عرض مسرحية فنتولين العودة ضمن المهرجان التجريبي
تاريخ النشر: 4th, September 2023 GMT
شهدت خشبة "الطليعة"، العرض المسرحي الفلسطيني "فنتولين العودة" للمخرجة إيمان عون، وذلك ضمن عروض المسابقة الرسمية لمهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي في دورته الثلاثين، وبحضور لجنة التحكيم، وهو عرض مونودراما نسائي حول نشأة الإنسان كنشأة البدو الرحل.
العرض يبدو متأثرا بقضايا الشتات العربي، ويحكى عن مأساة ملايين الفلسطينيين والسوريين في بلاد الشتات بعد الاحتلال والخراب في بلدانهم، يحاول الإجابة عن الحلول من تكون عندما تكون من كل مكان ولا مكان؟ تروي هذه المسرحية قصة طفل نشأ مع تغيير قسري مستمر لمكان إقامته اعتماداً على الأحداث السياسية التي تؤثر على علاقات منظمة التحرير الفلسطينية بالدول.
تدور القصة حول ابنة عضو في منظمة التحرير الفلسطينية أصبحت فيما بعد عائدة بعد اتفاقية أوسلو في العام 1993، هي حكاية امرأة عالقة في مصعد، امرأة عاشت الترحال المستمر، تصارع من أجل الحفاظ على هويتها بين ذكريات الماضي والتوجس من المستقبل. حملت أكثر من هوية في حياتها، فهي اللاجئة في لبنان وسوريا، وابنة أبناء منظمة التحرير في تونس، والعائدة في فلسطين، والمهاجرة في النمسا وألمانيا.
يتقاطع العرض في حكايته مع آمال وآلام كل الفلسطينيين في الداخل والشتات، وتجد نفسها تنتمي للكل واللاشيء في آن معاً. يرصد العمل سيكولوجيا الاغتراب والحنين، ويستدعي حالة التشويش بين البقاء في الوطن أو فكرة الهجرة، لأن الواقع يفرض مفهوم المواطنة المضطربة، فتتساءل هل انت محشور بحالة ترانزيت في الوطن؟ ترتعد من فكرة وحدتك وشيخوختك وغربتك، وآلاف المحاولات لكي تصبح مواطنا كامل المواطنة في ظل منظومة واهنه تحت احتلال يسرق ماضيك وأحلامك، ويعيد تركيب هويتك كما يشاء، ويبدع في اختراع الحواجز الجغرافية والسيكولوجية فكيف لك أن تمارس بعضا من حريتك داخل سجن الاحتلال الذي يأكل أحلامك ويصادر أفكارك بل وجودك؟
المركز الإعلامي لمهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي
المصدر: صدى البلد
إقرأ أيضاً:
مسرحية على خط النار للفلسطيني معتصم أبو حسن: اشتباك الجيل مع تحولات المجتمع
ترى ما المسافة ما بين تركيز العرض على الدعوة الآمرة الحادة بعدم اعتياد الواقع، "تتعودوش"، وبين قلق الشخصية بين باطنها وظاهرها؟ هل هو إيحاء نقدي للذهاب بشخصياتنا باتجاه ما يراه ضميرنا حتى لو كان ذلك على ما ننتفع به من التعامل العملي الواقعي؟ صورت المسرحية من خلال حركات وأصوات نزقة حالة الصراع الداخلي لدى الشباب إزاء التحولات السياسية التي وجدوا أنفسهم قد ولدوا خلالها، وكبروا وهم لم يستوعبوا تماما ما كان ويكون. إنه (التذويت) المتسائل عن العلاقة بين الأجيال، كذلك حالة الخلاص الفردي والعام.
إنه مسار نمو الإدراك الذاتي في تواز وتداخل مع الحالة الوطنية العامة؛ فقد استطاع العرض بصدق تقديم حالة تفاعل الشباب مع خصوصية الحالة المركبة للمجتمع الفلسطيني ببنيته السياسية والاقتصادية التي حدثت إثر اتفاقية أوسلو، في ظل بقاء الاحتلال.
إنها محاولة إبداعية على مستوى النص، بغض النظر عن الشكل الأدبي والفني، للكتابة عن حالة الاشتباك الفكري لدى الناشئة، بمن فيهم فئة الشباب، مع التحولات التي وجدوا أنفسهم فيها، باختلاف حالة من عايش مدركا لما قبلها، حيث تداعت المشاعر والأفكار التي صارت تبدو لنا الكبار بأنها رومانسية؛ ففي الوقت الذي رأى الشباب أن حال الفلسطينيين لم تتغير في العمق، رغم شكليات التحول على مدار 3 عقود، فقد أصبح ذلك نوعا من المراجعة النقدية التي تحمل بذور التمرد، والتي تجلت في ظاهرة الشياب المسلحين وإن لم تشر لهم المسرحية. والظن أن التعريج على لبنان، كان من هذا الإيحاء، حتى وإن حمل منحى ساخرا (ما في بلبنان الا الصواريخ والزبالة).
لذلك كان هناك تساؤل عن معنى البطولة لدى الجيل الجديد، وهو وإن بدا لنا الكبار متكلفا وليس في مكانه، فهو لمثل هذه المرحلة مهما من باب إثبات الذات الفاعلة أو الناقدة، لربما من باب وجودهم كمهمشين أكثر من كونهم ثوريين حقا.
هو صوت معتصم أبو حسن، الكاتب والمخرج، وصوت الشاب الإعلامي، وقد كان اختيار مهنة الإعلام مناسبا، كون الإعلام الرسمي هو إعلام الظاهر والنمطي، بما يخدم المنظومة القائمة سياسيا واقتصاديا.
هو الصوت الباطني والظاهري، ولعل الصوت الباطني هو الأكثر نقدا، وقد تجلى ذلك بأداء الشاب النزق المتوتر والمحرض والغاضب، والمتهم له بأنه يخاف قول الحقيقة المهنية خشية تعرضه لخسارة المنفعة-العمل.
لقد لاءم الحوار المسرحي حالة المونولوج الداخلي المحتدم داخل شخصية الشاب، حيث أننا من بدء العرض، وتقدمه، لمسنا أن الحوار على الخشبة إنما يتم داخل الشخصية التي تعاني من انفصام وجودي ما، وقد عزز ذلك الشعور تمثل الشخصية عبر أكثر من شكل حركي، وسردي، وقد كان ذلك الإيحاء المحتمل جميلا، ولم يكن هناك ضرورة لوصف الممثل الآخر نفسه بأنه صوته الداخلي. وكان من الممكن أيضا أن يكون حوار بين شابين، فهذا محتمل، بل لعل المخرج في العروض القادمة يترك ذلك لتأويل المشاهدين. كذلك ثمة مجال لتأمل إنهاء حياة الإعلامي، حيث كان من المحتمل عدم الذهاب الى هذا المنحى.
يحسب للمخرج الشاب أبو حسن تفكيره بمقترحات التمثيل والحركة والديكور والسينوجرافيا، بما فيها الشاشات الملائمة للإعلام، فهي وإن لم توظف بشكل احترافي في تقديم المضمون، بسبب اعتماد المخرج على مضمون النص، إلا أن عمله يعدّ جادا على طريق الإبداع، من ذلك مثلا البدء بحركة سريعة تتلوها حركة بطء، والمزاوجة بينهما لترك مسافة تأمل، كذلك كان للحركة النزقة أثر كبير في التعبير عن الحالة الشعورية. وضع قماشة سوداء على يد (الشخصية الداخلية) وتعليق قماشة خضراء في أعلى الجانب الأيسر من المسرح، وجعل القماشة البيضاء في عمق المسرح في حالة عضوية مع الطاولة كتابوت الشهيد الذي كان مجال الدوران حوله في مشهد آخر، أضفت بصريات إيحائية. كما أعجبنا ارتباط السرد بالحركة، سرد الشخصية الداخلية وحركة الخارجية كما في أداء الركض في أحد الأحداث المروي عنها.
لقد اختتم العرض برسالة مهمة من خلال: تتعوّدوش"، ولم أجد أفضل مما ذكره الكاتب والشاعر الراحل ممدوح عدوان، كي أختتم مقالتي: "ذات يوم شرحوا لنا في المدرسة شيئا عن التعود، حين نشم رائحة تضايقنا فإن جملتنا العصبية كلها تنتبه وتعبّر عن ضيقها، بعد حين من البقاء مع الرائحة يخف الضيق، أتعرف معنى هذا؟ معناه أن هناك شعيرات حساسة في مجرى الشم قد ماتت فلم تعد تتحسس، ومن ثم لم تعد تنبّه الجملة العصبية. والأمر ذاته في السمع، حين تمر في سوق النحاسين فإن الضجة تثير أعصابك، لو أقمت هناك لتعودت مثلما يتعود المقيمون والنحاسون أنفسهم. السبب نفسه: الشعيرات الحساسة في الأذن قد ماتت. نحن لا نتعود إلا إذا مات فينا شيء.. تصور حجم ما مات فينا حتى تعودنا على كل ما يجري حولنا".
المسرحية من تمثيل: محمود أبو عيطة وجمال جعص، إخراج حركي ودراموتورج إبراهيم فينو، تقنيات أحمد أبو حمادة. وهي من إنتاج مسرح رسائل النابلسي، وقد عرضت على خشبة مسرح القصبة.