في مصر يوصون بتلفزيون للأطفال بالعامية
تاريخ النشر: 5th, September 2023 GMT
في مصر يوصون بتلفزيون للأطفال بالعامية
ليست مصر في حاجةٍ إلى كلامٍ كثير عن الهوية الوطنية المصرية، ولا إلى الثرثرة الاستعراضية في التأكيد على هذه الهوية وتنوّع مشمولاتها.
الوطنية لا تعني مطلقا تعظيم اللهجات العامية ونبذ اللغة العربية السليمة بل إن حماية العربية مسألةٌ وطنيةٌ واستراتيجية عليا، وفي صلب مسألة الهوية!
يبعث على أسىً كثير أن الذين خاضوا في هذه الأمور (وكثيرٍ غيرها بتفصيلٍ وفيرٍ) لم يأتوا أبدا على اللغة العربية مرتكزا أساسيا وجوهريا في ترسيخ الهوية الوطنية المصرية.
دعك من أن ضمن اللهجة المصرية تنويعاتٍ عديدة، تجيز القول إن ثمّة لهجات مصرية. الأساسي هنا: لماذا يوصَى بقناةٍ تلفزيونيةٍ للأطفال باللهجة المصرية فقط؟
لماذا لا تكون قناة الأطفال باللغة الفصحى، لتُساعدهم على امتلاكها صحيحة، مع المرور على اللهجات المتنوّّعة بدون عداء، سيما وأن العاميّة هي التي تسود الفضاء اللغوي المحيط بالطفل؟
* * *
عندما يُطنِب مجتمعٌ ما، نخبُه وتمثيلاتُه في التعليم والإعلام والفضاء السياسي، في الحديث في موضوعة هويّته، وبإلحاحٍ واسترسال، فهذا شاهدٌ على أزمةٍ يعبُر بها هذا المجتمع، وعلى أن اختلالا عميقا في أداء صنّاع السياسات الإعلامية والثقافية والتعليمية في إشاعة إحساسٍ مجتمعيٍّ عام بهويةٍ جامعةٍ مؤكَّدةٍ ومركّبةٍ ومنفتحة.
وللتخصيص هنا، ليست مصر في حاجةٍ إلى كلامٍ كثير عن هويتها، ولا إلى الثرثرة الاستعراضية في التأكيد على هذه الهوية وتنوّع مشمولاتها، مع القول، في الوقت نفسه، إن أيّ "استراتيجياتٍ" أو سياساتٍ أو خططٍ توضَع في هذا الأمر، لتعزيز الهوية المصرية الوطنية على ما يقال عادةً، لا يمكنها إلا أن تعبُر من البديهيّ إلى المستجدّ موضوع النقاش العام، الراهن أو الطارئ أو المطروح.
وأول هذا البديهيّ أن تعزيز اللغة العربية (اللغة الرسمية كما ينصّ الدستور) وحمايتها وسلامتها في الفضاء العام أمرٌ مركزي، لا يجوز التهاوُن والتسامح بشأنه.
مناسبة المجيء هنا على ما انكتَب أعلاه ما صودف في واحدةٍ من "توصيات لجان ومجلس أمناء الحوار الوطني ... المرحلة الأولى" في مصر، وذلك بعد جولات نقاشٍ في جلسات استمرّت أسابيع، ضمن "الحوار الوطني ... الطريق نحو الجمهورية الجديدة ... مساحات مشتركة".
وبعيدا عن رأيٍ وجيهٍ يذهب إلى أن هذا كله مُصطَنع، وأن مؤسّساتٍ أخرى، تشريعية وتنفيذية وإدارية، في الدولة والمجتمع، منوط بها صياغةُ سياساتٍ وخياراتٍ وطنيةٍ في الشؤون التي أشغل بها هذا الحوار نفسَه، والذي انعقد بطلبٍ من الرئيس عبد الفتاح السيسي.
بعيدا عن هذا، صودف في هذه التوصيات أن شيئا منها أنجزتْه "لجنة الثقافة والهوية الوطنية"، مخصوصٌ بقضية "ترسيخ الهوية الوطنية والحفاظ عليها"، ويضجّ بحزمةٍ من ينبَغي(ات) تقليديةٍ، ذات سمتٍ إنشائيٍّ مكرور، لطالما عوين وقُرئ في بيانات لجان وخطط مجالس مختصّة وتوصيات مؤتمراتٍ بلا عدد لمثقفين وإعلاميين حكوميين وغير حكوميين.
ولمّا تقرأ هذه التوصيات تلقاك تتحمّس لكثيرٍ منها، وترى وجوب مساندتها، غير أنك أيضا ستعجََب من مقادير الأوهام التي استبدّت بأفهام الذين كتبوها، وهم يسترسلون بمجانيّةٍ ظاهرةٍ في كتابة كلامٍ لا يتوفّر على سُبل تنزيله إلى الواقع وأدوات الأخذ به!
وإنْ يتعلق الأمر بمهمّات وزارات التعليم ومؤسّساته وهيئاته الحكومية والأهلية، خذ مثلا "ترسيخ القيم الإنسانية كنمط حياة للمصريين"، و"تعزيز ثقافة نبذ العنف وخطابات الكراهية والتوعية المستمرّة بأخطارهم" (يحتاج الذين كتبوا التوصيات دورة تأهيليّة لتدريبهم على الصياغات الأفضل والأصحّ).
يبعث على أسىً كثير أن الذين خاضوا في هذه الأمور (وكثيرٍ غيرها بتفصيلٍ وفيرٍ أحيانا) لم يأتوا أبدا على اللغة العربية مرتكزا أساسيا وجوهريا في ترسيخ الهوية المصرية. لا يدري واحدُنا إن كان إغفال بديهيّة موقع اللغة في تشكيل الهويّة صدر عن جهلٍ بها، أم عن إهمالٍ وعدم اكتراث، أم هو مقصود.
وما يزيد الاستغراب الحادث هنا ما نصّت عليه واحدة من التوصيات التي تبعث على نفور واجب، وتستحقّ الاستنكار، وهي الخامسة في البند المؤشّر إليه أعلاه، ونصّها بالضبط "إطلاق قناة خاصة بالأطفال بإنتاج وطنيٍ متميّز يعبّر عن هويّتنا، يكون محتواها منطوق (الصحيح منطوقا) بلهجةٍ مصريةٍ صحيحةٍ في مقابل ما تقدّمه قنوات والمنصات العالمية والإقليمية الأخرى".
دعك من خلل الجملة تعبيريا، ودعك من أن ضمن اللهجة المصرية تنويعاتٍ عديدة، تجيز القول إن ثمّة لهجات مصرية. الأساسي هنا: لماذا يوصَى بقناةٍ تلفزيونيةٍ للأطفال باللهجة المصرية فقط؟ ولماذا لا تكون باللغة العربية الفصحى، لتُساعد الأطفال على امتلاكها صحيحة، مع المرور على اللهجات المتنوّّعة وعدم التعامل معها بعداء، سيما وأن العاميّة هي التي تسود الفضاء اللغوي الذي يحيط بالطفل؟
الأصل أن تتأصّل لدى الناشئة لغةٌ واضحةٌ يكونون قادرين على نطقها صحيحةً، بمخارج للحروف سليمة، وأن يعرفوا أن الفصحى هي الجوهر والأساس، وأن عليهم أن يعرفوها ويُتقنوها ويتدرّجوا في هذا مع جريان السنوات، ويقرأوا القرآن الكريم والإنجيل، والشعر القديم والحديث بها.
ولمّا كانت التوصية بإنتاج "وطنيٍّ متميز"، فالوطنية لا تعني، في أي حال، تعظيم اللهجات العامية ونبذ اللغة العربية السليمة. بل لا تزيّد أبدا في القول دائما إن حماية اللغة العربية مسألةٌ وطنيةٌ واستراتيجية عليا، وفي صلب مسألة الهوية ...
أخفق الحوار الوطني المصري في غير مسألةٍ وشأن. وسقط في واحدة من بديهيّات البديهيّات.
*معن البياري كاتب ومحرر صحفي
المصدر | العربي الجديدالمصدر: الخليج الجديد
كلمات دلالية: مصر العامية الفصحى الوطنية المصرية اللغة العربية القيم الإنسانية الحوار الوطني الهویة الوطنیة اللغة العربیة
إقرأ أيضاً:
احتفالاً بإطلاق الهوية البصرية الجديدة للجمهورية العربية السورية، عرض بصري لطائرات الدرون في ساحة الأمويين بدمشق.
2025-07-05mohamadسابق قوى الأمن الداخلي تشارك فرق الإطفاء بعمليات إخماد حرائق ريف اللاذقية انظر ايضاً قوى الأمن الداخلي تشارك فرق الإطفاء بعمليات إخماد حرائق ريف اللاذقيةاللاذقية-سانا أعلن وزير الداخلية أنس خطاب أن أبطال قوى الأمن الداخلي يقفون جنباً إلى جنب …
آخر الأخبار 2025-07-05قوى الأمن الداخلي تشارك فرق الإطفاء بعمليات إخماد حرائق ريف اللاذقية 2025-07-04فرق الإطفاء تواجه النيران في ريف اللاذقية الشمالي وسط رياح نشطة وصعوبات لوجستية 2025-07-04إخماد الحريق الحراجي بين مشروع دمر وقصر الشعب في دمشق 2025-07-04وزير الطوارئ السوري: العمل مستمر للسيطرة على حرائق ريف اللاذقية الشمالي 2025-07-04أكثر من 31 ألف شاحنة أردنية دخلت سوريا منذ 16 كانون الأول الماضي 2025-07-04محافظ اللاذقية يتفقد عمليات إطفاء الحرائق في ريف اللاذقية الشمالي 2025-07-04السورية للحبوب تسلّم الدفعة الأولى من مستحقات القمح عبر “شام كاش” 2025-07-04حاكم المصرف المركزي: سوريا لن تلجأ للديون الخارجية 2025-07-04الرياح والجفاف يؤججان حرائق الصيف في سوريا وتركيا واليونان 2025-07-04التربية السورية: لا تأجيل لامتحانات الشهادة الثانوية العامة
صور من سورية منوعات دراسة تحذر: لا توجد “كمية آمنة” لتناول اللحوم المصنعة 2025-07-04 فريق بحثي ياباني ينجح بإنشاء عضيات عظم الفك من الخلايا الجذعية 2025-07-03
مواقع صديقة | أسعار العملات | رسائل سانا | هيئة التحرير | اتصل بنا | للإعلان على موقعنا |