أنيسة الهوتية
ميثاق- والميثاق هو العهد الموجب للالتزام به، وهو التحالف بين الأطراف الموقعين على هذا الميثاق أن يكونوا يدًا واحدةً لمُواجهة عواصف الأمور التي ستأتي عليهم غدرًا، وألا يهلعوا، أو يتراجعوا، وليتوقعوا سلبيات المضي في مشروع الميثاق كتوقع إيجابياته، وألا يتركوا الفتنة تتسربُ بين أصابعهم فتجرفهم إلى حل الثقة بينهم حتى يقوموا بإحلال العهد الذي بينهم.
غليظ- والغلظة في اللغة وصف للشيء استدلالًا على شدته، وقسوته، وصلابته، وقوته، ومتانته...إلخ
ووصف الخالق سبحانه الزواج بالميثاق الغليظ، لأنه يحمل كل تلك الصفات التي لايشعر بها الزوجان لانغماسهما في الحب، فنعمة الحُب تُعطي طاقة جبارة لتحمل سلبيات ومساوئ الزوجية، وتلصق الزوجين ببعض بمعجون الأُلفة والمودة والرحمة، التي تُخدر مشاعرهم الأنانية، وتُنعش مشاعر العطاء، حتى لا يشعرون بنكد الطرف الآخر ومشقة خدمته وطاعته وتوفير متطلباته! ولكن، إذا زالت نعمة الحب سيبدآن كلاهما أو أحدهما باستشعار ثقل الآخر على قلبه ويسعى للافتكاك منه.
ولأنه غليظ، لذلك لاينتهي بشكل نهائيٍ بسهولة، فإنَّ الله تعالى خلق لهذا الميثاق الغليظ أسبابًا وأعذارًا وجوازاتٍ شرعية للحفاظ على عهده طويلًا، وألا يُعاقب الإنسانُ طويلًا حين يقع ضحيةً للشيطان، ولكن هناك أفرادٌ استخدموا الشرع شماعة لتعليق أعذارهم ورغباتهم وهذا ليس إلا تلاعب بالدين وتحريم لما حلل الله وهو جُرمٌ ظاهرٌ كما تحليل ما حرم الله تمامًا.
وشرع الله سبحانه لإعاقة الطلاق أسبابًا كثيرة حفاظًا على إرجاع المتعاهدين إلى ميثاقهما الغليظ فلربما يعودان أفضل مما كانا عليه بعد تلك القرصة القوية المؤلمة التي وقعا فيها وحرمتهما من بعض! صونًا لهما من الوقوع في الفتنة.
لأجل ذلك كان تصنيف أنواع الطلاق بالطلاق السُني، والطلاق البدعي الذي يُوجب الكفارة ومنها ما كان يتم الحكم فيه أنه لم يقع في حال أن تكون المرأة حاملًا، أو نفساءً، أو حائضًا وهي الحالات الثلاث التي كنت أسمع عنها في مجلس أبي -رحمه الله- من أحكام القضاة الشرعيين السابقين في التسعينيات والثمانينيات أن الطلاق فيها بدعي ولايقع وإن كان الرجل مستقصدًا الطلاق فلينتظر زوجته كي تطهر ثم إن أراد إرجاعها فهي زوجته وإن أراد الطلاق فليطلق طلاقًا سنيًا على طُهر، أما الحامل فينتظرها حتى تلد ثم تطهر.
وبجانب الحالات الثلاث للمرأة التي تنقض نقض الميثاق الغليظ، كانت هناك حالاتٌ أربع للرجل أيضًا تنقضُ طلاقهُ وهي:
فقدان العقل- بسبب حالة سُكرٍ، أو التأثر بأدوية أو مواد مخدرة، أو مرض ذهني. الغضب- ظاهرًا أم باطنًا، فليس كل إنسانٍ غضبه بركانٌ ثائر هناك أشخاص غضبهم كمثل البركان الراكد ظاهريًا إلا أنه في قلبه يثورُ ثوران الحمم التي تتلظى.
الإكراه- أن يكون مُكرهًا ومُجبرًا على الطلاق بطريقة مباشرة أو غير مباشرة وهو في قلبه غير مقتنع بالفراق والانفصال.
الدهش: وهنا الأمثلة كثيرة ولكن إحداها هي أن يكون المُطلقُ مسحورًا سحرًا أفقده إدراكه ووعيه فبدأ يتنافر من زوجته، ولا يطيقها فجأةً ولايتحمل منها شيئاً! أو يغار عليها بجنون حتى يكاد يُجن فيتركها رحمة بنفسه.
وإن لم يكن أيًا من ذلك حاضرًا، فإن في الكتاب والسنة طلاق الثلاث إلى المليون في مجلسٍ واحد تُحسبُ واحدة ومازاد فيسقط بدعيًا وعليه كفارة، وذلك باب رحمة لا يجوز إغلاقه شرعًا.
نعم، لأجل ذلك وُصف بالميثاق الغليظ، فإنه ليس سهلًا نقضه... والطلاقُ هو إطلاق سراح الزوجة، وللزوج أن يردها بعد إطلاق سراحها مرتين حين تكون بائنة منه بينونة صغرى، أما الثالثة فهي الأخيرة التي لا إرجاع فيها وهي البينونة الكبرى.
رابط مختصرالمصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
صيام الماء .. تجربة مذهلة ولكن ليست للجميع
خضت قبل فترة تجربة أثّرت فيّ بشكل إيجابي، وجعلتني أعيد التفكير في علاقتي مع الجسد، والعادات الغذائية، ومدى تحكمنا في أنفسنا أمام المغريات. الحديث هنا عن “صيام الماء”، وهو الامتناع التام عن تناول الطعام والاكتفاء بشرب الماء فقط، لفترة زمنية محددة.
كنت قد سمعت كثيرًا عن هذا النوع من الصيام، وقرأت تجارب لأشخاص طبّقوه وامتدحوا فوائده الصحية وايضًا أصدقاء لي خاضوا هذه التجربة، لكنني لم أجد الفرصة لخوضه حتى جاءت اجازة عيد الفطر ، فاغتنمت فرصة بقائي في المنزل، وقررت خوض التحدي، مكتفيًا بشرب الماء فقط لمدة سبعة أيام.
اليومان الأولان كانا الأصعب، جوع لا يُحتمل، وصداع يطرق رأسي بإلحاح. بطني تصرخ طالبة الطعام، وكل رائحة تمر قريبة منّي – خاصة رائحة الشاورما أو الكبسة – كانت كفيلة بكسر عزيمتي. لكن ما إن دخلت اليوم الثالث، حتى بدأت أشعر بتحول كبير؛ ذهن صافٍ، خفة في المعدة، اختفاء الغازات المزعجة، وإحساس بالراحة لم أعهده منذ زمن.
خلال تلك الأيام، كنت أشرب أكثر من أربعة لترات من الماء يوميًا. النتيجة؟ نقص وزني خمسة كيلوغرامات خلال أسبوع واحد، وشعرت بأن جسمي بدأ يتخلص من السموم المتراكمة. ولكن، ورغم الإيجابيات، أنصح من يرغب في خوض هذه التجربة أن يبدأ بثلاثة أيام فقط، حتى يتعرف جسده على هذا النمط، ثم يتوسع بعدها تدريجيًا إذا أراد.
من المهم أن أشدد على نقطة محورية: هذه التجربة ليست للجميع. إن كنت تعاني من أي حالة صحية، أو تستخدم أدوية مزمنة، فمن الضروري أن تستشير طبيبك أولًا. فقد نشرت جامعة هارفارد الطبية دراسة حديثة قام بها الدكتور فالتر لونغو، تشير إلى أن الصيام المتقطع والمائي قد يُفيد في تحسين الصحة بشكل عام وتقليل الالتهابات، لكنه في الوقت نفسه قد يُشكل خطرًا إذا ما طُبّق دون إشراف طبي، خاصة لمن يعانون من السكري أو انخفاض ضغط الدم.
هذا النوع من الصيام يتطلب إرادة حديدية، فالمغريات حولنا كثيرة، والاستسلام ممكن في أي لحظة. لكنه أيضًا تجربة روحية وجسدية مدهشة لمن يملك العزيمة ويعرف جسده جيدًا.
jebadr@