“صراع الأحفاد” بالسودان.. حكاياتٌ مُبكيةٌ فجّرتها الحرب!
تاريخ النشر: 12th, September 2023 GMT
الصراع على الإرث بين الأحفاد في السودان بعد الصراع الدائر بين الجيش والدعم السريع وصل لارتكاب جرائم قتل
المصدر: الحدث.نت
مثلما يقلب التاجر الخاسر دفاتره القديمة عندما يفلِّس، طفق القادمون من الخرطوم، خاصّةً أولئك الذين مسّـتهم ضراء الحرب الطاحنة بنقص في الأموال والثمرات، نبش أوراق الدفاتر الأسرية القديمة بحثاً عن ميراث سقط سهواً أو أخفي عمداً، سواءً أكان الميراث المذكور منزلاً أو أرضاً زراعية، إلّا أنّ نبش الأوراق القديمة لم يعجب بعض ذوي القُـربى، لتتفجّر احتكاكاتٌ اجتماعيّةٌ، سرعان ما تصبح ملاسنات حادة، وأحياناً تتطوّر إلى اشتباكات بالأيدي، وربما بلغت حد القتل مثلما حدث في إحدى المُدن السُّودانية.
العربية 360 | مشاهد مأساوية متفرقة لحصاد 3 شهور من الحرب في السودان
العربية 360 | مشاهد مأساوية متفرقة لحصاد 3 شهور من الحرب في السودان
جريمةٌ مُروِّعةٌ!
ويبدو أنّ حرب الجنراليْن بالخرطوم لن تتوقف حتى تقضي على الأخضر واليابس في السودان، فما إن عاد مواطنو الخرطوم إلى ذويهم بولايات السودان المختلفة فراراً من جحيم الحرب الطاحنة والمعارك المُحتدمة، حتى اشتعلت حروب صغيرة قوامها الأهل والأقارب أنفسهم هذه المرة، كما تُؤكِّد تفاصيل الحكايات المُبكية بين الأصول والفروع داخل البيت الواحد أو الأسرة الواحدة.
وتؤكد منظمة الهجرة الدولية أن "4.8 مليون شخص فروا من الصراع بينهم 3.8 مليون نازح داخليًا وأكثر من مليون عبروا الحدود إلى البلدان المجاورة للسودان".
وأشارت إلى أن أكبر عدد من النازحين داخليًا فروا من العاصمة الخرطوم، التي هرب منها 2.7 مليون شخص بما يعادل 75% من مجموع النازحين.
ارتفاع لافت!
فقد أكّد مُواطنون بولايات السودان المُختلفة لـ"العربية.نت" أنّ المطالبات بتقسيم الإرث ارتفعت بطريقة غير مسبوقة بعد اندلاع الحرب في السودان، ولا يكاد يمر يوم واحدٌ دون ظهور أزمة جديدة هنا أو هناك بين أقرباء يطالبون بحقهم في الميراث.
وروى شهود عيان لـ"العربية.نت"، وقوع جريمة قتل بمدينة حلفا الجديدة التي تبعد 367 كلم تقريباً بالاتّجاه الشرقي للعاصمة الخرطوم، دافعها الأساسي النزاع على الميراث.
وجرت تطوُّرات الأحداث المُرعبة في شهر أغسطس الماضي، عقب عودة الجاني إلى منزل الأسرة، حيث يقطن أخوه مع أسرته، واضطر المتهم لإخلاء المنزل الأول لأصحابه الذين عادوا إلى المدينة إثر اندلاع الحرب بالخرطوم. ولم يلبث الوضع إلّا قليلاً حتى حمى وطيس المعارك الكلامية بين الجاني العائد إلى منزل الأسرة، وبين المجني عليها "زوجة أخيه التي تسكن في المنزل"، ولم يتوقّع أحدٌ أن تنتهي المشادات الحادة بجريمة مُروِّعة، ففي غمرة هياجه انهال الجاني على زوجة أخيه طعناً بسكين ولم يتركها إلّا بعد أن خرت صريعة مضرجة بدمائها على الأرض. وعبثاً حاول ذووها إسعافها إلى المستشفى لتلقي العلاج إلّا أنّها لفظت أنفاسها الأخيرة قبل وصولها إلى هناك، بينما اُقتيد المتهم للتحقيق بتُهمة القتل العمد.
في السياق ذاته، سردت إحدى المواطنات، تفاصيل مُحزنة في إحدى مناطق ولاية الجزيرة بوسط السودان، حيث اضطرت أسرتان ينتهي نسبهما إلى أب واحد - إحداهن مقيمة هناك والثانية قادمة من الخرطوم - لتقسيم منزل الأسرة إلى نصفين بينهما جدارٌ عازلٌ، بعد عجز الطرفين في العيش بسلام تحت سقف واحد، وأضافت السيدة المذكورة: "كنا نسمع أصوات الصراخ والمشادات والتلاسن بين أفراد الأسرتين بوضوح شديد بحكم إقامتنا جوارهم، ولم نستطع التدخُّل لفض المنازعات خوفاً من اتّهـامنا بالانحياز إلى طرف على حساب الآخر".
من جانبها، ذكرت المُحامية صفاء عوض لـ"العربية.نت" أنها رصدت خلال حركتها بأروقة المحاكم في الولاية الشمالية أنّ المنازعات القضائية ما بين الورثة القادمين من الخرطوم والمُقيمين بالولايات ارتفعت بطريقة غير مسبوقة حول أنصبة كل طرف في المنازل والمزارع، ومضت لتقول إنّ تلك الأراضي لم تكن ذات قيمة تُذكر قبل نشوب الحرب، إلّا أنّها اكتسبت قيمة إضافية عقب اتّجاه أعداد ضخمة من المواطنين الفارين من جحيم الحرب بالخرطوم صوب مسقط رأسهم بولايات السودان المُختلفة، خاصّة مع ارتفاع تكاليف الحياة وفقدان الغالبية العُظمى لمصادر دخلهم، كما خلّفُوا بيوتهم وأمتعتهم وعرباتهم وجميع مُـدّخراتهم وراء ظُهُـورهم.
حيث ذكرت الأمم المتحدة إن الاقتصاد السوداني تراجع بنسبة تصل إلى 42% جراء القتال الشرس بين الجيش والدعم السريع الذي قارب على إكمال شهره السادس.
المحاكم لا تَتَدَخّل!
في السياق ذاته، قال مستشار بوزارة العدل في السودان لـ"العربية.نت": معظم المواريث في الولايات أراضٍ غير مسجلة مثل البيوت والحواكير القديمة في القرى وهذه تورثٌ بالتراضي، وتتم عادةً بدون مُكاتَبات رسمية وعقود بيع مُوثّقة، ومثل هذه الأراضي لا تُورث بواسطة المحاكم، لأنّ المحاكم ترفض توريث الأراضي غير المسجلة رسمياً، وهذه معضلة أساسية واجهت المُـواطنين عند المطالبة بحقوقهم، لأنّ الغالبية العُظمى من البيوت في القُرى إن لم تكن كُلّها، غير مسجلة وتتوارث بوضع اليد فقط، إذ مثلت كماً مهملاً لزمان طويل.
وأضاف المستشار لـ"العربية.نت": هذا موضوع مهم جداً لا بُدّ أن يتم تسليط الأضواء عليه والتشديد على ضرورة توريث الأراضي والبيوت غير المسجلة في القرى والبوادي والقرى بواسطة المحاكم حتى ولو اضطرت لتوريثها بالرسم التقريبي "الكروكي" المقترح من الورثة، مع ضرورة أن يشمل ذلك الأمر، الأراضي الزراعية والبيوت".
وينهي المستشار حديثه لـ"العربية.نت" بأن المحاكم تقف مكتوفة الأيدي أمام الفصل في منازعات الأراضي غير المسجلة، إذ تشترط تسجيل الأراضي لبدء إجراءات التوريث، أما الأراضي المسجلة فيمكن توريثها بواسطة المحاكم دون عناءٍ.
موضوع يهمك?أعلن الجيش السوداني السبت مقتل 30 من قوات الدعم السريع في اشتباكات بين الجانبين في مدينة الفاشر بولاية شمال دارفور.وقال...الجيش السوداني يعلن مقتل 30 من الدعم السريع باشتباكات شمال دارفور الجيش السوداني يعلن مقتل 30 من الدعم السريع باشتباكات شمال دارفور الحدث
إنها الحرب!
يُذكر أنّه منذ اندلاعه في 15 أبريل، حصد النزاع بين الجيش والدعم السريع، عشرات الآلاف من القتلى والمصابين وسط المدنيين العُزّل والطرفين المُتحاربين، كما اضطر خمسة ملايين شخص تقريباً لهجر منازلهم والنزوح داخل السودان أو العبور إلى دول الجوار، خصوصاً مصر، تشاد وجنوب السودان؛ بينما انتشرت بشكل واسع أعمال النهب والاعتداءات في عدد من المناطق، بينها الخرطوم وإقليم دارفور.
////////////////////
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: فی السودان
إقرأ أيضاً:
14 قتيلا في قصف لقوات الدعم السريع على مخيم للنازحين غرب السودان
الخرطوم- قتل 14 شخصا في قصف لقوات الدعم السريع على سوق في مخيم للنازحين في إقليم دارفور، وفقا لما أفادت به مصادر إغاثية الأحد 18 مايو 2025، مع تكثيف هذه القوات هجماتها في غرب وشرق السودان.
وقالت غرفة طوارئ معسكر أبو شوك في بيان إن القصف طال "سوق نيفاشا.. وأجزاء أخرى من داخل المعسكر كالمساجد والمنازل القريبة من المرافق العامة" في المخيم الذي يشهد تفشيا للمجاعة.
وأكدت أن "حجم الخسائر كبير ولكن لسوء الأوضاع الأمنية" كانت هناك صعوبة في حصر "كل الضحايا والمصابين".
ويقع مخيم أبو شوك في مدينة الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور، وهي آخر المدن الرئيسية التي ما تزال تحت سيطرة الجيش، بينما تسيطر الدعم السريع على معظم أنحاء الاقليم ذي المساحة الشاسعة في غرب السودان.
وكثفت قوات الدعم السريع هجماتها على مواقع تابعة للجيش في الفاشر وضواحيها بعد هزيمتها أمام الأخير في العاصمة الخرطوم قبل شهرين.
وبالقرب من الفاشر، أعلنت قوات الدعم السريع الشهر الماضي السيطرة على مخيم زمزم بعد هجمات عنيفة أسفرت عن مقتل المئات ونزوح 400 ألف على الأقل من قاطنيه الذين كانوا نزحوا إليه خلال الحرب أو أثناء معارك سابقة في إقليم دارفور.
ويشن الجيش وقوات الدعم السريع هجمات متبادلة في أنحاء البلاد سعيا للسيطرة على أراض أو قطْع إمدادات المعسكر الخصم.
واتّهمت منظمة "محامو الطوارئ" الحقوقية الأحد الجيش وقوات مساندة له بشن "هجوم غادر على قرية الحمادي بجنوب كردفان صباح الخميس 15 أيار/مايو 2025، أسفر عن مقتل 18 مدنيا – بينهم 6 نساء و4 أطفال – وإصابة أكثر من 13 آخرين، بحسب إحصائيات أولية".
وفق المنظمة "رافق الهجوم نهب واسع لمنازل المواطنين وسوق القرية، واعتقالات تعسفية بحق ناشطين، كما اضطر عشرات المدنيين للنزوح سيرا على الأقدام نحو قرى ومدن مجاورة في أوضاع إنسانية شديدة القسوة".
الى ذلك، حذرت منظمة أطباء بلا حدود الأحد من تأثر الخدمات الصحية في مستشفيات رئيسية بالعاصمة السودانية بعد قصف لمحطات كهرباء أدى لانقطاع التيار بالكامل عن الخرطوم.
- انقطاع الكهرباء في الخرطوم -
وقالت أطباء بلا حدود في بيان إن ضاحية أم درمان "تواجه رابع انقطاع كبير للكهرباء هذا العام عقب تقارير عن هجمات بطائرات مسيرة شنتها قوات الدعم السريع على ثلاث محطات كهرباء في ولاية الخرطوم".
وقال والي الخرطوم أحمد عثمان حمزة، في بيان غداة استهداف المحطات الأسبوع الماضي إن "انقطاع التيار الكهربائي بالكامل عن الولاية أدى إلى شلل كبير في الخدمات الأساسية المرتبطة بالكهرباء مثل المياه والمستشفيات وغيرها من المرافق الحيوية مما يفاقم من معاناة المواطن".
وأشار بيان أطباء بلا حدود إلى أن مستشفيي النو والبلك في أم درمان يعانيان "من نقص في الكهرباء والأكسجين والماء. كما تتعرض الرعاية الصحية على جميع مستوياتها إلى اضطرابات"، لافتا الى أن النوّ هو "المستشفى الرئيسي في المنطقة حيث يستقبل المرضى من أم درمان وبحري والخرطوم. وإذا ما توقفت خدماته، فسينقطع شريان حياة بالغ الأهمية".
وتوقع البيان ارتفاع معدلات الإصابة بالكوليرا جراء نقص مياه الشرب، حيث "سيلجأ الناس إلى مصادر مياه مختلفة" مع توقف محطات المياه عن العمل.
ودانت المنظمة في بيانها "جميع الهجمات على البنية التحتية المدنية. فهذه الغارات تفاقم الأزمة الإنسانية المريعة أصلا" داعية للوقف الفوري لاستهداف البنية التحتية.
وعلى مدار الأيام السابقة استهدفت طائرات مسيرة تابعة للدعم السريع مواقع حيوية في شمال شرق البلاد الذي يعاني مئات الآلاف من سكانه من انعدام حاد للأمن الغذائي.
وفي الأسبوعين الماضيين، شنّت قوات الدعم السريع هجمات باستخدام الطائرات المسيّرة على بنية تحتية مدنية في بورتسودان التي نزح إليها مئات الآلاف خلال العامين الماضيين وتتخذها الحكومة المرتبطة بالجيش مقرا موقتا لها، بما في ذلك ميناء المدينة على البحر الأحمر ومستودع الوقود ومحطة الكهرباء الرئيسيين.
ويشهد السودان منذ منتصف نيسان/أبريل 2023 حربا مدمّرة بين الجيش بقيادة عبد الفتاح البرهان وقوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو، أسفرت عن مقتل عشرات الآلاف ونزوح 13 مليون شخص، وأزمة انسانية تعدها الأمم المتحدة الأسوأ في التاريخ الحديث.