في اليوم الختامي لقمة قادة مجموعة العشرين في نيودلهي، نقل رئيس الوزراء ناريندرا مودي المطرقة إلى الرئيس البرازيلي لويس إيناسيو لولا دا سيلفا، وكرر دعمه الكامل للبرازيل، معربا عن ثقته في أن رئاستها ستأخذ الأهداف المشتركة لكتلة مجموعة العشرين إلى نهايتها المنطقية. من المشرق هنا أن البرازيل ستتولى رسميا رئاسة مجموعة العشرين في 1 ديسمبر 2023.

بالإضافة إلى ذلك، من أجل تقييم المبادرات المتخذة خلال رئاسة الهند، ستعقد قمة افتراضية مقترحة لمجموعة العشرين في شهر نوفمبر.

‎رحب رئيس وزراء الهند بقادة العالم المجتمعين في قمة مجموعة العشرين التي عقدت لأول مرة تحت رئاسة الهند، وأعرب عن تعازيه القلبية للأشخاص المتضررين من زلزال المغرب قبل البداية الرسمية في اليوم الافتتاحي مشيرا إلى أن “المجتمع العالمي بأسره مع المغرب في هذا الوقت العصيب، ونحن مستعدون لتقديم كل المساعدة الممكنة لهم” وكذلك بالروح الحقيقية “فاسودهايف كوتومباكام”. تدفق الكثير من المياه إلى أسفل نهر الغانج منذ ظهور مجموعة العشرين في عام 1999. مع التأكيد على التحول الزلزالي الذي شهده العالم في القرن الحادي والعشرين، يحتاج العالم إلى اتجاه جديد والأهمية الحتمية لاعتماد نهج يركز على الإنسان للبحث عن إجابات جديدة للمشاكل التي تعود إلى قرون

‎من المؤكد أنه يمكن تلخيص رئاسة الهند لمجموعة العشرين في شعار وفكرة “سابكا سات، سابكا فيكاس، سابكا فيشواس، سابكا براياس” أي دعم الجميع، وتنمية الجميع، وثقة الجميع وجهد الجميع. العمل كمبدأ توجيهي للمشكلة العالمية وعجز الثقة بعد كوفيد، فإن الاعتماد على ذلك سيساعد العالم بالتأكيد على أن يصبح مكانا أفضل أيضا.

‎للمضي قدما في الوفاء بالمسؤوليات بنهج يركز على الإنسان، شددت الهند على الحاجة وإمكانية الانتصار على عجز الثقة الناجم عن الحرب، وحثت القيادة العالمية على النظر من جديد إلى المشاكل القديمة وتطوير حلول جديدة. بصفته رئيسا لمجموعة العشرين، دعا رئيس الوزراء مودي العالم معا إلى تحويل عجز الثقة العالمي إلى عجز من الثقة والاعتماد. سواء كانت الفجوة بين الشمال والجنوب، أو المسافة بين الشرق والغرب، أو إدارة الغذاء والوقود، أو الإرهاب، أو الأمن السيبراني، أو الصحة، أو الطاقة، أو الأمن المائي، يجب على العالم أن يسعى جاهدا لإيجاد حل معا بشأن جميع هذه القضايا التي تهم الأجيال القادمة.

‎مع تركيز الكثير من العالم على الصراع الروسي الأوكراني، ظلت الهند تركز على تلبية احتياجات العالم النامي في القمة. كجزء من نفسه، أعلنت الهند عن المبادرة التاريخية لإدراج الاتحاد الأفريقي البالغ عددهم 55 دولة في عضوية مجموعة العشرين الدائمة ودعت رئيس اتحاد جزر القمر ورئيس الاتحاد الأفريقي أزالي أسوماني إلى شغل مقعد كعضو دائم في قمة مجموعة العشرين في نيودلهي. كرمز مهم للإدماج على المستوى العالمي، تمكنت القمة التي عقدت مع أكثر من 200 اجتماع في 60 مدينة في البلاد، من التواصل على مستوى شعبي إلى شعب داخل البلاد وخارجها على حد سواء. تماشيا مع كلماتهم، تمكنت القيادة الهندية من إثبات أنها أصبحت مجموعة العشرين للشعب هذه المرة.

‎في اليوم الأول من قمة مجموعة العشرين، أعلن رئيس الوزراء ناريندرا مودي أيضا عن إطلاق التحالف العالمي للوقود الحيوي ودعا قادة العالم الآخرين إلى الانضمام إلى المبادرة. كونه ثالث أكبر مستهلك للنفط في العالم، كان التحالف العالمي للوقود الحيوي أولوية رئيسية للهند لأنه سيساعد في تسريع نشر الوقود الحيوي المستدام لدعم انتقال الطاقة العالمي وجعل الطاقة النظيفة والشمسية في متناول الجميع. بالفعل، تمكنت الهند من الوصول إلى هدف الوقود الحيوي الذي حددته لنفسها لعام 2030 قبل 7 سنوات، أي في عام 2023 نفسه. الآن، شرعت الهند في هدف أكثر طموحا نحو نفس الهدف.

‎خلال قمة مجموعة العشرين التي استمرت 3 أيام، عقد رئيس الوزراء مودي مناقشات ثنائية مختلفة مع مختلف قادة العالم لجعل هذا الكوكب أفضل. في اليوم الختامي، قاد رئيس الوزراء مودي الرئيس الأمريكي جو بايدن، ورئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك، ورئيس الوزراء الأسترالي أنتوني ألبانيز، ورئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو، ووزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف والعديد من رؤساء الدول والحكومات ومختلف المنظمات الدولية الأخرى إلى نصب المهات التذكاري للمهات غاندي، والتزموا بدقيقة صمت إلى جانب وضع إكليل لتكريم المهاتما.

‎الأهم من ذلك، أعلن رئيس الوزراء مودي في اليوم قبل الأخير أن دول مجموعة العشرين قد أقامت توافقا هاما في الآراء بشأن إعلان مجموعة العشرين في نيودلهي. لقد كان تطورا كبيرا بالنظر إلى أن إعلان دلهي بدا مستحيلا حيث كانت الحرب الروسية الأوكرانية ومخاوفها تلوح في الأفق. ومع ذلك، قرر قادة مجموعة العشرين إقامة تعاون اقتصادي دولي بطرق ملموسة من خلال الشراكات والتزموا بالعمل من أجل نمو قوي ومستدام ومتوازن وشامل من أجل التنفيذ الفعال لخطة التنمية المستدامة لعام 2030، وضمان الوصول بشكل أفضل إلى المرافق الطبية، وتحسين الإمدادات والقدرات الإنتاجية في البلدان النامية من أجل مستقبل أفضل، ومعالجة نقاط الضعف في الديون بشكل فعال في البلدان النامية.

‎إلى جانب منح العضوية الدائمة للاتحاد الأفريقي، كانت هناك العديد من المخاوف الرئيسية الحاسمة للدول النامية، مثل الوقود البديل مثل الهيدروجين وكفاءة الموارد وتطوير إطار مشترك للبنية التحتية العامة الرقمية والأمن الغذائي؛ وإضفاء الطابع الديمقراطي على بنوك التنمية مثل البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، مما يجعلها أكثر سهولة في متناول البلدان النامية ذات الدخل المنخفض والمتوسط لأنها تبحث عن حلول لمكافحة تغير المناخ، من بين أمور أخرى، والتي وجدت ذكرا وتم تداولها خلال الجلسات الثلاث المختلفة أرض واحدة وعائلة واحدة ومستقبل واحد. أكد المفاوض الرئيسي في الهند وشيربا مجموعة العشرين، أميتاب كانط، أثناء مخاطبته لوسائل الإعلام العالمية، على الحاجة إلى تعزيز تمويل المناخ، لا سيما بالنسبة للأسواق النامية والناشئة، مضيفا أن وجهة نظر الهند بشأن الشيء نفسه لا لبس فيها وأن الجنوب العالمي والبلدان النامية والأسواق الناشئة يجب أن تكون قادرة على الحصول على تمويل طويل الأجل من أجل تأمين عالم أفضل وأكثر صحة.

‎جدد رئيس الوزراء ناريندرا مودي عرضه لقبول الهند في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة الذي يحمل حق النقض (UNSC) في النجاح الكبير للهند في مجموعة العشرين. بالإشارة إلى القفزة التي بلغت أربعة أضعاف في عضوية الأمم المتحدة منذ إنشائها قبل 80 عاما، يبدو من الغريب جدا أن عدد الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة لا يزال كما هو. منذ ذلك الحين، تحول العالم في كل جانب. سواء كان النقل أو الاتصالات أو الصحة أو التعليم، فقد تم تحويل كل قطاع بالكامل. وينبغي أن تنعكس هذه الحقائق الجديدة في الهيكل العالمي الجديد القادم أيضا، وستكون إعادة هيكلة مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة وسيلة مناسبة للقيام بذلك.

‎باختصار، أولت قمة قادة مجموعة العشرين في نيودلهي، برئاسة رئيس الوزراء ناريندرا مودي، أهمية قصوى لاعتماد نهج يركز على الإنسان لمواجهة التحديات التي لا تعد ولا تحصى التي تواجه عالمنا اليوم. أظهرت رئاسة الهند التزاما ثابتا بالشمولية، يتجلى ذلك في الإدراج التاريخي للاتحاد الأفريقي في العضوية الدائمة لمجموعة العشرين. والجدير بالذكر أن الهند كشفت النقاب عن مبادرات مهمة مثل التحالف العالمي للوقود الحيوي، مما يؤكد تفانيها في قضية الطاقة المستدامة. على الرغم من شبح الصراع الروسي الأوكراني الذي يلوح في الأفق، تمكن قادة العالم من التوصل إلى توافق في الآراء بشأن إعلان مجموعة العشرين في نيودلهي، مما يؤكد التزامهم الثابت بالتعاون الدولي والسعي لتحقيق التنمية المستدامة. بشكل عام، كانت القمة دفعة كبيرة في تطلعات البلاد وأهدافها. الهند في السرج لقيادة العالم نحو وقت أكثر صحة وخضرة وسلاما.

المصدر: وكالة تقدم الاخبارية

كلمات دلالية: رئیس الوزراء ناریندرا مودی مجموعة العشرین فی نیودلهی قمة مجموعة العشرین رئیس الوزراء مودی لمجموعة العشرین قادة العالم رئاسة الهند فی الیوم من أجل

إقرأ أيضاً:

أمريكا ضد الإنسانية.. عندما يُجهَض الإجماع العالمي بفيتو واحد!

في لحظة كاشفة لحقيقة النظام الدولي، وفي مشهد تجاوز حدود الخزي السياسي إلى جريمة أخلاقية مكتملة الأركان، وقفت الولايات المتحدة الأمريكية وحيدةً - لا كقائدة للعالم الحر، بل كخصمٍ للعدالة والرحمة - لتعطّل، وبدم بارد، قراراً صادراً بإجماع 14 دولة من أصل 15 في مجلس الأمن الدولي، يدعو إلى وقف فوري لإطلاق النار في غزة، وفتح ممرات إنسانية عاجلة لأكثر من مليوني إنسان يئنّون تحت القصف والجوع والحصار.

إنه الفيتو الخامس خلال شهور المجازر … خامس مرة ترفع فيها واشنطن يدها لا لإنقاذ الأرواح، بل لحماية آلة الحرب الإسرائيلية وهي تفتك بالأطفال وتدفن العائلات تحت الركام.

في مواجهة هذا المشهد العالمي الذي توحّد فيه الشرق والغرب، الشمال والجنوب، لم يكن لأمريكا أن تقف على الحياد، بل اختارت أن تكون، مرة أخرى، في صفّ القاتل لا القتيل، في خندق الاحتلال لا الضحية، في موقع العار لا الإنسانية.

فهل بقي للعالم ثقة في عدالة دولية تُختطف بقرار منفرد؟ وهل ما زال من حق أمريكا أن تُلقي علينا محاضرات في “ حقوق الإنسان ” وهي تمزّق - أمام أنظار الجميع - كل ما تبقّى من قيم ومواثيق.

في مشهد نادر من التوافق الدولي، صوّت أعضاء مجلس الأمن الـ15 لصالح قرار يطالب بوقف فوري لإطلاق النار في غزة، بأغلبية تكاد تلامس الإجماع الأخلاقي

أربعة من الأعضاء الدائمين - الصين، وروسيا، وفرنسا، وبريطانيا - انضموا إلى عشرة أعضاء منتخبين يمثلون صوت العالم الحقيقي، من آسيا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية وأوروبا.

كان ذلك بمثابة لحظة نادرة أشرقت فيها الإنسانية على طاولة طالما اختنقت بالمصالح والنفاق.

لكن ما إن لاح أمل العدالة، حتى أُسدل عليه الستار الثقيل … رفعت الولايات المتحدة يدها وحدها، لا لتمنح حياة، بل لتصادرها

فيتو أمريكي واحد كان كفيلاً بإجهاض القرار، وكأن دماء عشرات الآلاف في غزة لا تساوي شيئاً أمام معادلات المصالح وحسابات السلاح والتحالفات المشبوهة.

هذا “ الفيتو ” لم يكن مجرّد أداة سياسية، بل صار سيفاً ملوّحاً في وجه الضحايا، وصكّ حماية دائم لمجرم حرب يرتكب الفظائع على الهواء مباشرة.

بهذه الحركة، أثبتت واشنطن أنها لم تعد مجرّد منحاز لإسرائيل، بل باتت راعية رسمية لآلة القتل، تعيق القانون الدولي بيد، وتُسلّح القاتل بالأخرى.

إنها لحظة تاريخية سوداء، يُسجّل فيها أن الإجماع العالمي سقط مرةً أخرى على عتبة الفيتو الأمريكي، وأن العدالة في مجلس الأمن لا تُقاس بعدد الأصوات، بل بهوية من يمتلك حق التعطيل.

فيتو العار.. أمريكا تُعرّي نفسها كجلّادٍ معلن أمام العالم

لم يكن “ الفيتو ” الأمريكي مجرّد موقف سياسي، بل كان طعنةً مدروسة في خاصرة الضحايا، ووصمة عار لا تُمحى في جبين النظام الدولي.

لم يكن اعتراضاً على صيغة قرار، بل إصراراً فاضحاً على استمرار آلة القتل، وتوقيعاً مباشراً على مذابح تُرتكب كل ساعة بحق الأبرياء في غزة.

وبينما يُنتشل الأطفال من تحت الركام، وتُسرق آخر أنفاس المرضى في مشافٍ بلا وقود، ويقف العالم مذهولاً من حجم الوحشية، تصرّ واشنطن على تسويق الجريمة بأنها “ دفاع عن النفس ”، وكأن الاحتلال يحق له ذبح المدنيين ما دام الحامي هو أمريكا.

لقد تجاوزت الإدارة الأمريكية حدود الانحياز، إلى موقع الجريمة الكامل.

أكثر من 36 ألف شهيد، نصفهم أطفال ونساء، عشرات آلاف الجرحى، مئات الآلاف بلا مأوى، مستشفيات تُقصف، مدارس تُستهدف، مخيمات تتحول إلى مقابر جماعية …

ومع ذلك، ترفع أمريكا فيتوها، لا لوقف القتل، بل لحمايته.

فيتو ليس مجرد “ حق ”، بل سلاح إبادة سياسية يُستخدم لفرض منطق القوة، وإبقاء العالم رهينة للمصالح الإمبريالية.

بهذا الموقف، وضعت أمريكا نفسها رسمياً في خانة الجلّاد، لا كشريك في “ السلام ” كما تدّعي، بل كعرّاب لحرب إبادة لا أخلاقية، ومبرّر دائم لكل ما هو وحشي ولا إنساني.

إنها لحظة سقوط كامل للأقنعة، وتحوّل خطير في ميزان القيم الدولية، حيث من يملك الفيتو يملك حق قتل الشعوب …

بلا حساب.

أين هي الشرعية الشرعية الدولية؟!

أي شرعية تبقّت؟ حين تتحوّل العدالة الدولية إلى رهينة في قبضة واحدة.

ما معنى مجلس أمن يُفترض به أن يكون صمّام أمان البشرية، إذا كان مصيره يُختَزل في يد واحدة تمثّل أقلية ضئيلة من سكان الأرض؟

كيف يُفهم مفهوم “ الديمقراطية الدولية ” حين تُجهض الإرادة الجماعية لأربعة عشر دولة بقرار منفرد من قوة واحدة نصّبت نفسها وصيّاً على العالم؟

بأي منطق تُدار الأمم المتحدة إذا كانت عاجزة عن تمرير قرار إنساني بديهي، يطالب فقط بوقف القتل وإدخال الغذاء والدواء؟

أي شرعية تبقّت لمنظمة دولية تقف مكتوفة الأيدي أمام فيتو يقايض الأرواح بالمصالح، ويمنح الاحتلال حصانةً كاملة من المساءلة؟ كيف يُقنعنا من يدّعي الدفاع عن “ حقوق الإنسان ” بأنه لا يستطيع كبح جماح مجازر تُبثّ على الهواء مباشرة؟

أليس هذا الفيتو دليلاً على أن النظام الدولي لم يعد يبحث عن العدالة، بل يديرها وفق توازنات القوة والغطرسة؟

إنه سؤال مفتوح على جراح الشعوب: متى تفقد الأمم المتحدة صفتها كمرجعية أخلاقية، وتتحوّل إلى مجرد منصة تصفيق للقوي، وصمت للضعفاء؟

ومتى يصبح الصمت الرسمي تواطؤاً معلناً في جرائم تُرتكب باسم القانون، بينما القانون نفسه يُعلّق على مشنقة “ الفيتو ” الأمريكي؟

أمريكا … من حليف سياسي إلى شريك كامل في الجريمة

لم تعد واشنطن مجرّد داعم دبلوماسي لإسرائيل، بل تجاوزت ذلك بكثير، حتى باتت شريكاً مباشراً وعلنياً في الجرائم المرتكبة ضد الشعب الفلسطيني.

هي من تزوّد آلة الحرب بالأسلحة الفتاكة، وتوفر الغطاء السياسي في المحافل الدولية، وتستخدم “ الفيتو ” كدرع دائم لعرقلة أي محاولة لوقف العدوان، أو حتى مجرد إيصال الدواء والغذاء للمحاصَرين.

كل فيتو أمريكي هو تصريح قتل جماعي، ورسالة واضحة للمعتدي: استمر.

كل صمت أمريكي هو مباركة ضمنية للمجازر، وكل تبرير رسمي يصدر من البيت الأبيض هو إعادة إنتاج لرواية المحتل، وتبرئة للقاتل من على منصة دولية يُفترض أنها خُلقت لحماية الضحايا.

في هذا السياق، لا يمكن النظر إلى الدور الأمريكي كحيادي، ولا حتى كمنحاز، بل كفاعل أساسي في معادلة الموت.

إنها شراكة مُكتملة الأركان:

في السلاح، في القرار، في الرواية، وفي التعطيل المتعمّد لكل مسار يمكن أن يوقف النزيف.

لقد تحوّلت أمريكا - بكامل وعيها وإرادتها - من “ وسيط سلام ” مزعوم، إلى أحد أبرز صانعي الجريمة ومهندسي استمرارها.

العالم يُفيق…وأمريكا تُمعن في العمى الأخلاقي

ما شهدناه في مجلس الأمن لم يكن مجرّد تصويت على ورقة قرار، بل كان لحظة كاشفة فاصلة بين عالم بدأ يستيقظ على فداحة الجريمة، وقوة كبرى ترفض أن ترى إلا ما يخدم مصالحها.

أربعة عشر صوتاً من قارات وثقافات ومصالح متباينة قالت بوضوح: “ كفى للدم، كفى للحصار، كفى للصمت ”. لكن وحدها أمريكا، بكامل برودها، قالت: “ لا”.

إنها ليست مجرد “ لا ” سياسية، بل “ لا ” أخلاقية عميقة تكشف أن ما يُسوّق عن “ القيادة الأخلاقية ” الأمريكية لم يكن إلا وهماً تُرَوّج له ماكينة ناعمة، تخفي خلفها قبضة حديدية لا تتردّد في سحق القيم متى تعارضت مع نفوذها أو تحالفاتها.

في هذا الانفصال الفجّ عن ضمير الإنسانية، تتجلى أمريكا كقوة لا تخجل من الوقوف ضد العالم، ولا تتردّد في تحدي المبادئ التي تزعم الدفاع عنها.

هذه اللحظة ليست مجرد سقوط دبلوماسي، بل انهيار كامل لادعاءات “ الحضارة ” حين تُستخدم لشرعنة الموت، ولشعارات “ حقوق الإنسان ” حين تُختزل في جغرافيا واحدة وتُستثنى منها غزة.

لقد تحركت خريطة الضمير العالمي… إلا واشنطن، فهي لا تزال تقف على أنقاض العدالة، بلا خجل، وبلا حساب.

الخلاصة: الفيتو لا يحجب الحقيقة… بل يفضح الجريمة

قد تنجح أمريكا في تعطيل قرار، لكنها لن تعطل الحقيقة، ولن توقف زحف الوعي الذي يتشكّل عبر شاشات الموت اليومية القادمة من غزة.

الفيتو قد يُسكت مجلس الأمن، لكنه لا يُسكت ضمير الشعوب، ولا يطفئ نيران الغضب المتصاعد في العواصم والميادين وعلى ألسنة الأحرار.

العالم يرى ويسجّل، والذاكرة الإنسانية لا تُخدع بحبر السياسة حين يُكتب فوق الدم.

العدالة لا تُصنع في غرف مغلقة تتحكم فيها دولة واحدة، بل تُولد حين تتلاقى إرادة الأحرار، وتتجاوز الشعوب صمت حكوماتها، وتكسر طوق الهيمنة المفروض باسم “ الشرعية الدولية. ”

ما بعد هذا الفيتو ليس كما قبله، لأن كل فيتو جديد لم يعد ورقة سياسية، بل صار وثيقة إدانة تُضاف إلى سجلّ واشنطن الأخلاقي، قبراً فوق قبر، وعاراً فوق عار.

لقد انكشفت الأقنعة، وسقطت أسطورة “ القيادة الأخلاقية ”.

أمريكا لم تعد فقط في مواجهة الضحايا، بل في مواجهة الضمير العالمي بأسره.

التاريخ لا يرحم… والذاكرة لا تُسامح

قد تُحرِّك أمريكا السياسة بفيتو، لكنها لا تملك أن تمحو الحقيقة من ذاكرة الشعوب.

فالتاريخ لا يرحم، والذاكرة لا تُسامح.

هي تحفظ الوجوه، وتُسجّل المواقف، وتُميّز من مدّ يده لإنقاذ الضحايا، ممن رفعها ليُجيز المجازر.

وفي لحظة كان فيها العالم ينشد عدالة تنقذ الأبرياء، وقفت واشنطن في صفّ الجلاد، لا الضحية.

رفعت يدها بالفيتو … بدل أن تمدّها لرفع الأنقاض عن الأطفال، ولإيقاف نزيف وطن يُباد أمام مرأى البشرية.

لكن وإن تأخر الحساب السياسي… فالحساب الأخلاقي بدأ منذ الآن.

وفي ذاكرة الضمير الإنساني، لن تُكتب هذه اللحظة إلا بعنوان واحد: “ أمريكا … الدولة التي اختارت أن تكون شريكاً في الجريمة، لا حامياً للعدالة”.

لقد بات واضحاً للعرب والعالم: أمريكا وإسرائيل لم تعودا مجرد خصمين سياسيين، بل أصبحتا السمَّ الزعاف الذي يسري في عروق قضايانا، يسمم أحلامنا، ويغتال أبسط حقوقنا في الحياة.

لكن الشعوب، وإن طال صمتها، لا تموت … والوعي حين يُولَد من رحم المجازر، لا يعود إلى النوم …نعم لن يعود إلى النوم.

مصطفى بكري.. القصيدة الأخيرة في ديوان اليَعارِبة

عاجل| حماس تدين اعتراض الاحتلال للسفينة «مادلين» وتطالب بكسر الحصار عن غزة

الصحة الفلسطينية: مستشفيات غزة تواجه خطر التوقف خلال يومين بسبب نفاد الوقود

مقالات مشابهة

  • محللون: قوافل فك الحصار تحول تاريخي وبداية كسر جدار الصمت العربي
  • رئيس مجلس الوزراء يهنئ نظيره الأردني
  • أمريكا ضد الإنسانية.. عندما يُجهَض الإجماع العالمي بفيتو واحد!
  • رئاسة الوزراء: نسأل الله أن يبقى الأردن عزيزاً شامخاً في ظل قيادته الحكيمة
  • رئيس هيئة الشئون الإدارية يتفقد رئاسة شرطة محلية جبل أولياء والإنتشار الشرطي بالجسور والإرتكازات بولايةالخرطوم
  • سفير الهند: شراكة استراتيجية مع مصر واستثمارات مرتقبة بـ 10 مليارات دولار
  • إدارة السعوديين للحج تبهر الإعلام العالمي
  • رئيس الوزراء الهندي يفتتح أعلى جسر للسكك الحديدية بالعالم في كشمير
  • انفوجراف.. كل ما تريد معرفته عن اليوم العالمي لسلامة الغذاء
  • الهند تكسر حاجز الجغرافيا.. افتتاح أعلى جسر سكك حديدية بالعالم في كشمير