(أنفاس الكِرام… وسقوط اللِّئام)
تاريخ النشر: 4th, December 2025 GMT
لقد استوقفتنى كلمة الزمخشرى فى كتابه نوابغ الكلم حين قال:
(اللئيمُ مَلُومٌ فى كلِّ لسان، والكريمُ مُكرَّمٌ فى كلِّ مكان).
وما أجملها من حكمة يعضدُها القرآن الكريم فى قوله تعالى:
«قُلْ لَا يَسْتَوِى الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ»؛ فلا يستقيم أن يُسوّى بين الغثّ والسمين، ولا أن يتشابه الطيب مع الخبيث، كما لا يمكن للكريم أن يجد نفسه يومًا فى صفِّ اللئيم أبدًا، فالفطرة تأبى، والقلوب ترفض، وميزان الله (جل جلاله) لا يُجامل.
وهكذا يشهد الواقع — يا صديقى العزيز — أن الناس رجلان:
(١) رجلٌ بَر كريم
تهديه فطرته إلى الكلمة الحسنة التى أمر الله بها: «وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا»، فتجده محبوبًا مُعانًا أينما سار، متحققًا بقول الله تعالى: «إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ»؛ فالكرامة عند الله تُنال بالتقوى وسموّ الأخلاق.
(٢) ورجلٌ فاجر لئيم
يتقلّب فى أوصافٍ فضحها القرآن الكريم، منها:
«وَلَا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَّهِينٍ • هَمَّازٍ مَّشَّاءٍ بِنَمِيمٍ»، فمن لَبِسَ هذه الصفات لزمه المذمّة، وانحدرت منزلته فى قلوب الخلق قبل أن تُسقطه عند الخالق جل جلاله.
وقد بيّن النبى صلى الله عليه وسلم هذا التفاوت بقول جامع مانع: «إن الله كريم يحب الكرم»، وقال صلى الله عليه وسلم: « إن من خياركم أحاسنكم أخلاقًا».
فالكريم يرقى بخلقه حتى يبلغ منزلة الصائم القائم، كما ورد فى الحديث : «إنَّ العبدَ ليُدركُ بحُسنِ خُلُقِه درجةَ الصائمِ القائم».
أمّا اللئيم فَبِخِسَّةِ طبعه قريبٌ من صفات المنافقين، وقد قال صلى الله عليه وسلم: «وإذا خاصم فجر»، وهو أوضح دلائل اللؤم وسقوط المروءة.
ولهذا كان السلف يُجِلّون الكرم وأهله:
فهذا ابن عباس (رضى الله عنهما) يقول: (إنى لأستحى أن أرى كريمًا فقيرًا).
وهذا الحسن البصرى (رحمه الله) يُشتم فيقول: (هى صحيفتك، فاملأها بما شئت)، وهو تطبيقٌ بديع لقول النبى صلى الله عليه وسلم: «يس الشديد بالصرعة، إنما الشديد الذى يملك نفسه عند الغضب».
فاختر لنفسك — يا صديقى العزيز — طريقك:
إمّا طريق البر والكرم، تُمدَح فيه وتُعان.
وإمّا طريق اللؤم والفجور، تُذمّ فيه وتُهان.
ونسأل الله — كما علّمنا نبيه صلى الله عليه وسلم — أن يهدينا لأحسن الأخلاق،
لا يهدى لأحسنها إلا هو، وأن يصرف عنا سيئها، لا يصرفه إلا هو.
رئيس الإدارة المركزية لشئون القرآن بالاوقاف
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: القران الكريم صلى الله علیه وسلم
إقرأ أيضاً:
ما حكم قول سيدنا على الإمام الحسين؟.. الإفتاء تجيب
تلقت دار الإفتاء المصرية سؤالا يقول صاحبه: ما حكم قول “سيدنا” على الإمام الحسين؟ فقد أنكر عليَّ أحدهم قولي: "سيدنا الحسين"، متعلِّلًا بأنَّ لفظ السيادة لا يجوز إطلاقه هكذا متعلِّلًا بحديث: «إنما السيد الله»، ونرجو بيان معنى هذا الحديث.
وأجابت الإفتاء عن السؤال قائلة: إطلاق لفظ السيادة بقول: "سيدنا الحسين" على سيدنا الإمام الحسين عليه السلام -وكذلك على جميع أهل البيت الكرام- أمرٌ مشروع؛ لما فيه من حسن الأدب، وتنزيل الناس منازلهم، وليس فيه إخلال بتعظيم الحقِّ سبحانه وتعالى، ولا تحقير لمن سواهم من الخلق كما توهمه بعضهم، وقد ثبت ذلك بالأدلة من القرآن والسنة وفعل الصحابة، وتواردت عبارات العلماء بذلك.
وأما الحديث المذكور: «السَّيِّدُ الله» فإنما يُقصد به أنه تعالى وحده هو المالك على الحقيقة، وأنًّ خلقه جميعًا عبيده؛ فلا يحقّ لأحدٍ أن يتعاظم أو يتطاول بوصفه سيدًا، بخلاف ما إذا كان ذلك تعريفًا أو تكريمًا؛ كما في قول: "سيدنا الحسين" أو "سادتنا أهل البيت".
التعريف بسيدنا الحسين رضي الله عنه
سيدنا الحسين هو: أبو عبد الله الحسين بن علي بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف، سِبْطُ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وريحانته من الدنيا (ولد في عام 3هـ/ 626م، واستشهد في سنة 61 هـ/ 680م).
فعن أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه قال: دخلت على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والحسن والحسين رضي الله عنهما يلعبان بين يديه، وفي حجره، فقلت: يا رسول الله أتحبهما؟ قال: «وَكَيْفَ لَا أُحِبُّهُمَا وَهُمَا رَيْحَانَتَايَ مِنَ الدُّنْيَا أَشُمُّهُمَا» أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير"، والبخاري في "الصحيح" معلقًا.
حكم إطلاق لفظ السيادة في حق المخلوقين
لفظ السيادة عند إطلاقه في حق المخلوقين: إمَّا أن يطلق على النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وإمَّا أن يطلق على غيره من المخلوقين، فإن كان المسوَّد هو النبي صلى الله عليه وآله وسلم فإنَّ ذلك مشروعٌ بإجماع المسلمين سلفًا وخلفًا.
فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال عن نفسه: «أَنَا سَيِّدُ وَلَدِ آدَم» أخرجه مسلم.
وفي رواية: «أَنَا سَيِّدُ النَّاسِ» متفق عليه.
وقد أمرنا الله تعالى بتوقيره وتعظيمه فقال: ﴿لِتُؤْمِنُوا بِالله وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا﴾ [الفتح: 9].
قال قتادة: "أمر الله بتسويده وتفخيمه"؛ ينظر: "جامع البيان" للطبري (21/ 251، ط. دار هجر).
وأمَّا إطلاق السيادة على غير النبي صلى الله عليه وآله وسلم من المخلوقين، فهو كذلك أمر مشروع بنص الكتاب والسُّنَّة وفعل الأمة خلفًا عن سلفٍ من غير نكير:
الأدلة من القرآن والسنة وفعل الصحابة
قال تعالى عن سيدنا يحيى عليه السلام: ﴿فَنَادَتْهُ الْمَلَائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ اللهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِّنَ اللهِ وَسَيِّدًا وَحَصُورًا وَنَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ﴾ [آل عمران: 39].
قال الإمام القرطبي في "الجامع لأحكام القرآن" (4/ 77، ط. دار الكتب المصرية): [ففيه دلالة على جواز تسمية الإنسان سيدًا، كما يجوز أن يُسمَّى عزيزًا أو كريمًا] اهـ.
وأما السُّنَّة: فقوله صلى الله عليه وآله وسلم عن سعد بن معاذ رضي الله عنه -مخاطبًا الصحابة الكرام-: «قُومُوا إِلَى سَيِّدِكُمْ» متفق عليه.
وأمَّا فعل الأمة: فمنه قول عمر رضي الله عنه في أبي بكر الصديق وبلال رضي الله تعالى عنهما: «أبو بكرٍ سيِّدُنا وأعتق سيِّدَنا» أخرجه البخاري.
وجاء في حديث السقيفة أنَّ أكابر الصحابة رضي الله عنهم اجتمعوا في سَقِيفَةِ بَنِى سَاعِدَةَ ليختاروا مَن يتولى خلافة سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وأنَّ سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال لسيدنا أبي بكر رضي الله عنه: «بَلْ نُبَايِعُكَ أَنْتَ، فَأَنْتَ سَيِّدُنَا، وَخَيْرُنَا، وَأَحَبُّنَا إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآَلِهِ وَسَلَّمَ» أخرجه البخاري.
والنُّقول في مثل هذا كثيرة، سمعها الصحابة من غير نكير ولا معارضة، فكان ذلك بمثابة الإجماع السكوتي منهم على مشروعيتها.
يقول الإمام النووي في "الأذكار" (ص: 362): [ لا بأس بإطلاق فلان سيد، ويا سيدي، وشبه ذلك إذا كان المسوَّد فاضلًا خيِّرًا، إما بعلم، وإما بصلاح، وإما بغير ذلك] اهـ.