ما مصير السكان الأرمن لـ ناغورني قرة باغ؟
تاريخ النشر: 24th, September 2023 GMT
في اليوم الذي احتفلت أذربيجان باستسلام المقاتلين الأرمن الانفصاليين في ناغورني قرة باغ، كان الكثيرون من سكان عاصمة الإقليم الانفصالي عند المساء يضرمون النار في أكوام من الورق.
علييف: على أرمن قرة باغ أن يحنوا رؤوسهم
وقالت المحللة البارزة في مجموعة الأزمات الدولية أوليسيا فارتانيان: "أحد الأشياء الأساسية التي كان يقوم بها الناس في ستيباناكيرت، هو حرق كل الوثائق المحتمل أن تشكل دليلاً لدى السلطات الأذرية بأنهم كانوا جزءاً من حكومة الأمر الواقع.
وتقول شبكة "سي أن أن" الأمريكية، إن وقف النار ربما وضع حداً لآخر جولة من النزاع القصير الدامي من أجل السيطرة على المنطقة، لكن ثمة مخاوف من أن كارثة إنسانية قد بدأت للتو.
وتلفت أذربيجان إلى أنها تخطط "لإعادة دمج" قرة باغ، لكن يبقى من غير الواضح كيف يمكن حصول ذلك من دون تهجير جماعي للمنطقة التي يقطنها أكثر من 120 ألف أرميني، أو من دون تعرض من يتبقى من السكان للعنف أو لأولئك الذين يحاولون مقاومة الحكم الأذري.
After 30 years, Azerbaijan has reclaimed sovereignty over Nagorno-Karabakh. Armenian separatist forces surrendered within 24 hours#UkraineRussiaWar️️ #UkraineWar #Ukraine #Verbove #Novoprokopivka #Robotyne #Tokmak #Kherson #Andriivka #Kurdjumivka #Russian #Opytne #Bakhmut pic.twitter.com/wPiwzQqPR5
— Justus Uwakwe (@JustusUwakwe) September 20, 2023وقالت أذربيجان إنها استعادت السيطرة الكاملة على قرة باغ، الجيب الأرميني بحدوده، بعدما شنت هجوماً سريعاً لمدة 24 ساعة عليه، ما أدى إلى مقتل 200 شخص وجرح مئات آخرين.. ويقول مسؤولو قرة باغ إن قواتهم كانت أقل عدداً ولم يكن أمامهم سوى الاستسلام.
سلام دائم؟وحتى الآن من غير الواضح ما إذا كان ذلك سيؤدي إلى سلام دائم، إذ تعتبر قرة باغ جزءاً من أذربيجان، لكنها تخضع منذ عقود لسيطرة الانفصاليين الأرمينيين.. وسبق أن خاضت أرمينيا وأذربيجان حربين حول الإقليم منذ انهيار الاتحاد السوفيتي، وتبين أن اتفاقات وقف النار بينهما هشة.
وفي الوقت الذي قد يثبت أن وقف النار هذا قد أنقذ قرة باغ من نوع من حمام دم شهدته الحروب السابقة، فإنه قلب حياة الأرمينيين في هذه المنطقة رأساً على عقب، وباتوا يواجهون مصيراً غير مؤكد.. وحيث أن وقف النار عام 2020، دعا الجانبين إلى إلقاء السلاح، فإن اتفاق الأربعاء كان أكثر شمولاً، وأفاد مكتب الرئاسة في ناغورني قره باغ أنه وافق على "نزع كامل لسلاح قواته".
لكن مسؤولين في باكو يطالبون بأكثر من ذلك، داعين إلى "تفكيك النظام الدمية" في قرة باغ، الذي تديره منذ عقود حكومة أمر واقع لا تعترف بها أي دولة حتى أرمينيا.
الاندماجوعبر الرئيس الأذري إلهام علييف مراراً عن نياته حيال المصير الذي يواجه مسؤولو قرة باغ، ففي خطاب له في مايو (أيار)، قال إنه على أرمن قرة باغ أن "يحنوا رؤوسهم" ويقبلوا بالاندماج الكامل مع أذربيجان.. وأرسلت باكو ممثلين للاجتماع مع مسؤولي الإقليم في مدينة يفلاخ، الخميس، "لمناقشة قضايا الدمج".
https://t.co/s7C3lzZscQ
September 23, 2023: Azerbaijan has reclaimed Nagorno-Karabakh.
وتسربت تفاصيل شحيحة عن الاجتماع، الذي أعلن قبله علييف إن جميع الحقوق لأرمن قرة باغ ستكون مضمونة، وقال الوفد الأرميني إن المحادثات جرت "في أجواء بناءة وإيجابية"، وبأنها تركزت على الوضع الانساني، خصوصاً الحاجة إلى الوقود والطعام.
وهناك مخاوف حيال ما سيترتب على "إعاد الدمج"، وسبق لرئيس الوزراء الأرميني نيكول باشينيان ومحللين دوليين، أن "حذروا مراراً من حصول تطهير عرقي بحق الأرمن في هذا الجيب".
وكان الإقليم خاضعاً للحصار منذ تسعة أشهر.. وفي ديسمبر (كانون الأول) 2022، نصب ناشطون مدعومون من أذربيجان نقطة تفتيش عسكرية عند ممر لاتشين، الطريق الوحيد الواصل بين أرمينيا والإقليم، مانعين وصول المواد الغذائية إليه، ما أثار مخاوف بأن السكان سيتركون عرضة للجوع.
ومنع الحصار المنظمات الإنسانية ووسائل الإعلام الأجنبية من الوصول إلى المنطقة، ما يعني أن ثمة صعوبة في التحقيق بشكل مستقل في هجمات أذرية جديدة وتحرك السكان.
فرار آلاف السكانوعقب وقف النار، فر الآلاف من سكان قرة باغ إلى المطار حيث توجد قاعدة لقوات حفظ السلام الروسية.
وإلى جانب المحاولة الجديدة لتوفير مأوى ومساعدات أخرى لآلاف الأرمينيين الذين يحاولون الفرار من قره باغ، ثمة سؤال حول الكيفية التي تعتزم باكو من خلالها حل المؤسسات الموجودة في المنطقة وتنصيب مؤسسات تابعة لها مكانها.
وتحذر آنا أوهانيان الباحثة البارزة في برنامج روسيا وأوراسيا في مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي، من أنه على "المدى البعيد، أعتقد أنه سيكون ثمة دفعاً ممنهجاً، وهندسة ديموغرافية مستمرة لدفع الجاليات الأرمينية إلى خارج المنطقة".
المصدر: موقع 24
كلمات دلالية: زلزال المغرب التغير المناخي محاكمة ترامب أحداث السودان سلطان النيادي مانشستر سيتي الحرب الأوكرانية عام الاستدامة الملف النووي الإيراني ناغورنو قره باغ وقف النار قرة باغ
إقرأ أيضاً:
كيف تستغل إسرائيل أوامر الإخلاء لارتكاب الجرائم وتهجير السكان بغزة؟
حظيت أوامر الإخلاء الإسرائيلية التي أُلقيت على سكان قطاع غزة خلال الحرب المستمرة منذ أكتوبر/تشرين الأول 2023 باهتمام واسع، ليس فقط بوصفها أحد مظاهر العمليات العسكرية الإسرائيلية، بل أيضًا كقضية قانونية وإنسانية تثير جدلا عالميًا حول مدى التزام الاحتلال الإسرائيلي بالقانون الدولي الإنساني.
ونشر مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات ورقة بحثية لتسليط الضوء على هذه القضية، وهي من إعداد الباحث الفلسطيني ضياء نعيم الصفدي، بعنوان "أوامر الإخلاء الإسرائيلية: بين الواقع والقانون"، وجعل الباحث الحرب على قطاع غزة نموذجًا ليفضح التناقض بين الصورة التي تحاول إسرائيل تسويقها دوليًا وحقيقة ما يجري على أرض الواقع.
بين النص القانوني والواقع
وحسب ما تناوله الصفدي في ورقته، فإن إسرائيل تسعى لإظهار التزامها "بحُكم القانون" عبر إصدار تحذيرات مسبقة للسكان المدنيين في غزة قبيل الهجمات، متذرعةً بأن هذه الإجراءات تهدف إلى حماية المدنيين.
وأضاف الصفدي أن هذه التحذيرات، أو ما تعرف "بأوامر الإخلاء"، تتخذ أشكالًا متعددة من منشورات ورقية تُلقى من الطائرات، أو اتصالات هاتفية مباشرة أو مسجلة، أو رسائل نصية ومنشورات عبر مواقع التواصل الاجتماعي.
إعلانلكن الورقة البحثية تؤكد أن هذه الأوامر في جوهرها ليست سوى وسيلة لتبرير عمليات التهجير والاستيلاء على الأراضي وإحداث تغيير ديموغرافي قسري في القطاع، وهو ما يتعارض مع روح ونصوص القانون الدولي الإنساني.
متى يكون الإخلاء مشروعا؟وتستعرض الورقة التي نشرها مركز الزيتونة الإطار القانوني للإخلاء، مستندةً إلى اتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949 وغيرها من المواثيق الدولية، التي تتيح لدولة الاحتلال إخلاء مناطق معينة لدواع عسكرية ملحة أو لحماية السكان، لكنها تضع في الوقت ذاته شروطًا صارمة على هذا الإجراء، ومن هذه الشروط:
أن يكون الإخلاء مؤقتًا وبأضيق الحدود اللازمة. ضمان سلامة المنقولين وأمانهم، وتوفير مكان بديل آمن لهم. عدم التفريق بين العائلات وإعادة السكان إلى منازلهم بأسرع وقت ممكن.وبعد النظر في تطبيق إسرائيل هذه الشروط، يخلص الباحث إلى أنها لم تلتزم بأي من هذه المعايير، بل تحولت الأوامر إلى ذريعة للتهجير الجماعي والتدمير الممنهج.
استيلاء على الأرض
وتكشف الورقة عن تصعيد في استخدام الإخلاء الكلي، كما جرى في 13 أكتوبر/تشرين الأول 2023 عندما أصدرت إسرائيل أوامر بإخلاء شمال قطاع غزة بالكامل.
إذ لم تقتصر الآثار على انتقال السكان نحو الجنوب فحسب، بل رافقتها عمليات قصف جوي وبري وتدمير واسع للممتلكات، فضلًا عن احتجاز عدد من المدنيين وتفريق أفراد العائلة الواحدة، وتركهم من دون مأوى أو ضمانات صحية وغذائية في مناطق لم تتوفَّر فيها أدنى شروط الحياة الإنسانية.
ويشير الصفدي إلى أن هذه العمليات لم تأت استجابة للحاجة العسكرية الملحة، بل في إطار إستراتيجية ترمي لتقليص عدد السكان الفلسطينيين في مناطق محددة، تمهيدًا للسيطرة عليها. وبذلك، تتحول "أوامر الإخلاء المشروعة" إلى انتهاك صارخ يعد جريمة نقل قسري، ترتقي إلى مستوى جريمة حرب أو جريمة ضد الإنسانية.
إعلان خلط وتضليلوتتناول الورقة بإسهاب الفوضى الاصطلاحية التي توظفها إسرائيل في خطابها الإعلامي والقانوني، فتلجأ لخلط مفهومي الإخلاء المشروع بالنقل القسري، متجاهلةً الفوارق الجوهرية التي نص عليها القانون الدولي ومبادئ العدالة.
ففي حين أن الإخلاء المشروع إجراء استثنائي مقيّد بظروف واضحة، فإن النقل القسري، والتهجير، والنزوح؛ كلها جرائم دولية موصوفة لا يجوز تبريرها تحت أي ظرف.
ويشير الصفدي إلى أن المعايير الدولية تشترط أيضًا حق الاختيار للسكان في مغادرة مساكنهم من عدمه، وهو ما يُسلب عمليًا تحت التهديد بالقصف أو القتل، حيث يجبر المدنيون على ترك مناطقهم من دون رغبة حقيقية.
انتهاك صارخ
وتطرق الباحث إلى أن آلاف أوامر الإخلاء التي ألقتها إسرائيل على سكان غزة منذ بدء العمليات في أكتوبر/تشرين الأول 2023 وحتى اليوم لا ترقى لمستوى التحذير الإنساني أو الالتزام القانوني، بل هي أداة للتهجير المنظم والتشريد الجماعي.
وتصنف الورقة هذه الممارسات ضمن "جرائم النقل القسري والتشريد الداخلي"، مؤكدة أن إسرائيل باتت في مواجهة استحقاقات المساءلة الجنائية الدولية.
وتضيف أن القانون الدولي لم يحدد بدقة ما يُسمى "الأسباب العسكرية القهرية"، مما أتاح لإسرائيل استغلال هذا الغموض لتبرير سياسات الإخلاء، رغم أن الجوهر الحقيقي لهذه الإجراءات يتعارض جذريًا مع القيم الإنسانية والقانونية.
وتخلص الورقة البحثية إلى أن ما يجري في غزة ليس مجرد إجراءات "تحذيرية" لحماية المدنيين كما تزعم إسرائيل، وإنما عمليات تهجير وتدمير تستهدف البشر والحجر، وتستدعي تدخلا دوليًا عاجلًا لضمان احترام القانون الدولي ومحاسبة الجناة، فقد كشف الواقع عن أن أوامر الإخلاء في غزة لا تقي من الموت أو التشريد، بل كانت في معظمها بداية لمعاناة أكبر وجرائم لا تُمحى من الذاكرة الجمعية للفلسطينيين.
إعلان