he was ‘freezing’ when it’s hot in Gaza: because he’s based in Poland! ????????❄️
And to think they’re the ones telling us to “go back to Poland!” ???? https://t.co/KjXF7iYaAl pic.twitter.com/jX1PkyTncW
— Nazi Hunters (@HuntersOfNazis) November 22, 2025
حسابات رسمية تطلق الشرارةوأطلقت وزارة الخارجية الإسرائيلية شرارة الحملة بنشر صورة على منصة "إكس" تزعم من خلالها أن الصحفي الفلسطيني معتصم دلول خدع ما يقارب 200 ألف من متابعيه وأنه "ليس موجودا في غزة".
196,900 followers being lied to by fake “journalist” claiming to be in Gaza. New @X feature reveals his actual location is Poland.
Reporting from Gaza is fake & not reliable. Makes you wonder how many more fake reports have you read? pic.twitter.com/sKjIDvLQbz
— Israel Foreign Ministry (@IsraelMFA) November 23, 2025
وتظهر الصورة نبذة عن حساب الصحفي الغزي الذي زعمت ميزة "إكس" أنه مدرج في بولندا، غير أن مستخدمين أوضحوا أن ظهور هذا الموقع لا يعني وجود الصحفي هناك، بل يرجّح أن يكون مرتبطا باستخدام شريحة إلكترونية دولية (eSIM) توفرها شركات بولندية، مما يجعل بيانات الاتصال تمر عبر خوادم تلك الشركات.
Maybe X shows you’re based in Poland because you’re using an eSIM from a Polish company. I’ve noticed that some of these crowdfunded eSIMs are from Polish networks.
— Joon Han (@jh_yeo40187) November 23, 2025
وذكرت الخارجية الإسرائيلية، في تغريدة (مؤرشفة) حصدت نحو مليوني مشاهدة على "إكس"، أن الميزة الجديدة في المنصة كشفت أن دلول الذي يعمل مراسلا لموقع "ميدل إيست مونيتور" (MEMO) من غزة "موقعه الفعلي في بولندا"، مضيفة أن "التقارير التي يقدمها دلول من القطاع مزيفة وغير موثوقة".
إعلانكما نشرت حسابات إسرائيلية صورة أخرى استخدمتها دليلا على وجود الصحفي نفسه في بولندا، إذ ظهر بارزا في مقدمة اللقطة حاملا "كعكة"، بينما تقف خلفه سيدة مسنّة.
I support his right to return… to Poland. He seemed so much happier there. https://t.co/Fde4uML3SR pic.twitter.com/RfAWXSgbnY
— Caт Bee ???? (@CatShoshanna) November 23, 2025
ما حقيقة الصورة؟وتمكن فريق "الجزيرة تحقق" من الوصول إلى مصدر الصورة التي تبين لاحقا أنها "مفبركة"، إذ نشرت الصورة الأصلية -قبل التعديل- على حساب مؤثر فلبيني يدعى iamdocgelo في إنستغرام بتاريخ 26 مايو/أيار الماضي، مشيرا إلى أنها التقطت خلال رحلته في بولندا.
وخرج الصحفي الفلسطيني معتصم دلول عن صمته، ورد على هذه المزاعم بسلسلة صور ومقاطع فيديو مصورة حديثا، تظهر وجوده داخل قطاع غزة بين المنازل المدمّرة وخيام النزوح، ونشرها على حسابه في منصة "إكس"، لينسف بذلك ما وصفها "بالبروباغندا الإسرائيلية".
For those who claim that I am posting from Poland.. pic.twitter.com/v2ZW4sXVXA
— Motasem A Dalloul (@AbujomaaGaza) November 23, 2025
ويعمل الصحفي الفلسطيني معتصم دلول الذي يعيش في مدينة غزة بمهنة الصحافة منذ أكثر من 20 عاما، وفق ما ذكر عبر حسابه في منصة "إكس" في وقت سابق.
وفي أكتوبر/تشرين الأول الماضي، أدان "منتدى الإعلاميين الفلسطينيين" تحريض الناطق باسم جيش الاحتلال باللغة الإنجليزية على دلول، من خلال اتهامه بأنه "إرهابي وجهادي وليس صحافيا"، معتبرا أن هذه محاولة تهدف إلى "تشويه سمعته، وتهديد أمنه وسلامته".
سردية موحدة للتشكيكوفي مثال آخر، زعمت حسابات إسرائيلية أن الصحفي الفلسطيني الشاب "أبو بكر عابد" ينشر أخبارا ومقاطع فيديو مزيفة على أنها من القطاع، رغم أنه موجود خارج غزة، استنادا إلى بيانات منصة "إكس" أيضا.
Grifter !
Loving this new feature, your lies laid bare in black and white. pic.twitter.com/GHEtnEOerw
— Faerie ???? (@LiquidFaerie) November 22, 2025
لكن هذه الادعاءات مضللة، إذ غادر الصحفي القطاع في 17 أبريل/نيسان الماضي، إثر تدهور حالته الصحية، بعد 560 يوما قضاها في تغطية المجازر المستمرة في القطاع، ونقل ما يحدث في غزة إلى العالم باللغة الإنجليزية، كما ظهر في منشورات على حساباته بمواقع التواصل في أيرلندا مؤخرا.
View this post on Instagram
وتبين لفريق "الجزيرة تحقق" أن هذه الحملة لم تستهدف الصحفيين الفلسطينيين فحسب، بل امتدت لتشمل صفحات مؤثرة تعمل على نقل معاناة الغزيين إلى العالم عبر منصات التواصل الاجتماعي.
غزيون يفضحون التضليلاللافت أن هذه الحملة شملت الأطفال أيضا، إذ اضطرت الطفلة الغزية مها ياسر إلى نشر صور ومقاطع فيديو حديثة لها بتاريخ 24 نوفمبر/تشرين الثاني الجاري وسط الأنقاض في القطاع، ورفعت لافتة ورقية كتبت عليها: "صورتي اليوم من قلب غزة".
For those claiming I'm posting from Poland: My photo today is from the heart of Gaza, taken today amidst the rubble. pic.twitter.com/N1NU2xnAQz
— Mahayasir????????⭐️???????? (@Mahayasir248909) November 24, 2025
وكانت حسابات إسرائيلية قد اتهمتها بأنها تغرد على حسابها في "إكس" بينما هي في بولندا، على غير الحقيقة، رغم ظهورها سابقا في مقاطع فيديو وهي تقوم بأنشطة مختلفة مثل الطبخ وتوثيق الدمار في غزة.
You're not dear – you're from Poland ???? https://t.co/pLFUcyoWEt pic.twitter.com/LLivUpFcWp
— RLK????️ (@RLK303303) November 24, 2025
كما تكرر الأمر مع الشاب الغزي محمد حسين الذي دفعته بيانات "إكس" المزعومة إلى نشر مقاطع فيديو حديثة تؤكد وجوده وعائلته داخل غزة، بعد نشره تغريدة تظهر موقعه في "إسرائيل" وحصدت أكثر من مليوني مشاهدة.
Good morning from Gaza ????????????.
I am from Gaza, my homeland is Palestine.
Do you love me?
Your opinion matters to me… pic.twitter.com/kpWb4qna1J
— mohammed hussein~Gaza ???????? (@mohammedIhysse) November 25, 2025
سجال عالميولم يكن هذا الجدل مقتصرا على الحسابات الفلسطينية فقط، بل أثارت الميزة الجديدة على "إكس" جدلا عالميا، إذ أظهرت بيانات جغرافية غير دقيقة لحسابات معتبرة ورسمية يتابعها الملايين في دول مختلفة.
إعلانففي الولايات المتحدة، انتشر ادعاء بأن وزارة الأمن الداخلي (DHS) تدير حسابها الرسمي من تل أبيب، اعتمادا على لقطة شاشة حصدت أكثر من 40 مليون مشاهدة.
https://t.co/32KUm3JeHL pic.twitter.com/mbFdamoqkb
— j! (@astrrals) November 21, 2025
وقد نفى رئيس قسم المنتجات في "إكس"، نيكيتا بير، صحة الرواية واصفا إياها بأنها "أخبار زائفة"، رغم تأكيد حسابات عدة أن المنصة اضطرت إلى تعديل معلومات الحساب الذي يتابعه 3 ملايين شخص، بعد دقائق من تداول التغريدات.
This is fake news. Location was not available on any gray check account at any point. Furthermore, the DHS has only shown IPs from the United States since account creation.
— Nikita Bier (@nikitabier) November 23, 2025
أخطاء تقنيةوبحسب مواقع تقنية متخصصة مثل "تيك كرانش" و"ذا فيرج"، فإن الميزة الجديدة "لا تعتمد على موقع المستخدم الفعلي فقط"، بل على مؤشرات شبكية متعددة تشمل عناوين (IP) السابقة، وطبيعة الاتصال، ووجود خوادم وسيطة أو استخدام تطبيقات الشبكات الخاصة الافتراضية (VPN).
X’s messy About This Account rollout has caused utter chaos https://t.co/jYWWhFHG2P
— The Verge (@verge) November 23, 2025
وأقرت إدارة "إكس" في تصريحات بوجود أخطاء في بيانات الميزة، فضلا عن خلل في آلية عملها خلال الأيام الأولى من إطلاقها، إذ تعهدت الشركة بإضافة إيضاحات وتحذيرات تبين للمستخدمين أن المعلومات المعروضة "قد لا تعكس الموقع الحقيقي وأنها عرضة للتغير"، وفقا لهذه المواقع.
يذكر أن "إكس" ليست أول منصة تعتمد ميزات لتعزيز شفافية الحسابات، إذ يوفر إنستغرام منذ سنوات خاصية "حول هذا الحساب" التي تمكن المستخدمين من الاطلاع على معلومات موثوقة تساعدهم على التحقق من هوية الحسابات المؤثرة.