جريدة زمان التركية:
2025-05-09@23:20:50 GMT

عقـاب

تاريخ النشر: 6th, September 2023 GMT

بقلم: ماهر المهدي

(زمان التركية)- كل منا يحب نفسه، فالناس تحب أنفسها، وكل الوجود يحب نفسه، ولكن هناك حب ذكي للذات -أي في ظل وعي وإدراك- وهناك حب للذات يخدر الإدراك الذاتي ويخدعه ويكسر الحواجز ويتخطى الحدود بلا حساب للعواقب. والحدود قوة مقيدة بحساب ويعاقب، ولو بدت لينة أنيقة منمقة، لأن حارس الحدود لا ينام ولا يغفل ولا يستغفل ولا يقبل هدية وليس أقارب يسعى إلى منحهم والأعراق عليهم بحق وبغير حق وما هو بطامع في وظيفة ولا في مد خدمة انتهت.

فما وراء الحدود لا يخصك ولا يخصني، والاعتداء عليه هو عمل لا تقره أنفسنا -قبل الغير- ولا ترضى به ولا بما قد يجلبه من نفع ظاهر. فلا خير بالطبع فيما يأتي به ظلم واعتداء، وإلا لفسدت الحياة واشتعلت الأرض حروبًا يمنة ويسرة.

الحقيقة، أن الإنسان هو مصدر الخطر الصغير ومصدر الخطر الكبير على نفسه، فما ينفع من قبل الإنسان هو ما يقوده إلى أمان ونجاح وسلام، أو يقوده إلى قلق وخطر وتعثر وفزع. كما الإنسان يعيد أخطآه الأزلية باستمرار ولا يحفظها لينجومنها إلا قليلًا. ففي زخم الفرح بالوفرة في الثروة وفي الأبناء، قد يشعر الإنسان -في كل بلاد الدنيا، في القرية وفي المدينة وفي الصعيد وفي الدلتا- أنه يستحق كل ما حوله وكل ما يخص الآخرين وخاصة الضعفاء منهم، لأنهم لا يستحقون -في نظره- شيئًا من الحياة وربما كان الأولى بهم الوفاة أو السقوط في بئر سحيقة وفي غياهب النسيان. وقد يشرع الإنسان فورًا وفعلًا -هو وأبناؤه- في تنفيذ رؤاهم وخيالاتهم، ليكسروا الحواجز ويتخطوا الحدود ويصبحوا في لحظة ما معتدين آثمين مجرمين مكروهين مطاردين، بعد أن كانوا قبل قليل محط الأنظار وأمل الحالمين بكل جميل. وما الاستيلاء على شغل الآخرين وعلى أفكارهم وعلى دفن جدارتهم -بالتجاهل والاخفاء- وأكل حقوقهم المشروعة في التقدم والنمو سوى عدوان بين وإنكار للحدود. وفي نفس اللحظة الذي يسقط فيها الكبير ذو الوفرة في الثروة وفي الأبناء يصعد درجات كل كريم -ولو كان فقيرًا لا يملك سوى قوت يومه- ويعلو مرتبة على كان بالأمس مثالًا للكرام وللعظماء.

الواقع، أن من عدل -سبحانه تعالى- أن مع العسر يسر وأن مع الظلم ظلام وخسر وسقوط -ولو كان الظالم الخاسر في سماوات العلو والسؤدد- وهناك عقاب ينمو قدر نمو الظلم وفي سرعته ليصبح لاحقًا عقابًا ضخمًا قادرًا على قهر ظلما جامح والاجهاز عليه تمام. إن العقاب لواقع، فهكذا تستمر الحياة، ولكن الإنسان ينسى. ولو كان الظلمة الغاشمون قد نجوا بأفعالهم وإجرامهم في ثنايا القرون والعقود وفي طرقات آلاف السنين المنصرمة، لما بقي خير في الأرض ولطالعتنا وجوههم السوداء التي يغشاها الظلام في حلل العظمة والكبرياء التي تزينوا بها يومًا ما.

 

Tags: الحياةحب الذاتحب النفس

المصدر: جريدة زمان التركية

كلمات دلالية: الحياة

إقرأ أيضاً:

تساؤلات على هامش القمة البغدادية

بقلم: كمال فتاح حيدر ..

إلى المرحبين بالجولاني، والذين استعدوا منذ الآن لإستقباله في بغداد، في البلد الذي ارتكب فيه الجولاني ابشع مجازره، وفي البلد الذي لا احد يعرف فيه مصير 2000 عراقية (إيزيدية) انقطعت أخبارهن بسبب الجولاني وعصابته ؟!؟. .
نقول للمرحبين به: من لا يستطيع الرؤية من الغربال فهو اعمى واصم ولا يرى اين تكمن مصلحتنا الوطنية. .
انظروا إلى الواقع الإقليمي الآن فهو خير متحدث عن مواقف القادة العرب في تعاملهم الحذر مع النظام السوري الجديد. ذلك النظام الذي بلغ من الضعف والهشاشة ما يجعله لا يستحق الاحترام. ثم ما الذي تتوقعونه من نظام لا يقيم وزنا للقوميات والأقليات، وفقد سيادته تماما على ارضه ومياهه وأجواءه. وسوف يصبح سببا في تقسيم سوريا وتقطيعها وتفتيتها. .
هل شاهدتم كيف تعرض قصره الرئاسي للضرب بالقنابل والقنابر والقنادر من دون ان تهتز شواربه، ومن دون ان ينبس ببنت شفة ؟!؟. .
وما الذي سوف يضيفه الينا كيانا كارتونيا من هذا النوع الارهابي الدموي ؟. ألا تعلمون ان سوريا باتت مرشحة للتجزئة اكثر من اي وقت مضى ؟. وان النظام الحاكم نفسه هو الأداة المعول عليها في التقطيع، وفي التحول إلى دويلات وأقاليم ضعيفة وشقق سكنية على الرصيف، ومعظمها محسوبة على هذا الطرف أو ذاك ؟. .
وما الذي سوف يضيفه الينا انعقاد القمة العربية في بغداد ؟. إلا تعلمون ان اول زيارة لإمبراطور الإمبراطوريات (ترامب) سوف تكون إلى المنطقة العربية. ربما يلقي كلمة في المؤتمر البغدادي ؟. ذلك لأن هذا الإمبراطور يحث الخطى لتعزيز أهدافه الاستراتيجية في الشرق الأوسط ؟. لكن ترامب نفسه لم يعترف بالعلم السوري بلونه الاخضر الباهت. .
يتعين على قادة العراق قراءة المشهد قراءة دقيقة، ويدرسوا خطواتهم القادمة قبل الانزلاق وراء الأوهام. .
وهل باستطاعت القمة المرتقبة إطلاق بياناتها المدوية لمنع انتشار الأساطيل الغربية في شرق البحر المتوسط، وفي البحر الأحمر، وفي خليج عدن وباب المندب ومضيق هرمز ؟. هل بإستطاعتها الحد من ضراوة الغارات الجوية ضد سوريا الجولاني ؟، وهل باستطاعتها استرجاع الأراضي التي فقدها الجولاني نفسه ؟. بل وهل لدى الجولاني وقتا متاحا للقيام بجولات ونشاطات دبلوماسية خارج سوريا ؟. .
كلمة اخيرة: من مطالبنا القليلة جدا، والبسيطة جدا، والمتواضعة جدا، ان لا نفقد كرامتنا فوق ارضنا وبين اهلنا. .

د. كمال فتاح حيدر

مقالات مشابهة

  • أودية الحدود الشمالية.. شريان الحياة والطبيعة المتجددة في قلب الصحراء
  • خيبة أمل المرتزقة
  • «التبرُّع بالأعضاء».. أمل جديد نحو الحياة
  • قاطعت سهرتهما الحمراء.. عقاب أليم لـ رضيعـ.ة على يد أمها وعشيقها بالهرم
  • شعبٌ على حافة المجاعة وسط عقاب جماعي: اليمن بين المطرقة الإقليمية والسندان الدولي
  • كيف يؤثر صوتك على فرصك في العمل والعلاقات؟
  • بنك الخرطوم أهم من بنك السودان نفسه في حياة المواطن اليومية
  • تساؤلات على هامش القمة البغدادية
  • عدن تشتكي انقطاع التيار الكهربائي.. واتهامات بـ”العقاب الجماعي المتعمد” 
  • أزمة منتصف العمر