سَيطرَت ولفترة طويلة في المجتمعات البشرية غربيةً كانت أو شرقيةً فكرة اقتصادية تَصِفُ الأشخاص ذوي الإعاقة بأنَّهم يكلِّفون دوَلهم ومُجتمعاتهم تكلفة (فرصة ضائعة opportunity lost) باهظة: فهم من جهة، لا يُسهمون في إنتاج الثروات على غرار مواطنيهم من غير الأشخاص غير المعوقين ويُكَبِّدونَ، من جهة أخرى مُجتمعهم وميزانيات دوَلهم تكاليف مرتفعة من حيث إنشاء البُنَى التحتية المناسبة لهم وحمايتهم الاجتماعية.


هذه الرؤية كانت مع الأسف أحد الأسباب الرئيسة في تَدَني نِسَب مشاركة إخواننا من ذوي الإعاقة في سُوق العمل، وتشير إحصائيات (الاسكوا ESCWA 2017) إلى أنَّ نسبة التشغيل للأشخاص ذوي الإعاقة من مجموع إجمالي عددهم في المملكة العربية السعودية كانت (18%)، دولة قطر (24%)، المملكة المغربية (20%)، المملكة الأردنية (23%)، وجمهورية مصر العربية (26%) هكذا نلاحظ وأنَّه في أحسن الحالات ثلاثة أرباع (75%) من الأشخاص ذوي الإعاقة غير فاعلين اقتصاديًّا.
كما هو في مجالات الحياة الثانية، شهدت العقود الأخيرة موجات من المكاسب التي حققها أصحاب القضية في الحقِّ في العمل ليظهر تيار فكري يطالب بهدم الفكر السائد القديم ليحلَّ محلَّه، يدعو هذا التيار إلى دمج الأشخاص ذوي الإعاقة وتسهيل انخراطهم في سُوق العمل كمحرك مُهمٍّ للدَّوْرة الاقتصادية، بخاصَّة أنَّهم يُمثِّلون نسبة مرتفعة من إجمالي سكَّان بلدانهم، ومن هنا يحتاج الأشخاص ذوو الإعاقة إلى إعادة تأهيل لمُقوِّماتهم المهنية والاستثمار فيهم كرأس مال بشري.
يرى المتبنُّون لهذا الفكر أنَّ التهميش الذي يتعرض له الأشخاص ذوو الإعاقة هو نتيجة غياب قواعد كافية لتنظيم مشاركتهم في سُوق العمل ممَّا يدفعهم إلى العمل في القطاعات غير المنتظمة أو الموازية.
لفهم هذا التيار الفكري كان وجوبًا علينا المرور ولو بسرعة على مقاربة عالم الاقتصاد والفيلسوف الهندي (أمارتيا سِن SEN ِAmartya) 1985؛ طوَّرَ هذا الأخير مقاربة خاصَّة في عِلم الاقتصاد (مقاربة القدرات capability approach) لتقويم المشاكل المتعلقة بقباس مستوى المعيشة ونوعية الحياة، وهي تسمح بمقاربة أفضل للإعاقة على المستوى النظري، يتمُّ تحديد قدرة الشخص على العمل بما يُمكِن أن يَفعَلَهُ بدلًا من قدرته على الحصول على مستويات عالية من الدخل أو المنفعة (utility ) وحسب صاحب المقاربة يَجِبُ التمييز(اقتصاديًّا) بين (الفرصة العمليَّة practical opportunity) و(الوظيفة function) فلا يتمُّ تعريف الإعاقة على أنَّها نقص في النشاط الجسدي أو العقلي وحسب، بل على أنَّها (الحرمان) بسبب عدم القدرة على الاستفادة من الفرص المتاحة بغية تحويلها إلى وظيفة؛ أي القدرة على تحقيق شيء ما، كنتيجة لتفاعل ثلاثة عناصر أساسية: السِّمات الشخصية، السِّلع (الفرص) المتاحة والعناصر البيئية. وبحسب هذا التعريف تشمل الإعاقة أيَّ شخص غير قادر على اغتنام التقاطع بين قوَّته الجسدية والفرص المتاحة بغية تحقيق رغباته. وبرغم تعدُّد المقاربات الاقتصادية للإعاقة نرى أنَّ المقاربة الأخيرة لعالِم الاقتصاد الهندي أمارتيا سِن هي الأقوى كأداة تحليلية نظرية تتماشى مع ما نمارسه ميدانيًّا في عملنا بمجال الإعاقة منذ عقود. لفهم جدواها نبسط تحليلها للقارئ الكريم؛ فالمبتغى منها هو شرح أنَّ الأشخاص ذوي الإعاقة سيكونون أكثر حظًّا في الحصول على دَوْر فاعل في الدَّوْرة الاقتصادية إذا ما تمَّ تنمية سِماتهم الشخصية؛ أي مساعدتهم على نيل ما أمكن من العِلم والتدريب المهني أو الحرفي، ثم كلَّما كانت البيئة التحتية مهيأة ومساعدة لهم، من طُرقات ومواقف وبنايات ومكاتب أو مصانع..
وكذلك المهن ذاتها التي كلَّما هيأناها بفضل ما توصلت إليه بحوث علوم الشغل والعمل والتكنولوجيا، نكون قد حطَّمنا نهائيًّا أسباب (الحرمان) التي تقف أمام إخواننا ذوي الإعاقة لتجعلهم يُنعَتُونَ بغير الفاعِلِينَ اقتصاديًّا.
وممَّا يثلج الصدر ويفتح أبواب الأمل ما رأيته عن شاب أميركي مبتور الساقَيْنِ يَعملُ سائقًا لإحدى الشاحنات الثقيلة ويتنقل بها آلاف الكيلومترات في بلده وإلى بلدان الجوار بكلِّ احترافية وإتقان، وكان من الكافي أن هُيِّئت شاحنته ببعض المرافق الإضافية مِثل رافعة الكرسي المتحرك الآليَّة (الأوتوماتيكية) ولوحة تحكُّم إلكترونية في رافعات الأغراض والحمولة بالشاحنة ليكونَ سائق شاحنة ثقيلة محترفًا، يتقاضى راتبًا محترمًا يُؤمِنُ له حياةً كريمةً ومُواطنَةً فَاعِلةً.
خصَّصنا هذه المساحة للغوص فيما يلزمنا كحدٍّ أدنى نظريًّا لتحليل علاقة الإعاقة بالاقتصاد.. وسنحاول ـ بحَوْلِ الله ـ في الجزء الثاني عرض بعض المقترحات العملية لدعم دمج إخواننا وأخواتنا ذوي الإعاقة في سُوق العمل العُماني دعمًا منَّا لأهداف رؤية (عُمان 2040) التي رَسَمت بتحقيق الرفاهية لكُلِّ العُمانيين بِدُونِ فرزٍ أو تمييز.

زوهير بن الحبيب بن عياد بن يحيى
خبير شؤون الإعاقة
benyahiazouhaier@yahoo.fr

المصدر: جريدة الوطن

كلمات دلالية: الأشخاص ذوی الإعاقة

إقرأ أيضاً:

بدء تصوير مسلسل اللعبة الجزء الخامس لـ هشام ماجد وشيكو

بدء رسميًا تصوير الجزء الخامس من المسلسل الكوميدي الشهير «اللعبة»، من بطولة هشام ماجد وشيكو، وسط ترقب جماهيري كبير بعد النجاح اللافت الذي حققته الأجزاء السابقة على مدار السنوات الماضية.

مسلسل اللعبة الجزء الخامس

أعلن الفنان هشام ماجد عن انطلاق تصوير الموسم الخامس من مسلسل «اللعبة»، من خلال ستوري نشره عبر حسابه الرسمي على موقع «إنستجرام»، وكتب فيه: «اللعبة الجزء الخامس.. توكلنا على الله».

بدء تصوير مسلسل اللعبة الجزء 5

ومن المنتظر أن يحمل الجزء الخامس مزيدًا من المفاجآت في القصة والشخصيات، مع تكتم كبير من صناع العمل على تفاصيل السيناريو الجديد، لكن بعض المصادر ألمحت إلى تغييرات كبيرة في شكل التحديات ونطاق اللعبة، مما يعد بموسم أكثر إثارة.

مسلسل اللعبة

ويأتي الجزء الجديد استكمالًا لسلسلة المغامرات الكوميدية التي انطلقت عام 2020 تدور حول شخصية «وسيم» و«مازو»، وهما صديقان يتحولان إلى خصمين في لعبة مستمرة تعتمد على تنفيذ تحديات طريفة وغريبة، مقابل جوائز مالية مغرية.

وحققت سلسلة مسلسل اللعبة جماهيرية واسعة منذ عرض أول مواسمها على منصة «شاهد»، قبل أن تنتقل لاحقًا إلى شاشات التليفزيون.

مسلسل اللعبة أبطال مسلسل اللعبة

شارك في الأجزاء السابقة كوكبة من النجوم من أبرزهم: ميرنا جميل، مي كساب، سامي مغاوري، محمد ثروت، عارفة عبد الرسول، أحمد فتحي، وغيرهم، وقد ساهم هذا الفريق في ترسيخ العمل كواحد من أنجح الأعمال الكوميدية المصرية في السنوات الأخيرة.

اقرأ أيضاًمحمد ممدوح عن ماجد الكدواني: غير وجهة نظر الجمهور للشخصيات صاحبة الوزن الزائد

هشام ماجد لـ ريهام عبد الغفور: «شكرا لحضورك المميز في لعبتنا العزيزة»

يجمع كريم عبد العزيز وشيكو.. مواعيد وقنوات عرض «خالد نور وولده نور خالد»

مقالات مشابهة

  • توزيع 155 بقرة للمستفيدين من مشروع التمكين الاقتصادي في مقبنة بتعز
  • اجتماع برئاسة باجعالة يقر توصيات حول التمكين الاقتصادي والرعاية الاجتماعية
  • تفقد عملية دمج المستفيدات من مشروع التمكين الاقتصادي بالحديدة
  • بدء تصوير مسلسل اللعبة الجزء الخامس لـ هشام ماجد وشيكو
  • "التنمية" تشارك في برنامج "القيادي الزائر" بأمريكا لتطوير خدمات ذوي الإعاقة
  • الحديدة.. مناقشة آليات تنفيذ مشروع التمكين الاقتصادي وتحديد أولوياته
  • سلطنة عُمان تشارك في البرنامج الدولي للأشخاص ذوي الإعاقة بنيويورك
  • انتظام امتحانات الشهادة الإعدادية فى يومها الأول بالغربية
  • ذوو الإعاقة في المهرجانات .. بين محاولات الدمج وغياب التهيئة
  • الأمن العام: وقف العمل بالإيصالات المدونة بخط اليدّ