لجريدة عمان:
2025-06-12@01:18:52 GMT

المحاسبة العامة من أجل المساءلة العامة

تاريخ النشر: 3rd, September 2023 GMT

نيويورك ــ يمتلك القطاع العام في أي دولة قومية حديثة اعتيادية حصة أكبر من النشاط الاقتصادي مقارنة بأي جهة اقتصادية أخرى، وفي عام 2021، تراوح الإنفاق الحكومي العام الأولي للدول الأعضاء في مجموعة السبع بين 39.41% من الناتج المحلي الإجمالي في الولايات المتحدة الامريكية إلى 57.66% من الناتج المحلي الإجمالي في فرنسا.

ومن المتوقع أن تتبع اقتصادات الأسواق الناشئة الناجحة ــ مثل الهند (24.93% من الناتج المحلي الإجمالي) وجمهورية الصين الشعبية (31.8% من الناتج المحلي الإجمالي) النمط نفسه، ولهذا السبب فإن المحاسبة المتعلقة بالقطاع العام والتي تتمتع بالشفافية ويمكن التعويل عليها تشكل ضرورة أساسية للحكم والإدارة الاقتصادية السليمة.

تفرض الحكومات متطلبات صارمة على الكيانات الخاصة من أجل عمل المحاسبة على أساس الاستحقاق وذلك وفقًا للمعايير الدولية لإعداد التقارير المالية أو مبادئ المحاسبة المقبولة على نطاق واسع ويتضمن ذلك إعداد ميزانية عمومية مدققة تتضمن جميع الأصول والالتزامات المالية والحقيقية التي تحدد صافي القيمة التقليدية. قد يفترض المرء أن الحكومات تلتزم بمعايير مماثلة، فتلتزم على سبيل المثال بالمعايير المحاسبية الدولية للقطاع العام (وهو الخيار الصحيح)، ولكن أغلب الحكومات تتخلف كثيراً عن الوفاء بهذه المعايير، ونيوزيلندا فقط هي التي تستخدم المعايير المحاسبية الدولية للقطاع العام كأساس لنظام الإدارة المالية لديها. وبدلا من ذلك، تركّز الحسابات التي يقوم بها القطاع العام على التدفقات النقدية القصيرة والمتوسطة الأجل ــ يعتبر عجز الموازنة العامة للحكومة مثالا واضحا على ذلك ــ وعلى مجموعة فرعية من الالتزامات التعاقدية للقطاع العام، والتي عادة ما تكون إجمالي أو صافي ديونه المالية. وكما أظهرنا أنا وزملائي في كتاب من المقرر أن يصدر قريباً تحت عنوان «صافي القيمة العامة: المحاسبة والحكومة والديمقراطية»، فإن هذا النهج معيب إلى حد كبير ــ وله تداعيات بعيدة المدى على الإدارة الاقتصادية. بادئ ذي بدء، عادة ما تبني الحكومات القواعد المالية الخاصة بها على تدابير ضيقة للديون والعجز، ففي الاتحاد الأوروبي، على سبيل المثال، تتعهد الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي بأن تكون ديونها أقل من 60% من الناتج المحلي الإجمالي السنوي وإبقاء العجز عند مستوى أقل من 3% من الناتج المحلي الإجمالي. إن هذا لا يعتبر منطقيًا من الناحية الاقتصادية حيث تتجاهل المقاييس المتعلقة بالديون عادة أغلب الأصول ــ وخاصة الأصول التجارية الحقيقية للقطاع العام ــ وبعض الالتزامات المهمة بما في ذلك القيمة التي يتم خصمها حاليًا لاستحقاقات معاشات التقاعد في القطاع العام كما تفشل مقاييس العجز في التمييز بين إصدار الديون لتمويل النفقات الجارية والعجز الذي يتم تكبده من أجل تمويل النفقات الرأسمالية التي تدر تدفقات نقدية مستقبلية.

يمكن أن تكون الأرقام المرتبطة بالأصول والالتزامات المفقودة هائلة، وفي البلدان الأربعة والعشرين التي يقدم لنا صندوق النقد الدولي قواعد بيانات حديثة بشأنها للفترة من 2020 الى 2021 تتراوح أصول القطاع العام من 88% من الناتج المحلي الإجمالي إلى أكثر من 800%. (يعكس الرقم الأخير الموارد المعدنية وموارد الطاقة في منغوليا).

ولكن هذه تقديرات إحصائية وليست نتاج أنظمة محاسبية على أساس الاستحقاق وتتراوح الأصول الثابتة ــ البنية التحتية إلى حد كبير ــ بين 23% إلى 188% من الناتج المحلي الإجمالي، ومن الممكن أن تكون الأصول المالية كبيرة كما هو الحال في النرويج حيث حولت الحكومة قسماً كبيراً من ثرواتها المتعلقة بالمعادن والطاقة إلى حيازات من الأصول المالية والتي تقدر قيمتها الآن بنحو 450% من الناتج المحلي الإجمالي. وعلى الرغم من أن اليابان لديها أعلى نسبة من الالتزامات الحكومية مقارنة بالناتج المحلي الإجمالي في عينة صندوق النقد الدولي (369.2% في عام 2020) إلا أن أصولها أعلى من ذلك حيث تصل الى 378.2% من الناتج المحلي الإجمالي، مما يجعلها تتمتع بصافي ثروة إيجابية في القطاع العام. إن هذا الأمر لا ينطبق على المملكة المتحدة أو الولايات المتحدة الأمريكية أو أي دولة أخرى من دول مجموعة السبع باستثناء كندا. علاوة على ذلك، فإن من المرجح أن بيانات صندوق النقد الدولي تقلل من قيمة الأراضي المملوكة للقطاع العام حيث عادة ما يكون العقار أكبر فئة أصول منفردة في أي اقتصاد وعادة ما تكون الحكومات أكبر ملاك العقارات وبفارق كبير في كثير من الأحيان، ومع ذلك فإن العديد من الحكومات تعلن عن حيازات عقارية صغيرة (أو حتى صفر حيازات) علمًا أنه من بين تلك الحكومات التي تعلن عن حيازات الأراضي يبلغ متوسط القيمة حوالي 25٪ فقط من الناتج المحلي الإجمالي.

إن الأصول التجارية العامة (الأصول التي يمكن أن تدر دخلاً إذا تمت إدارتها بشكل احترافي) لا يتم الإفصاح عنها بشكل كافٍ في كثير من الأحيان أو لا يتم الإفصاح عنها على الإطلاق وحتى ما يتم الإفصاح عنه فمن المرجح أن يتم التقليل من قيمته وذلك بسبب عدم تمتع الإدارة في الغالب بالاحترافية. أما في الولايات المتحدة الأمريكية فتمتلك الحكومة الفيدرالية ما يقرب من ثلث إجمالي الأراضي أي حوالي 640 مليون فدان. إن وزارة الدفاع الأمريكية، على سبيل المثال، تدير 26 مليون فدان تتكون من قواعد عسكرية وميادين تدريب وغيرها. يدير فيلق المهندسين بالجيش الأمريكي ربع قدرة الطاقة الكهرومائية الأمريكية وأكثر من 4300 منطقة ترفيهية وشواطئ وأنظمة مياه وصرف صحي محلية. لا تمثل الميزانية العمومية لحكومة الولايات المتحدة الأمريكية سوى جزء صغير جداً من الأراضي التي تمتلكها. إن من الأمثلة الأخرى على الثروة العامة المخفية والتي يتم تقديرها بأقل من قيمتها الحقيقية هي العقارات الحضرية المملوكة للقطاع العام علمًا أن القطاع العام هو المالك المهيمن للعقارات في كل مدينة أمريكية كبرى، حيث يسيطر على ما لا يقل عن نصف سوق العقارات، والذي غالبًا ما يعادل بالقيمة العادلة الناتج الاقتصادي السنوي للمدينة. إن الفشل في حساب هذه الأصول وإدارتها بشكل غير احترافي يمكن أن يتسبب في ضرر دائم لقدرة الدولة على الوفاء بالتزاماتها تجاه الأجيال الحالية والمستقبلية بما في ذلك من خلال تقويض العمل المناخي. أما التزامات القطاع العام فهي تتراوح بين نحو 80% إلى 370% من الناتج المحلي الإجمالي في عينة صندوق النقد الدولي كما تمثل سندات الدين حوالي 60% من الناتج المحلي الإجمالي ــ وحوالي 34% من إجمالي الالتزامات ــ في المتوسط، ويبلغ متوسط التزامات معاشات التقاعد في القطاع العام 40% من الناتج المحلي الإجمالي. لقد سجلت 8 من البلدان الأربعة والعشرين - بما في ذلك 5 دول من مجموعة السبع - صافي قيمة سلبية في القطاع العام للفترة 2020-2021.

لذا يتعين على السلطات المالية أن تبدأ في عمل ميزانيات عمومية تقليدية تقدّم تقديرات يمكن التعويل عليها بشكل أكبر لصافي القيمة التقليدية والتي يمكن أن تكون سلبية، ومن أجل إدارة الأصول والالتزامات بشكل فعال، يجب على تلك السلطات كذلك عمل ميزانيات عمومية شاملة (أو قيود الميزانية التي تأخذ بالاعتبار الحاضر والمستقبل) والتي تشمل القيمة التي يتم خصمها حاليًا لتدفقات الإيرادات غير التعاقدية المتوقعة في المستقبل مثل الضرائب (الأصول الضمنية) والنفقات مثل إعانات الضمان الاجتماعي (الالتزامات الضمنية). إن هذا من شأنه أن يُظهِر صافي القيمة الشاملة للحكومة ــ والتي على عكس صافي القيمة التقليدية، لا ينبغي أن تكون سلبية لو أردنا تجنب الإعسار العادل أو إعسار التدفق النقدي (عدم القدرة على تلبية الالتزامات المالية التعاقدية عندما تصبح مستحقة). إن المخاطر كبيرة وكما أظهرت دراسة أجراها صندوق النقد الدولي عام 2021، فإن استقراء السياسات الحالية للإنفاق العام والإيرادات الضريبية غالبا ما يؤدي إلى صافي قيمة سلبية شاملة وهذا يعود في كثير من الأحيان الى شيخوخة السكان. وبعبارة أخرى، ما لم تعد الحكومات النظر في معاييرها المحاسبية، فقد ينتهي بها الأمر إلى دفع ثمن باهظ نتيجة لذلك.

ويليم إتش. بويتر كبير الاقتصاديين السابق في سيتي بنك والعضو السابق في لجنة السياسة النقدية في بنك إنجلترا، وهو مستشار اقتصادي مستقل.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: من الناتج المحلی الإجمالی الناتج المحلی الإجمالی فی صندوق النقد الدولی الولایات المتحدة فی القطاع العام للقطاع العام یمکن أن أن تکون عادة ما من أجل إن هذا

إقرأ أيضاً:

مفوضية الانتخابات تستفسر عن إدراج خميس الخنجر في “اجتثاث البعث”

11 يونيو، 2025

بغداد/المسلة: وجهت مفوضية الانتخابات، طلباً رسمياً إلى هيئة المساءلة والعدالة للتوضيح بشأن مدى شمول “خميس الخنجر” بقرارات اجتثاث البعث.

وجاء في وثيقة موجهة من المفوضية الى الهيئة، “تفضلكم ببيان مدى شمول خميس فرحان علي الخنجر رئيس تحالف سيادة الوطني – تشريع طالب التأسيس بإجراءات المساءلة والعدالة وفق ما ورد في كتابكم المذكور آنفًا من عدمه، وتزويدنا بالإجابة”.

يأتي هذا الاستفسار في إطار التحضيرات الجارية للانتخابات المحلية والبرلمانية، حيث تشدد المفوضية على ضرورة استيفاء المرشحين للشروط القانونية، ومنها عدم وجود عقبات قانونية متعلقة بقوانين اجتثاث البعث.

وفي 28 تشرين الأول 2024، قدّم رئيس حزب السيادة خميس الخنجر، استقالته من رئاسة الحزب بكتاب رسمي موجّه إلى المفوضية العليا المستقلة للانتخابات، في حين تحدثت مصادر عن استقالة الخنجر بسبب استدعائه من قبل هيئة المساءلة والعدالة.

المسلة – متابعة – وكالات

النص الذي يتضمن اسم الكاتب او الجهة او الوكالة، لايعبّر بالضرورة عن وجهة نظر المسلة، والمصدر هو المسؤول عن المحتوى. ومسؤولية المسلة هو في نقل الأخبار بحيادية، والدفاع عن حرية الرأي بأعلى مستوياتها.

About Post Author moh moh

See author's posts

مقالات مشابهة

  • مشيراً إلى ارتفاع “غير النفطية”..البنك الدولي: 4.5 % نمو الاقتصاد السعودي العام القادم
  • الرقابة المالية: 3.3 تريليون جنيه قيمة إشهارات سجل الضمانات المنقولة
  • مفوضية الانتخابات تستفسر عن إدراج خميس الخنجر في “اجتثاث البعث”
  • “تنظيم الخدمات المالية في أبوظبي العالمي” تنفذ تعديلات على الإطار التنظيمي للأصول الرقمية
  • الدين العام لإسرائيل يقفز 17.9% في 2024 إثر تمويل حرب غزة
  • احذر.. الحبس عقوبة الموظف العام الممتنع عن تقديم إقرار الذمة المالية
  • ارتفاع متزايد لـ”غير النفطية”.. 3.4 % نمو الناتج المحلي الإجمالي في الربع الأول
  • السعودية ترفع نمو الاقتصاد إلى 3.4٪ في الربع الأول
  • “الإحصاء”: نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي خلال الربع الأول من عام 2025 بنسبة 3.4 %
  • «هيئة الإحصاء»: نمو الناتج المحلي 3.4% في الربع الأول 2025