رحاب لؤي تفوز بجائزة خيري شلبي للعمل الروائي الأول
تاريخ النشر: 9th, September 2023 GMT
أعلنت جائزة خيري شلبي للعمل الروائي الأول، في الدورة الرابعة، اليوم السبت 9 سبتمبر 2023، نتيجة مسابقتها لهذا العام، بالشراكة مع دار الشروق للنشر، فوز الكاتبة رحاب لؤي عن روايتها "قرية المائة"، وذلك تزامنا مع الذكرى الثانية عشرة لرحيل الكاتب الكبير خيري شلبي، والذكرى الثانية لرحيل ابنته الفنانة إيمان خيري شلبي، مُؤسِّسة الجائزة
كانت القائمة القصيرة للجائزة قد ضمَّت خمس روايات هي: "أربع ساعات وجسد"، للكاتبة إيمان أبو غزالة، "أَفْتُونِي فِي مآلي"، للكاتب أحمد وفدي الديب، "تقاطُعات"، للكاتب خالد عصام، "قرية المائة"، للكاتبة رحاب لؤي، و"مونروفيا"، للكاتب أحمد فريد مرسي.
وقررت لجنة تحكيم الدورة الرابعة للجائزة، فوز رواية "قرية المائة" للكاتبة رحاب لؤي، على أن تقوم دار الشروق بنشرها. وسوف يتم تسليم الجائزة وتوقيع عقد نشر الرواية الفائزة في حفل بمقر دار الشروق بمدينة نصر، يوم الخميس المقبل 14 سبتمبر.
وضمّت لجنة تحكيم الجائزة هذا العام كلا من الشاعر والكاتب أحمد الشهاوي، والناقدة الدكتورة شيرين أبو النجا أستاذة الأدب الإنجليزي والمقارن بجامعة القاهرة، والكاتب والمترجم محمد عبد النبي.
وقالت لجنة التحكيم في حيثيات قرارها بفوز "قرية المائة" بالجائزة هذا العام: "النصّ شائق وقادر على الغوص في عوالم الريف من زاوية جذابة تغزل الرمزي مع الميتافيزيقي مع الموروثات الجمعية الراسخة، وهو نص محكم ومكتوب بحرفيةٍ عاليةٍ، ومعرفة بحال الريف خصوصا، والمجتمع المصري بشكل عام. إنها رواية أقرب ما تكون للاكتمال، فثمة عالَم سحري في قرية متخيلة، ولعب مع هيمنة الخرافات وسلطانها الدنيوي على عقول وأفئدة الناس. والكاتبة حكّاءة ماهرة ولديها قدرة جيدة على رسم المشاهد والشخصيات".
ولأن الجائزة تُهدى إلى عمل واحد فقط ومع وجود أعمال أخرى متميزة ضمن القائمة القصيرة فإن لجنة التحكيم اختارت من بينها رواية أخرى توصي بنشرها وهي رواية "تقاطعات" للكاتب خالد عصام. حيث أشادت اللجنة بالرواية كعمل أول، موضحة في بيانها: "إذ ثمة سرد جذَّاب وحركة خارجية وداخلية، وثمة ما هو حقيقي أيضًا، لا شيء مفتعل أو مصطنع، والكتابة من لحم الحياة وسخونة الواقع. وبها مشاهد رائقة وساحرة، وهي مبشِّرة بكاتب جيد. كما أنه نصٌّ يكشف عن تطورات سياسية واجتماعية كثيرة من دون الإشارة إليها بشكل مباشر، بل من خلال تطور الشخصية/الشخصيات."
جائزة خيري شلبي للعمل الروائي الأول انطلقت عام 2020 تخليدا لذكرى الكاتب الكبير خيري شلبي (1938 – 2011)، وأعلنت عنها الفنانة الراحلة إيمان خيري شلبي (1978 – 2021)، موضِّحة أنها تستهدف تقديم الوجوه الإبداعية الجديدة في عالم الرواية ومساعدة الكتَّاب الذين لم تتح لهم فرصة النشر من قبل لنشر عملهم الروائي الأول. وتشترط الجائزة أن يكون المتقدم لها مصري الجنسية، وألا يكون قد نشر عملا روائيا من قبل، سواء في طبعة ورقية أو إلكترونية، وسواء قبل التقدم للجائزة أو حتى موعد الإعلان عن النتيجة. ولا يُشترط حد أقصى للسن.
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: خيري شلبي القائمة القصيرة للجائزة القائمة القصيرة إيمان خيري شلبي خیری شلبی رحاب لؤی
إقرأ أيضاً:
الأسس الفكرية في رواية مئة عام من العزلة لماركيز
مايو 17, 2025آخر تحديث: مايو 17, 2025
إبراهيم أبو عواد
كاتب من الأردن
تُعْتَبَر رواية مِئة عام مِن العُزلة (1967) للروائي الكولومبي غابرييل غارسيا ماركيز ( 1927_ 2014 / نوبل 1982 ) مِن أهَمِّ الأعمالِ الأدبية العالمية على الإطلاق ، حَيْثُ يَرْوي سِيرةَ عائلة بوينديا على مَدى عِدَّة أجيال في مَدينة خيالية تُدْعَى ماكوندو . وَتَعتمد الرِّوايةُ على أُسلوب الواقعية السِّحْرية، حَيْثُ يَمتزج الواقعُ بالخَيالِ ضِمْنَ إطارٍ أدبيٍّ حَالِمٍ .
تُمثِّل الرِّوايةُ إعادةَ تَفْسيرٍ للتاريخِ الكُولومبي، حَيْثُ تَطْرَح أفكارًا جديدةً في كَيفيةِ تأويلِ الأحداثِ اليومية ، وَالوَقائعِ الحياتية ، وَرَبْطِ البُنى المَعِيشية الخُرافية بِالدَّهْشَةِ العَقليةِ والانبهارِ الوِجْدَانيِّ ، وَالهُروبِ مِنْ ضَغْطِ الواقعِ الماديِّ إلى صِناعةِ عَالَمٍ غَرائبيٍّ قادر على إثارةِ الأسئلةِ المصيرية، وتَكوينِ التَّأمُّلاتِ العميقة . وهَكذا يَتِمُّ تَشييدُ فَلسفةِ الحِكاياتِ عَلى الذُّهُولِ وخَلْطِ السِّحْرِ بالواقعِ، والانتقالِ مِنْ حُلْمٍ إلى حُلْمٍ في فَضَاءَاتٍ لُغَوِيَّة ، والقَلَقِ مِنْ خَسَارَةِ الحُلْمِ في ظِلِّ التَّغَيُّرَاتِ المُتَسَارِعَةِ في الزَّمَانِ الافتراضيِّ والمَكَانِ الخَيَالِيِّ ، مِمَّا يُؤَدِّي إلى نَقْلِ الأحكامِ العقليةِ والأفعالِ الاجتماعيةِ مِنْ رَتَابَةِ الحَياةِ اليومية إلى الحَقيقةِ الكَامنةِ في التَّأمُّلِ الرُّوحِيِّ والتَّفسيرِ المَادِيِّ والتَّجْرِبَةِ الإنسانية .
إنَّ القَضايا المُخْتَلِطَةَ في التاريخِ ، وَالمَسَائِلَ المُتَشَابِكَةَ في الحَضَارَةِ ، تُشكِّل سُلطةً ذات طبيعة تَرَاتُبِيَّة عَلى الصَّعِيدَيْن: العائليِّ والمُجْتَمَعِيِّ، وتُمثِّل هُوِيَّةً ذات طبيعة مَركزية عَلى المُسْتَوَيَيْن: المَعنويِّ والماديِّ . وهَذه الأمُورُ مُجْتَمِعَةً تَتَجَسَّدُ في عائلة بوينديا في كُلِّ أجيالِها ، وتَفاصيلِ حَيَاتِهَا ، وَتَحَوُّلاتِ أفكارِها ، ومَسَارَاتِ أحلامِها . وهَذه العَائِلَةُ الخَيَالِيَّةُ المُتَصَوَّرَةُ ذِهْنِيًّا وأدَبِيًّا، صَنَعَتْ أُسْطُورَتَهَا الخَاصَّة في اللغةِ المُدْهِشَةِ السَّاحِرَةِ ، والأُسْلُوبِ المُحْكَمِ الجَذَّابِ . واللغةُ كَمَادَّةٍ خَام ، والأُسْلُوبُ كَتَيَّارٍ حَامِلٍ للحِكَايَاتِ المُتَشَعِّبَةِ ، كِلاهُمَا يَقُومُ عَلى دِقَّةِ الوَصْفِ وَالبَرَاعَةِ في اقْتِنَاصِ اللحظةِ الإبداعية .
والمَلحمةُ السَّرديةُ التي قَدَّمَهَا ماركيز تَستند إلى إضفاءِ السِّحْرِ عَلى عناصر الواقع ، بشكلٍ مُستمِر ودائم ، وُصُولًا إلى مَنظومةٍ أدبية خُرافية تَبتكِر الخَيَالَ ، وتَجْعَلُهُ حَيَاةً مُعَاشَةً ، مِمَّا يُؤَدِّي إلى صِناعةِ عَالَمٍ أُسْطُورِيٍّ ، يُنتج الأوهامَ ، ويُصَدِّقُهَا ، وَيَدْفَع القارئَ إلى التعاملِ مَعَهَا بِوَصْفِهَا حَقَائق تَجَسَّدَتْ يَوْمًا مَا عَلى أرضِ الواقعِ . وهَكذا تُصبح الأخْيِلَةُ حَيَوَاتٍ مَحسوسةً ، وتُصبح الأساطيرُ وَقَائع مَلْمُوسة. وكُلُّ هَذا مِنْ أجْلِ تَفكيكِ هَياكلِ الطبيعة البشرية، وإرجاعِها إلى الجُذورِ الفَلْسفيةِ الأوَّلِيَّة، والأنْوِيَةِ التاريخية البِدائية ، والمَاضِي الذي لا يَمْضِي ، وَالأحلامِ المَقموعةِ ، والذكرياتِ المَنْسِيَّة ، وَالرَّغَبَاتِ المَكبوتة .
وَطَرَائقُ السَّرْدِ المُتَشَعِّبِ ، وَالتَّسَلْسُلُ الزَّمَنِيُّ المُعَقَّدُ ، وَشَبَكَةُ الشَّخصياتِ المُتَدَاخِلَةِ ، هِيَ الأُسُسُ الفِكرية في الرِّواية ، التي تُرَتِّب الفَوْضَى، فَوْضَى المَشاعرِ ، وَفَوْضَى الصِّرَاعاتِ التاريخية، وَفَوْضَى الأحلامِ غَيْرِ الواقعية ، وَفَوْضَى خَيْبَاتِ الأمَلِ ، وَفَوْضَى الأحزانِ التي تَرْبِطُ المَاضِي بالحاضرِ . وكَمَا أنَّ طبيعةَ الأحكامِ تُحدِّد مَاهِيَّةَ الأفعال، كذلك تَرتيب الفَوْضَى في العَمَلِ الأدبيِّ يُحدِّد الأدوارَ الاجتماعية، ويُعِيد تَعْرِيفَها إبداعيًّا ، مِنْ أجْلِ كَسْرِ العُزلةِ المَفروضة عَلى مَشاعرِ الألَمِ ، والتَّمَرُّدِ عَلى الواقعِ . وكَمَا أنَّ الإنسانَ لا يَختار أبَوَيْه ، كذلك لا يَختار الزَّمَانَ والمَكَانَ اللَّذَيْن يَعِيش فيهما ، وهذا يَعْكِسُ أهميةَ الانقلابِ عَلى الواقعِ ، وصِناعةِ واقعٍ جَديد ، عَن طَريقِ تَفْعِيلِ الأحلامِ، وتَجذيرِ الخَيَالِ ، وَبَعْثِ السِّحْرِ في الكَلِمَاتِ وَالأحداثِ والمَوَاقِفِ . وهذه هِيَ فَلسفةَ الواقعية السِّحْرية التي انْتَشَرَتْ في أدبِ أمريكا اللاتينية خِلال السِّتينيات والسَّبعينيات مِنَ القَرْن العِشْرين ، وَشَكَّلَت الحركةُ حَدَثًا أدبيًّا هامًّا ، وَنَقْلَةً نَوْعِيَّة جَديدة في عَالَمِ الإبداعِ الأدبيِّ ، وَقَدْ قَادَهَا كُتَّابٌ حَطَّمُوا القواعدَ التقليدية للكِتابةِ ، وامتازوا بالجُرأةِ والزَّخرفةِ والتَّنميقِ وإطلاقِ العِنَانِ لِحُرِّيةِ الخَيَالِ ، والمَيْلِ إلى كُلِّ مَا هُوَ تَجْريبي وذُو طَابَع سِيَاسِي،مِثْل:غابرييل غارسيا ماركيز مِنْ كُولومبيا، وماريو فارغاس يوسا مِنَ بيرو ، وخوليو كورتاثر مِنَ الأرجنتين ، وكارلوس فوينتس مِنَ المَكسيك .
وَمِثْلَمَا اخْتَرَعَ الروائيُّ الأمريكيُّ ويليام فوكنر ( 1897 _ 1962 / نوبل 1949 ) مدينة جيفرسون الخَيَالِيَّة ، للحَديثِ عَنْ مَسْقَطِ رَأسِه في الجُنوبِ الأمريكيِّ ، وَوَصَفَ مِنْ خِلالِهَا تَوَالي الأجيالِ التي شَهِدَتْهَا ، اخترعَ ماركيز مَدينةَ ماكوندو الخَيَالِيَّة ، لِتَكُونَ شَبيهةً بِمَدينة أراكاتاكا ، التي وُلِدَ فِيها في شَمالِ كولومبيا،لِيَجْعَلَ مِنها صُورةً لِكُولومبيا ، بَلْ وَحَتَّى لِدُوَلِ قَارَّة أمريكا اللاتينية . وهذا يَقُودُ إلى مَوضوع مُهِم ، وَهُوَ تأثير فوكنر في ماركيز،فَقَدْ صَرَّحَ بِهِ ماركيز عَلَنًا في خِطاب قَبوله لجائزة نوبل للآداب(1982) بالإشارةِ إلَيْهِ قَائِلًا: (( أُسْتَاذي ويليام فوكنر )) . وَمَثَّلَتْ بعضُ المُفْرَدَاتِ والمواضيع في أعمال فوكنر ، مِثْلَ الغُمُوضِ والبَحْرِ وَثَقَافَةِ الكاريبي والعُزْلةِ ، قِيَمًا أسَاسِيَّة في روايات ماركيز . وَقَدْ قال ماركيز في حديث صَحَفِيٍّ : (( إنَّ مُشْكلتي لَمْ تَكُنْ في كَيفيةِ تَقْلِيدِ فوكنر ، لكنْ في كَيفيةِ تَدْميره ، كانَ تأثيرُه يَشُلُّ حَرَكَتي )) . وفي حَديثٍ آخَر : (( إذا كانتْ رِوَاياتي جَيِّدة ، فذلكَ لِسَبَبٍ وَاحِدٍ ، هُوَ أنَّني حاولتُ أنْ أتجاوزَ فوكنر في كِتابةِ مَا هُوَ مُستحيل ، وَتَقْدِيم عوالم وانفعالات ، يَستحيل أنْ تُقَدِّمَهَا الكِتابةُ والكَلِمَات مِثْل فوكنر، ولكنْ لَمْ أستطعْ أنْ أتجاوزَ فوكنر أبدًا ، إلا أنَّني اقتربتُ مِنْه )) .