طبقًا للائحة.. متى يُطلب الإذن برفع الحصانة عن عضو مجلس النواب؟
تاريخ النشر: 24th, September 2023 GMT
تعد الحصانة البرلمانية نوع من الحماية القانونية التي يعطيها الدستور لأعضاء مجلس النواب في البرلمان كنوع من الحماية السياسية والقانونية لكي يستطيع النائب تأدية وظيفته الدستورية كاملة دون تخويف أو ترهيب، حيث يكتسب عضو مجلس النواب الحصانة البرلمانية بمجرد الإعلان الرسمى عن فوزه فى الانتخابات، ونظم الفصل الثانى من اللائحة الداخلية لمجلس النواب الصادرة بالقانون رقم 1 لسنة 2016 كل ما يتعلق بالحصانة البرلمانية.
شروط طلب الإذن برفع الحصانة عن عضو مجلس النواب
نصت المادة مادة 355، بأن لا يُسأل عضو مجلس النواب عما يبديه من آراء تتعلق بأداء أعماله فى المجلس أو فى لجانه.
ونصت المادة 356، على أنه لا يجوز فى غير حالة التلبس بالجريمة، أثناء دور انعقاد مجلس النواب، أن تتخذ ضد أى عضو من أعضائه أية إجراءات جنائية فى مواد الجنايات والجنح سواء فى مرحلة التحقيق أو الإحالة إلى المحاكمة، إلا بإذن سابق من المجلس فى كل منها، وفى غير دور انعقاد المجلس، يتعين لاتخاذ أى من هذه الإجراءات أخذ إذن مكتب المجلس، ويخطر المجلس عند أول انعقاد بما اتخذ من إجراء فى هذا الشأن.
وتنظم المادة (357) آليات التقدم بطلب الإذن برفع الحصانة عن العضو إلى رئيس المجلس، ويجب أن يتوافر فى الطلب الشروط الآتية:
- أن يكون مقدما من النائب العام أو من المدعى العام العسكرى، حسب الأحوال.
- أن يبين الطلب الواقعة المنسوبة للعضو المطلوب رفع الحصانة بسببها، والمواد المؤثمة لهذه الواقعة.
- أن يبين رقم القضية المقيدة ضد العضو، وما اتخذ فيها من إجراءات فى مواجهة الغير، وصورة من أوراق ومستندات القضية.
- إذا كان مقدما ممن يريد إقامة دعوى مباشرة، يجب أن تتوافر فى الراغب فى إقامتها الصفة والمصلحة.
- أن يقدم طلبا برفع الحصانة، مرفقا به صورة من عريضة الدعوى المزمع إقامتها، مع المستندات المؤيدة لها، ومبينًا فيها على وجه الوضوح الواقعة المنسوبة للعضو والمواد المؤثمة لها.
- ولا يعتبر طلبا بالإذن برفع الحصانة كل طلب لم يستوفِ الشروط المُشار إليها.
ونصت المادة 358 بأن يحيل الرئيس الطلب برفع الحصانة فور وروده إلى مكتب المجلس لفحص الأوراق ولبيان مدى توافر الشروط المشار إليها فى المادة 357 من هذه اللائحة فى طلب رفع الحصانة، فإن انتهى المكتب إلى عدم توافر الشروط المذكورة فى الطلب، قام بحفظه وعَرض الأمر على المجلس دون أسماء.
وإذا انتهى المكتب إلى توافر الشروط المتطلبة، أحال الرئيس الأمر إلى لجنة الشئون الدستورية والتشريعية لإعداد تقرير عنه للمجلس، وينظر المجلس التقرير على وجه الاستعجال للبت فى طلب الإذن برفع الحصانة. وفى جميع الأحوال، يخطر كل من العضو، وطالب رفع الحصانة، وجهة التحقيق المختصة بما تم فى الطلب من إجراءات، كما تخطر لجنة القيم بما تم للإحاطة.
ونصت المادة 359 ليس للعضو أن ينزل عن الحصانة، وللمجلس أن يأذن للعضو بناءً على طلبه بسماع أقواله إذا وجه ضده أى اتهام ولو قبل أن يقدم طلب رفع الحصانة عنه، ولا يجوز فى هذه الحالة اتخاذ أية إجراءات أخرى ضد العضو، إلا بعد صدور قرار من المجلس بالإذن بذلك طبقا لأحكام المواد السابقة.
المصدر: بوابة الفجر
كلمات دلالية: رفع الحصانة مجلس النواب أعضاء مجلس النواب الحصانة البرلمان
إقرأ أيضاً:
تحديات تشكيل مجلس تشريعي انتقالي في سوريا
مضت سبعة أشهر منذ إعلان إسقاط النظام في 8 ديسمبر/ كانون الأول 2024، في هذه الأشهر تحقق الكثير، بعض ما تحقق كان عظيمًا ومشكوكًا في تحققه، مثل رفع العقوبات والتغيير في إستراتيجية الولايات المتحدة تجاه سوريا والشرق الأوسط، وما كان ممكنًا ذلك لولا الاحتضان الإقليمي المستند إلى احتضان شعبي واسع للغاية، وحسن تقديم الحُكم الجديد في دمشق نفسه للمجتمع الدولي.
لكن في غمرة هذا التسارع في الخطوات الخارجية والطفرة في العلاقات الدولية والبيئة الإقليمية الجديدة بكل تأثيرها الإيجابي، هناك أعمال كثيرة في الداخل تتحرك بسرعة أقل، تتعلق بالتعافي وإطلاق عجلة تنمية تستند إلى إعادة بناء مؤسسات الدولة ومنظومة الحكم، وهي إعادة بناء مركّبة من عدة طبقات، تبدأ من الكوادر والكفاءات وتطبيق سياسات عادلة للعزل السياسي وجذب الخبرات، مرورًا بتحديث النظام البيروقراطي القديم والمعقّد وشديد المركزية، وصولًا إلى بناء منظومة قانونية مناسبة، وإصلاح النظام القضائي وضمان نزاهته، والفصل التام بين السلطات.
ومع ذلك يبقى أن جميع طبقات بناء مؤسسات الدولة مرهونة بالمنظومة القانونية التي تحدّد الإجراءات الشرعية واللازمة فيها، وبانتظار كل ذلك تتراكم المهامّ التشريعية كلّ يوم.
حلّ مجلس الشعبصدر "بيان إعلان انتصار الثورة السورية" عن قيادة العمليات العسكرية- وهي بمنزلة مجلس عسكري يضمّ كل الفصائل العسكرية التي شاركت في التحرير- في مؤتمر النصر 29 يناير/ كانون الثاني 2025، وفي البيان أُعلن عن تولية "القائد أحمد الشرع" مهام رئاسة البلاد في المرحلة الانتقالية، و"إلغاء العمل بدستور سنة 2012، وإيقاف العمل بجميع القوانين الاستثنائية، وحلّ مجلس الشعب المشكّل في زمن النظام البائد، واللجان المنبثقة عنه"، وتفويضه بـ"تشكيل مجلس تشريعي مؤقت" إلى حين إقرار دستور دائم للبلاد ودخوله حيز التنفيذ.
إعلانيؤدي وقف العمل بالدستور وحل البرلمان واللجان الملحقة به إلى خلق فراغ في المنظومة القانونية للمرحلة الانتقالية، ما سيتطلب إسراع الخطوات لتجنب استمرار هذا الفراغ المعيق للتعافي في ظل الحاجة الماسّة إلى إيجاد إطار قانوني للحكم، وتحديث القوانين ومراجعة السابق منها، وتحت ضغط هذه الحاجة الملحّة صدر الإعلان الدستوري في 13 مارس/ آذار 2025، ليضع الإطار الدستوري للمرحلة الانتقالية، وبالنظر إلى أن سقوط النظام لا يعني سقوط القوانين لضرورة استمرار الدولة، فقد نصّ الإعلان الدستوري في المادة 51 على أنه: "يستمر العمل بالقوانين النافذة ما لم يتم تعديلها أو إلغاؤها"، ونصّ كذلك في المادة 3 على أنّ: "الفقه الإسلامي هو المصدر الرئيس للتشريع".
ما مصير الإجراءات والقرارات التي يتمّ إصدارها قبيل إنشاء مجلس الشعب؟بحسب الإعلان الدستوريّ، فإن رئيس الجمهورية لا يمتلك صلاحية إصدار مراسيم تشريعية، وفي نفس الوقت "يستمرّ العمل بالقوانين النافذة" في المرحلة الانتقالية، ومقتضى هذا الوضع هو مراجعة جميع القرارات التنفيذيّة للتحقّق من مدى ملاءمتها للقوانين النّافذة التي "لم يتمّ تعديلها أو إلغاؤها" من قِبل المحاكم الإداريّة ومجلس الدولة والمحكمة الدستورية حين تشكيلها، فجميع القرارات والمراسيم يجب أن تصدر "وفق القانون النافذ" بحسب تعبير الإعلان الدستوري.
هل كان على الإعلان الدستوري أن ينص على تولي "رئيس الجمهورية سلطة التشريع إلى حين تشكيل مجلس الشعب، على أن تُعرض التشريعات الصادرة عن رئيس الجمهورية في هذه الفترة على المجلس خلال خمسة عشر يومًا من انعقاده، للنظر فيها ومناقشتها وإقرارها أو تعديلها أو إلغائها، فإذا لم تُعرض على المجلس زال ما لها من قوة قانونية بأثر رجعي من دون الحاجة لإصدار قرار في ذلك"؟ كما يذهب بعض الحقوقيين، ربما كان ذلك ضروريًا، ولكن في الوضع الراهن بعد صدور الإعلان، حيث لا توجد مثل هذه المادة، فإن القرارات واللوائح التنفيذية والمراسيم التشريعية يجب مراجعتها، لأن احترام مواد الإعلان الدستوري ضرورة "لطمأنة الجمهور بأن السلطة السياسية تحترم القانون النافذ، وتتصرف تحت سقفه. وهذا أمر حيوي جدًا ليشعر المواطنون بالأمن، وأن سيادة القانون تشملهم وتشمل السلطة في آنٍ معًا"، على حد تعبير الخبير القانوني محمد صبرا.
تشكيل مجلس الشعبثمة حاجة ماسّة، إذًا، لملء الفراغ التشريعي في أقرب وقت، عبر تشكيل مجلس الشعب، السلطة الثالثة في الدولة، والذي وفقًا للمادة 24 من الإعلان الدستوري يتم تشكيله وفقًا للآتي:
يشكل رئيس الجمهورية لجنة عليا لاختيار أعضاء مجلس الشعب. تقوم اللجنة العليا بالإشراف على تشكيل هيئات فرعية ناخبة، وتقوم تلك الهيئات بانتخاب ثلثَي أعضاء مجلس الشعب. يعيّن رئيس الجمهورية ثلث أعضاء مجلس الشعب لضمان التمثيل العادل والكفاءة.وتمثل كل واحدة من تلك الخطوات تحديًا قائمًا بذاته، إذ يجب أخذ جملة من الاعتبارات والقيود لتحقيق أهداف تشكيل المجلس، فهذا المجلس ستكون له آثار مديدة لا تقتصر على المرحلة الانتقالية، بل سيكون تأثيره الأهمّ هو في صياغة المرحلة الدائمة؛ تحديد شكل الدولة ونظامها السياسي عبر الدستور الدائم.
إعلانولا يعني هذا بحال التقليل من المهامّ التشريعية الأخرى المنوطة به في المرحلة الانتقالية، والتي تشمل بحسب المادة 26 من الإعلان الدستوري: "اقتراح القوانين وإقرارها"، و"تعديل أو إلغاء القوانين السابقة"، و"المصادقة على المعاهدات الدولية"، و"إقرار الموازنة العامة للدولة"، و"إقرار العفو العام"، و"عقد جلسات استماع للوزراء".
تكوين اللجنة العليا للانتخاباتيطرح تشكيل اللجنة العليا للانتخابات سؤال التكوين، حيث لم يعد قانون الانتخابات (القانون رقم 5 للعام 2014) ساريًا، بالرغم من أن الإعلان الدستوري نص على بقاء القوانين نافذة؛ وذلك لأن القانون الانتخابي مرتبط بالنظام السياسي المحدد بدستور سنة 2012، ومثله قانون الأحزاب، وقد سقطا معه.
القانون المذكور كان يسمّي اللجنة المشرفة على الانتخابات بـ"اللجنة القضائية العليا للانتخابات"، بالنظر إلى طابعها القانوني، وينصّ على أنها تتألف من سبعة قضاة "يسميهم مجلس القضاء الأعلى من مستشاري محكمة النقض"، ولأن الجانب القانوني جوهري فإن اللجنة العليا للانتخابات الجديدة يجب أن تغطي هذا الجانب، قد يكون ذلك عبر لجنة قانونية من الخبراء تسميهم اللجنة العليا نفسها، وأيضًا عبر لجنة مستقلة للبتّ بالطعون، وتوفير الإشراف القانوني بهذه الصيغة أو بغيرها ضرورة، لأنه يشعر المواطنين بالثقة في عمل اللجنة، وهذا أمر ضروري للثقة بصحة النتائج والرضا عنها.
بالنظر إلى أن القانون رقم 5 لم يعد ملزمًا، فإن تكوين اللجنة لم يعد محصورًا بالقضاة، وبالتّالي في مثل هذه الحالة، ولضمان عملية تمثيل ملائمة فإن تشكيل اللجنة يفترض أن يراعي في التمثيل مجموعة من الاعتبارات: مشاركة المرأة، والميول السياسية والتكوين الاجتماعي والديني والتوزع الجغرافي والكفاءة.
ولهذا قد يكون من المناسب تأليف لجنة صغيرة مكونة من أقل من عشرة أعضاء قادرة على المتابعة واتّخاذ قرارات سريعة، يُراعى في تكوينها الاعتبارات المذكورة، وبما أن هناك لجانًا فرعية في كل محافظة فإن التمثيل الجغرافي الدقيق ليس مطلوبًا في اللجنة العليا، لأن الفائدة الفعلية في التمثيل الجغرافي تكمن في اللجنة الفرعية فقط.
في (13 يونيو/ حزيران 2025)، صدر المرسوم الرئاسي رقم 66 للعام 2025 بتشكيل "لجنة باسم اللجنة العليا لانتخابات مجلس الشعب"، مؤلفة من 11 عضوًا، برئاسة محمد طه الأحمد. تتولى هذه اللجنة الإشراف على "تشكيل هيئات فرعية" في المحافظات، لتنتخب ثلثي أعضاء مجلس الشعب. وقد راعى المرسوم في تكوين اللجنة بالفعل جملة الاعتبارات المذكورة أعلاه.
انتخابات في ظروف غير مستقرةلكن المعضلة الرئيسية للجنة هي في إجراء انتخابات في ظروف استثنائية، هنالك نحو ثلاثة ملايين نازح على الأقل في الشمال، منهم نحو مليون إنسان ما زالوا في الخيام، مع مئات الآلاف من المهجّرين خارج الحدود، صحيح أن حركة عودة كبيرة إلى البلاد تجري حاليًا، لكن انتخابات في مثل هذا الوضع تبدو مهمة شاقة، فمن جهة يجب توفير إحصاء سكاني موثوق نسبيًا لتحديد المقاعد، ومن جهة أخرى يجب تحديد الدوائر الانتخابية والنظام الانتخابي لإجراء انتخابات منظمة وعادلة، ومن جهة ثالثة تحتاج الانتخابات إلى مراقبة وإشراف من المنظمات المحلية والدولية مع انعدام وجود أحزاب، فقد تم حل الأحزاب والتنظيمات في إعلان النصر.
ما من إمكانية متاحة لإجراء إحصاء سكاني دقيق مع وجود هذا الكم الهائل من النزوح والدمار الواسع في المدن والأرياف، ولهذا السبب فإنه ما من طريقة لاعتماد إحصاء جديد في الوقت الحالي، وأفضل طريقة هي اعتماد إحصاء عام 2010 الذي أجراه نظام الأسد قبل اندلاع الثورة، والذي تنتفي فيه شبهة المصلحة في التلاعب بالأرقام وطرق الإحصاء ووجود ملايين خارج سوريا أو خارج سيطرته، ولهذا السبب يمكن الوثوق بهذا الإحصاء، وتحديد عدد المقاعد على أساس التوزع الديمغرافي للسكان.
إعلانعدد مقاعد البرلمان السوري هو 250 مقعدًا، وهو عدد ظل ثابتًا منذ دستور عام 1973 الذي تمت صياغته لبقاء نظام الأسد إلى الأبد، وهو تقريبًا يمثل عام 2010 نسبة عضو واحد لكل 100 ألف نسمة، لكن هذا العدد قد لا يكون مناسبًا ورشيقًا بما يكفي للعمل في هذه الفترة الاستثنائية، لذلك تميل الدول في المرحلة الانتقالية إلى برلمانات مصغرة، ويمكن أن يكون نصف هذا العدد أو أكثر قليلًا مناسبًا بالنظر إلى المهام الكثيرة الملقاة على عاتقه، ومن الواضح أن الرئيس الشرع أخذ ذلك بالاعتبار، فالمرسوم 66/2025 الخاص بتشكيل الهيئة العليا لانتخابات مجلس الشعب حدّد عدد أعضاء المجلس بـ150 عضوًا، وهو عدد مناسب يجمع بين التمثيل والمرونة.
التمثيلمهمة اللجان الفرعية هي تشكيل الهيئات الناخبة في المحافظات بحسب الإعلان الدستوري، ولكن لا توجد إشارة واضحة فيه حول كيفية تشكيل هذه الهيئات، وهذا سيعني أن اللجنة العليا للانتخابات ستحدد ذلك، هل سيكون ذلك عبر الترشح الفردي المباشر، أي فتح باب الترشح كما يجري في الانتخابات العامة عادة؟
لكن فتح باب الترشح المباشر لن يضمن تمثيلًا صحيحًا في ظل ظروف النزوح والدمار، هذا الوضع الاستثنائي شبيه نسبيًا بالوضع عند تأسيس الدولة والعمل على المؤتمر السوري العام الأول بدءًا من منتصف عام 1919، في ذلك الوقت جرت اختيارات من قبل وجهاء، ممثلين عن المناطق، وزعماء محليين وفقًا لقانون الانتخابات العثماني عام 1909 لمجلس المبعوثَين (مجلس النواب)، وفي بعض الحالات، تمت تعيينات أو ترشيحات محلية (توكيلات) لتمثيل مناطقهم.
وفقًا للقانون العثماني، يتم الانتخاب على مرحلتين، في المرحلة الأولى يتم تشكيل هيئة ناخبة، وفي المرحلة الثانية تنتخب هذه الهيئة أعضاء لمجلس النواب، ويمكن للجنة الفرعية القيام باختيار أعضاء مرشّحين للهيئة الناخبة بدل الانتخاب المباشر، تراعي التكوين الاجتماعي والكفاءات والتمثيل العادل لفئات المجتمع ممن يتمتعون بالسمعة الطيبة وحسن السيرة، وأن يكونوا من المعروفين في مناطق تمثيلهم للعموم والنخبة على نطاق مناسب، سيتعين على اللجنة المركزية أن تضع مجموعة من الشروط والقواعد التي تضمن وصول ممثلين حقيقيين، ومن ذوي الكفاءات ممن يصلحون لصياغة التشريعات، والتفاوض حول مواد الدستور.
قضية التمثيل في هذا المجلس ليست أمرًا يمكن قبول الثغرات فيه، يجب أن يكون التمثيل قويًا وحقيقيًا قدر الإمكان؛ لأن هذا المجلس سيرسم مستقبل سوريا وصورتها الدائمة، ويجب ألا يغيب عن أعضاء اللجنة العليا المكلفين بالإشراف على العملية الانتخابية وتشكيل المجلس أن شكل عملية تشكيل المجلس هو جزء من مضمون المجلس، وأن لا فرق بين الشكل والمضمون في العملية السياسية.
ومن المثير للانتباه أن المرسوم 66/2025 الخاص بتشكيل الهيئة العليا للانتخابات ومهامها حدد طبيعة المرشحين للتمثيل بأنهم من "الأعيان والمثقفين" والمقصود بالطبع نخبة المجتمع، من الوجهاء والشخصيات ذات المكانة الاجتماعية المؤثرة، يشمل ذلك رئيس رجال الأعمال والشخصيات العامة، أما المثقفين فالمقصود منه على الأرجح الكفاءات من الاختصاصيين في العلوم الاجتماعية المختلفة وصناع الرأي العام، وعلى الرغم من غرابة هذا التحديد في تشكيل مجلس الشعب، لكن الظروف التي يشكل من أجلها المجلس والتي تتطلب بالفعل توفير نخبة قادرة على تحقيق الغرض من تشكيل مجلس الشعب في هذه المرحلة الخطيرة تجعل الأمر مفهومًا ومستساغًا، وربما كان من الأنسب استخدام الاكتفاء بعبارة "الكفاءات".
مهمة كتابة الدستور الدائمتنتظر هذا المجلس التشريعي مهمات كثيرة، فالفراغ التشريعي لمدة طويلة خلف تراكمًا في الأعمال التشريعية الضرورية لبناء الدولة، لكن المهمة الأخطر التي سيتعين على المجلس التشريعي القيام بها هي كتابة الدستور الدائم، الذي سيحدد شكل النظام السياسي لسوريا لعقود طويلة، لأن الهيئة التأسيسية ستنبثق على الأرجح عن هذا المجلس، سواء في دورته الأولى أو الثانية، لأن المجلس سيكون له دورتان فقط في المرحلة الانتقالية، وسيكون عليه تشريع القوانين اللازمة للانتقال السياسي، بما في ذلك الأحزاب والانتخابات.
والواقع أن هناك ثلاث طرق لتشكيل الهيئة التأسيسية:
الأولى: هي الانتخاب المباشر من الشعب، وفي ظل ظروف معقدة مثل سوريا لا توجد ضمانة للتمثيل ولا ضمانة لخروج الكفاءات اللازمة لكتابة الدستور، والتفاوض حول مواده مع أطراف المجتمع. الثانية: هي التعيين، وهي طريقة قد تضمن التمثيل ووجود الكفاءات، لكنها تفتقد للشرعية اللازمة للمرحلة الدائمة. الثالثة: هي الانتخاب من المجلس التشريعي، حيث يبدو طريقًا إجباريًا، لأنه يجمع بين ميزة توفر الكفاءات والتمثيل، والشرعية، ما يجعل احترام الدستور أكثر رسوخًا، وفي مثل هذه الحالة تكون الهيئة التشريعية ثلث المجلس في الحد الأقصى، ويجب الأخذ بالاعتبار التمثيل الطائفي والعرقي كاملًا. إعلانلهذا السبب يجب أن يؤخذ بالاعتبار عند تشكيل المجلس هذه المهمة الاستثنائية له، وربما يكون من المفيد استخدام الثلث المعين من قبل الرئيس لتغطية النقص الذي قد يحصل في توفير هذا التمثيل والكفاءات اللازمة، فالإعلان الدستوري منح الرئيس صلاحية تعيين الثلث لجبر الخلل الذي يمكن أن يحدث في تشكيل المجلس بسبب الظروف الاستثنائية التي تمر بها البلاد.
كتابة دستور جديد ستقتضي عدة أمور، هي: قانون لنظام انتخابي جديد، وقانون للأحزاب (أشار إليه الإعلان الدستوري في المادة 14)، وقانون للمحكمة الدستورية وتنظيم القضاء، وقانون للعدالة الانتقالية بعد تشكيل هيئة متخصصة في ذلك.
تحدياتاللحظة مواتية للشروع في تشكيل المجلس، والحاجة ملحّة له، ومع ذلك فإن عدم استتباب الأمن بشكلٍ تام في مناطق مثل الساحل، ومناطق مثل الجزيرة التي لا تزال تحت سيطرة قوات قسَد (قوات سوريا الديمقراطية) الكردية، تمثل عقبات أمام اللجنة العليا للانتخابات، وقد يحد هذا من قدرة اللجنة على تحقيق التمثيل الشامل والعادل، وقد تضطر في بعض الأحيان للتنازل عن بعض المعايير في تلك المناطق لتحقيق تمثيل مقبول فيها، وقد يشكل الثلث المعين أحد الضمانات لتجاوز عقبة التمثيل فيما إذا فشلت اللجنة في تحقيق ذلك بسبب عقبات أمنية ولوجيستية.
هنا يبرز مرة أخرى دور الثلث المعين، ويحسب للجنة التي كتبت الإعلان الدستوري ترك هذا الثلث للتعيين لتجاوز المشكلات التي يمكن أن تواجه اللجنة في تشكيل المجلس والتعامل مع الظروف، وهي طريقة اعتمدت في المؤتمر السوري العام الأول، حيث عُين نحو ثلث أعضاء المجلس (35 عضوًا من أصل 120 نائبًا) لاعتبارات تتعلق بوجود الاحتلال الفرنسي والبريطاني، وتعذر القيام بعملية انتخابية في كل المناطق، هناك، إذًا، سابقة يمكن البناء عليها.
التحدي الآخر هو وجود كفاءات ضرورية يمكن التعويل عليها في صياغة القوانين والتفاوض بشأن المواد الدستورية، من الخبراء والسياسيين والحقوقيين والنقابيين وخريجي العلوم السياسية والدراسات الإسلامية والدينية وعموم العلوم الاجتماعية، وحتى من المجتمع المدني الذين راكموا خبرات كبيرة خلال السنوات الأربع عشرة الأخيرة، وكثير منهم عملوا في الانتقال السياسي والأنظمة القانونية والقضائية والدستورية، يجب أن تلحظ اللجنة العليا للانتخابات وجود مثل هذه الكفاءات بالقدر الكافي في الهيئة الناخبة، وتوفير فرص لها للانضمام للبرلمان عبر انتخابات نزيهة وشفافة.
مجمل التحديات يمكن التغلب عليها، لكنها تتطلب بعض الوقت والتأني، المؤتمر السوري العام عام 1919 استغرق أكثر من ثمانية أشهر بسبب الظروف الانتقالية بين انهيار الدولة العثمانية والانتداب الفرنسي، اليوم لدينا ظروف شبيهة من حيث إننا بالفعل في مرحلة أقرب إلى إعادة بناء الدولة من أساسها، ولكن أيضًا لدينا خبرة تمتد لمائة عام، ووسائل اتصال حديثة تعوّض بعض النقص في البنية التحتية اللازمة للانتخابات وتشكيل المجلس.
إنه لمن الصحيح القول إن الظروف الاستثنائية قد لا تساعد على إنشاء مجلس تمثيلي في شكل مثالي، لكن مع الكثير من الجهد والانتباه إلى العوائق وابتكار الطرق اللازمة لمواجهتها والحفاظ على الشكل والمضمون معًا سيكون بالإمكان تحقيق تمثيل مقبول ومناسب للمهامّ التي أنيطت بالمجلس التشريعيّ الانتقالي.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
aj-logoaj-logoaj-logo إعلان من نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناابق على اتصالالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+تابع الجزيرة نت على:
facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outline