مجرمون تربعوا على عرش الانتخابات
تاريخ النشر: 10th, September 2023 GMT
مع أن دونالد ترامب يتميز بكونه أول رئيس أمريكي سابق يترشح لمنصب الرئاسة ويواجه تهما جنائية في الوقت نفسه، إلا أنه ليس أول مرشح سياسي في تاريخ أمريكا يُتهم أو يُدان أو حتى يُسجن. فعلى سبيل المثال، وُجهت إلى وزير الطاقة في ظل إدارة ترامب وحاكم تكساس السابق، ريك بيري، اتهامات بإساءة استخدام السلطة عندما سعى لفترة وجيزة إلى الحصول على الترشيح الرئاسي عن الحزب الجمهوري في عام 2016.
وهناك أيضا يوجين دِبس، الذي ترشح للرئاسة في عام 1920 من سجن أتلانتا الفيدرالي، حيث كان يقضي عقوبة سجنية مدتها عشر سنوات. ووُجهت إلى دبس تهمة انتهاك القانون المتعلق بإثارة الفتنة لعام 1918، بعد أن ألقى خطابا يعارض فيه مشاركة الولايات المتحدة في الحرب العالمية الأولى. وباعتباره مرشحا من الحزب الاشتراكي، لم يفز دبس بالرئاسة، ولكنه حصل على ما يقرب من مليون صوت- وهو أكبر عدد حصل عليه مرشح اشتراكي على الإطلاق في تاريخ الانتخابات الرئاسية الأمريكية.
وتمكن بعض المرشحين المدانين من الفوز في المنافسات الانتخابية. فقد فاز ماريون س. باري الابن بولاية رابعة في رئاسته لبلدية واشنطن العاصمة في عام 1994، مع أنه قضى قبل ذلك بأربع سنوات ستة أشهر في السجن بتهمة حيازة المخدرات. ومع أنه من غير المألوف أن يحصل المرشحون الذين سبق أن واجهوا اتهامات معينة أو أمضوا عقوبة سجنية، على مناصب حكومية بارزة في الدول الديمقراطية، إلا أنه ليس أمرا مستغربا. ففي بعض الأحيان، يكون ذلك مصحوبا بعملية التحول الديمقراطي. إذ فاز نيلسون مانديلا بأول انتخابات حرة في جنوب أفريقيا في عام 1994 بعد أن أمضى عقوبة سجنية مدتها 27 عاما بسبب نظام الفصل العنصري. وفي الآونة الأخيرة، فاز الرئيس البرازيلي، لويز إيناسيو لولا دا سيلفا، في عام 2022 بعد أن حكم عليه بتهم الفساد بالسجن لمدة 12 عاما، قضى منها أقل من عامين بسبب إلغاء إدانته. وقد استفاد آخرون سياسياً من الوقت الذي قضوه خلف القضبان، وأدولف هتلر أبشع مثال على ذلك. فقبل انقلابه الفاشل في ميونيخ عام 1923، كان هتلر محرضًا غير معروف نسبيًا في الحانات، وكان له سجل إجرامي. وحُكم عليه بالسجن لمدة خمس سنوات على خلفية انقلاب بير هول، ولكن ليس قبل أن أصبح حديث النشرات الإخبارية الوطنية بعد أن سمح له القضاة الذين كانوا يكنون له تعاطفا كبيرا بتقديم حججه السياسية. وفي نهاية المطاف، قضى هتلر تسعة أشهر فقط في سجن لاندسبيرغ، كتب خلالها بيانه المعادي للسامية mein Kampf (كفاحي). وبحلول وقت إطلاق سراحه، كان هتلر قد أصبح شخصا مشهوراً. وبعد أقل من عقد من الزمان، أصبح مَن كان محرضا في الماضي فوهرر ألمانيا.
ومن الأمثلة الأخرى رئيس الوزراء الياباني السابق كيشي نوبوسوكي، جد رئيس الوزراء الراحل آبي شينزو. وعلى عكس هتلر، كان كيشي عضوا في النخبة البيروقراطية في بلاده.
بعد تخرج كيشي بتفوق من جامعة طوكيو الامبراطورية (جامعة طوكيو الآن)، ارتقى بسرعة داخل البيروقراطية الحكومية. ومن اللافت للنظر أنه كان لا يزال في الثلاثينيات من عمره عندما أوكِلت إليه مهمة الإشراف على اقتصاد مانشوكو، الدولة العميلة لليابان في منشوريا، حيث كان حاكما لإمبراطورية صناعية بُنيت بسواعد العبيد الصينيين. وخلال حرب المحيط الهادئ، شغل كيشي منصب نائب وزير الذخائر. ويمكن تشبيه كيشي بألبرت سبير، الذي كان مهندسا معماريا ووزيرا للذخيرة في عهد هتلر، والذي حكمت عليه محكمة نورمبرغ بالسجن لمدة عشرين عاما، بتهم أبرزها استغلاله للسخرة. ولكن رغم إلقاء القبض عليه بتهمة ارتكاب جرائم حرب في عام 1945 وسجنه لمدة ثلاث سنوات ونصف، إلا أن كيشي لم يحاكم ولم يُدن رسمياً قط. وأثناء مدة سجنه، خطط كيشي لعودته إلى الساحة السياسية مع زملائه السجناء، بما في ذلك رجل عصابات سيئ السمعة وأحد دعاة الفاشية اليابانيين البارزين. وبعد أن قرر الأمريكيون أن معارضة الشيوعية الصينية والسوفييتية أهم من محاكمة مجرمي الحرب اليابانيين، خلصوا إلى أن كيشي هو الرجل الذي يحتاجون إليه بالضبط. وأثناء ترشح كيشي لأعلى منصب بعد وقت قصير من إطلاق سراحه، كافأ الأمريكيين على ثقتهم بتعزيز مكانة اليابان باعتبارها حليفاً قوياً للولايات المتحدة في مناهضة الشيوعية. وشغل كيشي منصب رئيس وزراء اليابان من عام 1957 إلى عام 1960.
إن ترامب ليس دكتاتورا ولا مجرم حرب، بل هو شخص يروج لذاته بخبث في محاولة منه لاستغلال مشاكله القانونية لتحقيق مكاسب سياسية ومالية. ولأنه يعتبر نفسه دخيلاً، فقد حول لوائح الاتهام التي واجهها إلى أصول سياسية، متقمصا دور شهيد يتعرض للاضطهاد من جانب النخب الفاسدة الراسخة. ويبدو أن استراتيجيته ناجحة، على الأقل حتى الآن. فقد عززت كل لائحة اتهام جديدة شعبية ترامب بين الناخبين الجمهوريين، وزادت من المساهمات في حملته الرئاسية. وبسبب مواقفه وخطبه التحريضية التي يهاجم فيها القضاة والمدعين العامين ويسخر منهم، أصبح ظهور ترامب العلني مشهدا إعلاميا مثيرا. وعندما سيدخل ترامب إلى قاعة المحكمة- وبالضبط في مقاطعة فولتون بولاية جورجيا، حيث ستبث محاكمته بتهمة التدخل في الانتخابات على الهواء مباشرةـ سوف يستغل بدون أدنى شك الفرصة لشن حملته من قفص الاتهام. لا شيء من هذا يوحي بأن ترامب سوف ينجح. فعلى سبيل المثال، خسر هتلر الانتخابات الرئاسية عام 1932 أمام المشير بول فون هيندنبورغ، الذي كان يحظى بالاحترام لكنه كان متقدما في السن. وكان هيندنبورغ الذي كان يبلغ من العمر آنذاك 84 عاما، يشبه إلى حد ما الرئيس الأمريكي جو بايدن في شيء واحد على الأقل: لقد صوت المعتدلون واليساريون لصالحه لا لشيءٍ سوى لمنع خصمه الديماغوجي من الوصول إلى السلطة. ولكن النازيين أصبحوا الحزب الأكبر في الرايخستاغ، وارتكب الساسة المحافظون ورجال الصناعة ورجال الأعمال خطأ فادحاً عندما دعموا هتلر بصفته مستشارا جديدا في عام 1933. وكان اعتقادهم الخاطئ بأنهم قادرون على كبح جماح طموحات هتلر سبباً في التعجيل بزوال الديمقراطية الألمانية. ومن المؤكد أن الولايات المتحدة اليوم ليست جمهورية فايمار، وبايدن ليس هو هيندنبورغ.
إن خطاب ترامب العنيف وتهديداته للمعارضين أمر مثير للقلق، خاصة وأن العديد من أنصاره مسلحون. ولكن من دون دعم القوات المسلحة، وكذلك وول ستريت، من الصعب أن نرى كيف قد يتمكن من شق طريقه إلى السلطة. وفي ظل النظام الانتخابي المتهالك الذي يفضل المناطق الريفية على المناطق الحضرية في أمريكا، من الممكن بطبيعة الحال أن يفوز بما يكفي من الأصوات ليصبح رئيساً، حتى أثناء إدارته لحملته الانتخابية من زنزانة السجن. ولن يكون انتصار ترامب أشبه بانقلاب هتلر في عام 1933، لكنه سيكون سيئا بما يكفي؛ ومن المؤكد أنه سيكون أسوأ بكثير مما حدث في اليابان في عهد كيشي في أواخر الخمسينيات من القرن العشرين. إن الاعتماد على لوائح الاتهام لمنع ترامب من الفوز سياسة خاطئة تماما كما كانت فكرة أن المحافظين الألمان قادرون على ترويض هتلر. لقد أظهر التاريخ أن الجريمة تؤتي ثمارها في بعض الأحيان.
إيان بوروما كاتب وروائي مؤلف رواية «جريمة قتل في أمستردام».
خدمة بروجيكت سنديكيت
المصدر: لجريدة عمان
إقرأ أيضاً:
ما الذي يفهم من تصريح وزير الدفاع الإسرائيلي بشأن الأنفاق؟
استبق الاحتلال الإسرائيلي عملية الإفراج عن الأسرى الإسرائيليين في غزة، وهدد على لسان وزير دفاعه يسرائيل كاتس بمواصلة الحرب على قطاع غزة بحجة تدمير أنفاق المقاومة الفلسطينية، مما يترك تساؤلات عن مدى جدية الاحتلال في الالتزام باتفاق وقف إطلاق النار وتبادل الأسرى.
وقال كاتس إنه أمر قوات الجيش بالاستعداد لتنفيذ مهمة تدمير أنفاق حركة المقاومة الإسلامية (حماس) بعد الإفراج عن الأسرى، زاعما أن "تدمير أنفاق حماس هو معنى تنفيذ المبدأ المتفق عليه بشأن نزع سلاحها وتجريدها من قدراتها".
وتنص الخطوات التنفيذية لخطة الرئيس الأميركي دونالد ترامب بشأن غزة على أن تسلم حماس جميع الأسرى الأحياء الموجودين لدى الفصائل، كما تسلم الحركة أيضا رفات الأسرى الإسرائيليين بغزة.
وتشمل صفقة التبادل الإفراج عن نحو 250 أسيرا محكوما بالمؤبد ونحو 1700 أسير من قطاع غزة احتجزوا بعد السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023.
ويشير النقاش العام في إسرائيل إلى أن تل أبيب تنوي من خلال الاتفاق -الذي تم بموجب خطة الرئيس الأميركي دونالد ترامب- حسم المعركة مع حركة حماس وتحقيق ما عجزت عنه من خلال الحرب وهو القضاء على سلاحها، وهو ما يقوله الخبير في الشؤون الإسرائيلية، عماد أبو عواد، والذي لفت إلى أن ما يفهم من كلام كاتس هو أن إسرائيل ذاهبة باتجاه إطالة أمد المرحلة الثانية من الاتفاق.
ويرجح أبو عواد -في حديثه لقناة الجزيرة- أن إسرائيل ستتبنى إستراتيجية تقوم على وضع المزيد من العراقيل أثناء تطبيق المرحلة المقبلة متذرعة بوجود أنفاق وسلاح، وبأن حماس لا تزال موجودة في قطاع غزة.
ويرى أن إسرائيل تفكر الآن بأن الحرب بطريقة أخرى هي الوسيلة التي من الممكن أن تحقق من خلالها بعض الأهداف الإستراتيجية ومن أبرزها، استمرار التضييق على الفلسطينيين من أجل أن يكون مشروع التهجير حاضرا في أذهانهم وتحويل قطاع غزة إلى منطقة غير قابلة للعيش.
أهداف إسرائيلية
وحسب مراسلة الجزيرة فاطمة خمايسي، فإن تصريح كاتس يقرأ بأنه محاولة إسرائيلية رسمية على المستوى العسكري لتسويق الخطة التي صادقت عليها الحكومة على أنها إنجاز يحفظ الأهداف الإسرائيلية وتتمثل في "نزع قدرات حماس وإبعادها عن الحكم وضمان ألا تشكل غزة أي تهديد مستقبلي ضد إسرائيل".
إعلانوأشارت إلى تصريحات لرئيس الأركان إيال زامير كشفت عنها هيئة البث الإسرائيلية، حيث قال خلال اجتماع الحكومة الخميس الماضي إن "الحرب لم تنته وإنما المرحلة الأولى منها انتهت".
ويرى مدير مركز رؤية للتنمية السياسية، أحمد عطاونة، أن هناك نقاطا شائكة في خطة الرئيس الأميركي تحتاج إلى نقاش معمق وتفصيلي بين الوسطاء وبين الفلسطينيين، وبين الفلسطينيين أنفسهم، مشيرا إلى أن الدول العربية والإسلامية أعلنت أن السلاح هو قضية فلسطينية يحل ضمن النقاش الفلسطيني الداخلي، وأن إدارة قطاع غزة يجب أن تكون فلسطينية وليس إدارة دولية.
وتوقع عطاونة -في حديثه للجزيرة- أن تكون المرحلة الثانية من الاتفاق صعبة على مستوى المفاوضات وأكثر صعوبة على مستوى التنفيذ، لكنه شدد على أهمية الإجابة عن مجموعة من الأسئلة وتفسير بعض القضايا وتحديد المقصود منها قبل أن تتحول خطة ترامب إلى خطة دولية، كما يسعى لذلك.
وأشار إلى أن الفلسطينيين يرفضون غالبية بنود خطة ترامب وخاصة المتعلق بالمرحلة الثانية منها.
وأُعلن فجر التاسع من أكتوبر/تشرين الأول 2025 في مدينة شرم الشيخ المصرية عن التوصل إلى اتفاق بشأن المرحلة الأولى من خطة ترامب للسلام في قطاع غزة.
وأكدت حماس أنها توصلت إلى اتفاق ينهي الحرب، يتضمن انسحابا إسرائيليا من غزة وتبادل الأسرى، لكنها دعت ترامب والدول الوسيطة إلى ضمان أن تنفذ إسرائيل وقف إطلاق النار بالكامل.