نشر "مركز الأبحاث التركي" (سيتا) مقالا تحليليا للكاتب جان أجون استعرض فيه الأحداث التي شهدتها محافظة دير الزور وتحديدا انتفاضة العشائر على قوات سوريا الديمقراطية "قسد"، وأسبابها وتداعياتها والتحديات التي تواجه المنطقة.

وقال الكاتب، في مقاله الذي ترجمته "عربي21"، "إن سوريا والعراق تشهدان مؤخرا تحرّكا متزامنا حيث جذبت التحركات العسكرية الأمريكية في العراق والتوترات في كركوك الانتباه، فالشيعة والأكراد في صراع مستمر على النفوذ سواء بين أنفسهم أو مع الأطراف الأخرى، في الأثناء، اشتعلت المظاهرات في مناطق النظام في سوريا وزادت الهجمات على إدلب وبدأت الانتفاضة العربية في منطقة دير الزور".




وذكر الكاتب أن دير الزور منطقة غنية بموارد النفط والغاز الطبيعي، وتتميز بمجتمع عربي سنّي يضم قبائل عربية عديدة، من أهمها: العكيدات، البكّارة، الزبيد، الدليم، الجبور، الطي، بو سراي، والرفاعي".

ويقول الكاتب، "إذا نظرنا إلى الوراء قليلاً، نرى أن جزءا كبيرا من العشائر العربية في المنطقة لا ترغب في الاعتراف بسلطة حزب العمال الكردستاني/ وحدات حماية الشعب الكردية، وكانت تنتفض بين الحين والآخر".

وأضاف، أن حزب العمال الكردستاني يدرك هذه التهديدات، لذا فقد بذل جهودا لإزالة التهديدات المحتملة من خلال عمليات الاغتيال، فمثلا أُغتيل زعيم عشيرة العقيدات، أحد أكبر عشائر المنطقة، الشيخ مطشر حمود جدعان هفل، في آب/ أغسطس 2020، كما قُتل الشيخ الحاج الطليوش، أحد أبرز الشخصيات في عشيرة العقيدات، في كانون الثاني/ يناير 2021".

وتابع، "في الآونة الأخيرة، نصبت العشائر الكبرى خيام الحرب وبدأت في انتفاضة بشكل أكثر شمولاً، ونجحت في إخراج حزب العمال الكردستاني/ وحدات حماية الشعب من العديد من المناطق. وبينما فقد أكثر من مائة شخص من الجانبين حياتهم في الاشتباكات، فإن أفراد العشائر ذات الصلة الذين يعيشون في المناطق الخاضعة للنفوذ التركي دعموا العملية".

‌وأورد الكاتب أن أحداث دير الزور قد بدأت تهدأ، بسبب مقاومة حزب العمال الكردستاني/ وحدات حماية الشعب، وغياب التعاون بين العشائر العربية، وجهود الوساطة من قبل الولايات المتحدة، ولكن في إطار المفاوضات يبدو أن حزب العمال قدم تنازلات للسماح للعشائر بمزيد من الحكم الذاتي في مناطق مثل دير الزور.

‌التركيبة السكانية
يسيطر حزب العمال الكردستاني/ وحدات حماية الشعب على مساحة تبلغ حوالي 50 ألف كيلومتر مربع في شرق وشمال شرق سوريا. وتضم هذه المناطق معظم موارد الطاقة والأراضي الزراعية الخصبة والخزانات المائية في البلاد، ويسكنها حوالي 2.5 إلى 3 ملايين نسمة (يشكل العرب حوالي 80 بالمئة منهم).

وأضاف الكاتب، "أنه بالرغم من محاولة الولايات المتحدة بناء هيكل شامل يضمن دمج العرب في النظام الحالي من خلال تشكيل قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، إلا أن الأفكار الهمجية لحزب العمال الكردستاني الذي يُدار من جبل قنديل يجعلان من الصعب على العرب المشاركة فعليًا في هذا الهيكل".


هل هي انتفاضة طبيعية أم مؤامرة؟
أكد الكاتب أن أحداث دير الزور تمثل انتفاضة طبيعية ضد حكم قسد فقد سئم العرب من سيطرتهم التي تتميز بالممارسات القمعية والتمييزية. كما أن التركيبة السكانية للمنطقة تدعم هذا الرأي، حيث يشكل العرب الغالبية العظمى من السكان. 

وأشار الكاتب، إلى أن قسد حاولت في البداية تغليف هذه الانتفاضة العربية من خلال تنظيم الدولة، كما هو الحال دائمًا، ثم انتقل إلى السيناريو الثاني زاعمًا أن وراء هذه العشائر نظام الأسد وإيران. 

وبين أن الهدف الرئيسي كان الحصول على دعم واشنطن لقمع الانتفاضة بسهولة أكبر ومن ثم تعزيز قوتها في المنطقة من خلال الولايات المتحدة، وقد أدى قصف القوات الجوية الروسية للعشائر في منبج إلى جعل هذا السيناريو غير فعال إلى حد كبير. 

آفاق مستقبلية
وأشار الكاتب إلى أنه من المحتمل أن تحاول واشنطن إنشاء حزامٍ يمتد من الحدود الأردنية إلى العراق، بهدف احتواء نفوذ إيران المتزايد وقطع طرق عبورها إلى سوريا عبر العراق. وهذا سيتطلب توجيه وحدات حماية الشعب إلى الشمال، وجعل العشائر العربية مستقلة أكثر حيث تدعم الأحداث الأخيرة هذا الرأي خصوصا مع تقديم قسد بعض التنازلات للعشائر، مثل السماح لها بإنشاء مجالس عسكرية ذاتية الحكم. 

أما السيناريو الآخر فهو أن تركيا تدعم وتوجّه العشائر العربية في شمال شرق سوريا، ولطالما عملت تركيا عن كثب مع العشائر العربية خلال الحرب الأهلية السورية وأعطتها أهمية، وقد أكد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بعد الأحداث الأخيرة أن وجود حزب العمال الكردستاني في المنطقة غير مقبول وأن المناطق ذات الصلة تنتمي إلى العشائر العربية، وفق الكاتب.

ويرى أجون، أن تركيا لا ترغب باندلاع موجة جديدة من النزاع في سوريا حاليًا أو حدوث تصعيد جديد مع الأطراف المقابلة لها في الميدان مثل الولايات المتحدة وروسيا، ومع أن أنقرة دعمت انتفاضة العشائر العربية ضد المنظمة الإرهابية بوسائل معينة، فمن الخطأ اعتبار تركيا الدولة والقوة الكاملة وراء هذه الانتفاضة.



وأضاف، أن نظرية تركيا القائلة إنه "لا يمكنك محاربة تنظيم إرهابي بتنظيم إرهابي آخر" أثبتت صحتها مرة أخرى، ونتائج هذه الأحداث مهمة أيضًا  للرؤية الأمريكي التي لا يمكنها بناء أي شيء دائم هنا مع حزب العمال الكردستاني طالما أنه ينافي الحقائق الديموغرافية والسوسيولوجية للمنطقة. 

وختم الكاتب قائلا، "حتى لو قُمع التمرد العربي فإن حقائق الديموغرافيا في المنطقة ستسود في النهاية وستفشل الجهود الرامية إلى إنشاء دولة إرهابية على أساس أقلية عرقية عبر منظمة إرهابية".

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي منوعات تركية دير الزور قسد العشائر العربية الولايات المتحدة تركيا تركيا الولايات المتحدة دير الزور العشائر العربية قسد تغطيات سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة حزب العمال الکردستانی وحدات حمایة الشعب الولایات المتحدة العشائر العربیة فی المنطقة دیر الزور من خلال

إقرأ أيضاً:

أربع سيناريوهات للبلديات: الثقة الشعبية أساس القرار؟ / د. عامر بني عامر

أربع #سيناريوهات للبلديات: #الثقة_الشعبية أساس القرار؟

د. عامر بني عامر
من يقود بلديتك؟
سؤال قد يبدو إداريًا في ظاهره، لكنه في جوهره يختبر العلاقة بين الدولة والمجتمع، ويطرح تحديًا عميقًا حول السلطة، والتمثيل، والمساءلة. ومع اقتراب الحكومة من تعديل #قانون_الإدارة_المحلية، يعود هذا السؤال إلى صدارة النقاش العام: من يجب أن يرأس #البلديات؟ هل نبقي على الانتخاب المباشر؟ ننتقل إلى التعيين؟ أم نبتكر نموذجًا ثالثًا يراعي الواقع الأردني وتنوعه؟

الإجابة لا تكمن في الشكل القانوني وحده، بل تتعلق بمستقبل الحوكمة المحلية، وبناء الثقة، واستعادة دور المواطن كشريك لا كمتلقٍ. ومع أن آلية اختيار الرئيس — سواء أكانت انتخابًا أم تعيينًا — ليست العامل الوحيد الذي يحدد نجاح البلديات، إلا أنها تظل عنصرًا مؤثرًا في نوعية القيادة، وموقع البلديات في منظومة الإدارة العامة، وثقة الناس بالمؤسسات القريبة من يومياتهم.

الانتخابات البلدية السابقة، التي لم تتجاوز نسبة المشاركة فيها غالبًا 30%، تعكس فجوة في العلاقة بين المواطن والمجالس المحلية. فهل السبب هو ضعف الثقة بالعملية الانتخابية؟ أم الإحساس العام بأن المجالس بلا صلاحيات فعلية؟ وهل تغيير طريقة اختيار الرئيس سيُعيد الثقة… أم يعمّق الإحباط؟

مقالات ذات صلة المنطقة العسكرية الجنوبية تحبط محاولة تهريب مواد مخدرة بواسطة طائرتين مسيّرتين 2025/06/02

الخيار الأول يتمثل في الإبقاء على الانتخاب المباشر، حيث يختار المواطنون رئيس بلديتهم بأنفسهم. هذا الخيار يحافظ على الشرعية التمثيلية، ويتيح رقابة مجتمعية، ويشجع على المشاركة في الشأن العام، وقد أثبتت التجربة أن العديد من الرؤساء المنتخبين كانوا على قدر المسؤولية وقدّموا نماذج ناجحة، ومع ذلك، لم تُفلح بشكل كبير هذه الصيغة في حماية البلديات من تراجع في مستوى الحوكمة، أو من ضعف في تقديم الخدمات، أو من تفشّي ممارسات فساد إداري صغير، كما أن تداخل الدور السياسي والإداري في شخص الرئيس المنتخب أضعف الطابع المهني للعمل البلدي، وأدى أحيانًا إلى تعطيل بناء مؤسسات مستدامة وقادرة.

الخيار الثاني هو التعيين المباشر من قبل الحكومة، غالبًا من خلال وزارة الإدارة المحلية، يُروّج لهذا النموذج بوصفه وسيلة لضمان الكفاءة والانضباط الإداري، خصوصًا في البلديات الكبرى ذات البُعد الاقتصادي والتنظيمي، وقد يُسهم في تحسين التنسيق وتقليل الضغوط السياسية، لكنه يواجه تحديًا في الشرعية والقبول المجتمعي. فغياب صوت المواطن في الاختيار قد يُضعف الثقة، ويحوّل المجالس إلى كيانات شكلية، كما أن هذا الخيار قد يعمّق المركزية ويُبعد القرار عن الناس، لا سيما إن لم تُعتمد معايير شفافة وواضحة في التعيين.

الخيار الثالث يُقدّم مقاربة أكثر توازنًا، تُراعي الكفاءة دون التفريط بالتمثيل. في هذا النموذج، يبقى الرئيس منتخبًا، لكن بصفة غير متفرغة، حيث يُركّز على المهام الرقابية والتمثيلية، بينما يتولى إدارة البلدية مدير تنفيذي محترف يتم تعيينه عبر آلية تنافسية شفافة، ويتمتع بصلاحيات تنفيذية واسعة بموجب وصف وظيفي دقيق، وأن يمنح المدير التنفيذي مساحة واسعة ضمن أطر مساءلة ونزاهة واضحة تعكس المسؤولية الواقعة على عاتقه، يكون هذا المدير مسؤولًا إداريًا أمام الوزارة، وسياسيًا أمام المجلس. هذه الصيغة تفصل السياسة عن الإدارة، وتُحسّن الأداء التنفيذي، وتقلل من تسييس الخدمات. لكنها تتطلب تعديلات تشريعية دقيقة، ونظام مساءلة مزدوج، وتحديدًا واضحًا لدور كل من المجلس والرئيس والمدير التنفيذي، بحيث لا يتحوّل المجلس إلى هيئة إدارية ثقيلة، ولا يُفرغ من مضمونه الرقابي.

أما الخيار الرابع، فهو النموذج المطبّق في أمانة عمّان، حيث تُعيّن الحكومة الرئيس وعددًا من الأعضاء، بينما يُنتخب الباقون على مستوى المناطق، وقد طُرحت فكرة تعميم هذا النموذج على مدن كبرى كإربد والزرقاء، مع الإبقاء على الانتخاب المباشر في البلديات المتوسطة والصغيرة، يمنح هذا النموذج الدولة قدرة على ضبط إيقاع العمل في المدن الكبرى التي تتطلب تنسيقًا عاليًا وموارد ضخمة، لكنه يثير أسئلة جوهرية: هل أثبت نموذج أمانة عمّان فعاليته فعلًا؟ وما معايير قياس نجاحه؟ وهل تقبل المجتمعات المحلية أن يُدار قرارها المحلي من دون مشاركة كاملة؟ وما أثر ذلك على مبدأ العدالة وتكافؤ الفرص بين المحافظات؟

في المحصلة، لا يرتبط نجاح البلديات فقط بمن يجلس في مقعد الرئاسة، بل بالكيفية التي تُبنى بها المؤسسات، وتُوزّع فيها الصلاحيات، وتُمارَس فيها الرقابة والمساءلة، أي خيار لا يُعيد الاعتبار للحوكمة الرشيدة، ويُعزز من استقلالية الإدارة المحلية، ويُرسّخ دور المواطن في الرقابة وصنع القرار، لن يُنتج سوى نسخة أخرى من الفشل المتراكم.

وما لم يُسهم هذا الخيار، أياً كان، في ترميم الثقة بين المواطن والدولة، فسيظل قاصرًا عن بلوغ هدفه، فالثقة ليست شعورًا طارئًا، بل بنية مؤسسية تُبنى عبر الشفافية، والمساءلة، والمشاركة الحقيقية، فاليوم نحن بحاجة إلى بلديات تُخرّج قيادات محلية، وتُقرّب الدولة من مجتمعها، وتحوّل المواطن من متلقٍ إلى شريك في القرار والتنفيذ.

إصلاح الادارة المحلية لم يعد ترفًا تنظيميًا، بل صمام أمان للدولة، وخطوته الأولى تبدأ من استعادة الثقة، لا تغيير الأسماء.

مقالات مشابهة

  • أونا تهنئ الكاتب سليمان جودة بفوزه بجائزة الصحافة العربية لـأفضل عمود صحفي
  • النيابات والمحاكم: المنطقة العربية تدفع ثمنًا باهظًا للنزاعات المدفوعة
  • سيناريوهات جيش إسرائيل للتعامل مع سفينة تحاول كسر حصار غزة
  • خلال حضوره إطلاق المجلس الاقتصادي الكندي -الكردستاني .. رئيس الهيئة الوطنية للاستثمار يؤكد ..
  • رحيل الكاتب الفلسطيني علي بدوان أحد أبرز مؤرخي الشتات في سوريا
  • أردوغان: استقرار سوريا يعود بالفائدة على دول المنطقة
  • أربع سيناريوهات للبلديات: الثقة الشعبية أساس القرار؟ / د. عامر بني عامر
  • مراسل سانا في حلب: بدء عملية تبادل الموقوفين بين مديرية الأمن الداخلي في حلب وقوات سوريا الديمقراطية، وذلك بعد استئناف تنفيذ بنود الاتفاق الموقع مع رئاسة الجمهورية العربية السورية
  • انتفاضة سفيتولينا تزيح باوليني من رولان جاروس
  • عمرو فاروق: ثورة 30 يونيو أجهضت مشروع تقسيم المنطقة العربية