جريدة الرؤية العمانية:
2025-10-13@22:20:52 GMT

بعض الكرامات وبحوث الدواء الوهمي! (1)

تاريخ النشر: 18th, September 2023 GMT

بعض الكرامات وبحوث الدواء الوهمي! (1)

 

أ. د. حيدر بن أحمد اللواتي

 

تكاد لا تخلو ديانة  من الديانات ولا مذهب من المذاهب من ادعاء أصحابها بحدوث كرامات لبعض المنتسبين لديانتهم أو مذهبهم، ويستشهد البعض من هؤلاء بهذه الكرامات كدلالة صريحة على صحة إيمانهم ومعتقدهم، كما نجد عددًا ممن ينتمون إلى هذه الديانات أو المذاهب يدعون اشتباه مدعي الكرامات من الديانات والمذاهب الأخرى، وأن ما يذكره أصحاب الديانات والمذاهب الأخرى غير صحيح، ونحن في هذه العجالة سنتناول صنفًا مُعينًا من هذه الكرامات، ونلقي الضوء عليها، وذلك من خلال بعض التجارب العلمية التي ربما تفيدنا في تسليط الضوء على هذا الموضوع، وتوضح لنا مدى صحة هذه الكرامات.

سيقتصر حديثُنا هنا عن  صنف معين من الكرامات، وهي الكرامات المرتبطة بالعلاج من الأمراض والشفاء منها؛ حيث إن المتعارف عند أصحاب الديانات والمذاهب المختلفة بأن يلجأ البعض منهم للتشافي من الأمراض إلى مياه معينة- مثلًا- يُظَن أنها مقدسة أو من خلال التوسل ببعض الأولياء أو بالرُقى أو غيرها من الطرق والتي لا يتم اللجوء فيها للمعالجة إلى الطب، وسبب اختيارنا لهذا الصنف من الكرامات هو وجود دراسات علمية كثيرة يمكن أن نستفيد منها في إلقاء الضوء على هذا الصنف من الكرامات، كما سيتضح ذلك من خلال الحديث، لكن من المهم التأكيد هنا أن ما سنقوم بطرحه يمثل فرضية علمية قابلة للنقض والنقد، وأن الهدف من طرحها هو إثراء القارئ الكريم والكشف عن زاوية جديدة ربما يغفل عنها البعض أو ربما لم يسمع بها من قبل.

الدراسات العلمية التي سنتحدث عنها هي دراسات تحاول أن تُسلِّط الضوء على الأثر النفسي والبيولوجي للدواء الوهمي على الإنسان، وعلى الرغم من قِدَمِ هذه الدراسات، إلّا أنه يمكن أن نعتبر أن الدراسات والبحوث العلمية المنظمة في هذا الصدد بدأت بعد الحرب العالمية الثانية. ففي أثناء الحرب العالمية الثانية كان الجرّاح هنري بيتشر يقوم بعمليات جراحية للمصابين من الجنود، وأثناء المعارك نفذت عنده مادة المورفين والذي كان يستخدمه كمخدر قبل القيام بهذه العمليات، فما كان من هذا الطبيب إلّا أن قام بحقن الجندي المصاب بمحلول مائي خال من المورفين ومن أي مخدر آخر، وظنَّ الجندي أنَّه تم تخديره وكأنه تناول دواء حقيقيًا وبدء الطبيب عمليته الجراحية وقام بخياطة الجرح دون أن يشعر الجندي بأي آلام مبرحة، واستمر هذا الجراح بالقيام بذلك كلما نفذ عنده المخدر وكان يحقق نجاحا باهرا في مُعظم الأوقات.

وبعد الحرب العالمية الثانية تابع هذا الجراح وغيره من الأطباء بحوثهم العلمية والتي كانوا يحاولون من خلالها رصد أثر الدواء الوهمي للعلاج والقائم على اعتقاد المريض بأثر الدواء على الرغم من أنه في الحقيقة لم يتناول ذلك الدواء.

ونظرًا للأثر الكبير الذي لاحظه الجراحون والأطباء للدواء الوهمي على المرضى، اقترح هنري بيتشر في عام 1955 أن يتم تقييم الأدوية الجديدة بصورة مغايرة لما كان معهودًا؛ إذ اقترح- ونتيجة لأثر الدواء الوهمي- أنه لا بُد من طريقة لحساب الأثر النفسي لعملية تناول الدواء، ولذا اقترح أن يتم تقديم شكل صيدلاني كالحبوب مثلًا تحتوي على مادة فاعلة جديدة يراد التحقق من أثرها، وحبوب تقدم لمجموعة أخرى لا تحتوي على المادة الفاعلة، لكن شكل الحبوب متماثل في الحالتين، ولا يتم إبلاغ المريض بحقيقة الأمر؛ بل حتى الطبيب نفسه لا يعرف أي من الحبوب تحتوي على مادة فاعلة وأي منها لا تحتوي عليها، وبهذا فإن الأثر النفسي لعملية تناول الدواء يمكن حسابه وتقييمه، وما زالت هذه الطريقة متبعة إلى يومنا هذا.

لقد كانت نتيجة هذه البحوث مُذهلة؛ حيث لاحظ المختصون في حالات كثيرة للغاية، أن أفكار الإنسان واعتقاداته تؤثر وبشكل كبير جدًا على حالته النفسية، ولاحظوا أيضًا أن الحالة النفسية تؤثر وبصورة مباشرة على بيولوجيا الجسم وتؤدي إلى تغييرات فسيولوجية وبيولوجية في جسم الإنسان.   

وفي ستينيات القرن الماضي، نُشرت دراسة في إحدى المجلات الطبية أُجريت على 40 مصابًا بالربو، تم إعطاؤهم بخاخًا يحتوي على بخار ماء فقط للاستنشاق، وأبلغوا أن البخاخ يحتوي على مادة مهيجة أو مسببة للحساسية، وكانت النتيجة أن عانى 48% من أعراض الربو، و30% منهم عانوا من نوبات ربو كاملة، وبعدها تم إعطاء هؤلاء المرضى، نفس البخاخ الذي يحتوي على بخار ماء فقط، بعد أن تم إبلاغهم بأن البخاخ يحتوي على دواء يُزيل أعراض الربو المختلفة، كما يعالج نوبات الربو التي تعرضوا لها، وكانت نتيجة ذلك أن شعر الجميع بتحسن كبير وزالت آثار ونوبات الربو تمامًا؛ بل لاحظ الباحثون توسعًا في الشعب الهوائية لهؤلاء المرضى بعد تناولهم ذلك الدواء الوهمي!

وفي سبعينيات القرن الماضي، أجرى أحد الباحثين دراسة على 40 مريضًا تم خلع ضرس العقل لديهم، وتم إعطاؤهم دواءً وهميًا لتخفيف الألم، وكانت النتيجة مذهلة؛ إذ شعر أغلبيتهم بفاعلية هذا الدواء الوهمي وأنه خفف من آلامهم كثيرًا، وبعد تجارب بسيطة على هؤلاء المرضى اتضح للباحثين أن الدماغ أفرز عند هؤلاء مواد مضادة للألم بالفعل وأن شعور هؤلاء بالتحسن لم يكن حالة نفسية فقط؛ بل نتيجة لهذه الكيمياويات التي يفرزها الجسم للتخفيف من الألم، وقد نُشرت هذه الدراسة في واحدة من أهم المجلات العلمية وأكثرها شهرة وهي مجلة نيتشر "Nature" وذلك عام 1978.

وفي عام 1997 أُجريت تجربة دواء جديد مضاد للاكتئاب باسم (venflaxine) ولوحظ أن 38% ممن تناولوا دواءً وهميًا تحسّنت حالتهم النفسية تحسنًا ملحوظًا؛ بل وظهرت عليهم الأعراض الجانبية للدواء، ظنًّا منهم أنهم تناولوا دواءً حقيقيًا، ولوحظ أن هناك تغيُّرًا في أنماط موجات الدماغ لديهم، مما يدل على تغيُّر بيولوجي حقيقي حدث في أدمغتهم!

وللحديث بقية...

** كلية العلوم، جامعة السلطان قابوس

رابط مختصر

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

اعتماد عقّار جديد بعد حصوله على موافقة هيئة الدواء المصرية لعلاج السكتة الدماغية

أعلنت إحدي الشركات العاملة  في مصر والرائدة في مجال الأبحاث وتطوير الأدوية الحيوية، عن بدء استخدام العقار الجديد "ميتاليز®" 25 ملغم  في مصر كعلاج للسكتة الدماغية الإقفارية الحادة، وذلك عقب اعتماده مؤخراً من قبل هيئة الدواء المصرية.

وتعتبر مصر ثاني دولة تشهد إطلاق هذا الدواء الجديد على مستوى منطقة الهند والشرق الأوسط وتركيا وأفريقيا، حيث سيتم الإعلان عنه رسميًا خلال مؤتمر طبي يُعقد في 17 أكتوبر بدعوة 150 طبيب.

وعن العقار الجديد قال  الدكتور حسام صلاح الدين عميد كلية طب قصر العيني جامعة القاهرة وأستاذ امراض المخ والأعصاب اأنه يمثل إضافة في رحلة علاج السكتة الدماغية في مصر. وأضاف أن إتاحة هذا العلاج في المستشفيات تُعد خطوة بالغة الأهمية، لكن من الضروري أيضاً تعزيز وعي المجتمع بالمؤشرات الأولية لهذه الحالة الصحية الخطيرة، وضرورة التوجه السريع لتلقي الرعاية الطبية، مع التأكيد على أن العلاجات الفعّالة أصبحت متوفرة الآن لدعم المرضى وتحسين فرص تعافيهم.

كما أشار إلى أهمية مذكرة التفاهم الموقّعة بين الشركة المنتجة والجمعيه المصريه للامراض العصبيه والنفسيه وجراحة الاعصاب شعبه السكته الدماغيه لتحديث بروتوكول علاج السكتة الدماغية الإقفارية الحادة في مصر بما يتماشى مع أحدث الممارسات الطبية المبنية على الأدلة العلمية."

وأكد الدكتور أحمد البسيوني، مدير وحدة السكتة الدماغية بمستشفيات جامعة عين شمس: "تُعدّ السكتة الدماغية حالة صحية طارئة تستدعي الاستجابة السريعة وتقديم العلاج المناسب، لأن كل دقيقة من الإصابة يفقد فيها الجسم ملايين الخلايا الدماغية. الأمر الذي يؤدي لتدهور سريع في صحة المريض قد يصل لحد فقدان حياته. حيث تعد الفترة الزمنية المثالية لتحقيق العلاج أفضل نتيجة هي 4.5 ساعة من ظهور الأعراض.

ومن أبرز أعراضها الأولية الخدر في أحد جانبي الجسم، وعدم القدرة على التركيز، وصعوبة الكلام، أو مشاكل الرؤية في إحدى العينين

أو كلتيهما، بالإضافة إلى الشعور بالدوار وفقدان الاتزان والصداع المفاجىء غير المبرر. لذلك فإن التدخل المبكر يُحدث فارقاً كبيراً النتائج العلاجية، إذ يُسهم في تقليل المضاعفات، والحفاظ على وظائف الدماغ، وزيادة فرص التعافي الكامل."

وتعدّ السكتة الدماغية ثاني الأسباب الرئيسية للوفاة عالمياً من أبرز أسباب الإعاقة، وتضع أعباءً كبيرة على كاهل المرضى والاقتصاد.

ويواجه العديد من الناجين إعاقات طويلة الأمد، حيث يعاني ما يصل إلى 50% منهم من إعاقات مزمنة. وتحدث السكتة الدماغية الإقفارية عند حدوث انسداد في وعاء دموي بما يسبب انخفاض تدفق الدم إلى الدماغ، لذلك فإن التعرّف على الأعراض الأولية للسكتة الدماغية يعتبر أمراً حاسماً لتعزيز فاعلية العلاج.

ويبلغ معدل الانتشار الإجمالي للسكتة الدماغية في مصر نحو 963 حالة لكل 100 ألف نسمة، فيما يقدر معدل الإصابة السنوي بين 150 إلى 210 آلاف حالة. وتحتل هذه الحالة الصحية المرتبة الثالثة بين أسباب الوفاة في مصر بعد أمراض القلب والأوعية الدموية وأمراض الجهاز الهضمي،

إذ تمثل 6.4% من جميع الوفيات، ورغم أن نسبة من تزيد أعمارهم على 50 عاماً تبلغ 12.7% فقط من السكان، إلا أن نسبة الإصابة بالسكتة الدماغية لدى الشباب تصل إلى 20.5%.

وهنالك العديد من العوامل التي قد تزيد من خطر الإصابة بالسكتة الدماغية أبرزها التدخين، حيث يزيد من احتمالية حدوث تجلط الدم وتضيق الشرايين، إلى جانب ارتفاع ضغط الدم الذي يزيد من خطر السكتة الدماغية. كما أن ارتفاع مستويات الكوليسترول تزيد أيضاً من احتمالية حدوث انسداد في الشرايين وتجلط الدم،

فضلاً عن دور ارتفاع مستويات السكر في الدم في زيادة مخاطر السكتة الدماغية. ويتسبب الوزن الزائد في زيادة خطر الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية بما فيها السكتة الدماغية.

من جهته، قال الدكتور محمد مشرف، المدير العام لشركة بورينجر إنجلهايم في شمال شرق وغرب أفريقيا: "تُعد السكتة الدماغية من أبرز التحديات التي تهدد حياة المرضى في مصر، مما يجعل التدخل العاجل لإنقاذهم أولوية قصوى. ويأتي إطلاق "ميتاليز®" 25 ملغم ليحدث فرقاً في رحلة علاج السكتة الدماغية. ونحن في شركة ’بورينجر إنجلهايم‘ ملتزمون بتسخير ابتكاراتنا الدوائية لدعم المنظومة الصحية في مصر والمساهمة في إنقاذ المزيد من الأرواح وتحسين فرص تعافي المرضى."

وتعتمد العديد من الجهات الصحية ومقدمي الرعاية على اختصار (F.A.S.T) أو "عاجل" لزيادة الوعي والمعرفة بعلامات الإصابة بالسكتة الدماغية وضرورة الاستجابة السريعة لها. يُشير هذا الاختصار إلى ثلاثة أعراض رئيسية هي: تدلي الوجه، وضعف الذراع وصعوبة الكلام، فيما يُشير الحرف الأخير إلى "الوقت" باعتباره العامل الأهم للتدخل الطبي العاجل عند ظهور هذه العلامات. وعند ملاحظة أي من هذه الأعراض، ينصح بالاتصال فوراً بالإسعاف على رقم (123)، أو زيارة الموقع الإلكتروني التالي لتحديد أقرب مركز متخصص في علاج السكتة الدماغية: map.com-stroke-https://egypt  

مقالات مشابهة

  • هل تشعر بالنعاس عند تناول أدوية الحساسية؟.. إليك الحل
  • نادي صيادلة مصر يطلق مبادرة "الصيدلي لأخيه الصيدلي"
  • تحذير.. هؤلاء الأشخاص ممنوعون من تناول ماء الليمون.. هل أنت منهم؟
  • القهوة السوداء «دواء طبيعي» يذيب دهون الكبد
  • سقوط نصاب الجامعات الكبرى.. حكاية الوسيط الوهمي الذي خدع الجميع
  • اعتماد عقّار جديد بعد حصوله على موافقة هيئة الدواء المصرية لعلاج السكتة الدماغية
  • مجدي نزيه: الأبحاث العلمية بينتّ حكمة الأجداد والأبناء.. والأقدم هو الأفضل والأصلح
  • الجامعة الإسلامية تعتمد 42 برنامجًا أكاديميًا من مختلف الدرجات العلمية
  • تعرف إلى التحذيرات الطبية عند استخدامك دواء زاموكس
  • عاجل ياغي في أول تصريح بالزي الوطني: أشكر ولي العهد على دعم مسيرتي العلمية