1
مضى أكثر من 15 عاما علي قرار المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية الذي وجه تهم الإبادة الجماعية للرئيس المعزول البشير الذي تم التماطل في تنفيذه بعد ثورة ديسمبر على يد حكومتي الشراكة وبعد انقلاب 25 اكتوبر وحتى نشوب الحرب اللعينة التي تم فيها خروج مجرمي الحرب والجرائم ضد الانسانية من السجن.. و شجع على الإفلات من العقاب على ارتكاب المزيد من الجرائم كما حدث في مجازر فض الاعتصام والقمع الوحشي المواكب السلمية وجرائم دارفور الأخيرة والتطهير العرقي كما حدث للمساليت وفتح المحكمة الجنائية تحقيق في ذلك بعد المقابر الجماعية التي عثر عليها.


وبهذه المناسبة نعيد نشر هذا المقال حول قرار المدعي العام والظروف التي أحاطت به.
2
في يوم الاثنين: 14/7/2008م، وجه المدعي العام لمحكمة الجنايات الدولية: اوكامبو في مؤتمر صحفي بمقر المحكمة الجنائية الدولية بلاهاى، ثلاث تهم للرئيس البشير ادعي انها ارتكبت بحق قبائل الفور والمساليت والزعاوة تتعلق بتطهير عرقي واغتصاب وتعذيب، واعلن أن عدد الضحايا الذين تم تشريدهم من ديارهم يقدر ب 2,5 مليون، وأشار الي أن 35 ألف قتلوا بشكل مباشر ، وان ما بين: 80- 265 الف ماتوا ببطء بعد أن شردهم القتال، وأوضح ان قرار الابادة من الرئيس البشير بدأ في العام 2003م، عندما أمر الجيش بعدم الابقاء علي أى اسير أو جريح بنية الابادة الجماعية. ووصف اوكامبو ان ماقام به البشير، بأنه جريمة ابادة جماعية متعمدة، وطالب بتوقيف البشير وحظر ارصدته وممتلكاته وتقديمه للعدالة.
3
ماهي تداعيات هذا القرار؟.
لايمكن النظر في هذا القرار بمعزل عن تطورات الاحداث في السودان منذ الانقلاب المشؤوم الذي قامت به الجبهة الاسلامية بقيادة عمر البشير في 30/يونيو/1989م، والذي اوقف الحل السلمي الداخلي الذي كان جاريا بعد اتفاق الميرغني – قرنق، واشعل حربا دينية تعدت حرب الجنوب لتشمل الشرق ودارفور، ومع تبع تلك الحروب من مآسي وابادة وقضاء علي الحرث والنسل. اضافة لمصادرة الحقوق والحريات الديمقراطية وتشريد الالاف من اعمالهم واعتقال وتعذيب الالاف من المواطنين، وتعذيب بعضهم حتي الموت مثل: الشهيد د.علي فضل وعبد المنعم رحمة وابوبكر راسخ... الخ، اضافة لاعدامات مثل: اعدام قادة انقلاب رمضان في ليلة عيد الفطر!!!، حل النقابات والاحزاب السياسية وتدمير كل مؤسسات المجتمع المدني. ونهب القطاع العام واموال الدولة، وتحويلها لفئة قليلة من اثرياء الجبهة الاسلامية التي اتخذت اسم المؤتمر الوطني، والذي انشق الي: وطني وشعبي. كما رفعت الدولة يدها عن التعليم والصحة وبقية الخدمات ودمرت القطاعين الصناعي والزراعي، وحتي بعد استخراج البترول لم تذهب عائداته للتنمية الزراعية والصناعية ولخدمات التعليم والصحة وبقية الخدمات(مياه، كهرباء.الخ)، كما ارهقت الدولة كاهل المواطنين بالضرائب الجبايات، حتي تزايدت حدة الفقر والاستقطاب الطبقي، حيث وصلت نسبة الذين يعيشون تحت خط الفقر 95% من الشعب السوداني، ونشأت رأسمالية طفيلية نهبت اصول القطاع العام وعائدات البترول وركزت السلطة والثروة في يدها، وانتشر الفساد بشكل لامثيل له، حتي تم تصنيف السودان في قائمة الدول الاكثر فسادا في العالم.
4
ونتيجة لضغط الشعب السوداني وضغط المجتمع الدولي، تم توقيع اتفاقات: نيفاشا، القاهرة، ابوجا، والشرق..الخ، ولكن المؤتمر الوطني ماطل في تنفيذ استحقاقات تلك الاتفاقات، واستمر يحكم بالعقلية الشمولية السابقة، وضرب بالاتفاقات وقرارات المجتمع الدولي عرض الحائط، وطغي في البلاد فاكثر فيها الفساد، واتجه للحل العسكري لقضية دارفور بدلا من الحل السلمي حسب توصيات مؤتمر الفاشر 2003م، وكانت النتيجة تلك المأسأة والجرائم، والتي تطلبت المساءلة، علما بان قرار اوكامبو الاخير لم يكن مفاجئا، منذ أن اصدرت الامم المتحدة ممثلة في مجلس القرار 1593، باحالة ملف انتهاكات دارفور الي المحكمة الجنائية.
والواقع أن نظام الانقاذ الذي كون مليشيات الجنجويد هو المسئول عن كل انتهاكات حقوق الانسان في السودان، والمسئول تبعا لذلك عن فقدان البلاد لسيادتها الوطنية.وبالتالي، فان قرار مدعي محكمة الجنايات الدولية هو نتيجة منطقية لممارسات نظام الانقاذ السابقة، فالانسان يحصد في النهاية ثمار عمله، ومن يزرع الريح يحصد العاصفة.
5
وبدلا من اعلاء صوت العقل والتعاون مع المحكمة الدولية، يهدد نظام الانقاذ بنسف الاستقرار وتحويل البلاد الي صومال ورواندا اخري، اي مواصلة المزيد من ارتكاب الجرائم!!، والتي ايضا سوف تلاحقه المساءلة حولها ، طال الزمن أو قصر، المؤتمر الوطني يحاول ان يصور لنا، انه اما ان يستمر بالبقاء في السلطة او تدمير البلاد، مثلما كان يبشرنا نميري في السبعينيات من القرن الماضي البديل: اما نظامه أو الطائفية التي تدمر البلاد، كانما الشعب السوداني عاجز عن تقديم البديل، وذهب نظام نميري وبقي الشعب السوداني ، وسيذهب نظام الانقاذ ويبقي الشعب السوداني مواصلا نضاله من اجل الحرية والديمقراطية والوحدة والتنمية وتحسين احواله المعيشية.
اى أن التهديد بان قرار المحكمة الجنائية الدولية سوف ينسف استقرار البلاد ويحدث انهيار دستوري لاأساس له.
ولكن الخطر الحقيقي علي وحدة واستقرار البلاد اصبح من وجود المؤتمر الوطني في الحكم.
و يبقي السؤال ماهو الحل؟ الحل يكمن في:
أولا: في الحل الشامل لقضية دارفور باعتبارها مشكلة سياسية قومية تحل في اطار قضايا السودان ككل، وباعتبار أن جوهر القضية ليست قبلية أو عرقية أو صراع حول حواكير..الخ، ولكن المشكلة يتم حلها في اعتبار دارفور اقليم واحد حسب حدود 1956م، وباعتبار أن لدارفور تاريخ منذ ان كانت سلطنة قائمة بذاتها، واعطاء الاقليم الحق في الحكم الذاتي مع اقاليم السودان الاخري(الشرق، كردفان، الشمالية، الجنوب، الاوسط، الخرطوم)، والتمثيل المتساوى في مجلس الرئاسة، اضافة للحل العادل لقضية الثروة والسلطة والتنمية المتوازنة بين اقاليم السودان المختلفة، ووقف اطلاق النار ونزع سلاح الجنجويد، وتقديم المجرمين عن التطهير العرقي للعدالة، ورجوع النازحين الي قراهم والتعويض العادل لهم.
ان اتخاذ هذه التدابير تسهم في نزع فتيل الازمة، ورجوع شعب دارفور الي وضعه الطبيعي كشعب منتج، عرف الاكتفاء الذاتي من الغذاء ومنتجات الصناعات الحرفية من عهود سلطنة دارفور، وبالتالي يتحرر اهلنا في دارفور من مذلة الاعتماد علي الاغاثات، رغم تقديرنا للمجتمع الدولي والمنظمات الانسانية التي وقفت مع شعب دارفور في محنته آناء الليل واطراف النهار، ووفرت له احتياجاته من الغذاء والكساء والدواء والماوى. ولكن المهم هو الاستقرار في الاقليم حتي ينعم شعب دارفور بثمرات السلام ويعود الي وضعه الطبيعي كشعب كمنتج.
وهذا يتطلب وحدة كل الحركات حول موقف تفاوضي واحد، والمؤتمر الدارفوري – الدارفوري الجامع حتي يتم الوصول لحل يتراضي عليه الجميع.
ثانيا: التحول الديمقراطي والغاء كل القوانين المقيدة للحريات، وقانون انتخابات ديمقراطي يفتح الطريق امام انتخابات حرة نزيهة، تسدل الستار علي الشمولية من الحياة السياسية السودانية.
ثالثا: تنفيذ الاتفاقات التي تم توقيعها، والتخلي عن سياسة نقض العهود والمواثيق التي كانت سببا في اعادة انتاج الازمة بشكل اعمق.
رابعا: ضرورة النهوض الجماهيري الواسع في الشارع، باعتباره الحاسم في قلب الموازين، وفي التحول الديمقراطي، وقطع الطريق امام مؤامرات المؤتمر الوطني لتمزيق وحدة السودان.
خامسا: تحسين احوال الناس المعيشية التي تدهورت بشكل لامثيل له في الآونة الاخيرة حيث ارتفعت الاسعار بشكل جنوني، مع ثبات وتدني الاجور، اضافة الي التنمية وتوفير احتياجات المواطنين الاساسية في التعليم والصحة والخدمات..الخ.
سادسا: رفع المظالم والضرر باصدار قرار سياسي بارجاع كل المفصولين من مدنيين وعسكريين.
ان اتخاذ هذه التدابير يمكن ان تفتح الطريق امام مصالحة وطنية حقيقية، يتم فيها رفع الضرر والمظالم، وتفتح الطريق امام وحدة البلاد وقطع الطريق امام المؤامرات لتقطيع اوصال البلاد وتحويلها لصومال أو رواندا اخري

[email protected]
///////////////  

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: الجنائیة الدولیة المحکمة الجنائیة المؤتمر الوطنی الشعب السودانی المدعی العام الطریق امام ان قرار

إقرأ أيضاً:

رغم مرور 50 عاما.. طلاب يمنيون يفاجئون معلمهم المصري

بعد أكثر من خمسين عامًا على انتهاء سنوات الدراسة، فوجئ معلم الفيزياء والكيمياء محمد عبدالعال بزيارة غير متوقعة من عدد من تلاميذه السابقين القادمين من اليمن.

الزيارة، التي جرت عقب انقطاع طويل فرضته السنوات وتباعد المسافات، شكلت حدثًا إنسانيًا، حيث أعادت إلى الواجهة علاقة المعلم بطلابه، بوصفها إحدى الركائز الأساسية في تشكيل الوعي وبناء المسارات المهنية والإنسانية.

جاءت الزيارة بدافع توجيه الشكر والوفاء لمعلمهم، بعد مرور أكثر من نصف قرن على تلقيهم العلم على يديه.

الواقعة لم تقتصر على استعادة الذكريات الدراسية، بل كشفت عن جانب إنساني ومهني يتعلق بدور المعلم في ترك بصمة طويلة المدى في حياة طلابه، حتى بعد مرور عقود على انتهاء العلاقة التعليمية المباشرة.

وفاء بالجميل بعد 40 عامًا .. أول تعليق من مدرس سوهاج لـ صدى البلد بعد زيارة طلابه اليمنيين لتكريمه

وقال محمد عبدالعال معلم الفيزياء والكيمياء في سوهاج، في تصريحات خاصة لموقع صدى البلد، إنه بدأ رحلته المهنية منذ سنوات شبابه، عندما أعلن الإعلام الكويتي عن حاجته إلى أعضاء بعثة تعليمية للعمل خارج البلاد، موضحًا أنه كان يحمل مؤهل بكالوريوس العلوم، وتقدم للمسابقة التي ضمت عددًا كبيرًا من المتقدمين.

وأكد عبدالعال أن التوفيق حالفه في اجتياز الاختبارات، ليحصل على عقد رسمي وتذكرة سفر ضمن بعثة تعليمية كويتية، تم توجيهها إلى مدينة عدن، قبل أن يتم توزيعه لاحقًا على إحدى المحافظات، حيث استقر عمله في محافظة شبوة.

إبراهيم المعلم ضيف لميس الحديدي للحديث عن الثقافة والرياضة والوعي العربي

وأوضح أنه تولى التدريس في مدارس المحافظة، ومن بينها مدرسة الشهيد قحطان، مشيرًا إلى أنه أمضى سنوات طويلة في خدمة العملية التعليمية.

محمد عبدالعال: لم أتوقع أن يتذكرني طلابي بعد 50 عامً

وأشار عبدالعال إلى أنه غادر اليمن عام 1989، لكنه ظل محتفظًا بذكريات قوية عن طلابه، مؤكدًا أنه لم يكن يتوقع أن تعود تلك الذكريات إلى الواجهة بعد مرور أكثر من خمسين عامًا.

وقال إن المفاجأة الكبرى كانت حين تلقى اتصالًا هاتفيًا غير متوقع من بعض طلابه القدامى، الذين نجحوا في الوصول إليه بعد سنوات طويلة، عن طريق عامل سعودي أوصلهم بزميل لي كان في البعثة مازالت على تواصل مع،ه مضيفًا: “فوجئت بأنهم ما زالوا يتذكرونني، وأصروا على زيارتي مهما كانت المسافات بعيدة”.

وأكد أن اللقاء كان مؤثرًا إلى حد كبير، خاصة بعدما اكتشف أن تلاميذه السابقين أصبحوا شخصيات بارزة، من بينهم قاضٍ، ورجل أعمال يعمل في الصين، وآخر يشغل منصبًا قياديًا في إحدى المحافظات.

معلم الفيزياء والكيمياء: هذه اللحظة أعظم تكريم في حياتي
 

وأضاف عبدالعال أن هذا اللقاء منحه شعورًا عميقًا بالفخر، قائلًا: “شعرت أنني قدمت شيئًا حقيقيًا للوطن العربي، وأن رسالة التعليم لا تضيع مهما مر الزمن”.

وأوضح أنه لم يتعرف على طلابه في البداية بسبب مرور السنوات، لكنه استعاد ملامحهم وذكرياته معهم بعد ساعات من الحديث.

واختتم عبدالعال تصريحاته بالتأكيد على أن هذا الموقف يجسد قيمة الوفاء، قائلًا: “لا يوجد وفاء أعظم من أن يتذكر طلابك معلمهم بعد كل هذه السنوات، ويعترفون بفضله عليهم، فهذا هو أعظم إنجاز يمكن أن يحققه أي معلم”.


 

طباعة شارك طلاب يمنيين معلم سوهاج زيارة طلاب اليمن طلاب من اليمن بعثة تعليمية

مقالات مشابهة

  • رغم مرور 50 عاما.. طلاب يمنيون يفاجئون معلمهم المصري
  • حشود جماهيرية واسعة.. آخر تطورات الأوضاع في السودان
  • رئيس وزراء العراق: نجحنا في تجنيب البلاد تداعيات الصراعات بالمنطقة
  • قتلى بقصف لقوات الدعم السريع وتحرك جديد للجنائية الدولية بشأن دارفور
  • محكمة روسية تعاقب كريم خان وقضاة في الجنائية الدولية
  • معكم حكومة بريطانيا.. المكالمة التي تلقتها الجنائية الدولية بشأن نتنياهو
  • مدعي الجنائية الدولية: بريطانيا هددت بقطع التمويل لمنع توقيف نتنياهو
  • المدعي العام للجنائية الدولية يكشف ضغوطا بريطانية لوقف ملاحقة نتنياهو
  • روسيا تصدر أحكاماً بالسجن بحق «المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية»!
  • السجن 15 عاما لكريم خان.. القضاء الروسي يصدر أحكاما بحق المدعي العام للجنائية الدولية وقضاتها