نوافذ: البعثات الداخلية والانسحاب!
تاريخ النشر: 3rd, September 2023 GMT
أسوأ ما قد يُجابهه شاب صغير السن، مُقبل على أول سلمة في حياته التعليمية بعد الدبلوم العام، أن يضطر إلى التخلي عن فرصته -التي سترسم معالم مستقبله وستغير حياته- لا لشيء سوى أنّ أسرته لا تستطيع أن تدفع مصاريف إقامته ومواصلاته ومصروف جيبه!
ولا أتكلم هنا عن طلبة متخاذلين، بل عن أولئك الذين حصلوا على مقاعدهم التعليمية بعد تنافسٍ مُضنٍ تحت بند البعثات الداخلية، تلك التي قُدرت هذا العام بنحو (١٠٨٩٠) مقعدا، وهو -كما يتبدى للمراقب عن كثب- رقم كبير جدا مقارنة بالبعثات الخارجية التي لم تتعد (٥٥٠) مقعدا !
ورغم ما تبعثه كلمة «بعثة» من بهجة وفرح، فإنّه، وللأسف الشديد، فرح منقوص، إذ لا توجد أي عدالة بين الفرصتين، فالبعثات الخارجية تتكفل الحكومة بكامل مصاريفها من رسوم دراسية ونقل وإسكان ومصروف جيب، بينما البعثات الداخلية لا تتكفل إلا بتوفير المقعد الدراسي، الأمر الذي سيجعل العديد من أسر ذوي الدخل المحدود -على وجه الخصوص- تفكر ألف مرّة قبل أن تُقدم على خطوة إرسال أبنائها!
ولذا علينا ألا نتفاجأ من سيناريوهات الانسحاب، ليس لأنّ الطلبة سيخفقون في الدراسة، ولكن لأنّ بعض الأهالي لا يستطيعون تحمل فداحة المبالغ الطائلة التي ستقع على عاتقهم!
علينا أن نتذكر أنّ أكثر من ٩ آلاف طالب وطالبة حصلوا هذا العام على معدل ٩٠٪ وأكثر، مما يعني أنّ فرص أغلبهم كانت ضمن البعثات الداخلية!
ولذا ليس علينا أن نتفاجأ بمعرفة أنّ الحاصلين على نسبة ٩٧٪ لم يتمكنوا من الحصول على فرصة الابتعاث الخارجي، كما ليس لنا أن نندهش بوجود من أحرزوا ٩٩٪ ولم يتمكنوا من دخول كلية الطب مثلا، فقد بلغ هذه النسبة الخيالية (٢٨٧) طالبا وطالبة! مما يعني أنّ الكثير من النسب العالية والتي حُصدت عقب أوقات عصيبة كابدها الطالب وذووه، ذهبت لا محالة إلى البعثات الداخلية.
ورغم استحقاقهم لتكريم جهودهم -نظرا لنسبهم المرتفعة التي حازوا عليها- فإنّهم سيكابدون شقاء تكاليف مغادرة منازلهم وليس الجميع على استعداد لذلك!
والسؤال: لماذا لا تتساوى امتيازات البعثات الداخلية والخارجية، لاسيما لأولئك الذين سيغادرون قراهم البعيدة مضطرين لأن يوفروا لأنفسهم عيشا كريما، أولئك الذين يمنعهم الحياء من طرق الأبواب للاستجداء أو طلب المعونات من الفرق الخيرية!
وإن كان من الصعب إحاطة الجميع بامتياز راتب شهري أو حتى توفير السكن والمواصلات ومصروف الجيب، فينبغي بصورة أساسية النظر بعين الرأفة والاستحقاق للأسر من ذوي الدخل المحدود والأسر المُعسرة، تلك التي تُعلقُ آمالها على هذا الابن أو هذه الابنة من أجل تغيير واقع حياتهم المرير. وإلا فإننا سنكرس الجهل والطبقية بصورة مُجحفة، لأنّ المقتدر سوف يبذل ما لديه من مال لقاء تعليم أبنائه بينما سيتنازل الفقير عن هذه الفرصة كمن يلم شباك صيده الفارغة بحسرة! أو سيضطر لأن يراكم ديونا فوق إمكانياته الهشّة! فمهما كانت تكلفة التعليم باهظة على حد تعبير الصحفي والتر كرونكايت، فهي لا شيء إزاء تكلفة شعب جاهل!
السؤال الآخر يتعلق مجددا بتقليص البعثات الخارجية وزيادة البعثات الداخلية، كدعم حكومي للطلبة من جهة ولمؤسسات التعليم الخاصة بالسلطنة من جهة أخرى: فهل تُحقق هذه الجهات المطمح التعليمي الذي تصبو إليه خطط المستقبل المنتظرة ؟ ومن سيرمم نقص التخصصات غير المتوفرة في البلد أمام محدودية الابتعاث للخارج؟
وألم يكن من الأفضل طوال هذه السنين أن تُبصر النور جامعة حكومية أخرى، أمام تدفق الأجيال السنوي والتغيرات التي تعصف بأنماط التعليم واختصاصاته على مستوى العالم؟
لقد بتنا نتحدث عن (٥١) ألف طالب وطالبة تخرجوا العام المنصرم وهو رقم مرشح للازدياد من عام لآخر! فهل سندور طويلا في فلك حلول مُرقعة من هذا النوع ؟
من المرجح -كما قرأنا في تجارب بلدان أخرى- أنّه وعندما يصبح التعليم في مقدمة أولويات أيّ بلد يصبو إلى التغيير، وعندما تُستثمر الموارد فيه بسخاء، من المرجح حقا أن تحدث معجزة ما، وهذا ما ننتظره بأمل هائل.
هدى حمد كاتبة عمانية ومديرة تحرير مجلة نزوى
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: البعثات الداخلیة
إقرأ أيضاً:
صندوق تطوير التعليم يستعرض مشروعاته ويبحث فرص التوأمة والتمويل مع شركاء دوليين
عقدت الدكتورة رشا سعد شرف، الأمين العام لصندوق تطوير التعليم التابع لرئاسة مجلس الوزراء، سلسلة من اللقاءات المثمرة مع عدد من أبرز المؤسسات التعليمية والصحية والبحثية الألمانية، خلال زيارتها إلى دولة ألمانيا الاتحادية.
وشملت اللقاءات المستشفى الجامعي لجامعة بون، ومستشفى «تشاريتي» العريق في برلين، بالإضافة إلى جامعة «آخن» الألمانية، ومعهد «BIBB» لتأهيل العمالة، إلى جانب القائمين على برنامج «اعرف طريقك في ألمانيا»، وذلك في إطار بحث آفاق التعاون لعقد شراكات استراتيجية من شأنها مواءمة مخرجات التعليم والتدريب المصرية مع متطلبات سوق العمل الألماني والدولي، وجاء ذلك في إطار استراتيجية الدولة المصرية وتوجيهات القيادة السياسية لتعزيز كفاءة رأس المال البشري وتوطين الخبرات العالمية في نظم التعليم الفني والتدريب المهني.
وخلال اللقاءات، استعرضت الدكتورة رشا سعد شرف، الأمين العام لصندوق تطوير التعليم، مشروع «مرصد سوق العمل الدولي»، أحد المشروعات الطموحة التي يتبناها الصندوق، والذي يضم قاعدة بيانات دقيقة وثرية حول احتياجات سوق العمل الدولي، وقد أبدى الجانب الألماني، بحسب تصريحات مسؤولي المؤسسات المشاركة، انبهارهم بمستوى البيانات التي جمعها الصندوق، خاصًة من حيث دقتها وتوزيعها الجغرافي الدقيق على المدن الألمانية، وهو ما يمثل خطوة مهمة نحو التكامل في رسم سياسات تعاون مشتركة.
وقالت الدكتورة رشا سعد شرف، إن صندوق تطوير التعليم لا يسعى فقط إلى استنساخ التجارب، بل يعمل على بناء نموذج مصري فريد، يستلهم من الخبرات الدولية ويتكامل مع خصائص السوق المحلي، مؤكدة «هدفنا هو تأهيل جيل من العمالة المصرية القادرة على المنافسة عالمياً، وإقامة جسور مؤسسية مع الكيانات الألمانية الرائدة».
وأضافت - في البيان الصحفي الصادر عن الصندوق - أنها أجرت حواراً صريحاً مع الجانب الألماني حول فرص التوأمة الأكاديمية والتدريبية، وسبل تمويل مشروعات تأهيل العمالة في مصر، كما تم طرح عدة مجالات للتعاون تشمل المدارس الفنية، الجامعات، ومراكز التدريب المتخصصة.
واختتمت الأمين العام بالتأكيد على أن هذه اللقاءات ليست نهاية الطريق، بل بداية لمرحلة جديدة من العمل المشترك، يتم فيها تحويل الرؤى إلى مشروعات قابلة للتنفيذ تحقق طموحات الدولة المصرية وتفتح آفاقًا أوسع للشباب المصري على الساحة الدولية، وذلك تماشيًا مع رؤية «مصر 2030».
اقرأ أيضاً«عبد اللطيف» يبحث مع أمين صندوق تطوير التعليم الخطط المستقبلية وسبل تعزيز التعاون
وزير العمل يلتقي الأمين العام لصندوق تطوير التعليم برئاسة مجلس الوزراء
تعاون بين الهيئة العامة للاستثمار وصندوق تطوير التعليم