تصاعد إنذارات صنعاء يضع دول العدوان أمام ضرورة حسم خياراتها
تاريخ النشر: 12th, September 2023 GMT
يمانيون -متابعات
بينَ إصرارِها الثابِتِ على المماطَلَةِ والمراوغة ومواصلة استهداف الشعب اليمني، ورغبتِها غيرِ الواقعية في تجنُّب تداعياتِ استمرار الحرب والحصار بدون تنفيذ الالتزامات المطلوبة، تواجِهُ دولُ العدوان الأمريكي السعوديّ الإماراتي مَأزِقاً تتزايدُ صعوبتُه بشكل مُستمرّ مع مرور الوقت؛ إذ تواصل صنعاء -وبصورة تصاعدية- توجيه رسائل الإنذار والوعيد التي تؤكّـد بشكل واضح أن العدوّ سيقف عاجلاً أَو آجلاً أمام ضرورة اتِّخاذ قرار نهائي، إما بالتخلي عن مطامعه وحساباته العدوانية وإعادة حقوق اليمنيين، أَو الدخول في جولة أُخرى من المواجهة العسكرية، ولكن هذه المرة بمعادلات حاسمة قد تغير وجه المنطقة، علماً بأن الموقف الراهن يمثل إصراراً على الذهاب نحو المواجهة.
آخرُ رسائل التحذير والوعيد جاءت على لسان رئيس الجمهورية، مهدي المشاط، الذي كشف هذا الأسبوع أن القوةَ الصاروخية قد طوَّرت قدراتُها إلى مستوى تستطيع فيه “أن تضرب أي هدف في أية مدينة بدول العدوان من أي مكان في اليمن، وليس من منطقة معينة”، مُشيراً إلى أن “دول العدوان قد تحتاج لتجربة هذه القدرات”، في تلميحٍ واضح إلى حقيقة أن صنعاء لن تتردّد في استخدام القوة العسكرية لانتزاع حقوق الشعب اليمني من العدوّ، إذَا لم ينجح المسار التفاوضي في استعادة تلك الحقوق سلمياً.
ليست هذه الرسالة الأولى التي توجّـهها صنعاء والقيادة الوطنية لدول العدوان بشأن عواقب الاستمرار بالمماطلة في تنفيذ متطلبات والتزامات الحل؛ إذ سبق أن وجّه قائد الثورة ورئيس الجمهورية، العديدَ من الإنذارات والتحذيرات المباشرة لدول العدوان وللنظام السعوديّ بشكل خاص، وقد ركزت تلك الرسائل بشكل ملحوظ على تأكيد نقطة هامة هي أن القدرات العسكرية الوطنية تطورت بشكل كبير خلال فترة الهدنة وما تبعها من خفض للتصعيد، وأن هذا التطور جاء من واقع إدراك لطبيعة نوايا العدوّ وألاعيبه، والحاجة إلى ردعه بكل الوسائل الممكنة، وتحقيق الهدف الأسمى المتمثل بتحرير البلد، بحسب تأكيد قائد الثورة السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي.
وبالتالي، فَــإنَّ إصرار دول العدوان على المماطلة والمراوغة؛ لكسب المزيد من الوقت، أصبح بالفعل يمثل “قنبلة موقوتة”، كما وصفه الرئيس المشاط في خِطابٍ سابق؛ فبينما تحاولُ الولاياتُ المتحدة الأمريكية والنظام السعوديّ استغلال الوقت لشق طرق التفافية تؤدي إلى إطالة أمد العدوان والحصار، تقومُ صنعاءُ بمضاعفة جهودِها وتنويعِ خياراتها للحسم العسكري؛ الأمرُ الذي يعني أن العدوَّ يتجهُ نحوَ هاوية حتمية هو نفسه لا يريد أن يصل إليها، لكنه لا يفعل أي شيء لتجنبها، بل إنه يحرص بشدة على تجنب الطريق الآمن، المتمثل بمعالجة الملف الإنساني والتقدم نحو عملية سلام حقيقية.
ومع كُـلّ تحذير جديد توجِّـهُه صنعاء والقيادة الوطنية لدول العدوان، يزداد المأزق الذي تعيشُه الأخيرةُ بين إصرارها على المضي في طريق التصعيد، وخوفِها من الوصول إلى التصعيد؛ وهو مأزِقٌ مثيرٌ للسُّخرية لم تكن دول العدوان مضطرة إلى أن تواجهه، لولا أنها لم تمتلك الرغبةَ الحقيقيةَ في التوجّـه نحو سلام فعلي، بل أرادت أن تغيّر تكتيكاتها في استهداف الشعب اليمني.
إن المأزقَ الذي تعيشُه دول العدوان -وعلى رأسها السعوديّة- سببُهُ أنها أرادت أن تفرضَ قواعدَ لعب جديدة لمواصلة الحرب، وتريد من صنعاء أن تجاريَها في ذلك، لكنها تجاهلت حقيقة أن استمرارَ الحرب يعني استمرارَ المواجهة، وأن قواعد الاشتباك الرئيسية يستحيل إلغاءها بهذا الشكل؛ فاستمرار معاناة الشعب اليمني وحرمانه من حقوقه والسعي لاقتطاع أجزاء من أرضه، سيقابل دائماً بالإعداد للتحرير وانتزاع الحقوق وفرض السيادة الوطنية.
والحقيقة أنه لا يوجد أي توصيف يناسب ما تريده دول العدوان، سوى الاستسلام؛ فموقفها يشير بوضوح إلى أنها تركز فقط على الحصول على التزام من صنعاء بوقف إطلاق النار، بدون مقابل، أَو مقابل وعود وخطوات شكلية.
ولعل حرص القيادة الوطنية على مواصلة توجيه رسائل الإنذار والتحذير لدول العدوان، وتأكيد تعاظم القدرات العسكرية، يهدف بشكل أَسَاسي، لتذكير الرياض ورعاتها وشركائها باستحالة تحقّق أهدافهم المرسومة، وبأن خططهم ومساعيهم التي يأملون من خلالها إجبار صنعاء على الاستسلام، ستنتهي على الواقع بصدمات مزلزلة.
مع ذلك، فَــإنَّ حقيقة استمرار توجيه التحذيرات والإنذارات لدول العدوان، تعكسُ بوضوحٍ استمرارَ إصرارها على تجنب طريق الحلول ومواصلة الالتفاف على استحقاقات ومطالب الشعب اليمني؛ وهو ما يعني أنها تصرُّ على تجاهل النهاية الحتمية لمسار المراوغة.
قائدُ الثورة السيدُ عبد الملك بدر الدين الحوثي، كان قد أشار إلى ذلك في وقت سابق، عندما أكّـد أن مشكلةَ دول العدوان هي أنها تواصلُ الخضوعَ للرغبات الأمريكية والبريطانية برغم إدراكها لكلفة استمرار الحرب، محذّراً إياها من استمرار التعويل على رعاتها الغربيين؛ وهو ما يعني أن النظامَ السعوديَّ لا يفعلُ شيئاً لتجنُّبِ عودة التصعيد، بل يثقُ بأن الولايات المتحدة ستنقذه.
ووفقاً لذلك، فَــإنَّ التحذيرات والإنذارات العسكرية تحمل أَيْـضاً رسالة هامة لدول العدوان، مفادها أن الولايات المتحدة لن تستطيع تقييد خيارات صنعاء، وأن استمرار حالة خفض التصعيد ليس ناتجاً عن دقة ونجاعة المخطّطات الأمريكية، بل هو تجاوب وطني مع جهود الوسطاء وحرص على منحهم الفرصة التي أكّـد قائد الثورة سابقًا أنها قد استنفدت وقتَها.
وتصاعُدُ نبرة ونوعية الإنذارات والتحذيرات، يؤكّـدُ بوضوح أن صنعاءَ تعملُ على تذكيرِ دول العدوان بطبيعة مخاوفها وُصُـولاً إلى جعلها ملموسة؛ فإعلانُ الرئيس المشاط عن نجاح تجربة صاروخية في البحر الأحمر قبل أَيَّـام، وحديثه عن إمْكَانية استهداف أي مكان في دول العدوان من أية منطقة يمنية، ليس بالتأكيد مُجَـرّد مصادفة تتزامن مع الفرصة التفاوضية الأخيرة والحاسمة، بل هو تأكيد لحقيقة أن اليمن يواصل إعداد العدة لمعركة التحرير وانتزاع الحقوق، وأن الولايات المتحدة وغيرها من القوى الغربية التي تعول عليها دول العدوان لم تستطِع إلغاءَ قواعد الاشتباك أَو تغييرها، ولن تستطيع الحيلولة دون عودة التصعيد في حال فشلت جهود السلام.
ويمكن القول، وفقاً لذلكَ: إن التحذيراتِ المتواصلة التي توجّـهها صنعاءُ لدول العدوان، وآخرُها تحذيرُ الرئيس المشاط، تضبُطُ مسارَ حالة خفض التصعيد بالشكل الذي يمنع تحوُّلَها إلى غطاء للالتفاف على حقوق الشعب اليمني ومتطلبات السلام العادل، ويحولُ دونَ نجاح أية مساعٍ لفرض واقع بديل يقيد خيارات صنعاء أَو يعطِّلُ معادلاتِ وقواعد الاشتباك؛ وهو الأمر الذي يضع دول العدوان أمامَ حتمية سقوط كُـلّ حساباتها وتقديراتها الخاطئة.
المسيرة
المصدر: يمانيون
كلمات دلالية: الشعب الیمنی دول العدوان
إقرأ أيضاً:
٨ سنوات على فتنة ديسمبر.. الخاتمة السوداء للخائن عفاش
وفي ذلك اليوم كان اليمن يقف على حافة المجهول؛ فقد أعلن الخائن علي عبدالله صالح فكّ ارتباطه الكامل مع أنصار الله والقوى الوطنية، منهياً تحالفاً دام ثلاثة أعوام، ومتجهاً إلى أحضان تحالف العدوان السعودي الإماراتي الذي دمّر البلاد منذ مارس 2015، وبالأصح انكشفت ورقة الخيانة، فعفاش كان في الظاهر مع أنصار الله، لكنه في الخفاء كان يعمل مع العدوان، ويقتنص الفرصة للانقضاض عليهم.
ويمكن القول إن فتنة 2 ديسمبر في عامها الثامن لم تبدأ في ذلك اليوم، فقد كانت فصولها تتراكم بهدوء وعلى غير عجل، لأشهر طويلة من التحضير، وفشل المحاولات، والمؤامرات المؤجلة، واللقاءات السرية.
وخلال سنوات “الشراكة” بين حزب المؤتمر الشعبي العام الذي كان يترأسه الخائن صالح، وأنصار الله والقوى الوطنية، كان صالح لا يتصرف كحليف، بل كمن ينتظر لحظة انقلاب ويتحين فرصة العودة من النافذة الضيقة.
ورغم ظهوره كجزء من جبهة مواجهة العدوان، كان يرسل رسائله إلى الرياض عبر شخصيات مقرّبة، وكان ينتظر إشارة أو صفقة وفرصة للعودة إلى الحكم.
لقد كانت الخيانة واضحة في سلوكه، فهو لم ينسَ من كان يراقبه، وتأخر إعلان موقفه المناهض للعدوان لما بعد أربعة أسابيع؛ حيث ظل خلالها صامتاً يبحث عن موطئ قدم لدى الرياض، رغم استهداف منزله بالطيران وصواريخ العدوان، وحين رفضه ابن سلمان، عاد ليقف مع صنعاء ومع اليمنيين، لكن دون إيمان بالتحالف مع أنصار الله والقوى الحية في الداخل.
لقد كان الرجل يرى نفسه متفردًا فوق الجميع، ولم يكن يرى في “الشراكة” سوى جسر مؤقت، كما لم يكن يرى في دماء اليمنيين غير وقود أحلام نرجسية للعودة إلى السلطة.
لم يكن 2 ديسمبر أول محاولة لإحداث الفتنة ومحاولة الانقلاب على ثورة 21 سبتمبر ومشروعها التحرري الأصيل، فالمخطط الأصلي كان مقر التنفيذ في 24 أغسطس 2017.
لقد تم تمويل حشد شعبي كبير تحت غطاء “احتفال” مزعوم بذكرى تأسيس حزب المؤتمر! فكان الهدف واضحاً من الحدث، وهو إطلاق خطاب يدعو لاحتلال المؤسسات واقتحام مراكز الدولة والانقلاب من ميدان السبعين، لكن أنصار الله كانوا قد اخترقوا الخطة بالكامل واطلعوا على تفاصيلها.
وصل التحذير مباشرة لصالح عبر الشهيد الرئيس صالح الصماد، الذي وقف أمامه ملوحاً من تبعات أي تحرك أحمق لعفاش وأتباعه، وبسبب الضغط الشعبي والاستنفار الذي أحاط بمداخل صنعاء آنذاك، واستنفار الأجهزة الأمنية، تراجع صالح في آخر لحظة عن الخطة، وفشلت خطة أغسطس لكن صداها لم يختفِ من غرف صالح المغلقة.
بعد فشل خطة أغسطس الرئيسة، لم يتوقف عفاش، فكان نشاطه التخريبي قد تحول إلى نشاط سري، حيث أعاد تفعيل مجموعات عسكرية سابقة، وفتح مراكز تدريب سرية في معسكر الشهيد "الملصي"، ومعسكر التدريب في ذمار، وفعّل “هيئة الحفاظ على القوات المسلحة والأمن” التي كانت عملياً غرفة عمليات.
وفي الوقت نفسه، تضاعفت الحملات الإعلامية ضد أنصار الله وما كان يعرف بـ"اللجان الشعبية"، وحملات التحريض ضد مؤسسات الدولة، وكان الهدف خلق مزاج شعبي ناقم يُستخدم ساعة تفجير الموقف.
وكانت ذروة التصعيد العفاشي في ذكرى المولد النبوي الشريف في 29 نوفمبر، حيث بدت أغلب القنوات المرتبطة بالخارج تبث رسائل موجهة للشارع، تصور احتفال اليمنيين بالمولد كحال من البذخ والبدعة، والهدف كان التأليب على المحتفلين؛ أنصار الله وعموم اليمنيين.
ومع طلوع شمس السبت 2 ديسمبر، بدت صنعاء مدينة على وشك التشظي، كأنها ستحترق، فقد انتشرت مجموعات صالح في الأحياء الجنوبية، وأغلقت الشوارع، وأطلقت النار في الهواء، وكانت القنوات الخارجية التابعة لتحالف العدوان مثل العربية والحدث السعودية وسكاي نيوز الإماراتية تصبغ شاشاتها كاملة باللون الأحمر، وشعارها "صنعاء تنتفض"، وتبشر بمزاعم انتصار سريع، وتتحدث عن “سقوط المطار والتلفزيون”، رغم أن شيئاً من ذلك لم يحدث، وكانت قراءة العدو مفعمة بالسذاجة والجهل بالموقف حد التخمة.
كانت صنعاء تنتفض لكن ليس بطريقة التحالف، بل بطريقة الأحرار لتزيل ما تبقى من عفونة زمن طويل من العمالة والارتزاق.
وحين خرج عفاش عن الإجماع، كانت البداية في القرار الأخطر الذي لم يكن محاولته تأليب الشارع فحسب، بل كان في الجبهات، ووقتها أمر صالح بقطع خطوط الإمداد عن جبهات القتال عبر صرواح ونهم، وتوقف الإمداد بالمؤن والوقود، وتُرك المجاهدون بلا عون في اللحظة التي كانت قوات تابعة للسعودية والإمارات تتحرك باتجاه جبهات صنعاء.
أراد الخائن صالح أن يحقق انتصاراً سريعاً على أحرار الوطن، لكنه سرعان ما فرّ هارباً يجر وراءه الخزي والعار، فقُتل وهو في أعلى درجات الخيانة، لتظل خاتمته سيئة كما بدأها، وليتحرر اليمن من جبروته وطغيانه وفساده الكبير.
ويومها خرج قائد جيشه الخائن طارق عفاش هارباً من صنعاء بملابس امرأة، وبعد أن وصل إلى عدن اتضحت الصورة جيداً، وأصبح الرجل بعد أشهر رجل الاحتلال الإماراتي الأبرز في اليمن، خادماً مطيعاً لها، يقود تحركات خيانة لا تهدأ على اليمن.
المسيرة